في الرابع والعشرين من شهر رمضان من عام 20هـ، شرع المسلمون تحت قيادة عمرو بن العاص في بناء أول مسجد للمسلمين في مصر خاصة، والقارة الإفريقيَّة عامة. وكان المؤذن الراتب في ولاية عمرو لهذا المسجد، أبا مسلم اليافعي، وكان من عادته تبخير هذا المسجد.

جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد بني في مصر وإفريقيا كلها، بُني في مدينة الفسطاط التي أسسها المسلمون في مصر بعد فتحها، وكان يُسمى أيضاً مسجد الفتح، والمسجد العتيق، وتاج الجوامع.

كانت مساحة الجامع وقت إنشائه: 50 ذراعاً في 30 ذراعاً وله ستة أبواب، وظل كذلك حتى عام 53هـ/ 672م، حيث توالت التوسُّعات؛ فزاد من مساحته مسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسُّعات بعد ذلك على يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معمارية، وهو الآن 120 متراً في 110 أمتار.

جاء في كتاب (حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي: 1/133): وقال ابن فضل الله في المسالك: مسجد عمرو بن العاص مسجد عظيم بمدينة الفسطاط، بناه عمرو موضع فسطاطه وما جاوره، وموضع فسطاطه حيث المحراب والمنبر، وهو مسجد فسيح الأرجاء، مفروش بالرخام الأبيض، وعمده كلها رخام، ووقف عليه ثمانون من الصحابة، وصلوا فيه، ولا يخلو من سكنى الصلحاء.

أول مدرسة دينية بمصر

كان مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، أول مدرسة دينية في مصر، ولم يكن يدرس به إذ ذاك إلّا علم اللغة والدين؛ من قرآن وحديث.

ولم يكن جامع عمرو لأداء الفرائض به فقط، بل كان جامعة تعقد فيها حلقات العلم التى كان يلقيها كبار العلماء، وبذلك يكون جامع عمرو قد سبق الأزهر بعدة قرون فى هذا المضمار. وكانت الدروس تلقى فيه تطوعاً بدون أجر. كما كان مجلساً للقضاء لفضِّ المنازعات الشرعية والمدنية، وكان به بيت المال في بعض الفترات.

مراحل البناء والتوسعات

وقد ذكر ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» أعمال الترميم والتوسعة التي أُحدثت في مسجد عمرو حتى خلافة المأمون العباسي، فقال: إن مسلمة بن مخلد الأنصاري زاد في المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له، وبنى فيه المنارة التي كتب عليها اسمه، ثم هدَم عبدالعزيز بن مروان المسجد في سنة سبع وسبعين وبناه.

وفي خلافته كتب الوليد بن عبدالملك إلى واليه على أهل مصر قرة بن شريك العبسي، فهدمه كله، وبناه هذا البناء، (أي: ما كان على عهد ابن عبد الحكم صاحب كتاب «فتوح مصر»)، وزوَّقه، وذهَّب رؤوس العُمُد التي هي في مجالس قيس، وليس في المسجد عمود مذهَّب الرأس إلا في مجالس قيس، وحوَّل قرةُ المنبرَ حين هدم المسجد إلى قيسارية العسل، فكان الناس يصلون فيها الصلوات.

ويجمعون فيها الجُمَع، حتى فرغ بنيانه، ثم زاد موسى بن عيسى الهاشمي بعد ذلك في مؤخره في سنة خمس وسبعين ومئة، ثم زاد عبدالله بن طاهر في عرضه بكتاب المأمون بالإذن له في ذلك سنة ثلاث عشرة ومئتين، وأدخل فيه دوراً أخرى.