الشهيد العميد سيف أحمد محمد بن مية العفاري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأسبق، وثاني رئيس للأركان في تاريخ الدولة، هو أحد مؤسسي قوة دفاع أبوظبي والقوات المسلحة لدولة الإمارات، نذر حياته في خدمة الوطن منذ كان مرافقاً للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال فترة حكمه للعين، وقبل أن يتولى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي.
المتعرض سيف العفاري ابن الشهيد، قال إن استشهاد والده كان في السابع والعشرين من فبراير 1976، عندما كان في طريقه مع القوات البرية إلى منطقة الحمرا بالمنطقة الغربية، للإشراف على تدريبات عسكرية للقوات المسلحة تقام هناك.
وأثناء مبيت القوات في أحد المعسكرات في الطريق إلى الحمراء، شعر بتعب وداهمته أزمة قلبية، تم نقله على إثرها إلى مستشفى زايد العسكري، والذي كان موقعه في معسكر آل نهيان في أبوظبي حينذاك، لكنه توفي قبل إنزاله من الطائرة، وتلك الأيام، كان منزل العائلة في نفس معسكر آل نهيان، مشيراً إلى أن الوالد كان قد توجه إلى لندن قبل استشهاده بشهرين للعلاج من مشكلة في القلب.
ثاني رئيس
وأضاف أن والده كان يتولى منصب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة في ذلك الوقت، وهو رئيس الأركان الثاني في القوات المسلحة، بعد الشيخ فصيل بن سلطان القاسمي رئيس الأركان الأسبق، مشيراً إلى أن والده بدأ عمله في قوة ساحل عمان بالشارقة، قبل قيام الاتحاد.
وكان برتبة ملازم، وطلبه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لمرافقته والعمل معه، ثم بدأ في تأسيس جيش أبوظبي في بداية الستينيات في المويجعي، عندما كان المغفور له الشيخ زايد حاكماً لمدينة العين، وبعد تولي الشيخ زايد الحكم في إمارة أبوظبي في عام 1966، انتقل الوالد مع الشيخ زايد رحمهما الله إلى أبوظبي، وبدأ في تأسيس جيش أبوظبي، وكان رقم والدي العسكري 12، وقد كان كذلك من المؤسسين للحرس الأميري، وكان مقره في قصر المنهل.
أوسمة وتكريم
وأوضح المتعرض، أنه بعد قيام الاتحاد، كان والده في منصب نائب رئيس الأركان، وكان الشيخ فيصل القاسمي يشغل رئاسة الأركان في ذلك الوقت، ثم تولي والده رئاسة الأركان في 16 أغسطس 1975، وظل أقل من عام في هذا المنصب قبل استشهاده في 27 فبراير 1976، وحصل والده على العديد من الأوسمة، منها وسام الخدمة في قوة دفاع أبوظبي 1966، ووسام تولي المغفور له الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي سنة 1972، ووسام الحسين بن علي - الأردن سنة 1986.
الخطأ مرفوض
ويرجع المتعرض العفاري بذاكراته إلى الوراء لنحو 40 عاماً، قائلاً: في ذلك الوقت، كنت صغيراً في العمر، ولكن لي بعض المواقف والذكريات مع والدي، رحمه الله، حيث كان يتميز بقوة العزيمة والإرادة، والحلم وسعة الصدر، وكان بحكم نشأته العسكرية، وأن الخطأ عنده مرفوض، يشعرنا بخطئنا من نظراته الصارمة والحادة، وتكفي تلك النظرات لنعرف ما ارتكبناه من خطأ، وكان لا يعاقبنا بالضرب، بل بأساليب العقاب العسكرية.
تربية حازمة
ويروي المتعرض، قصة تؤكد تلك القيم التي رباهم عليها الوالد الشهيد، أنه في عام 1973، وقد كان عمره 9 سنوات ويدرس في مدرسة أبو عبيدة العسكرية في معسكر آل نهيان حينذاك، قام أحد المدرسين بمعاقبته بالضرب على يديه، واشتكى لوالده الشهيد ما فعله به المدرس، فلم يستجيب لشكواه، فاصطحبه في سيارته العسكرية التي كانت تحمل الرقم 3، وتوجه إلى المعلم. وتابع المتعرض: كان والدي شخصية معروفة، وعندما رآه المعلم معي ارتعد خوفاً.
وأضاف: كطفل صغير والده ذو رتبة كبيرة في الجيش، كانت لدي رغبة في أن ينتقم والدي من المدرّس لأنه ضربني، لكنه فوجئ بوالده يقول للمدرس: جميع الطلبة في المدرسة أبنائي، وأعدهم للمستقبل، وكلهم عسكريون، ويحملون أرقاماً عسكرية، وعندما تعاقبهم، لا بد أن يكون العقاب عسكرياً بالزحف مثل الجنود والعسكريين، لكن حين تعاقبهم بالضرب، فإنك تهينهم وتقلل من قيمتهم، وبالتالي، يخرجون جنوداً وعسكريين مهانين، وهذا ليس مقبولاً، وأضاف أنه لم يأت من أجل الدفاع عن ابنه، بل من أجل جميع الطلاب، لأنهم جميعاً أبناؤه.
أبناء الشهيد
وقال المتعرض إنه الابن الأكبر للشهيد، وكان عمره 10 سنوات، عندما استشهد والده، وله شقيقان أصغر منه، سهيل وسالم، بالإضافة إلى 4 شقيقات: نعيمة وموزة وعائشة، وفاطمة هي أصغر شقيقاته، والتي ولدت قبل استشهاد الوالد بشهرين، وبعد أن كبرت في العمر، وبدأت تدرك وتعي، أبلغتها الوالدة، أطال الله في عمرها، باستشهاد الوالد، مشيراً إلى أن الوالدة كان لها دور كبير ومهم في تربيتهم قبل وبعد استشهاد الأب، وكانت خير مرشد ومعين له ولأشقائه، وتحدثهم دائماً عن زيارة الأرحام ومودة الناس جميعاً، وقد زرعت في نفوسهم حب الخير.
دور الوالدة
وأضاف أنه رغم مرور نحو 40 عاماً على استشهاد الوالد، وبعد أن وصلنا إلى هذا العمر، فإن الوالدة تذكّره هو وأشقاءه بمواقفه الطيبة وأخلاقه الرفيعة واحترامه وتقديره للجميع، وتحثهم عليها باستمرار، مشيراً إلى أنه يتولى حالياً شيخ قبيلة العفار، ويقوم بنفس مسؤوليات الوالد، ويسعى إلى القيام بما كان يقوم به تجاه القبيلة والآخرين.
وأشاد المتعرض بدور ومواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع جميع أبناء الوطن، خاصة أبناء الشهداء، الذين احتواهم وقدم لهم الدعم والرعاية والاهتمام بتوفير كافة احتياجاتهم.
هدية ورعاية
وأوضح أن سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أول من راسلنا وتواصل معنا، وبعد أن تولى رئاسة أركان القوات المسلحة، قدم لنا هدية عبارة عن شنطة فيها المصحف الشريف، وسجادة صلاة، ومبلغ 100 ألف درهم، ومنذ ذلك الوقت، وسموه يتواصل معنا لتلبية طلبات واحتياجات الأسرة، التي لم تقتصر علينا، بل امتدت لتشمل العائلة جميعها: الأعمام والعمات والخالات، حيث تواصلت الرعاية للجميع، ولم تقتصر على الأبناء فقط.
وقال إن رعاية صاحب السمو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، توجت بإنشاء مكتب شؤون الشهداء، الذي يتواصل مع جميع أبناء وأسر الشهداء القدامي، وشهداء عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن، ليكون خير سند لأبناء وأسر الشهداء، وكذلك إقامة نصب تذكاري لهم في أبوظبي، وإطلاق أسمائهم على المساجد في المناطق التابعين لها، ما يخلد ذكراهم في نفوس أبنائهم وعائلاتهم وجميع أبناء الوطن الغالي.