الشهداء والشهادة، قيمتان غاليتان في الدين والدنيا، لهما تاريخ كتبت كلماته بدماء زاكية طاهرة، تنير طريق الأمل والمستقبل.
ارتقى الشهيد النقيب هادف ارحمة الشامسي، إلى علياء ربه مؤديا واجبه الوطني ضمن قوات عاصفة الحزم وإعادة الأمل على أرض اليمن الشقيق، ووراء كل شهيد قصة وحكاية وتفاصيل:
ولادة
في الحادي عشر من أغسطس من العام 1984، صاح هادف من بين أروقة وممرات مشفى الواحة، معلناً قدومه لتلك الدنيا، التي لم تكن يوماً بالنسبة له إلا محطة نحو المجد والعليا والكبرياء.
اختار له والده اسم هادف تيمناً بأسماء أعيان القبيلة، ليصبح ترتيبه الخامس بين كوكبة من الأشقاء الذكور، ارحمة، وسلطان، ومحمد، وهادف، ومانع، وراشد، وحمد، وأربع شقيقات.
عاش هادف طفولة مرحة، نشطة، كان فيها فتى مقداماً، شعلة من الحيوية والنشاط بين أقرانه، فحبه للرياضة جعلها جزءًا هاماً من حياته اليومية، حتى يوم استشهاده.
تلقى هادف تعليمه الابتدائي في مدرسة الجيمي، أتم تعليمه الثانوي في مدرسة الزايدية.
وفي العام 2001 التحق في الدفعة 17 بكلية الشرطة في أبوظبي، وتخرج فيها برتبة ملازم، واستطاع خلال فترة عمله أن يحصل على ماجستير في القانون العام من جامعة الشارقة، ليعزز خبراته وكفاءاته المهنية والعلمية.
وبقرار من القيادة اختير للالتحاق بالقوات المسلحة التي تلقى فيها تدريبات خاصة، وترقى فيها إلى أن وصل إلى رتبة نقيب، كان خلالها بمثابة الرجل الشجاع المقدام الحريص على وطنه، استطاع التوازن بين حياته المهنية والشخصية، وكان محباً لأسرته، باراً بوالديه، ورزقه الله بولدين هما محمد وحمد، وبطفلة سماها مريم، لتقر بهم عيناه.
بسالة
وفي ليلة الخامس عشر من شهر أكتوبر للعام 2015، جاءت الأخبار تتري من أرض اليمن، أن شهيدا من أبناء الإمارات روى التراب بدماء طاهرة زكية، ملبيا نداء ربه، وما هي إلا ساعات من ضحى يوم السبت، حتى جاء الخبر اليقين، بأن هادف بن حميد بن ارحمة الشامسي، ابن الثلاثين ربيعاً قد ارتقى إلى ربه شهيداً.
تناقل للأسرة والأصدقاء الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن جاء رفاق السلاح بزيهم الرسمي، إلى منزل الأسرة في منطقة زاخر، حاملين معهم بشرى نيل هادف شرف الشهادة، فما كان من والده وإخوته، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، إلا أن وقفوا جميعاً يرددون: الحمد لله الذي شرفنا وأكرمنا باستشهاد ولدنا، فيما كانت والدته تقف بخشوع على سجادة صلاتها، تكبر، وتحمد الله، وقد اختلطت لديها المشاعر على فراق فلذة كبدها، وفرحها، بأن الله أكرمه وارتقى إلى وجه ربه شهيداً،
ورددت قائلة ربي مثل ما شلته من بين عيوني، شل بليس من قلبي كناية عن طرد إبليس اللعين، قبل أن يوسوس لها ويفسد عليها لحظة إيمانها بقضاء الله وقدره.
فخر
وفي خيمة العزاء، التي انتصبت في واحد من أكبر دوارات منطقة زاخر، فكان للمشهد صورة رائعة، لقد وقف ذاك الرجل السبعيني من عمره، بلحيته البيضاء، متكئاً على عصاه، ملقياً خلفه أحمال وأعباء سنين خلت، رافعاً رأسه بشموخ وكبرياء، منتصباً بقامته، ومن خلفه يقف ستة شباب أشداء، ليقول على مسمع الجميع وبصوت رخيم بيوت أكرمها الله بالشهداء، لا تقبل العزاء، لتتشابك الأيدي وتتعاضد يداً بيد، لتؤكد الوفاء والولاء للوطن وقيادته الحكيمة والرشيدة، التي أسست ذاك البنيان، الذي تحميه وتفتديه أرواح، آمنت بربها، يفديه بالأرواح الأبناء والآباء، وتسير على نهجهم الأجيال القادمة.
وكان هادف رحمه الله، شاعراً مرهفاً، يكتب الشعر بكافة أشكاله، وإن كان الشعر الوطني ميزته الأولى، تعبيراً عن حبه وولائه للوطن، فكانت كلماته وأحاسيسه، تعبر بصدق عن مكنونات مشاعره، وقد علقت آخر قصيدة كتبها قبل استشهاده في مدخل خيمة العزاء يقول في مقدمتها:
يا وطن بلغ من على الجبهات
لمن قدم عياله فدالك الوعد عز النهار
بالرجال نقيم دولة.. وبالرجال نصون الدار.