أعربت حرم صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، الشيخة هنا بنت جمعة الماجد، عن اعتزازها الكبير ببطولات وبسالة شباب الدولة في حرب اليمن وتقديرها العميق للتضحيات الكبيرة التي قدموها..
وما أظهرته أمهات الشهداء وذووهم من صبر وجلد لفقد الأبناء الذين لم تذهب أرواحهم سدى بل دفاعاً عن الوطن والمقدسات وعن دولة شقيقة أصبحت في مهب الريح لولا وقفة دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. وقالت: ليس هناك ما يقال في هذا المقام أفضل من قوله تعالى: »وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ«.
أمر القيادة
وأضافت الشيخة هنا بنت جمعة: أي قول من الممكن أن يقال لمن منحها الله هذه المكانة لتقدم شهيداً للبلاد وتحمل لقب أم الشهيد، وهذا شأن كل أم؛ قيادتنا تأمر وما علينا رجالاً ونساء إلا التنفيذ. في بيوتنا نغرس في نفوس الأبناء منذ الصغر معاني الولاء والوطنية، ونهيئهم لمثل هذا اليوم الذي شكل منعطفا في خدمة البلاد فاسترخص الشباب النفس من أجلها وهذه أعلى درجات التضحيات، ربما نشعر بها لأول مرة..
حين استشهد عدد كبير من أبنائنا. وتحدثت عن مشاركة نجلها الشيخ أحمد بن سعود قائلة: اختار ابني أحمد العسكرية، وذلك كان اختيارا ذاتيا لم نتدخل فيه، فصاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي يقول دائماً »أريد أن يكون أبنائي أنفسهم لا كما نريد«، نعم يحمل مبادئنا وما تربى عليه من قيم لكن هو من يختار، مشيرة إلى أن القائد لا يستطيع أن يدعو شعبه لأمر ولا يكون هو وأبناؤه القدوة، مؤكدة هنا على أهمية القدوة الحسنة.
4 أشقاء
وعن نفسها قالت: مثل كل أم شهيد أو أم جندي مصاب؛ أشعر بالفخر إذ استطعت أن أقدم ابنيّ سمو الشيخ محمد بن سعود القاسمي ولي عهد رأس الخيمة، وأخاه الشيخ أحمد، لقضية تؤمن بها بلادي، وها هو ابني الثالث الشيخ خالد قد تخرج من الخدمة الوطنية الدفعة الرابعة ونال السيف الذهبي وأخوه الرابع الشيخ صقر بن سعود كلهم في خدمة الوطن.
وذكرت أن سمو الشيخ محمد بن سعود القاسمي ولي عهد رأس الخيمة؛ فاجأ الأسرة ليلة سفره إلى اليمن بيده كيس فيه ملابس؛ وأخبرهم أنه منضم لإخوته الجنود، فرتبنا حقيبته؛ حتى لم يسعفنا الوقت لغسل ملابسه، أخرجناها من الأكياس ووضعناها في الحقيبة ..
ولم يكن هناك وقت لأن أضع له شيئاً من الأطعمة الخفيفة يحملها معه، بل عندما طلبت منه أن يتريث ويمهلني بعض الوقت، أجاب سآكل مع الشباب وخرج، ولم يتواصل معي طوال فترة وجوده في اليمن حتى عاد، ذهب طواعية بعد أن أنهى الخدمة الوطنية.
خبر الإصابة
وتكمل قائلة: أما أحمد فهو عسكري وبطبيعة الحال مأمور؛ وكذلك لم نكن نعرف أنه في مأرب إلا يوم الرابع من سبتمبر حين سقط عدد من الشهداء، وتوقعت أن خبر إصابته تمهيد لنبأ الشهادة، وفي حديث النفس قلت سيأتيني الخبر على مراحل. وكما سلمت ابني لرب العالمين إليه فوضت أمرنا، وحتى عندما سمعت صوته وتحدثت إليه ظننت أنه ربما لن ينجو من إصابته، وأذكر هنا عندما قلت له حمداً لله على سلامتك أجابني بل قولي »أحسن الله عزاءك في ربعك« الذي يؤكد أنهم كانوا من خيرة الناس؛ وكأن الله اختار للشهادة من هم أهل لذلك.
ربع أحمد
وتقول حرم صاحب السمو حاكم رأس الخيمة: فوجئت بعد إصابة أحمد بالقاعدة الكبيرة من رفقاء دربه الشباب؛ خاصة من سريته؛ فهم كل حياته، معهم يتواجد كل الوقت، وقبل ليلة السفر كانوا معاً عند الحلاق نفسه. وبعد عودته إلى الدولة رتبنا له علاجاً في الولايات المتحدة الأميركية، ورفض السفر دون ربعه، وبعد الانتهاء من إجراءات التأشيرات والترتيبات لحق به من رغب في العلاج في أميركا، فيما فضل آخرون ألمانيا لقرب المسافة، ولا تصدقون فرحته عندما لحقوا به، وأذكر أنه طلب مني الاقتراب، فإذا به يعانقني عناقاً حاراً.
فخر أم
ولا تتوقف الشيخة هنا بنت جمعة عن حمد الله وشكره؛ كونها جزءاً من هذا الحادث الذي ترى فيه تدابير من رب العالمين، أكرمها لتصبح جزءاً من هذا الفخر؛ وجزءاً من مداواة جروح الآخرين وتخفيف آلامهم. وتختتم: أشعر بأنه ليس هناك من يحب الإمارات أكثر مني!
قيادتنا منبع وطنيتنا وما تربينا عليه نوصله لأبنائنا
تقول الشيخة هنا بنت جمعة: أتمنى وهذه أمنية ابني كذلك ويرددها باستمرار؛ وهي رعاية أبناء الشهداء، كلهم صغار بحاجة لمن يرعاهم سنوات، ونثمن هنا قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإنشاء مكتب لرعاية شؤون أسر الشهداء يتبع ديوانه، وفي هذا أمن واستقرار لهذه الأسر.
مظلة
وقالت: حبذا لو يتم التنسيق مع مؤسسات اجتماعية وخيرية قائمة، بها من أهل الاختصاص وأهل الثقة في كل إمارة، تعمل تحت مظلة مكتب رعاية شؤون الشهداء؛ تقدم الدعم والخدمات لأبناء وأرامل الشهداء، بما يعينهم على الحياة.
وخلصت الشيخة هنا بنت جمعة الماجد في نهاية حديثها إلى أهمية أن يكون لكل شيء أساس؛ وبدونه لا يستقيم أي أمر. وأضافت: وطنيتنا تنبع من قيادتنا، وما تربينا عليه نوصله لأبنائنا وهم يوصلونه لأبنائهم.
تنشئة
وشددت على أهمية دور الأسرة في التنشئة الحسنة، مشيرة إلى أن تيارات غربية وشرقية تهب علينا، ومخاطر وأطماع تحيط بالمنطقة تستدعي أن تكون الأسرة؛ خاصة الأم متيقظة ومتنبهة لمختلف التيارات المتشددة والمتطرفة لصد المكائد التي تحاك من حولنا، وإن أمن المجتمعات من أمن الأسر، وهذه تعتمد على الأم التي بيدها الحفاظ على الأسرة، وفي المقابل فإن إهمال الأم وانشغالها عن مثل هذه المتغيرات دمار وتشتت لأفراد الأسرة.
من الحوار
قالت الشيخة هنا بنت جمعة: فوجئت منذ أيام بصاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة؛ يحتفظ في خزانته الخاصة بزجاجة فيها من تراب جزيرة طنب.
ابني محمد ليس خريج الثانوية الإنجليزية بل خريج المجتمع القبلي في رأس الخيمة، أما »أحمد« فمعارفه من الشارع أكثر من مجلس والده، وخالد أنهى دورة الخدمة الوطنية ومستعد للالتحاق بصفوف القوات في أي وقت وصقر على دربهم سائر.
أحمد لا يزال مصاباً لا يقدر على المشي، ولديه مراجعة في يناير المقبل، وأبنائي ليسوا أفضل من غيرهم.
من المواقف التي أثرت في ابني أحمد؛ تأجيله طلب أحد الجنود الخروج من المعسكر لأمر طارئ؛ إذ أرجأ طلبه إلى يوم الجمعة فاستشهد، وعند مغادرته البلاد للعلاج أوصى والده صاحب السمو الشيخ سعود بأبناء هذا الشهيد.
حين أخبروني بإصابة أحمد ظننت أنه خبر تمهيدي لأمر صعب، جلست أنظر إلى صورته وأقول لنفسي هل سأراه ثانية أم لا.. وكفى.