ثمانية وعشرون عاماً هي عمر العلاقة التي تربط الدكتور حسن عباس زكي وزير المالية المصري الأسبق بصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة. كان اللقاء الأول عام1970,عندما صدر المرسوم الأميري بتعيين الدكتور زكي مستشاراً للشيخ زايد للشؤون السياسية والاقتصادية. وبعد انتهاء فترة عمله التي قدم فيها خلاصة جهده وفكره للإمارات, لم تنقطع صلة الدكتور زكي بصاحب السمو رئيس الدولة وبالامارات, فما من مناسبة تشهدها الإمارات إلا ويكون مع إخوانه, يحتفل معهم ويفرح لنجاحاتهم, وعلى حد قوله فإن الدكتور زكي عاش للإمارات ورئيسها وشعبها, ويتحين الفرصة لزيارتها دائماًًًً. وهو في الوقت نفسه شاهد على عصر تطور الإمارات الذي أذهل المراقبين في شتى المجالات, ولا ينسى أقوالاً للشيخ زايد ما زال يرددها حتى الآن. فقبل سنوات وبينما الامارات تخطو بثبات نحو المجد, وفي زيارة قام بها سفراء ودبلوماسيو الدول الغربية لسمو رئيس الدولة في مقر إقامته في حضور د. حسن, أعرب الزوار عن سعادتهم بما تشهده البلاد من تقدم في شتى المجالات فالبنايات تنطق تحضراً. المؤسسات يتحرك فيها الإماراتيون ويعملون بأسلوب غاية في الدقة (البيئة نظيفة غير ملوثة .. الخضرة تكسو الشوارع) . استمع الشيخ زايد لتعليقاتهم بابتسامة لم تخفيها بشاشة وجهه وقال: الذي يهمني في الإمارات هو خلق المواطن الصالح وكل ما تشهده الإمارات اليوم هو ثمرة لجهود كل أبنائها .. وهدفنا في النهاية أن نسعد أبناء هذ ا البلد. كان د. حسن عباس زكي شاهداً على هذا اللقاء. ومازالت كلمات الشيخ زايد محفورة في ذاكرته رغم مرور السنين. ويسترجع الدكتور د. حسن زكي شريط الذكريات ليروي تجربته وارتباطه بمشروع الامارات الوحدوي في الامارات وطوال سنوات عمل بها لم أشعر يوماً أنني بعيداً عن بلدي أو أنني مصري سافر إلى الخارج لتقديم خبرته. بل شعرت طوال هذه السنوات بأنني بين مجموعة من الأصدقاء والأحباب. وكان الشيخ زايد بالنسبة لي أخاً وصديقاً. ولم أشعر يوماً أنه تعامل معي من منطلق أنه رئيس دولة وأنا أعمل مستشارا له. فهذا الرجل يتصف بالحكمة وبعد النظر والذكاء البدوي الطبيعي وهو دائماً في تفكيره ينظر للكليات ولا ينظر للجزئيات وهذه هي صفات القائد أول مشروع قومي. أذكر أنه في أول لقاء تم بيني وبينه في بداية السبعينات سألني ما هو أهم مشروع يمكن أن تقوم به الإمارات ويخدم كل العرب والمسلمين, وعلى الفور قلت: صندوق للتنمية .. باعتبار أن ذلك يعطي فرصة لتعاون أكبر بين البلاد العربية ويساعد على تنميتها وفي نفس الوقت يفيد الإمارات كدولة ويصعد بها إلى مصاف الدول المانحة للاعانات. ويمكن القيادات الاقتصادية الوطنية في نفس الوقت من دراسة النظم المصرفية الحديثة وفي هذه الأثناء كانت النظم المصرفية في العالم كله مازالت تقليدية. المهم في هذا اللقاء وافق الشيخ زايد على الفكرة وبدأنا الإعداد لها وخلال أسبوع واحد صدر قانون إنشاء صندوق أبوظبي للإنماء العربي. وبعد شهور قليلة كان هذا الصندوق يمارس عمله وبدأت عملية منح القروض طويلة الأجل والهبات والمنح طبقاً لطبيعة المشروعات في البلاد المختلفة. وأقول أنه خلال سنوات قليلة بلغ مجموع ما منحه صندوق الإنماء مليارات بل أن دولاً عربية ذات ثقل طلبت من الصندوق المشورة والمعاونة في دراسة المشروعات الكبرى بها وقام الصندوق بتقديم الدراسات بل والإعانات لهذه الدول. عندما بدأ الشيخ زايد تأسيس الدولة الحديثة جعل من الامارات جنة الله في الأرض. وهي الآن تجمع بين النهضة السياحية التي تنافس أكبر البلاد السياحية في العالم وإن كانت أبوظبي لم تستثمر هذا المرفق كما يجب ولم تدعو له لأنها ليست في حاجة إلى أموال الآن لأن الله حباها بثروات طبيعية وبشرية ضخمة. هذا عن السياحة فما بالنا بالقطاعات الأخرى. واستطيع هنا أن أؤكد أن صاحب السمو الشيخ زايد صاحب نظرية الاستثمار في القوى البشرية فهو يرى أن تربية الأفراد ثقافياً ودينياً وسياسياً هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية الشاملة. انظر إلى ما تقدمه وزارة التربية والتعليم في الامارات؛ وحجم الدعم المممنوح للراغبين في السفر للخارج من أجل العلم. ومقدار العائد من هذه البعثات التي يوليها رئيس الدولة نفسه كل اهتمام ورعاية. في الامارات لا يوجد إنسان قدم طلباً لإستكمال دراسته بالخارج وقوبل بالرفض ولا مؤسسة علمية طلبت دعماً وتأخرت الدولة في تقديم كل ما تحتاجه. هناك خطة محكمة لبناء دولة حديثة أساسها العلم وتنمية الفرد. في الامارات جامعات كندية وأمريكية وفرنسية وانجليزية وكل هذه الجامعات تمنح شهادات لا تقل عن الشهادات التي تمنحها في بلادها. ويتواكب ذلك مع تخطيط دائم ومستمر داخلياً. فالامارات الآن تحولت وخلال العقدين الماضيين من أرض صحراوية إلى جنة تكسوها الخضرة طوال أيام السنة. هي بلد بلا أزمات. كل الإمارات العربية تسير في خطوط متوازية نحو التنمية الشاملة. (سنغافورة العرب) . أما إذا تحدثنا عن مستقبلها الإقتصادي فهي بحق سنغافورة العرب لديها أسواق عالمية ومناطق حرة تعد نماذج تحتذى أحواض سفن.. مطارات وبنوك.. شركات عملاقة.. ومؤهلات تدخلها الى القرن الحادي والعشرين. كل ذلك بسواعد وطنية وقيادة حكيمة يقدمها هذا الرجل الذي يعمل فقط من أجل سعادة شعبه وراحة أمته. وأنا هنا لا أريد الإسترسال فأنا أعتبر نفسي واحداً من هؤلاء وأرى في هذا الرجل نموذجاً للقائد العربي المسلم, وقد انعكس الإخلاص والتفاني على علاقات الإمارات الخارجية فهي دولة بلا أعداء وعلاقاتها طيبة بكل دول العالم والشيخ زايد يحمي هذه العلاقة وينميها فهو يقول الحق دائماً مهما كان أثره. ويتذكر د. حسن عباس زكي أنه التقى الشيخ زايد أثناء حرب اكتوبر عام 1973 ودار حديث حول مستقبل هذا الصراع وكيفية إدارته. وخرجت الكلمات من الشيخ زايد معبرة.. قال الشيخ زايد إن البترول ليس أغلى من الدم العربي في إشارة لأهمية أن توضع كل الإمكانات العربية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. ويقول وطوال هذه السنوات كان صاحب السمو الشيخ زايد داعياً لنبذ الخلافات بين الأشقاء العرب وداعياً طوال الوقت إلى المؤتمرات العربية والتكامل في كل المجالات.