مدارس لها تاريخ ـ انطلقت كمركز اشعاع حضاري وثقافي، المدرسة القاسمية بالشارقة أول مدرسة نظامية بالامارات، من عباءتها خرجت وبنفس الاسم أول مدرسة للبنات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تقدم المدارس العلم والمعرفة فانها بذلك تصنع التاريخ الذي تنسجه شخصيات كانت ذات يوم فوق مقاعد الدراسة كي تتسلح لمعركة الحياة بعلوم العصر وفنون البشرية. وكالأفراد وحركتهم المعروفة في الازمان والعصور فان للمدارس ايضا دورها فيما تصنعه ـ رغم ثباتها الظاهري ـ في محيطها اذ تلعب دورا مؤثرا فيما وفيمن حولها يجعلها هي الاخرى صاحبة تاريخ لا ينفصل مطلقا عن تاريخ وحركة مجتمعها. حول المدارس ذات التاريخ والاثر والمكانة والدور نلتقي لنطالع تلك الملفات القديمة لـ «مدارس لها تاريخ». تعتبر امارة الشارقة من أولى الامارات التي عرفت التعليم إذ بدأ بداية القرن العشرين عام 1900 بوجود دور للتعليم كانت تعمل بنظام الكتاتيب وقد انشئت بمبادرات من بعض التجار الموسرين واستمرت تحت مسميات مختلفة مثل التيمية والتيمية المحمودية والاصلاح التيمية وبقي الحال على ذلك حتى كان عام 1953 عندما طلب حاكم الشارقة آنذاك من حكومة الكويت ارسال بعثة تعليم للشارقة لافتتاح مدرسة سميت بالمدرسة القاسمية وسارت فيها الدراسة وفقاً للنظام التعليمي الحديث وبمناهج دولة الكويت واتخذت هذه المدرسة مقراً لها لأول مرة في بيت ابن كامل في الشارقة القدمة خلف متحف الفنون حاليا. ويقول محمد دياب الموسى المستشار التربوي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ان بيت ابن كامل كان بيتاً واسعاً يحتوي عدة غرف وله ساحة واسعة في الوسط استعملت عدة غرف كفصول دراسية للطلاب. وفي عام 1954 فتح صف جديد في المدرسة للبنات وكان أول صف نظامي أيضاً للبنات في الشارقة وسبق المدارس النظامية في الدولة للبنات بحوالي خمس سنوات، وقامت دولة الكويت بتزويد هذه المدرسة التي بقيت تحمل اسم القاسمية بنين والقاسمية بنات منفصلتين عن بعضهما بسعف النخيل وقد زودتها الكويت بالمدرسين والكتب وكل المستلزمات الدراسية وبقيت مدرسة القاسمية في بيت ابن كامل حتى عام 1955 حينما تم بناء مدرسة جديدة خلف موقع البنك العربي حالياً ضمت عدة غرف كانت هي أول مبنى تشغله القاسمية التي انتقلت إليه عام 55، وبقيت المدرسة القديمة «في بيت ابن كامل» للبنات فقط وسميت مدرسة الزهراء. مساهمة قطرية ويضيف الموسى: ظلت مدرسة القاسمية على نفس حالها حتى عام 1957 عندما أضافت حكومة قطر فصلين دراسيين على نفقتها واستمرت الدراسة في القاسمية وتوسعت ومن الملاحظ والكلام مازال لمحمد دياب الموسى ان أول الخريجين من الجامعة من المواطنين كانوا من الشارقة حيث ان التعليم النظامي كان سابقا في بداياته لباقي الامارات، وفي السبعينيات بعد قيام دولة الامارات العربية المتحدة كان عدد المدرسات المواطنات في مدارس الدولة من الشارقة يمثل 75% والباقي من الامارات الأخرى علما بأن الجامعيات من هذه النسبة كن يمثلن 90%. وبعد ذلك اضافت الدولة عدة غرف دراسية لمبنى مدرسة القاسمية بحيث أصبحت تضم حوالي 20 غرفة بعد ان كانت سبع غرف فقط أضيفت إليها غرفتها بمعرفة حكومة قطر فصارت 9 غرف دراسية وبسبب التوسع في اعمار المدينة انتقلت المدرسة إلى مكان يقع خلف البلدية حاليا. ويواصل الموسى قائلا: وكانت مدرسة القاسمية هي المدرسة النظامية الوحيدة على مستوى الامارات المتصالحة كما كانت الامارات تعرف في ذلك الوقت، وقد بدأت مدرسة أخرى بنفس الاسم «القاسمية» في رأس الخيمة في عام 1955 وفي عام 1956 بدأت مدرسة نظامية أخرى في دبي باسم الأحمدية وهذه المدارس الثلاث كانت تشرف عليها حكومة الكويت، وكنت وقتها وحتى عام 1957 مشرفاً على التعليم في الشارقة وعلى مدرسة القاسمية في رأس الخيمة. المناهج الدراسية وأشار الموسى إلى ان مناهج هذه المدارس كانت تضم التربية الاسلامية واللغة العربية والرياضيات والعلوم والتربية الفنية والبدنية ومادة الاجتماعيات وفي ظل الاحتلال البريطاني للمنطقة حينذاك كانت الجغرافيا التي تدرس للطلاب في ذلك الوقت عبارة عن جغرافية البلاد العربية وتقسيماتها السياسية باختصار أما التاريخ فقد كان يتحدث عن تاريخ الكويت تحديدا خاصة وانه لم تكن هناك مناهج خاصة بالامارات إلا ان مدرسي القاسمية اجتهدوا وأعدوا مادة عن جغرافية وتاريخ الامارات وقاموا بتدريسها إلى جانب تاريخ البلاد العربية والدول الاسلامية وعهودها. وحول الدور الذي لعبته المدرسة في تلك الفترة قال الموسى ان القاسمية كانت مركزاً حضارياً بالدرجة الأولى فقد كانت نقطة اشعاع ثقافي ووطني تشارك في هموم الوطن العربي وعلى سبيل المثال فالقضية الفلسطينية كانت ملتهبة وأحداثها تنقلها محطة اذاعة صوت العرب التي كانت المحطة الاذاعية الأولى التي يتابعها أبناء المنطقة وتأتي بعدها اذاعة بريطانيا (لندن) واذاعة الشرق الأدنى من قبرص، وقد زار المدرسة عام 1956 مدير عام اذاعة الشرق الأدنى وسأل عن أي الاذاعات التي تسمع في المنطقة وأوضح له مدير المدرسة انها اذاعة صوت العرب لأنها تتحدث عن القضايا العربية بحس عربي عميق وآمال عربية وطموح عربي أيضاً. وفي عام 1956 عندما بدأ العدوان الثلاثي على مصر وعمت الاحتجاجات والمظاهرات أرجاء الوطن العربي كان البعض يتصور أن هذه المنطقة مسحوقة ولا يمكن أن تحدث بها مظاهرات أو احتجاجات، ولكن قامت مظاهرات في الشارقة ودبي تندد بالاحتلال وتهتف بسقوط ايدن وحياة جمال عبدالناصر، وهو ما لم يعجب الانجليز خاصة ان المعسكر البريطاني يبعد خطوات عن المدرسة القاسمية، والقاعدة البريطانية كذلك ولان التوجيه كان سليما والطلاب لديهم القابلية للتعلم بشكل كبير، وحين يمر الضباط الانجليز بجوار الطلاب وهم يلعبون يتوقفون ويصرخون يسقط ايدن ويعيش عبدالناصر. ويضيف الموسى ان الموقف نفسه تكرر في المهرجان الرياضي الذي يقام في نهاية كل عام دراسي. ويحضره حكام الامارات والمعتمد البريطاني قررنا رفع الأعلام (الشارقة، الكويت، المصري، والعلم العربي) وأرسل لنا المعتمد البريطاني العلم البريطاني وأصروا على رفعه في المهرجان بحجة ان بريطانيا هي التي بنت المدرسة أولا، وتحايلنا عليهم حيث أبلغناهم ان المدرسة قررت الغاء الأعلام ورحبوا بذلك كثيرا حتى لا يرفع العلم المصري ثم عند انطلاق المهرجان خرجت كل الأعلام دون العلم البريطاني وكان موقفا وطنيا تربى عليه الطلاب في ذلك الوقت وهم من البارزين حاليا في المجتمع الاماراتي. المدرس لا يتقوقع وتأثير مدرسة القاسمية على المجتمع كان تأثيرا جيدا يعكس الاسلوب المتبع في التربية في ذلك الوقت حيث كانت الزيارات تتم الى المدرسة بشكل جيد والمدرسون لا يتقوقعون داخل المدرسة على الرغم من انهم جميعا من خارج الدولة فقد كانت علاقاتهم الاجتماعية مع الأهالي كبيرة جدا ويعرفون كل شيء عن كل تلميذ في المدرسة وكذلك مدير المدرسة، ويتصلون بأولياء الأمور على الرغم من ما واجهه النظام التعليمي الجديد (الذي يغاير نظام الكتاتيب والمطاوعة) من مشكلات كثيرة ومنها ما ألصقه به البعض من انه يتعارض مع تعلم الدين، وقد انتهجت القاسمية منهاجا تربويا لتوضيح توجهاتها ونظامها التعليمي وانه لا يتعارض مع التعليم الديني الذي تعود عليه أفراد المجتمع منذ زمن بعيد حيث دعت المدرسة أعيان المجتمع وكبار القوم لزيارة المدرسة وحضور حصص التربية الاسلامية للوقوف على ما تدرسه في هذا المجال وخرج هؤلاء الزائرون من المدرسة وهم على قناعة كاملة بأن دور المدرسة ونظامها التعليمي ومناهجها الدراسية أفضل مما كان عليه الوضع التعليمي من قبل ولذلك صار التشجيع لها كبيرا والتواصل معها أكبر الأمر الذي ساعد في تأصيل دورها الحضاري والثقافي والوطني في المجتمع، خاصة وان القاسمية كان يأتيها طلاب من امارات أخرى مثل دبي وعجمان ومن عمان كانت تستقطب القاسمية دارسين. من طلاب القاسمية ويسجل تاريخ مدرسة القاسمية ان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة كان من طلابها وكان كشافا وقائد فرقة كشفية، ومن دبي الشيخ مانع بن خليفة آل مكتوم، عبدالجليل يوسف، عبدالنبي حبيب واخوانه كلهم، وسيد جعفر مدير مستشفى دبي حاليا ومن آل الفطيم والغرير، وعبدالله بن أحمد الموسى. ومن الشارقة أيضا سمو الشيخ أحمد بن سلطان القاسمي نائب الحاكم والشيخ سعود بن سلطان القاسمي، والشيخ سالم بن سلطان القاسمي، ومن عائلة المدفع أحمد المدفع مدير غرفة التجارة والصناعة وابن عمه عمر، ومحمد الشامسي مدير المالية، عبدالعزيز المدفع، محمود خيرالله وعبدالله عمران تريم، حميد ناصر العويس وزير الكهرباء، حمد المدفع وزير الصحة، ويشغل الكثيرون من أبناء القاسمية مواقع بارزة في الدولة وهم جيل الريادة والقيادة أيضا، وهو ما يؤكد ان المدرسة كانت مركز اشعاع حضاري وثقافي خرج أجيالا بامكانيات بسيطة كما انها كانت حاضرة بأبنائها ومعلميها وإدارتها في كل المناسبات العلمية والوطنية وبمؤازرة من أولياء الأمور. مشاعل ومنارات ويقول محمد دياب الموسى ان القاسمية تعني له الكثير من المعاني خاصة بعد رحلته التربوية الطويلة ما بين فلسطين والكويت والامارات وأول هذه المعاني: انني وجدت نفسي في القاسمية حيث الأرض الخصبة التي عملت بها فأعطت ثمرا طيبا وما أراه اليوم من حولي وفي حياتي العملية هو من ثمار القاسمية ولذلك فأنا أعتز بها اعتزازا كبيرا، فالقاسمية كانت منارة وأشعر دون مبالغة ان أبناءها لا يزالون يحملون تلك المشاعل المضيئة أينما كانوا في مواقعهم العملية وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي يحمل مشعل الحضارة الممتدة الى كل أرجاء الوطن والامة. فتحي عبدالكريم

Email