العلماء: الزواج من أجنبية مباح شرعاً لكن مشاكله تحتم الحد منه

أكد العلماء أن الزواج من الأجنبية وإن كان مباحا شرعا إلا أن المشاكل التي تترتب عليه تحتاج إلى الحد منه وتقنينه من جانب ولي الأمر، ودعا العلماء الشباب المقبلين على الزواج أن يكون اختيارهم للزوجة ذات الدين الذي يعصمها من الخطأ، ويزرع في وعيها العقيدة الصحيحة والآداب السامية التي ستنقلها بدورها إلى أبنائها، ومحذرين من الزواج من غير المسلمة، ولأجل ذلك حرم الإسلام الزواج من المشركات، قال تعالى: (ولا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حتى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤمِنةٌ خَيْرٌ مِن مُشرِكَةٍ ولَو أعجَبَتكُم).

وقال العلماء إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أوصى الشباب بأن لا ينظروا إلا الجمال والمال فقط في الزوجة، بل عليهم أن ينظروا إلى دينها وتدينها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « تنكح المرأة لأربع: مالها، ودينها، وجمالها، و لحسبها ونسبها، فعليك بذات الدين».

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تتزوجوا النساء لحسنهنَّ، فعسى حسنهنَّ أن يرديهنَّ، ولا تتزوجوهنَّ لأموالهن فعسى أموالهنَّ أن تطغيهنَّ، ولكن تزوجوهنَّ على الدين ».

ومن المسائل المعنوية التي تتطلب الإشارة في هذا المقام والأخذ بنظر الاعتبار، هي مسألة النسب والحسب فإنه لا نزاع في أنَّ للنسب دوراً خطيراً في بناء شخصية الإنسان وإرساء دعائمها الأساسية.

* المصالح العامة

ويقول الدكتور سيف الجابري مدير إدارة الإفتاء والبحوث بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن الزواج كما هو معلوم حق شخصي للإنسان، والإنسان مكلف شرعا أن يختار ما يناسبه، وبما أن الزواج عقد بين اثنين تراضيا بينهما فإنه يترتب عليه أمور عدة تمس المصالح العامة والمصالح الخاصة.

ومن المصلحة الخاصة أن يختار الانسان ما يناسب ذاته وذوقه وما يريح نفسه، واما المصلحة العامة فهي ما يلحق بالآخرين، لأن الزواج له منطلقات دينية واجتماعية، فالرجل إذا تزوج من أجنبية ويقصد هنا أن تكون غير مسلمة أو كانت مسلمة من بلاد غير عربية ينظر في الحق العام في تبعية الأبناء وتربيتهم واندماجهم في المجتمع الذي ينتمون إليه.

ويتساءل الدكتور سيف الجابري بقوله :أين حقوق المجتمع في مشكلة فقدان أواصر الرحمة من خلال أبناء منفصلين عن هذا المجتمع من ناحية الأم ؟، ويضيف على الإنسان إذا أراد ان يتزوج أن يختار المصلحة لأبنائه.

ويختار الأم ذات الدين والخلق القويم، وعليه أن ينظر بعين الفاحص لتبعات هذا الزواج وإنجاب الأولاد، وعليه فإن تدخل ولي الأمر لوضع حد لما يحدث من مشاكل اجتماعية وإفرازات تؤثر على المجتمع من جراء الزواج من الأجنبيات أو زواج المواطنات من أجانب.

وهذا التدخل المطلوب لمصلحة المجتمع والمواطن وليست ضده، وعلى المقبلين على الزواج أن يعيدوا النظر في اختيار المناسب لأسرتهم ولأولادهم حتى يستمر الزواج ويحفظ الأولاد، وكما يقولون إذا أردت الولد فابحث له عن خال.

حيث إنَّ كثيراً من الصفات المعنوية والجسدية يرثها الإنسان عن آبائه وأخواله وأجداده وهي تتحكم في رسم معالم شخصيته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تخيّروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ ».

* الولاء والانتماء

ويرى الشيخ أحمد إسماعيل الواعظ بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري أن المآسي التي تترتب على الزواج من أجنبيات على المجتمع الإسلامي قاسية وخاصة على الأجيال التي يجب أن تبنى بناء إسلاميا قويما.

إضافة إلى ذلك الحرص على غرس الولاء والانتماء للوطن، وعلى المسلم الراغب في الزواج من أجنبية أن ينظر إلى البلد الذي تنتمي إليه تلك المرأة حتى لا يتحول من حيث لا يدري إلى إنسان ضار بوطنه ومجتمعه.

وقال: إن هذه مسؤولية كبرى لاختيار من تقوم بتربية الأولاد ،ولابد من أم تربت على قيم ومبادئ وأخلاقيات المجتمع الذي ينشأ فيه الشاب ليشعر بآلام وآمال الوطن ويعرف فضله عليه، لأن الشاب الذي تربى في أحضان أم مسلمة إماراتية أو خليجية أو عربية لها أصالتها وقدرها في العطاء ومشاركتها الهادفة والبناءة أفضل من وجود أم جيء بها من مجتمع بعيد كل البعد عن المنهج التربوي الصحيح.

وأضاف الشيخ إسماعيل أن الأبناء من الزوجات الأجنبيات يسيطر عليهم في كثير من الأحيان الانطواء وينظرون إلى أنفسهم نظرة بعيدة عما يريده المجتمع الإسلامي في تربية الأبناء، وأشار إلى أنه لا ضرر ولا ضرار، فإذا كان هناك ضرر يلحق بالمجتمع سواء برجاله أو نسائه فإن هذه تكون مسؤولية ولي الأمر لمنع هذا الضرر.

* الكفاءة الاجتماعية

من جانبه قال الشيخ عبد العليم أبو ليلة كبير الوعاظ بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديثه الشريف «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» ويعني ذلك أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وهنا فإن الزواج له شروط كثيرة ينبغي للرجل وللمرأة الالتزام بها.

ومنها الكفاءة الاجتماعية والدين والخلق، وإذا فقد أحد الشروط فإن الزواج يمكن أن يفشل ربما بالطلاق أو الهجران أو الفشل في تربية الأولاد التربية السليمة، والإسلام لا يفرق بين امرأة وأخرى إلا بالدين والخلق، وأكد ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع...

وذكر أهمها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، والإسلام دين تواصل وتعارف .كما قال الله عز وجل « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فإذا توفرت الزوجة المتدينة ذات الخلق سواء كانت عربية أم غير عربية فجائز الزواج منها إلا إذا كان هناك من الظروف الاجتماعية ما يمنع ذلك الزواج أو يقننه.

وقال إن الرسول تزوج من الكتابيات لضرورة، فقد تزوج صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث التي أسلمت وأسلم جميع قومها، ولم يتزوج أحد من الصحابة بعده يهودية أو نصرانية.

وقد أجاز الشرع الحنيف الزواج من الأجنبيات من أهل الكتاب ،أي اليهوديات والنصرانيات، وإن كان هذا الزواج مشروطا عدة شروط يجب الالتزام بها أولها أن تكون هذه المرأة من الملتزمات دينيا وخلقيا بحيث يأمن الرجل على بيته وعرضه وعلى أبنائه مستقبلا بألا يتعرضوا لما يفسد عليهم دينهم وتربيتهم.

* منع الجائز

ويقول الدكتور محمد عبد الرب النظاري عضو هيئة كبار العلماء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن ولي الأمر له أن يمنع الجائز والمكروه لاعتبارات عدة وذلك للمصلحة العامة للمجتمع، كما أن هناك من الظروف والأسباب الخاصة التي تستدعي الزواج من أجنبية، بما له من سلبيات وايجابيات.

والإشكالية هنا في التعميم المطلق للأشياء وليست هناك أحكام مطلقة، وإذا قام ولي الأمر بحكم فقد رفع الخلاف بين العلماء وأقر المصلحة العامة في مثل هذه المسائل الخلافية.

وهناك العديد من النماذج التي حدثت ومنها ما قام به الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منع الزكاة عن المؤلفة قلوبهم و تعطيل الحدود في عام الرمادة، ومراعاة الأحكام تأتي لمراعاة النوازل، لأن الحكم أو الفتوى ينظر إليها بتجرد من العالم أما من جانب ولي الأمر فينظر إليها حسب الوقائع الموجودة.

وللدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق رأي في ذلك فيقول: الشخص المقبل على الزواج من أجنبية عليه أن يتبصر وينظر نظرة بعيدة بعض الشيء لمستقبله ومستقبل أبنائه، فإن كان الشرع أباح هذا النوع من الزواج ووضع الشروط إلا أن الفقهاء اختلفوا فيه، ومن رفضه كان ينظر إلى المصلحة العامة ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه النظرة العامة لأن عدد «العانسات» من بنات المسلمين زاد بشكل مخيف.

وكشفت إدارة رعاية حقوق الإنسان في شرطة دبي عن أن أغلب قضايا الأحداث التي وردتهم خلال الفترة الماضية مرتبطة بمشاكل عائلية ناتجة عن انفصال الأب عن زوجته الأجنبية وترك ابنائهما دون أية رعاية وانشغال الأم بحياتها الخاصة.

وقال مصدر في شرطة دبي إن حدثاً في الثامنة من العمر يخضع لجلسات علاج نفسية هو وأخته التي تصغره بعامين وذلك عندما ارتكبا العديد من السرقات خلال تواجدهما في المدرسة والتي غالبا ما تكون أطعمة وألعابا، مشيرا إلى زوجة أبيهم التي استطاعت تعذيبهم بصورة يومية أثناء انشغال الأب بحياته الخاصة وغيابه عن المنزل لفترات طويلة.

وأضاف إن والدة الطفلين من الجنسية الآسيوية قام الأب بتطليقها وإعادتها إلى موطنها تاركا طفليه في رحمة زوجته الجديدة التي لا توفر جهدا في تعذيبهم الأمر الذي أدى إلى انحراف الحدث وتعرضه إلى حالة نفسية صعبة.

أما القضية الثانية فهي لحدث تبلغ من العمر 17 عاما حيث تقوم بمواعدة الشباب والسهر والقيام بأعمال غير سوية ما استدعى إحضارها إلى المركز لمعرفة أسباب سلوكها.

وعند سؤالها تبين أن والدها مواطن مسن متزوج من امرأتين من الجنسية الآسيوية وأن عدد أخوتها من أمها وزوجة أبيها 16 شخصاً يقطنون جميعا في منزل واحد لا يسع لأفراد أسرتها، وأنها سئمت من المشاجرات اليومية بين أفراد أسرتها ما دفعها إلى الانحراف وإصرارها عليه.

تحقيق: السيد الطنطاوي وسعيد الصوافي

الأكثر مشاركة