عقبات في طريق الزواج (1 ـ 2)

عقبات في طريق الزواج (1 ـ 2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشكلات هذا الجيل الذي من الله عليه بنعم كثيرة، أنه يعاني مشكلات كثيرة منها ما يتعلق بالزواج، الذي أصبح الآن ـ بما أدخله الناس من تعقيدات في حياتهم ـ عبئاً على الظهور، يسره الله تعالى فعسره الناس، وبسطه الشرع فعقده المجتمع، ووسعه الخالق فحجره الخلق.

الزواج في نظر الإسلام قربة وشريعة، وسنة ربما وصلت الى الفريضة: شرع الله الزواج ولم يشرع في الإسلام الرهبانية، لا رهبانية في هذا الدين ليس في هذا الدين اعتزال للحياة، وانصراف عن المرأة، واعتبارها وسيلة الشيطان كما كان في أديان أخرى، حيث كان الرجل يعتبر المرأة نجساً، ويفر منها حتى لو كانت أخته أو أمه، كما كان يصنع الرهبان في أوروبا في العصور الوسطى، ليس في الإسلام هذا.

لقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج أصحابه، حتى قال من قال منهم: لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام، لتزوجت فيها حتى لا ألقى الله عزباً. الزواج فطرة، لا يستطيع الإنسان ان يعيش وحده، لما خلق الله آدم خلق له زوجة، وقال له: «اسكن أنت وزوجك الجنة» فلا معنى اذا عاش الرجل فيها بغير أنيس، بغير من يسكن إليه، ولهذا خلق الله لآدم زوجة يسكن إليها.

بل الزواج فطرة من فطر الكون كله، ليس هناك شيء، إلا وله زوج، إلا وله مكمل، سواء كان هذا في الحيوانات أم في النباتات أم حتى في الجمادات، في الكهرباء، نرى الموجب والسالب، بل في الذرة ايضا. في ظل الأسرة يوجد السكون والمودة والرحمة «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة» آية من آيات الله مثل خلق السموات والأرض، مثل الآيات الكبرى في هذا الكون، ان ينضم رجل الى إمرأة، وتنضم إمرأة الى رجل، ويتكون منهما النواة الأولى والخلية الأولى لهذا المجتمع.

ثم بعد ذلك تتسع الدائرة.. دائرة المودة ودائرة المحبة والألفة والتناصر والتعاون بالمصاهرة «هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وكان ربك قديراً». الزواج كذلك حماية للإنسان من السقوط الغريزي، ركب الله في الإنسان غريزة، هي سوط يسوقه إلى بقاء النوع، وهذه الغريزة المركبة لحكمة آلهية، لم يأت الإسلام بمصادرتها، ولم يأت الإسلام بما يستأصل الفطرة والغرائز، بل بما يهذبها ويكملها ويسمو بها.

لهذا لم يسر مع أولئك الذين حرموا أي تصريف للغريزة، واعتبروها رجساً من عمل الشيطان، ونظروا اليها نظرة استفزاز، ولم يطلق لها العنان كما فعل أولئك البهيميون، الذين يعتبرون الإنسان والحيوان شيئاً واحداً، وليس عندهم حلال ولا حرام، إنما وقف موقفاً وسطاً، فحرم السفاح وأباح النكاح، جعل هناك مصرفاً شرعياً لهذه الغريزة بالزواج، لا حرج على الإنسان ان يستمتع بهذه الغريزة في حدود ما أحل الله «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن». «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم» لا حرج على الإنسان في ذلك.

لم يضيق الشرع في هذا، بل أباح ووسع، ونادى النبي صلى الله عليه وسلم الشباب عامة، فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

الزواج أغض للبصر وأحصن للفرج:

هكذا دعا الإسلام إلى الزواج، وهكذا استجاب المسلمون الأوائل لهذه الدعوة، فيسروا وسهلوا، وكانت أمور الزواج من أسهل ما يكون ولكن الناس بعد ذلك في عصرنا خاصة، عسروا ما يسر الله، وضيقوا ما وسع الله، شددوا على أنفسهم ولم يشدد الله عليهم، حتى رأينا العزوبة عند الشبان، والعنوسة عند الفتيات، نرى شاباً بلغ الثلاثين من عمره ولم يتزوج، ونرى فتاة بلغت الثلاثين ولم تتزوج، لعلها لا تتزوج بعد ذلك، حينما يقول الناس: فاتها القطار.

لم هذا كله؟ ما الذي حدث؟ مادام هناك رجال ونساء، فتيان وفتيات فلماذا لا يتزوج هؤلاء من هؤلاء؟

رأيت في الجامعة ـ وأنا أدرس للطالبات أعداداً غفيرة من الفتيات غير متزوجات ولا ينقصهن والله الجمال، ولا ينقصن النسب، ولا ينقصهن الأدب، ولا ينقصهن الدين، ولا تنقصهن الثقافة، لماذا لا تتزوج هؤلاء الفتيات؟ ما المشكلة؟

المشكلة نحن الذين خلقناها، نرجع الى أسباب هذا فنجد الناس وضعوا عقبات كثيرة في سبيل الزواج. هناك عقبات مادية، عقبات اجتماعية، عقبات نفسية.

هناك عقبات مادية: لا يستطيع الشاب ان يتزوج إلا ان يكون الشاب صاحب مال، ومال وفير، فالشاب المتخرج الذي يقف على أول السلم، لا يستطيع ان يوفر ما يطلب منه، وما يطلب منه كثير، من الذي صنع هذا الكثير؟ الشرع لم يصنعه، انه في حاجة الى مهر يدفعه، والناس يغالون في المهور، ويتباهون بها، المفاخرة والمكاثرة، والرياء الاجتماعي الزائف، بنت فلان دفع إليها كذا، وهذه بذل لها كذا، كأن هذا أصبح مقياس القيمة للإنسان، أو الدخول في الجنة، ما قيمة هذا كله؟!

وفي الحديث الشريف «خير الصداق أيسره» «من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها». وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة يوماً فقال: «ألا لا تغلوا صداق النساء، ألا لا تغلوا صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدين، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله إمرأة من نسائه، ولا أصدق إمرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، والأوقية «أربعين درهماً».

أجل، لم يزوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته على شيء كثير، فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، تزوجت على ماذا؟ على درع قدمها إليها علي بن أبي طالب! وماذا تصنع فاطمة الزهراء بالدرع؟ هل تحارب بها؟ إنها شيء رمزي.

سعيد بن المسيب سيد التابعين وأفقههم كما يقول أحمد بن حنبل يرفض ان يزوج ابنته من ابن الخليفة، ويزوجها لأحد طلاب العلم في حلقته، قال له يا ابن أبي وداعة، ماذا عندك؟ قال: والله ما عندي إلا درهم، قال: قد زوجتك ابنتي بدرهم!

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اذا اتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» وكانوا يقولون: «اذا زوجت ابنتك فزوجها ذا دين، ان احبها أكرمها، وان أبغضها لم يظلمها» لأنه يخاف الله فيها فهو يعاشرها بمعروف أو يسرحها بإحسان، ولا ينسى الفضل فيما سبق.

هذا هو الإنسان المؤمن، هذا هو الذي ينبغي ان يحرص عليه، والذين قالوا بالكفاءة من الفقهاء، قالوا: ان العالم كفء لبنت السلطان، لأن العلم يرفع صاحبه، ويعلي من قدره، لأنه اذا وقف الأمر عند الحسب والنسب، معنى هذا اننا أصبحنا طبقات كطبقات الهنود، لا يستطيع أحد ان يرتقي من طبقة إلى طبقة والإسلام يرفض ذلك.

يستطيع الإنسان بعلمه وعمله ان يرتقي إلى أعلى الدرجات في المجتمع المسلم، وهذا ما رأيناه منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم. كان عطاء بن أبي رباح الفقيه التابعي رجلاً أسود اللون، أفطس الأنف، أعرج الرجل، قصير القامة، ولكنه جلس بجوار سليمان بن عبدالملك في الحج، يفتي الناس في المناسك، قالوا: إنما رفعه العلم.

العلم أجلسه بجوار الخلفاء:

والعلم يرفع بيتاً لا عماد له

والجهل يهدم بيت العز والشرف

ينبغي ان نعيد النظر في معاييرنا، فالمهم هو سعادة بناتنا وأبنائنا لا يجوز ان نتحجر على مقاييس قديمة، فالزمن يتغير والحياة تتطور، والأنظار تختلف، والله تعالى يقول: «وأنكحوا الأيامى منكم (أي زوجوهم) والصالحين من عبادكم وإمائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم». لابد لنا من هذه النظرة حتى لا تقف هذه المعايير أحجار عثرة في سبيل حياة سعيدة لأبنائنا وبناتنا.

هناك عوامل نفسية عند بعض الشباب، وعند بعض الفتيات أنفسهن: بعض الفتيان يضع أمام عينيه مثالاً يحلق في خياله، يرسم إمرأة مثالية يريدها زوجة له، موصوفة بكل جمال وكمال، وهذا لا يوجد في واقع الحياة. الحياة قلما نجد فيها الكمال المطلق، فإمرأة عندها الجمال، وأخرى عندها المال، وأخرى عندها النسب، أما ان يوجد فيها كل شيء، فقلما يجتمع فيها هذا.

راية خميس المحرزي

Email