عشر فوائد

خطر الذنوب والمعاصي 2ـ 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن سبب المصائب والفتن كلها هي الذنوب والمعاصي، فما حلت ديارا إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، فمن آثار وأخطار المعاصي والذنوب:

1- أنها تورث الذل والصغار، فأبى الله إلا أن يذل من عصاه، فذل المعصية في وجه كل عاص وإن كان من العظماء، ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعاً.

2- ومن آثار الذنوب أنها تزيل النعم بمختلف أنواعها وسبب لحلول النقم والمحن، فإذا كنت في نعمة فارعها بأن تستعملها في طاعة الله لا في معصية الله، قال تعالى: «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، فكم أزالت الذنوب والمعاصي حين تنتشر في الأمة من الأموال والأرزاق والأمن والعافية.

3- ان المعاصي والذنوب سبب لجميع المصائب والبلايا: قال تعالى: «ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة».

4 ومن آثار الذنوب والمعاصي أيضا أنها سبب لسوء الخاتمة، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فالعبد العاصي قد تخونه جوارحه وقلبه ولسانه عند احتضاره وقرب وفاته، في وقت أحوج ما يكون لنطق الشهادتين، ولكن هيهات أن ينطق بها من لم يعمل بها في حياته بل عمل بما يناقضها من معصية الله تعالى. يقول الله تعالى: «فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون».

5 ان المعصية تعمي القلب وتميته، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن، ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».

وقال حذيفة رضي الله عنه: «القلب هكذا مثل الكف فيذنب الذنب فينقبض منه ثم يذنب الذنب فينقبض منه حتى يختم عليه فيسمع الخير، فلا يجد له مساغاً». وقال الحسن: «الذنب على الذنب، ثم الذنب على الذنب حتى يغمر القلب فيموت». فإذا مات قلب الإنسان لم ينتفع به صاحبه. قال عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

والأحسن من هذا قول الله عز وجل: «أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ».

6 ان الذنب دين في ذمة فاعله لا بد من أدائه. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «البر لا يبلى والإثم لا ينسى». قال الفضيل بن عياض: «ما عملت ذنباً إلا وجدته في خلق زوجتي ودابتي». ونظر أحد العباد إلى صبي فتأمل محاسنه، فأتي في منامه وقيل له: لتجدن إثمها بعد أربعين سنة. وقال ابن سيرين حين ركبه الدين واغتم لذلك: «إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة».

7 ان المعاصي تضعف تعظيم الله في القلوب: قال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله، ما عصوا الله عز وجل. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال: ((إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على عهد رسول الله من الموبقات)). وقال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت. وقال وهيب بن الورد: اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك.

8- ومن عقوبات المعاصي: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير كله، وفي الصحيح: ((الحياء خير كله)). فالعاصي يكون مسرورا بما هو بلاء وعقوبة فيفرح بالمال الحرام، ويبتهج بالتمكن من الذنب، ويسر بالاستكثار من المعصية ومن كان هذا حاله، فأين هو أدبه وحياؤه من الله.

9- ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها سبب للضيق والهم والغم والحزن، وشدة القلق واضطراب النفس وتمزق الشمل وزوال أمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، قال تعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى»، وقال تعالى: «إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم». أي: في جحيم في الدنيا والآخرة، فيالها من نار قد عذب بها قلوب العاصين في هذه الدار قبل نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.

10- ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها سبب لنزول العذاب والأمراض، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: «إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان»، وفي سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال:

أقبل علينا رسول الله فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم».

فعلى المسلم ألا يقترف الذنوب، وألا يستهين بها، قالت عائشة رضي الله عنها: «أقلوا الذنوب، فإنكم لن تلقوا الله عز وجل بشيء أفضل من قلة الذنوب». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة) رواه مسلم، وقال الله عز وجل: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». وعلى العبد المؤمن أن يأخذ بأسباب المغفرة واجلها التوبة النصوح والاستغفار والاعتراف بالذنب والندم عليه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ، فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب، إلا غفر الله له) رواه الخمسة. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلاً أذنب ذنباً فقال: أي رب! أذنبت ذنباً. أو قال: عملت عملاً، فاغفر لي، فقال تبارك وتعالى: عبدي عمل ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب. قد غفرت لعبدي» متفق عليه.

عادل مباشري المرزوقي

رئيس قسم الرقابة والتوجيه بدائرة الشؤون الإسلامية بدبي

Email