قال الله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً).
وعن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال:«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ»قِيلَ:مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:«الذي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ».رواه البخاري ومسلم..ومعنى (بوائقه) أي الشيء المهلك، وهو الشر الذي يأتي بغتة.
يوضح لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مدى أهمية علاقة المسلم بجاره على الإطلاق، سواء كان الجار على دين غير الإسلام أم من المسلمين، كما أن الإيمان لا يتم ولا يكتمل إلا بمعاملة الجار معاملة حسنة وكف الأذى عنه مهما كانت ديانته وصلة قرابته.
قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لأهله وقد ذبحوا شاة: أأهديتم لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»متفق عليه.
ومن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور جيرانه من اليهود والمشركين والكفار ويسأل عنهم ويجيب دعوتهم إذا دعوه، ويحسن جوارهم ويتصدق عليهم تطوعاً.
ويهدي لهم، ويقابلهم بوجه طلق بشوش، ويحسن في الحديث معهم، ويعود مريضهم، ويسأل عن غائبهم، قال النبي عليه السلام لصاحبه أبي ذر رضي الله تعالى عنه:«يا أبا ذر، إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءها، وتعهد جيرانك».
كما أنه لا يجوز لمؤمن بالله عز وجل واليوم الآخر أن يؤذي جاره بأية طريقة، أو يناله بأي لون من ألوان الإساءة له أو لأولاده، سواء برمي القمامة عند بابه، أو نثر الماء أمام بيته أو رفع جدار ليحجب عنه النور والهواء، أو فتح النوافذ إلى بيته والتلصص منها ليكشف عورته ويهتك حرمته، أو يؤذيه برفع الصوت وبالكلام الفاحش والخروج أمامه بثياب تكشف بعضاً من العورات.
ومن يفعل مثل هذه الأمور فإن ذلك يعدّ من سوء الخلق وعدم اتباع سنة سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم واكتمال الإيمان، كما أنه يحبط ثواب الأعمال الصالحة، ويكون مذموماً مكروهاً في مجتمعه، ينتظره في الآخرة عذاب عظيم.
وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جار السوء، فعن أبي هريرة أن النبي عليه السلام كان يقول:«اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول» رواه ابن حبان في صحيحه.
ونجد أن الرسول عليه السلام قد حذر من أذى الجار بأي شكل من الأشكال، فعن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ»رواه البخاري ومسلم.
وقد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا شكا جاره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بالصبر على أذاه مراراً، إلى أن أمره بأن يطرح متاعه في الطريق.
فعن أبي هريرة قال:«جاء رجل إلى رسول الله يشكو جاره، فقال له:«اذهب فاصبر»، فأتاه مرتين أو ثلاثاً، فقال:«اذهب فاطرح متاعك في الطريق» ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه فيخبرهم خبر جاره، فجعلوا يلعنونه.فعل الله به وفعل، وبعضهم يدعو عليه، فجاء إليه جاره، فقال:ارجع، فإنك لن ترى منى شيئا تكرهه» رواه أبو داود.
ويوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم حق الجار على جاره في حديث عظيم يؤكد مدى أهمية العلاقة الخاصة بين الجيران، التي من شأنها أن تحقق الألفة والمودة والمحبة بين أفراد المجتمع على اختلاف طوائفهم ومشاربهم.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله، فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه، أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر تصدقت عليه، وإذا مرض عدته.
وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده».
أشرف محمد شبل