نفذت الجهات المختصة في دبي صباح أمس حكم الإعدام بحق المحكوم عليه نضال عيسى عبد الله، (أردني 50 عاماً)، مغتصب وقاتل الطفل عبيدة إبراهيم صدقي عبدالهادي، بحضور والد الطفل وأعمامه، فيما تغيب عن الحضور أقارب المعدوم، ووالدة الضحية التي رفضت ذلك حتى لا تستذكر تفاصيل جريمة قتل طفلها التي ما زالت تؤلمها حتى اللحظة، وحتى لا ترى القاتل.
وأكد المستشار عصام الحميدان النائب العام لدبي في تصريح بثه المكتب الإعلامي لحكومة دبي أمس:«تم تنفيذ حُكم الإعدام بعد المصادقة عليه بحق المحكوم عليه نضال عيسى عبد الله الذي أُدين بتهمة القتل العمد للطفل عبيدة إبراهيم صدقي عبدالهادي والمُقترن بجريمتي الخطف واللواط بالإكراه».
وتعود تفاصيل الواقعة لقيام المحكوم عليه بخطف الطفل عبيدة إبراهيم صدقي عبدالهادي البالغ من العمر ثمان سنوات من أمام ورشة والده في إمارة الشارقة، ومن ثم تعاطيه المشروبات الكحولية ومواقعة المجني عليه بالإكراه ثم قتله بخنقة بواسطة قطعة من القماش.
وقال مصدر لـ«البيان» إن المعدوم التزم الصمت منذ خروجه من السجن إلى حين وصوله المنطقة المخصصة لتنفيذ حكم الإعدام، ولم يطلب قبل إعدامه سوى شَربة ماء، والسماحِ من ذوي الطفل الذين رفضوا ذلك على الفور، وأصروا على عدم مسامحته على جريمته البشعة، فيما أكد عدد من المحامين، أن تنفيذ الحكم يعزز الثقة بنزاهة وعدالة القضاء الإماراتي، ويرسل رسائل واضحة لكل من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم أن مصيرهم سوف يكون مشابهاً لمصير قاتل عبيدة.
إدانة
وكانت محكمة الجنايات قضت منتصف أغسطس 2016 بإعدام نضال أبو علي، بعد إدانته بالتهم الموجهة إليه وهي الخطف والاغتصاب والقتل والتخلص من الجثة في الخلاء، مؤكدة أن المدان سليم عقلياً ويستحق هذه العقوبة مشيرة في لائحة الاتهام أنه خطف الطفل من أمام ورشة والده في إمارة الشارقة، وتوجه به إلى إمارة عجمان، وهناك تعاطى المشروبات الكحولية، ثم توجه إلى منطقة الممزر في دبي، وأوقف مركبته في أحد المواقف، وارتكب جريمة اللواط بالطفل، قبل أن يقتله عمداً مع سبق الإصرار والترصد بواسطة قطعة قماشية كان يستخدمها في تنظيف مركبته.
كما جاء في التحقيقات أن القاتل حاول في البداية خنق ضحيته بكلتا يديه حتى لاحت أمامه قطعة القماش فلفها حول رقبته وشدها باتجاهين متعاكسين لمدة 5 دقائق، وأثناء ذلك كان الطفل يحرك يديه ورجليه إلى أن انقطع نفسه بشكل نهائي وتوقف عن الحركة«.
وذكرت المحكمة في منطوق الحكم آنذاك أن المدان لا يعاني من أي أمراض عقلية أو نفسية، ومسؤول عن أفعاله وجريمته التي اقترفها، وارتكبها وهو في كامل قواه العقلية، مشدّدة على أن هذه الجريمة النكراء ترفضها النفس البشرية ولا تقبل الرحمة أو الرأفة بمرتكبها»، مشيرة إلى أن الأدلة والاعترافات أكدت نية الجاني قتل المجني عليه، وأنها مطمئنّة إلى عقيدتها وإدانتها وأدلتها التي بينتها أوراق القضية واعترافات شهود الإثبات والتقارير الفنية بجانب إقرار المدان نفسه بارتكابه الجريمة.
وأضافت المحكمة: «لقد هالنا ما ارتكبه المتهم من جرائم ترفضها النفس البشرية السوية وتنم عمّا يضمره وبالتالي لا تتوفر في حقه استعمال الرأفة» واعتبرت المحكمة «جريمة القتل العمد المقترن بخطف الطفل بقصد الاعتداء الجنسي عليه، وتعاطي المشروبات الكحولية والقيادة تحت تأثيرها، جريمةً واحدة مقترنة الأركان وتستدعي عقوبة مشددة لا رأفة فيها» .
«الامارات لحقوق الطفل»: مصلحة للمجتمع
أكد فيصل محمد الشمري، عضو ومؤسس في جمعية الامارات لحقوق الطفل، أن في تنفيذ حكم الإعدام في قاتل الطفل «عبيدة» مصلحة كبيرة للمجتمع ولأمنه، وتأكيد على نزاهة وقوة القضاء الاماراتي في تطبيقه للتشريعات والقوانين الكفيلة بحماية المجتمع بكافة اطيافه وشرائحه وتنوعه الثقافي.
وأشاد بدور السلطات المعنية بفرض العدالة وحرصها على تنفيذ العقوبات الرادعة بحق مرتكبي الجرائم وفق احكام القانون، من دون إبطاء بما يحقق راحة وطمأنينة المجتمع، ويراعي أولياء الدم، مشدداً في الوقت نفسه بأن الدولة حريصة على تطبيق مفهوم «العدالة الناجزة» الذي يؤكد أنها تطبق القانون، وتنفذ الأحكام بعدالة ونزاهة وشفافية، وتحقق سرعة التنفيذ مصلحة عامة للمجتمع، ترسخ الردع وتعزز ثقة المجتمع وأمنه وأمانه.
واعرب فيصل محمد الشمري، عن خالص تعازيه ومواساته إلى أسرة الطفل «عبيدة»، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
كما أعرب عن امله في أن يكون تحقيق العدالة سبباً لمواساتهم في فقيدهم وجبرا لخواطرهم، موضحاً بأن في تنفيذ حكم الإعدام رسالة أخرى مفادها أن أمن وسلامة واستقرار المجتمع محل اهتمام وأولوية، وأن كل من تسول له نفسه محاولة أن يعبث به سيلاقي جزاء رادعاً وسريعاً يتناسب مع جرمه.
محامون لـ« البيان »: تنفيذ الحكم رسالة رادعة
أكد عدد من المحامين أن تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل الطفل عبيدة «رسالة رادعة لكل مجرم خطير يفكر في ارتكاب مثل هذه الجرائم التي تروع الناس في أمنهم، وخاصة في ظل وجود قضاء عادل يتمتع بالنزاهة والاستقلالية في دولتنا الإمارات العربية الوطن العزيز الغالي مثنين على نزاهة القضاء في الامارات الذي بعث رسالة صارمة لكل من تسول له نفسه العبث بأمن المجتمع .
وأوضح راشد بن سويدان أن المشرع أحاط المحكوم عليه بعدة ضمانات بعد الحكم وقبل تنفيذ الحكم،» فقد قرر المشرع الإماراتي في المواد من ( 282 حتى 289) من قانون الإجراءات الجزائية، إجراءات تنفيذ الحكم وحقوق المحكوم عليه قبل التنفيذ، فقد أجازت لأقارب المحكوم عليه بالإعدام أن يقابلوه في اليوم الذي يعين لتنفيذ الحكم على أن يكون بعيداً عن محل التنفيذ، وأجازت له مقابلة واعظ أو احد رجال الدين، أما حال تنفيذها فهي تنفذ داخل المؤسسات العقابية أو في مكان آخر بناء على طلب كتابي من النائب العام يبين فيه وجوب استيفاء الإجراءات المنصوص عليها وهي تلاوة منطوق الحكم الصادر بالإعدام على المحكوم عليه في مكان التنفيذ على مسمع من الحاضرين، ويسمح له بسماع أقواله إذا رغب في ذلك، ويجري تنفيذ العقوبة بحضور أحد أعضاء النيابة العامة ومندوب وزارة الداخلية والقائم على إدارة المنشأة العقابية وطبيبها «.
وأضاف:» ومن جانب آخر فقد أجاز المشرع أيضاً لأولياء الدم حق حضور إجراءات تنفيذ عقوبة الإعدام وفقاً لنص المادة( 286) من ذات القانون، وذلك في جرائم القتل قصاصاً، كما لا يجوز تنفيذها في الأعياد الرسمية، وقوفاً على الشعائر الدينية والمناسبات السعيدة، كما أن تلك العقوبة لا تصدر إلا بناءً على ثبوت قطعي للأدلة المقدمة فيها وفقاً لما سبق بيانه والشاهد في ذلك أنها لا تصدر إلا بإجماع آراء أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم، ضماناً لحقوق المحكوم عليها وحتى تتحقق العدالة بكافة أركانها الناجزة.
إجراءات ما بعد الإعدام
وأكد المحامي علي مصبح أن جميع الإجراءات التي تم اتخاذها في قضية القاتل نضال كانت مطابقة للعدالة وسليمة في جميع الإجراءات القانونية لا سيما أن الشرطة والنيابة والمحكمة أخذت دورها القانوني في هذه القضية، «ولعل تنفيذ الأحكام وإعلانها للملأ تشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه المساس بالأمن الداخلي».
وأضاف:«بخصوص تنفيذ أحكام الإعدام وبحسب الإجراءات المتبعة في القانون في اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم ( 43 ) لسنة 1992 في شأن تنظيم المنشآت العقابية، فإن المسجون المحكوم عليه بالإعدام يودع تحت الحراسة المشددة ولا يسمح له بالاختلاط بالفئات الأخرى من المسجونين ويتم تنفيذ حكم الإعدام حسبما يرد في الحكم الصادر ». وأشار إلى انه بعد تنفيذ الحكم تسلم الجثة لأهله، فإذا لم يتقدم أحد منهم لاستلامها خلال أربع وعشرين ساعة، تقوم إدارة المنشأة العقابية بدفن الجثة مع مراعاة الشعائر الدينية المرعية.
كما أكد عبيد المازمي محامي أسرة الطفل المغدور: تنفيذ حكم الإعدام للقاتل يشكل عدداً من الرسائل الهامة للكافة، أهمها الثقة الغالية في القضاء العادل والذي يضرب دائماً بيد من حديد على أي يد عابثة بأمن واستقرار المجتمع. وكذلك رسالة ردع لكل من يفكر في التعدي على الأفراد بأي شكل من الأشكال ورسالة قصاص رادع وعادل لجبر خاطر أهل القتيل.
والد عبيدة: شكراً للإمارات بلد العدالة
أعرب إبراهيم صدقي عبدالهادي والد الطفل عبيدة، عن ارتياحه بتنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل طفله، مشیراً إلى أنه شهد وإخوته الثلاثة تنفیذ الحكم، فیما تغیبت زوجته لعدم قدرتها على استحضار تفاصیل هذه المأساة التي خیمت وما زالت على حیاتهم منذ وقوعها، كاشفاً عن رفضه الصفح عن القاتل الذي طلب ذلك قبل تنفيذ حكم القصاص فيه.
ووجه والد الطفل المغدور رسالة شكر وتقدیر إلى الإمارات، باعتبارها دولة قانون لا تضیع فیها الحقوق، لافتاً إلى تأكید كافة القیادات الشرطیة والقانونیة، منذ إلقاء القبض على القاتل بأنه سینال عقابه الذي یستحق .
وأضاف أنه منذ مقتل عبیدة لم یحلم به وأنه فوجئ بابن جیرانه یخبره برؤیته عبیدة في حلمه وهو یقف في سوبرماركت«، وعندما طلب منه العودة إلى المنزل لأن والدیه قلِقان عليه، أخبره عبیدة أنه لا يستطیع وأنه سعید بالمكان الذي یتواجد فیه، وأخذه إلى حدیقة جمیلة جداً لم یتمكن ابن الجیران من دخولها غیر أن عبیدة أبلغه إرسال تحیته وحبه لوالديه، حیث دخل الحدیقة وغاب فیها».
«الإمارات لحقوق الإنسان»: محاكمة عادلة
قال محمد الكعبي رئيس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان:«نجدد التأكيد على فظاعة الجريمة التي ارتكبها قاتل الطفل عبيدة، خصوصاً وأن هذه الجريمة ارتكبت بحق طفل بريء، وكان لها أصداء هزت الرأي العام وخلقت حالة من الرعب والفزع في نفوس الأفراد، ورغم كل ذلك لم يتعامل القضاء الإماراتي مع القضية بأسلوب رد الفعل، وإنما تعامل معها انطلاقاً من قاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولهذا سارت القضية وفق هذا المبدأ وحق المتهم بالحصول على ضمانات المحاكمة العادلة التي نؤكد في جمعية الإمارات على تحققها بالمطلق، حيث تابعنا جلسات المحاكمة كما قمنا بتاريخ 10/8/2016، بتنفيذ زيارة خاصة للجاني في سجن دبي، للتأكد من تمتعه بكافة الحقوق والضمانات المقرة بمقتضى التشريعات المحلية والمعايير الدولية التي نصت عليها الاتفاقيات التي صادقت عليها الدولة».
وأضاف لـ «البيان»: «نحن محكومون بالتشريعات العقابية والعقوبة التي تقرها لمثل هذه الجرائم، وهو ما أخذ به القضاء وطبقه، ونجدد ثقتنا المطلقة بقضائنا الإماراتي ونقدر عالياً استقلاله ونزاهته وموضوعيته».