يستعرض تقرير صادر عن القمة العالمية للحكومات بعنوان «التكنولوجيا التنظيمية في خدمة الجهات التنظيمية: إعادة هيكلة النظام لتحسين اللوائح» بالتعاون مع «اكسنتشر ريسيرتش» الشركة العالمية الرائدة في مجال الخدمات المهنية، كيف يمكن للجهات التنظيمية استخدام التقنيات الناشئة لتسهيل الإشراف على السوق ودعم أهداف السياسات.
ولخصت نتائج التقرير إلى أن ظهور «التقنيات الاندماجية» يغيّر طبيعة القطاعات ونماذج الأعمال التجارية بسرعة.
وتحفز التقنيات والمنصات الجديدة الابتكارات في المنتجات، والخدمات والقنوات، الأمر الذي يتطلب قواعد ولوائح داعمة، ويجب أن تتم موازنة هذه الحاجة للابتكار مع مصالح الجهات المحمية.
تشجيع الابتكارات
ويتعين على الجهات التنظيمية أن تنسق نظاماً لتعزيز اعتماد حلول التكنولوجيا التنظيمية بوصفها عامل تمكين لتخفيض تكلفة متطلبات الامتثال وتشجيع الابتكارات، مع ضمان ألا يتم المساس بالأهداف التنظيمية أو أن يتم تحقيقها بفعالية أكبر.
وفي هذه العملية، سيتعيّن على الجهات التنظيمية أيضاً أن تختار ما بين تكنولوجيا المصدر المفتوح مقابل التكنولوجيا المسجلة، وتلك المصاغة حسب الطلب مقابل المنتجات الجاهزة بالاستناد إلى أهدافها المحددة.
ويمكن للجهات التنظيمية على المدى الأطول أن تفحص «اللوائح كمنصة» من خلال توفير إمكانية الوصول الحر والمفتوح إلى التشريع والتنظيم، ما يسهّل على الشركات فهم القواعد والامتثال لها. وقد يؤدي ذلك إلى مجموعة من التطبيقات المبتكرة، مثل «سمارت أدفايزر»، والتي قد تكون في غاية الأهمية بالنسبة لكل من الجهات التنظيمية والشركات.
كما أن فوائد ومخاطر استخدام التكنولوجيا التنظيمية مفهومة بشكل جيد، لكن يجب أن تتم مراقبتها باستمرار باستخدام المقاييس الرئيسية لتقييم التقدم ومعالجة التحديات.
وبإمكان الجهات التنظيمية أن تتخذ نهج «خطوة بخطوة» خلافاً لما عليه الحال بالنسبة للتغيير الجذري، بهدف تطوير النظام بشكل متواصل بما يتماشى مع نطاق التكنولوجيا المتغير.
ويشير التقرير إلى أن «اللوائح كمنصة» تعتبر نهجاً شاملاً تتعاون فيه الجهات التنظيمية مع الشركات والهيئات الحكومية والمواطنين لدفع عجلة الابتكار وتحسين نتائج الامتثال، ويمكن أن تتحقق هذه المنصة من خلال الترابط السلس ما بين القدرات المتقدمة مثل التعلم الآلي والتحليلات، بهدف تسهيل عملية فهم التنظيم والعمل به من قبل الشركات والحكومة.
مراقبة
وتحتاج الجهات التنظيمية إلى مراقبة فعالية الاستثمارات وقياسها بشكل مستمر في حلول التكنولوجيا التنظيمية. ويصعب قياس بعض الفوائد مثل الفوائد المحتملة للانتقال من التحليل القائم على عينات إلى استعراض كامل للسكان.
ويتطلب هذا الأمر فهم مدى الضرر الذي منع حدوث هذا التحول، ويتطلب فهم الضرر المحتمل منذ البداية، ومع ذلك، لا يحتاج هذا الأمر إلى وقف الجهات التنظيمية لعمليات تطوير المقاييس لقياس الفوائد التي يمكن تتبعها والتي يمكن أن تبرر الاستثمار في حلول التكنولوجيا التنظيمية، أو اقتراح تصحيح للمسار.
تحديات
وتجدر الإشارة إلى أن فوائد حلول التكنولوجيا التنظيمية واضحة، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المخاطر المرتبطة بها.
ويرتبط تنفيذ حلول التكنولوجيا التنظيمية من قبل الجهات التنظيمية والمؤسسات التجارية بـ 6 تحديات:
أولاً: زيادة الغموض: وتعتبر المخاوف بشأن غموض عمليات التعمق بتعلم حلول التكنولوجيا التنظيمية، المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، الأولى من بين المخاطر، ويثير هذا الأمر تحديات متعلقة بعملية تنفيذ حلول التكنولوجيا التنظيمية التي تعتمد على استخدام البيانات التي غدت محظورة بموجب القانون.
ثانياً: خصوصية البيانات: قد لا تتوافق بعض الحلول الخاصة بالتكنولوجيا التنظيمية مع القوانين المتعلقة بخصوصية البيانات في بعض البلدان، وترتبط المسألة من بعض الجوانب مع التحدي المتمثل بغموض التكنولوجيا التنظيمية التي تمت مناقشتها سابقاً.
ثالثا: المرونة الإلكترونية: إن البنية الأساسية بالغة الأهمية لتكنولوجيا المعلومات، والتي تشمل الاعتماد المتزايد على السحابة لتشغيل تطبيقات التكنولوجيا التنظيمية، قد تتأثر بفعل الكوارث أو حتى بالهجمات الإلكترونية التي من شأنها أن تضعف قدرة الجهات التنظيمية على تحقيق النتائج بشكل مستمر، وقد تواجه الجهات التنظيمية أيضاً خطر المساس بحزم البيانات من خلال انتشار الجهات البائعة.
رابعاً: موضع المسؤولية: تفسح تطبيقات التكنولوجيا التنظيمية أيضاً المجال لطرح مسألة أسئلة سياسية عميقة حول موضع المسؤولية في بيئة من الامتثال التنظيمي وذلك عن طريق الخوارزميات، فيما يخص الأفراد والشركات أو العمليات التي تديرها هذه الخوارزميات.
وما زالت تُعتبر التكنولوجيا التنظيمية أداة لتعزيز عملية صنع القرار وبالتالي لا تزال المسؤولية تقع على عاتق الكيانات الخاضعة للوائح، إلا أن هذا الأمر قد يبدأ بالتغيّر، إذ تؤدي التكنولوجيا دوراً أكبر وتثير أسئلـة وتحديــات جديــدة.
خامسا: المخاطر المنهجية: هناك خطر يتمثل في أنه مع زيادة استخدام التكنولوجيا، وفي حال ساءت الأمور فإنها ستسوء على نطاق واسع.
سادسا: التغيير الثقافي: يحتاج الانتقال إلى «اللوائح كمنصة» إلى تحول في عقلية الجهات التنظيمية والحكومات، ويتعين على الهيئات التنظيمية التحضير لسيناريو عندما تصبح جميع القوانين واللوائح رقمية على نحو افتراضي قابلة للقراءة آلياً.
وكانت الجهات التنظيمية سابقاً تتبع منهجيتين لإصلاح العمليات التنظيمية، هما: «توجه يستند إلى المبادئ» مقابل «توجه يستند إلى القواعد».
وتركز اللوائح القائمة على المبادئ على خلاف النظام القائم على القواعد المحددة، وعلى الغاية من اللوائح وتوفر المرونة للشركات، إلا أنها تطرح في ذات الوقت ذاته العديد من التساؤلات والتحديات المتعلقة بتنفيذها.
ويمكن للجهات التنظيمية التركيز حالياً على منهجيات مدعومة بالتبصرات وقائمة على حلول التكنولوجيا التنظيمية، إلا أن إدارة مثل هذا النوع من الانتقال تتطلب منهجية مدعومة بالبيانات، مع حلول وشراكات قابلة للتوسع مع الجهات التي تسري عليها هذه اللوائح.
تطوير
4 خطوات لاعتماد حلول التقنيات المالية
اقترحت مجموعة العمل المعنية بالسياسات عبر المحيط الأطلسي في تقرير «مستقبل التكنولوجيا التنظيمية للجهات التنظيمية»، إطار عمل تتابعي مبتكراً من ثلاث خطوات للجهات التنظيمية: ابتداءً من تطوير المنظومة ومروراً بإنشاء بنية تحتية مالية رقمية وانتهاءً باعتماد قواعد وإجراءات منهج التغيير، وانطلاقاً من مناقشاتنا مع الخبراء الداخليين والخارجيين، خاصة مع «نِك كوك» الذي يقود مبادرات التكنولوجيا المالية في هيئة الإدارة المالية البريطانية، وبيتر سميث رئيس السياسات والاستراتيجيات في سلطة دبي للخدمات المالية، إضافة إلى المراجعات التي أُجريت في المواد المتوافرة في هذا المجال، توصّلنا إلى أربع خطوات رئيسية يمكن للجهات التنظيمية التي تسعى إلى اعتماد حلول التقنيات المالية اتباعها.
ويعتمد اختيار التوجّه، إلى حد كبير، على هدف الجهات التنظيمية واحتياجات السوق والبنية التحتية القائمة. ويمكن أن تساعد هذه الخطوات الجهات التنظيمية على الشروع برحلة اعتماد التكنولوجيا المالية وتحقيق الاستفادة الكاملة من إمكاناتها.وحول البدء بمشاركات مفتوحة مع أصحاب المصلحة المعنيين: يؤمن «نِك كوك» أنه يتوجّب على الجهات التنظيمية البدء بالتفاعل مع مختلف أصحاب المصلحة في البيئة التنظيمية.
حلول
ضرورة الدعم التشريعي للتكنولوجيا التنظيمية
يعتبر الدعم التشريعي للتكنولوجيا التنظيمية من قبل الحكومات أمراً مهماً لتصبح التكنولوجيا أمراً سائداً، وكمثال على ذلك، أقرّت ولاية أريزونا في الولايات المتحدة قانوناً يقضي بإلغاء أي شكوك قانونية تتعلق بتطبيق العقود الذكية واستخدام تقنيات التعاملات الرقمية «بلوك تشاين»، وتساعد الشركات الناشئة على تقديم تقنيات متطورة لتطوير حلول جديدة. وأُسّست معظم هذه الشركات من قبل أشخاص يتمتعون بخبرة معمّقة في القطاع وفهم لتحديات الامتثال التي تواجهها الشركات الكبيرة.
وتوفر شركات الاستشارات التكنولوجية المصداقية والنطاق الذي قد تفتقر إليه بعض الحلول التي تقدمها شركات متخصصة أصغر حجماً. وتشارك الجامعات بشكل نشط في مجالات البحث المتعلقة بالتكنولوجيا التنظيمية لتطوير حلول تسهّل إنشاء بيئة تنظيمية أكثر فعالية.
وتعمل الجمعيات العاملة في القطاع، مثل مجلس التكنولوجيا التنظيمية والجمعية الدولية للتكنولوجيا التنظيمية، على تعزيز جهود دعم المنظومة وتطويرها. وفيما يخص تنسيق منظومات الابتكار، فيتطلب خلق بيئة تساعد على التمكين من الجهات التنظيمية التعاون مع أصحاب المصلحة في المنظومة والاستثمار في التقنيات الرقمية.
فرصة كبيرة للحد من التكاليف وتعزيز الابتكارات
تقدّم التكنولوجيا التنظيمية فرصة كبيرة للجهات والكيانات التنظيمية لتحسين الامتثال والحد من التكاليف وتعزيز الابتكارات، ويمكن للجهات التنظيمية أن تحرر ثروة البيانات والمعلومات التي يمكن لها الوصول إليها حالياً لتكون في وضع أفضل يمكّنها من تحقيق أهداف مهمتها، الأمر الذي يعني أنه بإمكانها رصد المخاطر، وتحسين دورها الإشرافي وضمان كفاءة العمليات التجارية بشكل أفضل.
وتخوض العديد من الجهات التنظيمية حالياً مرحلة المشاركة المفتوحة، حيث تستطلع الفوائد والتحديات المحتملة التي تطرحها حلول التكنولوجيا التنظيمية.
وقد يكون من الأفضل الوصول إلى حالات استخدام داخلي صغيرة واختبار أساليب جديدة عوضاً عن التوجه نحو أحدث الحلول الفجائية، وذلك بينما تقوم بالخطوات الأولى نحو اعتماد التكنولوجيا التنظيمية. ولاختبار هذه الأساليب الجديدة، يجب عليها أن تفكر في البنية التحتية القائمة على السحابة وبرامج البيئة التنظيمية الافتراضية التي يتم تنفيذها بالتعاون مع هذا القطاع، وقد تتضمن الخطوات الأولى أتمتة العمليات، والتجارب القائمة على المعرفة والنمذجة التنبؤية لتحديد أولويات الجهد الإشرافي.
وبالاستفادة من التحليلات القائمة على كميات كبيرة من البيانات التي تمت إتاحتها بواسطة الثورات الرقمية، فإنه بإمكان الجهات التنظيمية أن تستخلص أفكاراً قابلةً للتنفيذ من خلال دراسة الأنماط والقيام بتدخلات مبكرة.
وتتمثل الخطوة التالية بالنسبة للجهات التنظيمية في التفكير باللوائح كمنصة، وهو أمر تفصلنا عنه عدة أعوام. هذا وتعد بعض العمليات التجارية سهلة الأتمتة، كما أن فوائدها واضحة، وهذا هو الحال بالنسبة للأنشطة الكبيرة مثل نظم مكافحة غسيل الأموال، واعرف عميلك، وتتطلب الأنشطة الأخرى دراسة متأنية للفوائد والمخاطر المحتملة لاستخدام التكنولوجيا.
وقد لا تكون الحالة النهائية واضحة في الوقت الراهن، ولكن تتيح أوجه التطور في التكنولوجيا الفرصة لتوفير الكثير من الوقت والجهد، والحد من التكاليف وتمكين الموظفين في الوكالات التنظيمية من الاضطلاع بأدوار جديدة تركز على ضمان النتائج النهائية، وقد يعني هذا إعادة النظر في دور الجهة التنظيمية بعدة طرق.
ووفقاً لما صرح به الفريق العامل المعني بالسياسات عبر الأطلسي في تقريره حول «مستقبل التكنولوجيا التنظيمية للجهات التنظيمية»: من شأن الابتكارات أن تغيّر بشكل جوهري طبيعة الأنشطة المالية، وستتطلب إحداث تغييرات في القواعد والعمليات المرتبطة بها، وإعادة تصوّر دور الجهة التنظيمية في سوق مالية رقمية.
ويؤدي مقدمو خدمات التكنولوجيا دوراً أشبه بالنسيج الذي يربط بين الجهات التنظيمية والجهات الخاضعة للوائح والجهات المحمية.
كما يقدمون الأدوات والمنصات اللازمة لمساعدة جميع أصحاب المصلحة المعنيين على تحقيق أهدافهم من خلال الاستفادة من التقنيات الرقمية الجديدة والناشئة، وبإمكان الجهات التنظيمية أن تعمل مع شركات التكنولوجيا لتحويل العمليات وكي تصبح مجهزة بشكل أفضل للاستجابة للابتكارات في المنتجات وتفضيلات المستهلكين، كما بإمكان الشركات الخاضعة للوائح أن تعتمد على أدوات التكنولوجيا لتحقق أهداف إدارة الامتثال والمخاطر الخاصة بها بشكل أفضل.
فاعلية
تتزايد التحديات التي تواجه الجهات التنظيمية لضمان تحقيق النتائج الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المنشودة، والحد في الوقت ذاته من التكاليف المترتبة على الشركات والمواطنين، وينتظر المواطنون حلولاً فعالة لقضايا عديدة في مختلف المجالات مثل فرص العمل والاستثمار والتلوث والأمن، إلا أن التوصل إلى هذه الحلول ليس بالسهولة المتوقعة.