فرض الله سبحانه وتعالى الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. والله تعالى لا يكتب شيئاً على عباده إلا إذا كان فيه مصلحة ومنفعة لهم، فالصوم صحة لبني البشر وله فوائد لا يمكن حصرها، وقد قال عز من قائل: (وأن تصوموا خير لكم) البقرة : 184 " ، وقال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (صوموا تصحّوا) وقال أيضاً: (عليكم بالصوم فإنه محسمة للعروق ومذهبة للأشر) وقال أمير المؤمنين الإمام علي رضي الله عنه: (الصيام أحد الصحنين).
وللصوم فوائد جمة لسلامة الإنسان وصحته حيث يقول الدكتور الكسيس كارل الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة في كتابه الشهير (الإنسان ذلك المجهول) إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس البشرية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم أحياناً.
ويقول: "قد يحدث للصائم أول الأمر الشعور بالجوع والتهيج العصبي ربما ثم يعقب ذلك شعور بالضعف غير أنه يحدث إلى جانب ذلك أمور خفية أهم بكثير منه، فإن سكر الكبد سيتحرك ويتحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد وبروتينات العضل والغدد وخلايا الكبد وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب، وإن الصوم ينظف ويبدل أنسجتنا".
نتائج عظيمة
ويؤكد ذلك أيضاً الدكتور ماك فادون وهو أحد علماء الصحة الكبار في أميركا فقد جاء في كتابه الذي ألفه عن الصوم بعد أن ظهرت له نتائج عظيمة من أثره في القضاء على الأمراض المستعصية: (إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، وتثقله ويقل نشاطه، فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وذهبت عنه ليصفو بعد ذلك صفاءً تاماً، ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد جسمه في مدة لا تزيد على عشرين يوماً بعد الإفطار ولكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل).
وفي الطب القديم كان يعد الصوم من فضائل الحياة وقد كان سقراط وأفلاطون يصومان عشرة أيام في كل بضعة شهور، وكان بعض الرهبان المسيحيين يأمرون بالصوم لعلاج كثير من الأمراض العصبية. والطبيب العربي ابن سينا كان يفرض صوم ثلاثة أسابيع في كثير من الحالات المرضية التي كانت تعرض له، وكان يعد الصوم عاملاً مهماً في علاج الجدري والزهري حتى قيل ان في وقت الحملة الفرنسية على مصر كانت المستشفيات العربية تتوصل إلى نتائج طيبة في علاج هذا المرض الأخير بالصوم.
الصوم علاج
ويجمع الأطباء على أنه الدواء لكثير من الأمراض ومنها السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم والكلسترول وغيرها من الامراض التي يكون سببها المباشر الطعام وما يحويه من سعرات حرارية ونشويات وكربوهيدرات وسكريات لا يمكن إزالتها إلا بالصوم والامتناع عن الطعام والشراب، ووفقا لإحدى الدراسات يدخل إلى جسم كل واحد منا في فترة حياته من الماء الذي يشربه فقط أكثر من مئتي كيلوغرام من المعادن والمواد السامة، وكل واحد منا يستهلك من الهواء الذي يستنشقه عدة كيلوغرامات من المواد السامة والملوثة مثل أكاسيد الكربون والرصاص والكبريت التي لا يستطيع الجسم أن يمتصها أو يستفيد منها، بل هي عبء ثقيل تجعل الإنسان يحس بالوهن والضعف وحتى الاضطراب في التفكير، بمعنى آخر هذه السموم تنعكس سلباً على جسده ونفسه، وقد تكون هي السبب الخفي الذي لا يراه الطبيب لكثير من الأمراض المزمنة.
وتقول الدراسة إن الحل الأمثل لاستئصال هذه المواد المتراكمة في خلايا الجسم هو استخدام سلاح الصوم الذي يقوم بصيانة وتنظيف هذه الخلايا بشكل فعال، وإن أفضل أنواع الصوم ما كان منتظماً. ونحن عندما نصوم لله شهراً في كل عام إنما نتبع نظاماً ميكانيكياً جيداً لتصريف مختلف أنواع السموم من أجسادنا.
كما ان في الصوم طهرا لقلوبنا وصفاء لأرواحنا، ونقاء لضمائرنا وقربا من خالقنا وبارئنا، فالصوم جامعة روحية كبرى فيها يتخلص العبد من كل ما علق به من أمراض وعلل وأسقام، وفيها يتخلق العبد بالأخلاق الكريمة والعواطف النبيلة، شعاره الحلم والعفو والصفح وكتم الغيظ، والإنفاق والبذل والعطاء الذي هو دين النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والذي هو كمال الإيمان وتمام الإسلام.
ضبط النفس
والصوم يعود الصبر ويقوي عليه، ويعلم ضبط النفس، ويوحد في النفس ملكة التقوى ويربيها فيخاف الإنسان ربه ويراقب مولاه في السر والعلن ويعمل بكتاب الله ويقتدي بسنة رسول الله، ويكون المؤمن على استعداد دائما للقاء الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: «يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». سورة البقرة الآية 18
الفوائد الاجتماعية
يعود الصوم على النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، وإيجاد عاطفة الرحمة، وتنمية روابط الألفة والمسارعة إلى الإحسان والتسابق الى الخيرات، وصون المجتمع من الشرور والمفاسد. فالصائم حين يكف نفسه من ضروريات الحياة يدرك ما يعانيه الفقير المحروم من الجوع والحرمان، وما يشعر به البائس والمحتاج من الفقر والعوز، فترق نفسه وتفيض بالحنان والعطف ويلين قلبه فيتفجر بالجود والسخاء، ولذلك فإن أفضل الصدقة صدقة رمضان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من فطر صائما على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبرائيل ليلة القدر.
وقد ورد في السنة ما يدل على أن للإنفاق في هذا الشهر فضلاً على الإنفاق في بقية الشهور، يدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود الناس في رمضان ) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان أطلق كل اسير، وأعطى كل سائل وفرج عن كل مكروب». وروي عن النبي صلى اله عليه وسلم قوله: "أن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، قالوا لمن هذه يا رسول الله، فقال: لمن طيب الكلام، واطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
وقد جعل الله رمضان وقتا لإفاضة الخير والبر على عباده أضعاف ما يفيضها في غيره، فكانت الصدقة فيه أعظم أجراً وأكثر ثوابا منها في غيره، ولذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم إي الصدقة أفضل؟ فقال: صدقة في رمضان، وفي هذا حث على الإكثار من الصدقة فيه، وتحريض على مزيد الإنفاق في أيامه ولياليه على البائسين المعوزين.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لي: يا معاذ ألا أدلك على أبواب الخير، فقلت بلى يا رسول الله فقال: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. دراسات عالمية
يقول الدكتور حسن يوسف حطيط استشاري ورئيس قسم الأنسجة في هيئة الصحة: تمحورت الدراسات الطبية العالمية التي تناولت آثار الصوم على الأجهزة والأعضاء في جسم الإنسان ودوره في الوقاية من الأمراض وفي تحسين الظروف الصحية للفرد والعائلة، حول الوظائف الأساسية والبالغة الأهمية التالية:
- توفير الطاقة وترشيدها وإعادة توزيعها.
- التخلص من السموم والفضلات.
- تحسين وظائف الجهاز الهضمي.
- تحسين عمليات الجهاز التنفسي.
- تحسين نشاطات القلب والدورة الدموية.
- تحسين وظائف الدماغ والجهاز العصبي.
- تحسين عمليات جهاز المناعة.
- خفض نسبة السكر في الدم.
- خفض ضغط الدم الانقباضي.
وأضاف: راحت تتركز الدراسات وتتوزع حول محاور تخصصية معينة لكشف ورصد دور الصوم في معالجة بعض الأمراض المزمنة أو الخطيرة و التي لها آثار سلبية ضخمة على الفرد والعائلة والمجتمع كأمراض القلب والشرايين وأمراض الكبد والجهاز الهضمي وداء السكري وأمراض الروماتيزم والسرطان.
وقد ظهرت آثار إيجابية جليّة على جبهتي الوقاية والعلاج من الأمراض عندما أجريت أبحاث ودراسات معمّقة تناولت أثر الصوم على المرضى المصابين بأمراض مزمنة مثل التهابات القولون التقرحية ومتلازمة القولون الهيّوجي وتصلب الشرايين وتجلط الدم وارتفاع ضغطه وداء الخرف وداء "الزهايمر" . د.حطيط: الصيام يحسّن أداء الأنشطة الحيوية ويجدّد حركتها
حول الفوائد الصحية للصيام يقول الدكتور حسن يوسف حطيط استشاري ورئيس قسم الأنسجة في هيئة الصحة: للصيام آثار متعددة ومتنوعة على صحة الإنسان البدنية والنفسية بشكل عام، وعلى جسمه وأجهزته وأعضائه بشكل خاص، وتتوزع مفاعيله المباشرة وغير المباشرة على كافة الصعد المتعلقة بصحة الإنسان من الوقاية من الأمراض إلى التخلص من آثارها، كما يتحكم الصيام في الكثير من الأنشطة البدنية الحيوية فيحسّن من أدائها ويرفع من مستوى فعاليتها ويجدّد حركتها.
وأضاف أن التجارب العلمية أثبتت أيضاً أن الصيام يزيد من استجابة الخلايا للأنسولين، ويزيد من فعالية مستقبلات الهرمونات كالأديبونيسيتين، مما يزيد من فرص الوقاية من داء السكري أو التخفيف من آثاره السلبية، كما أثبتت دوراً مهماً للصيام في تركيز ورفع مستويات الكولسترول الحميد أو " هـ. د. ل. " وخفض مستويات الكوليسترول الضارّ وترسبات الدهون بشكل عام، مما يساعد بشكل واضح وفعال على الوقاية من أمراض العصر:"أمراض القلب و الشرايين".
أما الدراسات التي تناولت دور الصيام في الوقاية من السرطان أو في علاجه، فلقد حازت رواجاً متصاعداً، وسلكت مسالك متعددة، ودخلت إلى الموضوع من أبواب مختلفة، فمن دخول معترك التخلص من السموم والفضلات وأهمية الصيام في تحصيل ذلك إلى دور الصيام في تقوية جهاز المناعة، ومن دراسة أثر الصيام في نشوء الأورام بشكل عام إلى دوره في تحسين نوعية العلاج الكيميائي وردّات فعل المرضى تجاهه.
وأضاف: ظهرت في المدة الأخيرة دراسات علمية جديدة تطرقت لنظريات أخرى؛ كمقاومة الخلايا لنشوء الأورام في جسم الصائم أو مقاومة الجسم نفسه للخلايا السرطانية عند الصائمين، وأجريت أبحاث مخبرية على الفئران والثدييات وعلى مجموعات من المتطوعين الصائمين وعلى مرضى السرطان أنفسهم، وقد ظهرت نتائج باهرة ونشر بعضها في بعض المجلات الطبية الأميركية والأوروبية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تدني نسبة سرطان الغدد اللمفاوية إلى مستويات قاربت "الصفر" في إحدى الدراسات الفرنسية التي تناولت دور الصيام المتقطع في الوقاية من الأورام اللمفاوية. ومن الدراسات التي لاقت أخيراً اهتماما بالغاً من الباحثين والمهتمين بدور الصيام في مقاومة الأورام دراسة تناولت دور الصيام في تدني نسبة سرطان الكبد عبر منع أنسجته التالفة من التحول إلى أنسجة سرطانية.
علاج الأمراض الجلدية
إن الصيام يفيد في علاج الأمراض الجلدية، والسبب في ذلك أنه يقلل نسبة الماء في الدم فتقل نسبته بالتالي في الجلد، مما يعمل على زيادة مناعة الجلد ومقاومة الميكروبات والأمراض المعدية الجرثومية، والتقليل من حدة الأمراض الجلدية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجسم مثل مرض الصدفية، وتخفيف أمراض الحساسية والحد من مشاكل البشرة الدهنية، ومع الصيام تقل إفرازات الأمعاء للسموم وتناقص نسبة التخمر الذي يسبب دمامل وبثوراً مستمرة.
الحماية من جلطة القلب والمخ
وأكد الكثيرون من أساتذة الأبحاث العلمية والطبية ـ وأغلبهم غير مسلمين ـ أن الصوم ينقص من الدهون في الجسم، ما يؤدي إلى نقص مادة "الكولسترول" فيه، وهي عادة تترسب على جدار الشرايين، وبزيادة معدلاتها مع زيادة الدهون في الجسم تؤدي إلى تصلب الشرايين، كما تسبب تجلط الدم في شرايين القلب والمخ.
خفض السكري
ويقوم الصيام بعملية خفض نسبة السكر في الدم إلى أدنى معدلاتها، ويتم ذلك من خلال إعطاء البنكرياس فرصة للراحة، لأن البنكرياس يفرز الأنسولين الذي يحوّل السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن في الأنسجة، وعندما يزيد الطعام عن كمية الأنسولين المفرزة يصاب البنكرياس بالإرهاق ويعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر في الدم، وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر، وللوقاية من هذا المرض أقيمت دورة للعلاج تتبع نظام حمية وتوقف عن تناول الطعام باتباع نظام الصيام لفترة تزيد على عشر ساعات، وتقل عن عشرين؛ كلٌ حسب حالته. ثم يتناول المريض وجبات خفيفة، وذلك لمدة متوالية لا تقل عن ثلاثة أسابيع، وقد حقق هذا الأسلوب في المعالجة نتائج مهمة في علاج مرض السكر، ودون الاستعانة أو استخدام أية عقاقير كيميائية.