يبقى الجهاز الهضمي المحرك الأساسي للحيوية والنشاط اليوم وفي كل يوم، فهو الذي يحفظ للجسم توازنه ورشاقته وسلامته، وهو المسؤول أيضاً عن جزء كبير من العمليات الأساسية التي يحتاجها الكائن الحي، لذلك فإن حدوث قصور في أي عملية من عملياته أو جزء من أجزائه، قد يتسبب في إرباك الأعضاء الأخرى، ويصاب الجهاز الهضمي بالعديد من الأمراض وخصوصاً في فصل الصيف، وذلك يعود إلى طبيعة مناخ الإمارات الذي يتسم بالحرارة والرطوبة، إذ تجد فيهما الفيروسات والميكروبات فرصة لزيادة نشاطها وتكاثرها. وفي الاجمال فإن غالبية أمراض الجهاز الهضمي نتاج عادات غذائية خاطئة.

إلى جانب ذلك ربما يسهم تعدد الجنسيات في زيادة أمراض الجهاز الهضمي، لا سيما تلك التي يحملها الأشخاص من البيئات التي ترعرعوا فيها وتعايشت معهم دون أن تؤثر عليهم، فسرعان ما يبرز تأثيرها على أشخاص من الجنسيات الأخرى ممن لا يمتلكون مناعة ضدها، إذ تنتقل إليهم عن طريق الطعام والاستنشاق واستخدام أغراضهم الشخصية، أما لدى الصغار، فتلك الأمراض تصل إليهم عبر الاختلاط والقبلات، ذلك بحسب ما أشار إليه الدكتور محمد الشوبري اختصاصي الجهاز الهضمي في أحد المستشفيات، وفي مركز أبحاث كلية الخليج الطبية بعجمان.

تشخيص دقيق

وأضاف إن من أكثر الأمراض التي تهاجم الجهاز الهضمي هي الميكروبات الطفيلية، ومنها (الأميبيا والطفيل الدبوسي)، إضافة إلى البكتيريا الحلزونية واللاهوائية، كما يصاب الجهاز الهضمي أيضاً نتيجة الإصابة بفيروس «الكبد أ»، وذلك بسبب سهولة نقل العدوى عن طريق هذه الأنواع، لافتاً إلى أنه في حالة ظهور أعراض الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي لا بد من سرعة استشارة الطبيب حتى لا تترك هناك مضاعفات للحالة أو السماح لها بالتوغل.

وتكمن أهمية زيارة الطبيب في أن أعراض الأمراض الهضمية متشابهة، والاعتماد على التشخيص الفردي بناء على معطيات وأعراض سابقة قد يزيد من خطورة الحالة، إذ تتمثل أعراض أمراض الجهاز الهضمي في ارتفاع درجة الحرارة والإسهال وآلام البطن وعدم القابلية للطعام، لذلك فإن التشخيص الدقيق يجنب المريض تطور الحالة وانتكاسها، بفعل تناول أدوية لا علاقة لها بأسباب المرض ربما.

مرض العصر

وأشار الشوبري إلى أن الإمساك من أكثر الأمراض الهضمية شيوعاً ويطلق عليه مرض العصر، وذلك لارتفاع أعداد المصابين به، والذي ينجم عن تناول الغذاء غير الصحي، وكثرة ساعات العمل وتراكم الضغوط النفسية، وقلة تناول السوائل وارتفاع درجات الحرارة، وأثبتت الإحصائيات في الدول المتقدمة، أن الإمساك يؤخر النمو الاقتصادي حوالي من 20-30 % من خلال غياب الموظفين وعدم ارتياحهم في بيئة العمل.

ويعرف الإمساك علمياً على أنه إخراج المريض أقل من 300 ملم يومياً من الفضلات، وقد يتعايش بعض الأشخاص مع الإمساك، ويبدو لهم الأمر طبيعياً، لكن في المقابل هناك أشخاص آخرون قد يسبب لهم مشاكل عدة، ويصيب الإمساك النساء مرتين أكثر من الرجال، ويمكن علاجه من خلال تشخيص السبب الحقيقي له.

ويسبب الإمساك مشاكل كثيرة منها الشد العصبي والغياب عن العمل، وانتفاخات وأمراض الشرج مثل البواسير، ويمكن كذلك أن يتسبب في حدوث جيوب في القولون، كما أن الإمساك قد يرافقه في بعض الأحيان تعصر شديد عند دخول دورة المياه، وهو ما يتسبب في حدوث فتق في جدار البطن، ولعلاج الإمساك لا بد من ممارسة الرياضة لأنها تساعد القولون على الحركة، وتجنب التدخين، والمأكولات التي تتسب في الإمساك أو تزيد منه، وتلك الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، إضافة إلى ضرورة تناول السوائل حتى في حالة عدم الشعور بالعطش وتشجيع الأطفال على ذلك.

شرب السوائل

ولفت الدكتور الشوبري إلى أنه يوجد في المخ حساس يرسل إشاراته إلى أعضاء الجسم عند الشعور بالعطش ونقص السوائل في الجسم، لكن نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بشكل مستمر، قد يفقد هذا الحساس وظيفته، وبالتالي لا يشعر الجسم بالعطش ما يؤدي إلى نقص حاد في السوائل، لذلك لابد من الشخص أن ينتظم في شرب السوائل، مع عدم الاعتماد على الإشارات التي يرسلها المخ، وتعويد نفسه على دخول دورات المياه في أوقات ثابتة، والتخلص من الضغوطات بحلول إيجابية، وإعطاء عملية التبرز وقتها الكافي، خصوصاً عندما يشعر الإنسان أنه لا يزال بحاجة إلى التبرز، وعدم استخدام الملينات إلا إذا نصح الطبيب بها.

نمط الحياة

 

يؤدي التغيير في نمط الحياة إلى الإصابة بالإمساك في بعض الأحيان، إذ تصاب المرأة الحامل بالإمساك نتيجة لتغيرات هرمونية أو بسبب ضغط الرحم على الأمعاء، وكثيراً ما يصاب الناس بالإمساك عند السفر، وذلك لأن روتين حياتهم ونظامهم اليومي يتعرض إلى فروقات كبيرة فيصيبه الخلل، كما أن تأخير التبرز يؤدي إلى الإمساك، إذ إنه من السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض الناس ويؤثر على سلامتهم، إضافة إلى رفضهم التبرز حينما يكونون خارج المنزل وحتى إن كانت لديهم رغبة في ذلك، ما يتسبب بشكل مباشر في حدوث إمساك وحصول بعض الاضطرابات المصاحبة.

 

التسمم الغذائي مرض صيفي

التسمم الغذائي من أكثر الأمراض الهضمية التي تنشط في فصل الصيف، نظراً لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، اللتين تسهمان في زيادة نشاط بعض الفيروسات والميكروبات، والتي تنتقل عبر الأطعمة والأغذية التي تخزن بطريقة سيئة.

ويعرف التسمم على أنه إصابة الجهاز الهضمي بسموم تنتجها بعض أنواع البكتريا منها «البروسيلا» و«الإيكولاي»، والتي تتميز بمناعتها الكبيرة ضد الحرارة واستمرارها لمدة طويلة، إذ تزداد كميتها مع الوقت وتصيب أجهزة متعددة، وتبدأ أعراض التسمم الغذائي بعد تناول الطعام الملوث بساعات إلى أيام، يصاحب ذلك شعور بالإعياء والقيء والإسهال ومغص وألم معدي، إضافة إلى فقدان الشهية ونقصها، وتعد اللحوم غير المطبوخة جيداً والألبان والبيض ومشتقات الحليب والمواد الغذائية من أكثر الأصناف المرشحة للتسمم، فالجراثيم تنمو في الأطعمة التي لم تطبخ جيداً أو التي تخزن تخزيناً سيئاً وفي درجات حرارة مرتفعة.

وقد يتحسن المصابون بالتسمم الغذائي دون الحاجة إلى زيارة الطبيب، وقد تزول الأعراض مجرد ملازمة الشخص الراحة، وتناول السوائل والأطعمة التي يسهل هضمها، لكن إذا كانت الأعراض شديدة ولم تتحسن مع مرور الوقت، فإنه من الضروري زيارة الطبيب ومعرفة الأسباب وأخذ الأدوية اللازمة، إضافة إلى تناول وجبات صغيرة ومتكررة من الطعام، وتبريد الغذاء بعد طهيه عند درجة أقل من 7ْم وذلك بحفظه في الثلاجة، أما إذا كان الطعام سيؤكل بعد فترة قصيرة، فيجب أن يترك ساخناً عند درجة أعلى من الدرجة القصوى التي تنمو عندها الميكروبات، ويمكن تبريد اللحوم والدواجن سريعاً في الثلاجة بتقطيعها إلى قطع وأجزاء صغيرة أما بالنسبة للأغذية الأخرى مثل الأرز، فيجب حفظها في الثلاجة في أوان لا يزيد عمقها على 10 سم حتى تصل البرودة إلى جميع أجزاء الطعام.

 

عدوى

الإسهال أشد خطورة من الإمساك ويتطلب علاجاً سريعاً

قال الدكتور محمد الشوبري إن الإسهال من الأمراض الهضمية الخطيرة، إذ إن الإصابة به تفقد الجسم السوائل الأساسية التي يحتاجها، وهو أشد خطورة من الإمساك، إذ يتطلب علاجاً سريعاً، ويعرف الإسهال على أنه إخراج المريض من 900 إلى 1500 ملم ويمكن أن تزيد النسبة أو تقل بناء على سن الشخص، وتبدأ بوادر الإسهال بتبرزٍ مائي رخوي لأكثر من ثلاث مرات في اليوم، يُصاحبه مغص شديد وتطبُّل في بطن «انتفاخ بالغازات» وغثيان وحاجة ملحة للتبرز.

أهم الخطوات

وترجع 90 % من أسباب الإصابة بالإسهال إلى العدوى بالميكروبات سواء كانت طفيليات أو بكتيريا أو فيروسات. وتنتقل العدوى عن طريق الطعام أو مخالطة المرضى، وفي بعض الأحيان عن طريق الاستنشاق. ومن أهم الخطوات في علاج مرضى الإسهال إعطاء المريض سوائل حتى يتم تشخيص أسبابه من قبل الطبيب للحفاظ على نسبة السوائل في الجسم، والتي تبلغ نسبتها قرابة 70%، وقد يسهم انخفاضها عن هذا المستوى في عرقلة دورة الأملاح والتغذية المستمرة، وفي حالة الإسهال الشديد فإن هذه الدورة تصاب بضرر شديد مما يؤثر على الوظائف الأساسية للجسم.

يوجد نوع آخر من الإسهال وهو الإسهال الدموي والذي يقصد به التهاب حاد في القولون، وذلك يتطلب نقلاً سريعاً إلى المستشفى والتدخل في علاجه، إضافة إلى الإسهال الذي يصاحبه قيء، ويمكن تجنب الإصابة بذلك من خلال الحرص على النظافة العامة، وتناول الأغذية من أماكن نظيفة.

وصفة طبية

وفي العادة يُشفى الشخص من الإسهال تلقائياً، لكن من المهم أن يُعوض الجسم بالسوائل التي فقدها ليحافظ على طاقته، وليتمكن من القيام بواجباته بالصورة المطلوبة، وقد يكون تناول الدواء لإيقاف الإسهال أمراً مفيداً في كثير من الحالات، لكن شريطة أن يكون ذلك عن طريق وصفة طبية دقيقة، وفي بعض الأحيان قد تسهم الوصفة التي قدمها الطبيب في زيادة الأعراض وحدة الإصابة، وفي هذه الحالة يجب مراجعة الطبيب مرة أخرى وشرح الأسباب، خصوصاً وأن أعراض أمراض الجهاز الهضمي متشابهة كما أسلفنا.

 

إسهال السفر

 

يصاب بعض المسافرين بالإسهال، وذلك نتيجة الفروقات والاختلافات التي تصادفهم ومنها: التوقيت وتغير درجات الحرارة ومواعيد النوم والطعام، ويطلق على هذا المرض (إسهال السفر)، وهو ينجم عادة إما عن طريق تناول طعام أو ماء ملوث، ويزداد حدوثه عند زيارة أماكن يكون فيها الطقس أو العادات الاجتماعية أو معايير النظافة مختلفة عن الدولة التي كان الشخص يقيم فيها، وتنتقل مسببات المرض بسهولة عن طريق الاختلاط.

 

 

نصائح

 

غسل اللحوم والخضراوات

غسل اللحوم والدواجن جيداً أثناء إعداد الطعام، يساهم في خفض عدد الميكروبات التي تتسبب في التسمم، إذ إن لحوم الحيوانات أو الأغذية الميتة، هي المصادر الأولية لتلوث أدوات المطبخ والأغذية المطهية، وللسبب ذاته يجب غسل الخضراوات جيداً لخفض حدوث الأمراض، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بنظافة وتطهير أجهزة وأدوات المطبخ بعد نهاية كل يوم وتعقيمها بالمنظفات وبالحرارة.

ولا بد كذلك غسل الأيدي قبل تناول الطعام وبعده، أو بعد لمس أي جسم ثابت أو متحرك، وذلك يقلل من نسبة الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي وانتقال العدوى بنسبة 50-70% ولا بد من تعليم الأطفال وتعويدهم على هذا الأمر.

 

مراقبة الفئات المساعدة

من أجل سلامة الجهاز الهضمي عموماً، تجنب تناول الأطعمة الخارجية والمكشوفة خصوصاً في فترة الصيف، ولا بد من الكشف الدوري على المتعاملين مع الطعام سواء في المطاعم أو الفئات المساعدة في المنزل، والتأكد من تاريخ الإنتاج والانتهاء للأغذية المعلبة، وعدم تناول الأطعمة المعلبة التي تتعرض لدرجة حرارة مرتفعة، ناهيك عن المتابعة الدورية للأطفال، وفي حالة إصابة أي طفل بأعراض معينة، يجب عزله عن الأطفال الآخرين حتى يتم تشخيص حالته، والتأكد من سلامته.

 

نظافة دورات المياه

يلزم الأم أن تتابع وتراقب تنظيف دورات المياه، وعلى الشخص عدم الوقوع في خطأ استخدام دورات مياه غير نظيفة، علاوة على متابعة الصحة العامة للأطفال والأشخاص، وتجنب استخدام مستلزمات أشخاص آخرين وأغراضهم الشخصية.

كما يجب اتباع القواعد الصحية وغسل اليدين بالماء والصابون، لاسيما بعد الخروج من المرحاض، وبعد التعامل مع الأطعمة النيئة، وقبل تحضير الطعام، وبعد لمس الحيوانات أو الأشياء الأخرى.