في العام الأول لابنتها، اقترحت عليها صديقة أن تهديها ألماسة، فصدمتها تلك القناعة، وتساءلت مع ذاتها؛ كيف تقدّم لطفلة صغيرة هدية مادية لا تدركها، وأصرت في نفسها أن تبحث عن مخرج يُرضي خيارها وبه تقنع، لاسيما وأنها من المؤمنين بتأدية دور (البحث عن الثغرات وسدها) مجتمعياً، وهنا وجدت الثغرة في النظرة المادية للأمومة، ولابد من حل وإن بدا مختلفاً عما اعتاده الآخرون، خاصة وأنها منذ البداية قد اختارت لنفسها نهجاً تربوياً فريداً في القراءة والمعرفة، يُسند طموحها الدراسي بالتخصص في مجالات نادرة.

إنها الدكتورة ريم القرق، التي أنهت بكالوريوس علوم مختبرات طبية من جامعة الشارقة، وماجستير تغذية من بريطانيا، وماجستير إدارة صحية من إيرلندا، وتدرس حالياً الدكتوراه في استراتيجيات التغذية في المملكة المتحدة؛ وهناك تقيم مؤقتاً مع أسرتها. وهي أيضاً المؤلفة القصصية المتميزة في التواصل مع جيل الصغار.. مفارقة حقيقية صنعتها القرق بحكم واقعها الدراسي «الأجنبي»، وانتمائها الأدبي العربي والوطني.

ود ووليد

لعيون ابنتها «ود»، بحثت ريم عن هدية تستحقها، ولم تجد إلا أن تقدم لها قصة طفولية فيها من الفائدة ما يكفي، بالطبع لا تريدها إنجليزية لأنها لغة سهلة الاكتساب والمعرفة، بحكم المعيشة المتقطعة في لندن.. بحثت ريم عن قصص عربية مقنعة، ولم تجد ما يحقق فضولها في الجوهر والشكل والصور الجاذبة، بسبب فقر المكتبات العربية عموماً، فأخذت على عاتقها أن تنجز الهدف ذاتياً، من وحي الشوق إلى الوطن؛ جلست وفكرت ثم أبدعت تأليفاً في قصة وطنية أسمتها «ود ووليد»، سرعان ما تحولت إلى سلسلة قصصية، وهي الأولى التي تهديها لابنتها، وتتحدث عن طفلين في اليوم الوطني يجوبان الإمارات السبع فيدركان حقائق كثيرة جميلة ومعبرة. وقد صدرت هذه السلسلة بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.

حنين وإبداع

تقول ريم القرق، إن النجاح الذي أحدثته السلسلة القصصية الأولى لها، والصدى الجميل الذي أوجدته في محيطها الأسري والاجتماعي، حفزاها لأن تواصل نهجها الكتابي الموجه للطفولة، كما أن تواجدها في بريطانيا من أجل الدراسة، دفعها لأن تنجز مزيداً من الأعمال الهادفة، لابنتها ولسواها من الصغار، لاسيما وأنها تعيش حالة من الحنين الدائم للوطن، وهو ما يحفزها نحو التعبير الصادر من الأعماق.

ود الطفلة الصغيرة، تبلغ من العمر الآن أربعة أعوام، وخلال سنواتها الماضية واكبت عدداً من القصص الطفولية الوطنية الهادفة التي أبدعتها أنامل أمها، منها «كعك العيد» التي صدرت بالتعاون مع مؤسسات حكومية وخاصة، وهي تشير إلى مناسبة اجتماعية محببة، وفي القصة تقود القرق الطفولة نحو إبراز سمات العطاء والتواصل والولاء، وهي تتحدث عن سبع كعكات شهية.

لمسات ختامية

وحالياً تضع ريم لمسات ختامية على مجموعات قصصية أخرى، منها (هدايا مريم) و(ألوان الطيف في داري)، وتصر على استكمال طموحها الفريد في التأليف القصصي.

من أجل ذلك كانت قد انخرطت في دورة للكتابة والتأليف القصصي، وبدأت تشارك في أمسيات أدبية ومعارض ثقافية، مضيفة إنها تحب القراءة كثيراً وتقرأ يومياً، ومعظم قراءاتها في اللغة الإنجليزية، بحكم مكان دراستها وتخصصاتها المختلفة، لكنها في المقابل حريصة جداً على التأليف في اللغة العربية، وهي تجيد التعامل مع مفردات لغة الضاد بثقة واقتدار، لذا يبدو واجبها مضاعفاً في تحصين أبنائها والآخرين وتزويدهم بسلاح العربية إلى جانب مهاراتهم الإنجليزية المشهودة.

ريم القرق شخصية متعددة الإنجازات الاجتماعية والأكاديمية والوطنية، عملت أستاذة في جامعة زايد، وتجري أبحاثاً صحية واجتماعية نوعية، ومن خلال ما تقدمه للطفولة وللمجتمع، فهي تجسد طموحاً في داخلها عرفته بـ «القدوة الصامتة»، أي التأثير في مجتمع الطفولة والأمومة بلغة بسيطة وألوان ورسومات، لا تخلو من توجيهات اجتماعية ووطنية وحتى صحية، بحكم تخصصها في هذا المجال تحديداً.

استراتيجيات التغذية

في الصحة والتغذية لها باع طويل، وتساندها إرادة قوية لبلوغ أهداف وطنية أخرى، وفي مجال دراستها (استراتيجيات التغذية) تسعى القرق من (لندن) إلى ترك بصمة مضيئة في مجتمع الطفولة، لاسيما المدارس، من خلال تعزيز واقع التغذية فيها، وتنويع المصادر الغذائية اللازمة لطفولة متوازنة، وتؤكد أنها تحلم بيوم تجد في كل مدرسة أو جامعة أو مؤسسة، أخصائي تغذية.

لعل لهذا الواقع الذي تريد، أن يخلّص المجتمع من هموم مرضية كثيرة، كالسكري وأمراض السمنة، أو فقر الدم وما يعانيه مجتمع الصغار من أمراض، تستنزف كثيراً من ميزانية الدولة، وفي الحقيقة نستطيع تجنب كل هذه المشكلات الصحية بحس الأمومة الصادق تجاه الأسرة والأبناء. وفي النهاية، يمكن لحياتنا أن تصبح أفضل بكثير إن التفتنا قليلاً إلى أطفالنا، إنهم أحوج ما يكون إلى التغذية الصحية والسليمة، وإلى الكلمة المعبرة والمفيدة، ومن أجل هذا فقد نذرت الدكتورة ريم القرق طموحها في تنمية الصغار قصصياً وحمايتهم صحياً.

عقل وجسد

 

تغذية العقل والجسد، هو المصطلح الذي يناسب واقع ريم القرق في مشوارها مع التأليف القصصي، وتخصصها الدراسي في «استراتيجيات التغذية»، فمن خلال المزج بين الغذاء السليم الموجه إلى الجسد، والكلمة المعبرة التي تصل إلى العين والقلب والعقل، تستطيع ريم إنجاز مهمة إنسانية سامية، في تنشئة جيل متوازن صحياً ونفسياً وعقلياً، إذ إن القراءة المبكرة كما تقول هي أساس التفوق الدراسي والتميز المهني أيضاً، ناهيك عن واجب الأمومة في الحفاظ على تغذية سليمة متكاملة لطفلها في زمن تداخلت فيه كل الظروف، ووقفت بعفوية ضد التربية والتنشئة السليمة للأجيال..

وفي غربتها؛ ومن خلال موقعها في الدراسة، تواصل ريم كتاباتها للطفل، جنباً إلى جنب مع استكمال دراستها الصحية من أجل إنجاز أكبر بكثير.