لم تستطع سطوة التطور والحداثة من ثني محمد سالم الكعبي عضو جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، عن الاهتمام بالمقتنيات القديمة، الذي بدا واضحاً انعكاس اهتماماته بحب جمع الأشياء القديمة، على منزله وتحديداً المجلس بما يضمه من آلات تصوير وهواتف وأجهزة مذياع وغيرها من الأدوات القديمة، يعود تاريخ صناعة بعضها إلى أكثر من 50 عاماً.
زيارة الكعبي في المنزل، حقاً جديرة بعرض سلسلة تاريخية متنوعة لصناعة الأجهزة الكهربائية واللاسلكية في حياتنا، إذ اجتهد منذ سنوات عدة، للحصول عليها وشرائها من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن الأدوات الأخرى التي كانت متداولة في المجتمع الإماراتي القديم، صانعاً باجتهاده الحثيث، متحفاً مصغراً يمكن وصفه بأنه أيقونة تاريخية وكلاسيكية.
لا تخلو رحلات السفر من شراء الأشياء القديمة، ومتعة السفر الحقيقية عند «أبو مروان»، تتمثل في شراء الأشياء القديمة من الأسواق الشعبية في مختلف أنحاء العالم، وقاده شغفه «الكلاسيكي» العابر للحدود، إلى التعرف على أروقة أسواق شعبية يصعب على أهل البلد نفسه الوصول أو التعرف عليها، وكثيراً ما فاجأ سائقي سيارات الأجرة في دول عربية وأجنبية، عند طلبه الذهاب إلى منطقة أو سوق للحرفيين لا يعلم مكانه سائق الأجرة نفسه، لتكون المفاجأة الأكبر قيام الكعبي بإرشاد السائق بالتفصيل إلى الموقع دون الحاجة إلى المساعدة.
كسب الرهان
استطاع الكعبي على مدى السنوات الماضية جمع الكثير من الأجهزة القديمة من مختلف دول العالم، لكن رغم ذلك يستحيل أن تجد مقتنيات قديمة مصنوعة حديثاً «المعتق»، وإنما يحرص على شراء الأشياء من الصناعة والشكل كي لا يكون اجتهاده ناقصاً، وقد أشار إلى أن بعض الأدوات يصعب معرفة تاريخ صنعها إن كان حديثاً أم لا، مثل صورة لزوج من الطاووس كانوا يضعونها في الماضي على جدار الحائط في الكثير من المنازل.
أثناء رحلات السفر، يجزم أبناء الكعبي قطعاً بأن والدهم سيشتري أدوات أو سلع قديمة، لتضاف إلى المجموعة الخاصة به في المنزل، ليكسبوا الرهان في نهاية كل رحلة عائلية يختتمها والدهم بشراء معدات وأدوات قديمة.
ضم منزل الكعبي الكثير من الأجهزة اللاسلكية ووسائل الاتصال القديمة أبرزها المذياع والهاتف وآلات التصوير باختلاف مراحل صنعها، ذلك ما جعله يكون حريصاً للغاية على حفظ المقتنيات بعيداً عن الكسر من خلال صناعة صناديق زجاجية مغلقة بإحكام بداخلها رفوف، فالمجلس يزخر بآلات كثيرة مثل جهاز لاسلكي يطلق عليه «مورس» التلغراف الذي يعيد طباعة الأحرف، ناهيك عن جهاز عرض الأفلام القديم الذي يعد أيقونة تاريخية.
مسجلات «الكاتريج»
المذياع وآلات التسجيل القديمة، جميعها متوفرة لدى الكعبي، بعضها يعود إلى ما قبل عهد الاسطوانة، وبجولة خاطفة على جميع هذه الآلات، يمكن مشاهدة مراحل التطور للمذياع والتحول العام في ما بعد إلى آلة مزدوجة تسمح بالاستماع إلى الأثير وتشغيل الشريط الكبير «الماكسيل» الخاص بسماع الأغاني وخلافها، واستخدامه عبر مسجلات «الكاتريج» التي اشتهرت بها بعض السيارات الأميركية، وتميزت بسهولة نقلها وحركتها من وإلى السيارة.
تطورت صناعة المسجلات شيئاً فشيئا، ومع هذا التطور حرص الكعبي على أن يظفر بمجموعة من المسجلات تجسد المشهد الانتقالي لها بين مختلف المراحل، بعضها أصفر اللون وأخرى يطلق عليها «جرامر» أو «جرامسون» تعمل على بطارية، إذ وصف الكعبي بعض الأنواع بأنها أحدثت طفرة في الوسط الشبابي في تلك الفترة، كونها تسمح بوضع الشريط عبر فتحة صغيرة بمجرد الكبس على الزر من الأعلى.
مذياع «ترانزستور»
أما المذياع بألوانه وأحجامه المختلفة، يمكن التعرف عليها عبر زيارة الكعبي، إذ ذكر أن المذياع تميز أثناء تطوره بالانتقال بصورة تنازلية من الأكبر إلى الأصغر حجماً، منها: مذياع «ترانزستور» صغير الحجم، وآخر يعادل حجمه التلفاز القديم رباعي الشكل، وأجهزة مذياع أخرى يعود تاريخ صنعها إلى الحرب العالمية الثانية وما قبل، ويبدو أن شراء المذياع في الستينيات كان حكراً على فئات معينة من المجتمع لها القدرة على الشراء وتزويده بالبطاريات المكلفة، فضلاً عن المقاهي التي تشتريه استقطاباً للزبائن كي يستمعوا إلى بعض القنوات الإذاعية التي تكاد تعد على اصابع اليد الواحدة مثل إذاعة الشرق الأوسط.
يعتبر المجلس بما يضمه من آلات تصوير مركزاً للمصورين كي يتعرفوا على تاريخ صناعة آلة التصوير والمراحل التي مرت بها منذ سنوات بعيدة، وأمام عدسات التصوير المتواضعة وقف مصور «البيان» مندهشاً، وظن أن آلات التصوير قد تعرف على جميعها مسبقاً في إحدى الدورات، لكن يبدو أن السلسلة المتنوعة من آلات التصوير التي يحتفظ بها الكعبي كشفت عن أنواع نادرة قلما نراها حتى في المتاحف القديمة.
من بين آلات التصوير القديمة، الصندوق الأسود القديم ذو القواعد أو ما يطلق عليه «الغرفة المظلمة المتحركة»، يتطلب من المصور إدخال رأسه أسفل الستارة الصغيرة لمشاهدة موقع التصوير، ويتميز بإغلاق العدسة سريعاً واحتوائها على صندوق فارغ من الداخل، لتبرهن آلة التصوير ذات الست شمعات بجانبها على أن الإنسان باستطاعته الابتكار والتطوير سريعاً، إذ تتميز «ذات الست شمعات» الأصغر حجماً بأنه يمكن التقاط ست صور من خلالها بواسطة «الفلاش» الضوئي.
سلسلة الهواتف الثابتة والمحمولة
حرص محمد سالم الكعبي على جمع الهواتف الثابتة والمحمولة، وحفظها بداخل طاولات شفافة تسمح للضيوف بمشاهدة تاريخ الهواتف المحمولة في دولة الإمارات وخلافها من الأجهزة القديمة المتداولة في تلك الفترة مثل «البليب» أو «البيجر» كما يطلق عليه محلياً بحجم كف اليد، وهو وسيلة لطلب الشخص في السابق ويعادل الآن بشعبيته أجهزة «الآي فون»، و«الجلاكسي» ونحو ذلك من الهواتف الذكية، وعند زيارة الكعبي في مجلسه حتماً سيسترسل الضيوف من أبناء هذا الجيل بوصف تلك الحقبة التي توارت عن الأنظار بعد الطفرة التقنية.
لكن قصة الهواتف لا تنتهي عند هذا الحد، لأن ما يحتويه المجلس أكثر من المتوقع، فولادة الهواتف المحمولة في دولة الإمارات تبناها الكعبي في مجلسه، وأضفى على المجلس نكهة «كلاسيكية» الملمس، ولعل الهواتف مرت بمراحل عدة منها هاتف الصندوق المتنقل يزن نحو الستة كيلو جرامات وما يليها من هواتف ثابتة، لكن تاريخ الهواتف المحمولة في الإمارات كان يحمل رونقاً مختلفاً نسبة إلى المسميات التي يحملها كل هاتف على حدة، منها جوال «الأنيس» و«القناص» و«الهدهد»، وغيرها من الهواتف التي تفوح منها رائحة الماضي القريب.
أدوات المنزل القديمة لم تكن بعيدة عن اهتمامات الكعبي، فالدلة القديمة تفوح منها رائحة التراث، وتتميز الدلة القديمة بقدرتها على حفظ القهوة ساخنة لساعات، ويمكن للمتفحص لها أن يدرك براعة المصنعين لها في الماضي رغم بساطة أدوات الصنع، إذ تحتوي على قطعة من الاسفنج توضع في عنق الدلة عند الانتهاء من سكب القهوة، ومن الأسفل فيها امتداد وصفه الكعبي بـ«مصران الأعور»، لأن هذا الطرف الممتد إذا تعرض للكسر تفقد الدلة قدرتها على حفظ القهوة أو الشاي بدرجة حرارتها العالية.
لا تكفي ساعة أو ساعتان لمشاهدة المقتنيات النادرة في منزل الكعبي، لأن كل قطعة غالباً ما تكون مصحوبة بقصة وتاريخ وشرح يحتاج إلى الكثير من الوقت، وتجد في كل زاوية في المنزل صورة قديمة أو قطعة نادرة مثل الساعة القديمة المعلقة على عرض الحائط.
كذلك ألعاب الأطفال، حصلت على منصة خاصة لعرضها في مجلس الكعبي، وهي عبارة عن مجموعة من السيارات الصغيرة القديمة، يبدو عليها آثار الصناعة القديمة، وغيرها من الأدوات والألعاب مثل مجسمات معدنية على هيئة مسدس ودراجة وديك، فضلاً عن بعض الصحون القديمة التي يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 50 عاماً.
لم يكتفِ الكعبي بذلك وحسب، وإنما كانت الرحلة ممتدة ومليئة لمشاهدة المفاجآت القديمة مثل المرضعة الزجاجية المثقوبة من الجهتين، والتي تطورت في ما بعد لنراها بشكلها البلاستيكي الحديث، فضلاً عن زجاجات «النامليت»، وهو أول مشروب غازي عرفه أهل الخليج إلى جانب زجاجات المشروبات الغازية بأشكالها القديمة التي تطورت على مدى تسع مراحل، وأدوات أخرى كثيرة مثل شيفرات الحلاقة والمكواة على الفحم صغيرة الحجم ثقيلة الوزن، والحزام الخاص لسن السكاكين والأدوات الحادة.
عدوى جمع القديم تنتقل إلى صديق العمر
لعل مشاهدة متحف الأدوات القديمة في منزل محمد سالم الكعبي، تدعو ناظرها إلى التعلق بالهواية نفسها، ويبدو أن عدوى جمع المقتنيات القديمة انتقلت إلى صديقه خلفان بن فلاح الذي وجد نفسه بعد زيارات عدة مغروماً بالهواية ذاتها، إذ حرص مؤخراً على البحث أثناء سفره عن المستلزمات والأشياء القديمة، ليجد الكعبي من يرافقه في رحلة البحث الطويلة، والتي لا تكتمل متعة السفر إلا بها.
من المواقف الطريفة والمحزنة معاً، شراء بن فلاح أثناء سفره مذياعاً قديماً ونادراً حجمه كبير يعادل حجم الطاولة المتوسطة، وعندما عاد إلى البيت من رحلة سفره ذهب لفتح صندوق المذياع، لكنه فوجئ بتعرضه للكسر، وحاول إصلاحه لكن حجم التلف كان أكبر من ذلك، فقال له صديقه محمد الكعبي «سبق أن حذرتك من الكسر».
لكن السيناريو تكرر مرة أخرى عند محمد الكعبي عندما قرر أيضاً شراء بعض الأدوات من الخارج، وانتظرها نحو أربعة أشهر حتى وصلت، وبعد فتح الصناديق شعر بالأسى والامتعاض حيال أغراضه التي لم تتحمل ظروف النقل.
يبدو أن هذه الهواية ليست سهلة كما يحسبها البعض، إذ أكد الكعبي أن بعض الأدوات تحتاج إلى قطع مسافات للوصول إليها، وفحص السلعة بتمعن من صناعتها القديمة، وتعد هواية جمع الأغراض القديمة مكلفة في بعض الأحيان، تحتاج إلى شراء السلعة بآلاف الدراهم، لكن في بعض الأحيان لا تحتاج إلى إنفاق الكثير، وإنما دفع مبالغ متواضعة على حسب توفرها في السوق أو الدولة المراد شراء السلعة منها.