مفقس لإنتاج الأسماك من المصدر

بلدية دبي تنفذ مركزاً للأبحاث وتنمية الثروة السمكية

بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بدأت بلدية دبي الأعمال التصميمية لمشروع إنشاء مركز متخصص لأبحاث وتنمية الثروة السمكية، ليعمل على إنتاج اصبعيات الأسماك، لمواجهة التدهور في المخزون السمكي في الدولة، ليكون الأول من نوعه على مستوى المنطقة، بكلفة كلية تصل إلى 60 مليون درهم.

وقال المهندس حسين ناصر لوتاه مدير عام بلدية دبي لـ «البيان»: «فكرة المشروع أتت من توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حول أهمية المحافظة على الموارد الطبيعية وتحقيق متطلبات الأمن الغذائي، كما أن هذا المشروع يُعد إحدى المبادرات الاستراتيجية التي تخدم غايات خطة دبي الاستراتيجية 2021 في جعل الامارة مدينة ذات عناصر بيئية نظيفة صحية ومستدامة».

وأكد أن المشروع يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الإمارة في سبيل زيادة المخزون السمكي في الدولة، الذي شهد تدهوراً ملحوظاً نتيجة للتناقص المستمر في كميات الأسماك القاعية الموجودة حالياً مقارنة بكميتها خلال السنوات السابقة..

مشيداً بالموضوع الذي نشرته «البيان» قبل شهرين حول المخزون السمكي، وقلة الانتاج المحلي مقارنة مع المستورد من الدول المجاورة، نتيجة للصيد الجائر وعوامل أخرى كثيرة، سيسهم هذا المركز في حلها، والعمل على تحقيق الاكتفاء السمكي للدولة من خلاله.

تصميم

وأوضح أن البلدية أسندت أعمال تصميم المشروع إلى إحدى الشركات العالمية المتخصصة في تصميم وتطوير منشآت الاستزراع السمكي في العالم، والتي يقع مقرها الرئيس في الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن البلدية حرصت على أن يكون مشروعاً متفرداً ومتكاملاً والأول من نوعه على مستوى الدولة والمنطقة..

ويرتكز على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، يتمحور الأول حول أن يكون المركز مفقساً لإنتاج الأسماك وبطاقة إنتاجية إجمالية تعادل مليوني إصبعية في السنة الواحدة، والتي سيتم فيما بعد إطلاقها في البحر لغرض دعم وتعزيز المخزون السمكي في الإمارة.

وذكر أن الهدف الثاني الرئيس للمشروع يتمثل في أن يصبح مقراً ومركزاً بحثياً يضم مجموعة من المختبرات الفنية المجهزة..

والذي سيجرى من خلاله الدراسات والأبحاث العلمية المتعلقة بالأحياء المائية في الإمارة، وبالتالي من المخطط له أن يكون مرجعاً للباحثين والمختصين والمهتمين في مجالات البحث العلمي، وبما يدعم مجالات استدامة الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي في الإمارة على وجه الخصوص، والدولة عموماً.

كما أشار إلى أن الهدف الثالث يتمحور حول أن المشروع مركز تثقيفي ومنارة تعليمية متخصصة، تمكن الأفراد، والعائلات، وطلبة المدارس، والجامعات، والباحثين.

والمختصين، من التعرف إلى الأحياء المائية وأهمية المحافظة عليها، والاطلاع بصورة حية على عمليات الاستزراع السمكي، الأمر الذي من شأنه أن يرفع الوعي البيئي في هذا المجال، مؤكداً أنه سيتم توفير أعلى متطلبات ومعايير الأمن الحيوي المطبقة عالمياً، بما يضمن تحقيق الأهداف الثلاث مجتمعة تحت سقف واحد.

هدف

من جهتها، أشارت المهندسة علياء الهرمودي مدير إدارة البيئة في البلدية، إلى أن الهدف من إنشاء المركز يتلخص في العمل على زيادة مخزون الأسماك الذي يتعرض للصيد الجائر والانقراض، وإكثار الأسماك الاقتصادية المرغوبة ذات المردود المادي العالي مثل أسماك الهامور، والشعري، والسكل، والصافي، والبياح، والسبيطي، إضافة إلى كونه مركزاً مهماً لإجراء الدراسات والأبحاث..

وتبادل المعرفة والخبرات العلمية مع الجهات المعنية، وسيكون جهة معرفية يقصدها محترفو الصيد وطلبة المدارس والجامعات والزوار للتعرف إلى أهمية الثروة السمكية وطرق إكثارها والمحافظة عليها، فضلاً عن أنه سيمثل وجهة سياحية، وتعليمية، وتثقيفية.

وقالت: «حرصت البلدية على البحث والاطلاع على أفضل التجارب والممارسات حول العالم والمتعلقة بمجالات الاستزراع السمكي وتضمينها ضمن شروط ومتطلبات المشروع، وتم طرح المشروع في مناقصة عامة لضمان الحصول على أفضل العروض الفنية والمالية التي تأتي ضمن تصميم وتنفيذ المشروع، ليظهر بصورة تليق ومستوى المشاريع في الإمارة، ويحقق أقصى الأهداف المنشودة منه».

كما أشار المهندس ابراهيم جمعة رئيس شعبة هندسة السواحل في قسم إدارة المنطقة الساحلية والقنوات المائية في إدارة البيئة بالبلدية إلى أن عمل الاستشاري العالمي سيتم بالتحالف مع أحد المكاتب الهندسية الإقليمية التي تملك خبرة واسعة في الدولة..

ويرتكز العمل على إعداد دراسة أولية متكاملة للمشروع، ومن ثم مرحلة إعداد التصميم الأولى، ويأتي بعد ذلك إعداد التصاميم النهائية للمشروع..

وتحضير وثائق المناقصة وعقد المقاولة، تمهيداً لطرحها في مناقصة على شركات المقاولات المتخصصة، بالإضافة إلى أن عمل الاستشاري سيشمل الإشراف الهندسي على تنفيذ المشروع، وإعداد برامج تدريبية متخصصة للعاملين، والإشراف العام على تشغيل المركز لمدة سنة لضمان تحقيق دورة إنتاجية كاملة.

وأوضح أن المركز سيتم تشييده على مساحة أرض كُلية تقارب 22 ألف متر مربع، وتم مبدئياً اختيار موقع المشروع ليكون في منطقة كورنيش ديرة، بحيث يتوسط سوق السمك الجديد، ومرفأ ديرة الجديد الذي تم إنجازه مؤخراً من قبل البلدية دبي.

تقييم

وأكد أن الاختيار الأولي للموقع يخضع حالياً لعملية تقييم ودراسة فنية وحقلية تفصيلية من قبل الاستشاري، والتي على إثرها سيتم تأكيد اختيار الموقع أو تغييره، مع العلم أنه تمت موافاة استشاري المشروع بعدة بدائل لمواقع أخرى، لضمان اختيار الموقع الأنسب للمشروع والذي يحقق كافة أهداف المركز.

عامان للتنفيذ مع مراعاة معايير الاستدامة البيئية

عن المدة الإجمالية لتنفيذ المشروع، أوضحت المهندسة علياء الهرمودي مديرة إدارة البيئة في البلدية، أن العمل سيستغرق قرابة السنتين، ويتضمن ذلك دراسة الاستشاري التي بدأت مؤخراً، وأعمال تصميم المشروع التي ستستغرق 7 شهور، تليها مناقصة التنفيذ، ثم أعمال تنفيذ المشروع التي تتراوح بين سنة وسنة ونصف، تتخللها فترة تدريب للعاملين على تشغيل المركز وعمليات إكثار وتربية الإصبعيات.

وأضافت: بشأن عناصر المفقس (المزرعة) والذي يُشكل الجزء الرئيس من المركز، سيضم المفقس العديد من وحدات العمل، منها على سبيل المثال: وحدة أمهات الأسماك التي تتم من خلالها عملية التزاوج وإنتاج البيض، ووحدة جمع وفرز البيض، ووحدة إنتاج الغذاء الحي الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى وحدة إنتاج اليرقات، ووحدة حضانة اليرقات لمدة 20 يوماً، وحدة حضانة اليرقات من 20 إلى 35 يوماً..

ووحدة حضانة اليرقات من 35 إلى 50 يوماً، ووحدة الفطام وحضانة الإصبعيات من وزن 0.2 غرام إلى غرامين، ووحدة تنمية الإصبعيات من وزن غرامين إلى خمسة أو أكثر، وشعبة أخرى لتربية الإصبعيات لغرض إنتاج أمهات الأسماك لاستخدامها في المستقبل (المستهدف هو إنتاج ما لا يقل عن 1000 من الأمهات في السنة الواحدة)..

بالإضافة إلى معامل ومختبرات متخصصة لفحوص الماء ومعالجة الأمراض، ومرافق لوجستية وخدمية أخرى مثل: مخازن حفظ الغذاء الجاف، ووحدات معالجة وتعقيم المياه، ووحدات التبريد والتجميد، ووحدات معالجة النفايات».

وأشارت إلى أنه وبعد وصول إصبعيات الأسماك لمرحلة ما قبل النمو الكامل بوزن 5 غرامات تقريباً، وبما يمكنها من التكيف للعيش في البحر، ستقوم البلدية بعملية نقلها في وسائل بحرية مخصصة ومجهزة لهذا الغرض، وإطلاقها في البحر في مواقع محمية ومختارة في الإمارة، بما يكفل لها فرصة النمو والعيش بصورة طبيعة، وبما يعزز المخزون السمكي في الإمارة.

وأوضحت أنه سيتم الاهتمام والعمل على تصميم الجانب البنائي للمركز ليكون معلماً معمارياً متفردا ًيضاف إلى المعالم الحضرية في الإمارة...

والتي تشكل مقصداً للمقيمين والسائحين، كما سيتم الحرص على أن يتناسق الشكل الخارجي للمركز مع النسيج العمراني المحيط به، وفي الوقت ذاته يراعي كافة متطلبات ومعايير الاستدامة البيئية، اذ سيتم تصميم المفقس بوحدات تكنولوجية تقوم بإعادة استخدام المياه وبما يوفر 90% من الطاقة اللازمة لمعالجة وتعقيم المياه الجديدة.

نتائج

كما أن نتائج الدراسات التي أجريت خلال العقود الخمسة الماضية على مخزون الثروة السمكية في منطقة الخليج العربي أظهرت انخفاض كمية الأسماك القاعية من آلاف الأطنان في الكيلومتر المربع الواحد، في نهاية السبعينات، الى مئات الأطنان في الفترة الحالية..

حيث وصلت نسبة الانخفاض في كمية تلك الأسماك إلى 91%، ويعزى هذا التناقص في كمية الأسماك إلى أسباب عدة، أهمها ممارسات الصيد الجائر، وتلوث البيئة البحرية وعمليات التجريف القاعي لمواطن الأسماك، بالإضافة إلى صيد الأسماك صغيرة الحجم، والصيد خلال موسم التكاثر...

واستخدام وسائل صيد غير مسموح بها، واستخدام معدات صيد محرمة مثل شباك النايلون وغيرها، وكذلك استخدام القراقير ذات الفتحات الصغيرة، لذا ارتأت البلدية ضرورة إيجاد إدارة فاعلة لموارد البيئة البحرية، وآليات للتنسيق على النطاق الإقليمي تحت مظلة الاتفاقات الإقليمية أو الدولية، بهدف إعادة بناء المخزون السمكي..

وإعداد تدابير إدارية مناسبة وفاعلة للمحافظة على المخزون السمكي، ووضع استراتيجيات وخطط على المديين القصير والبعيد لحماية الأسماك اليافعة..

وإجراء البحوث الدقيقة حول أسباب التدهور في موارد الأسماك القاعية، مع ضرورة التركيز على خطة إدارة الأسماك السطحية الصغيرة من خلال تنمية المصايد، خصوصاً أن الدراسات أشارت إلى عدم تأثر معدلات المخزون عما كانت عليه في السبعينات.

دراسات تخصصية

ونوّهت إلى عدد من الدراسات التخصصية التي أجريت على الكتلة الحية الكلية للأسماك التجارية القاعية في مياه منطقة الخليج العربي، خلال نحو نصف قرن من الزمن باستخدام المسح عن طريق الصيد بالقراقير، وشباك الجر والمسح الصوتي، أجرتها منظمة الغذاء والزراعة الدولية «الفاو» خلال الأعوام من 1975 إلى 1979..

والتي قدرت كمية الأسماك بـ 9000 طن في الكيلومتر المربع الواحد، فيما قدرت الدراسة الثانية التي أجرتها وزارة البيئة والمياه في العامين 2002 و2003، بالتعاون مع هيئة البيئة في إمارة أبوظبي كمية الأسماك بـ 1735 طناً في الكيلومتر المربع، لتظهر الدراسة التي قامت بها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الأعوام 2008-2011 انخفاض كمية الأسماك إلى 599 طناً في الكيلومتر المربع..

مؤكدة أنه من خلال المقارنة يتضح أن كمية الأنواع القاعية انخفضت بشكل ملحوظ عما كانت عليه منذ عام 1979 بنسبة 91% مقارنة بمستويات عام 1978، وأن الانخفاض شمل الأنواع التجارية وغير التجارية، الأمر الذي يدل على أن الاستغلال التجاري لم يكن المسبب الوحيد لهذا التدهور.

مناشدة

ناشدت الهرمودي كافة العاملين في هذا المجال أهمية المحافظة على استدامة الثروة السمكية، كونها مورداً مهماً للأمن الغذائي في الدولة، ومهنة قديمة توفر سبل العيش الكريم، فضلاً عن كونها مصدراً لتنوع الدخل وثروة اقتصادية توفر مردوداً مالياً لشريحة واسعة من أبناء الدولة وأصحاب المشروعات المرتبطة بها.

فريق عمل مختص لمتابعة المشروع

ذكرت مديرة إدارة البيئة، أنه تم تشكيل فريق عمل داخلي مختص لمتابعة المشروع، يتكون من عدد من المهندسين ذوي الخبرة، إلى جانب مجموعة من المختصين في مجال الثروة السمكية وعلوم البيئة والمياه.

وأضافت أنه يجري العمل على إعداد خطة متكاملة بالتنسيق مع الجامعات المحلية، لاستقطاب وتأهيل وتدريب الطلبة المواطنين، للعمل لاحقاً في المركز والانخراط في هذا المجال التخصصي المهم، الذي يُعد ركيزة أساسية للحفاظ على الثروة السمكية في الدولة، وبالتالي تعزيز المحافظة على مهنة الصيد التي توارثها الآباء عن الأجداد.

الأكثر مشاركة