سحر الجبال وإطلالة الخليج ورقي أهلها البسطاء وعبقرية التاريخ وحكمة الجغرافيا، كلها مقومات تربعت عليها مدينة دبا الحصن التي تحولت خلال فترة قصيرة من واحة تسترخي في الماضي وتستدعي نواميسه وأحواله، إلى مدينة ترفل بالنعيم وتتجدد بوتيرة صاعدة. فيها يتعانق الماضي مع المستقبل في بانوراما مشهدية ودلالة واقعية تلفت إلى ثقافة استثنائية للعمل وتحقيق الأحلام، وتقديم رافدٍ آخر من روافد النماء المادي والروحي لإمارة الشارقة.
مكانة عريقة
دبا الحصن المدينة الهادئة الواقعة على ساحل خلاب، عرفت بمكانتها العريقة في التاريخ، فعندما نتحدث عن تراث وتاريخ المدينة سنعود حتماً إلى الماضي الجميل الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا، فتاريخ دبا الحصن عريق وتراثها تليد، إذ كانت موطناً رئيسياً للهجرات التي وفدت إلى الخليج العربي من اليمن.
وكغيرها من بقاع الأرض استوطنتها أمم وقبائل شتى في فترات عريقة وقيّمة من التاريخ، وزادت من أهميتها الحركة التجارية التي ربطتها مع العالم الخارجي من الهند والصين وبلاد فارس حتى صارت ميناءً عظيماً من موانئ العرب الشهيرة، ويستدل على ذلك من موقع الميناء الذي تردد ذكره في الكثير من كتب التاريخ القديم، وهو الممر المائي الذي كان يفصل بين قسمين من أقسام دبا الثلاثة، والذي امتد حتى منطقة بحر صنيد.
بحر وزراعة
تركز تراث دبا الحصن في قسمين؛ الأول البحر بحكم وجودها على ساحل خليج عمان، إذ كان بعض الرجال يعملون في البحر صيادين وغواصين وفي السفر، ووصلوا إلى شرق أفريقيا وبلاد الهند وفارس، أما القسم الثاني فهو الزراعة بحكم تدافع الأودية العذبة بفعل سقوط الأمطار، والقادمة من الجبال المحيطة بها وأكثر تلك الأودية شهرة «وادي خسارة» وسمي بهذا الاسم لكثرة الماء الذي ينحدر به دون أن يستفاد منه حيث يصب في البحر.
ويعمل البعض الآخر من سكان المدينة في الزراعة، وكانوا يشتهرون بجودة محاصيلهم خاصة الرطب والمانجو وبعض الخضروات الأخرى. وكانوا مجتمعاً واحداً يتبادلون خيراتهم بينهم، ولعل الحافز في كثرة المزارع ووفرة الظلال وعذوبة الماء في دبا أنه كان يقصدها الناس من كل مكان طلباً للراحة والاستجمام وتذوق الثمار الطازجة.
المدينة الفاضلة
لسكان دبا الحصن عادات وتقاليد عربية أصيلة، استمدت من ينابيع الشريعة الإسلامية الصافية، بعد وصول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دبا عامة، وعرف عن أهل دبا الحصن حرصهم وتمسكهم بالدين، وكان في أغلب مناطق دبا الحصن، يوجد من يدرس القرآن الكريم.
وصفت دبا بـ«المدينة الفاضلة» ولم يكن وصفها مرتبطاً بمدينة أفلاطون الافتراضية الطبقية، بل بمدينة عربية إسلامية تجعل العدل والأمن معياراً للفضيلة، وترى في جوهر الإسلام وروحه فضاءً للسمو والرفعة.
وصفها بالمدينة الفاضلة يعيد إلى الذاكرة أمجادها الموغلة في التاريخ، وحضورها السخي في زمن الرسالة السمحاء وامتداداتها الروحية والأخلاقية والثقافية، إذ أن استمرار نبضها بحيوية الخيار والاختيار جعل من إمارة الشارقة ركناً للثقافة والمجد والنماء.
حظيت دبا الحصن بهذا الوصف لدى زيارة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة لها في عام 2006م، ولقائه مع أهالي المدينة، حيث قال سموه: «نتمنى أن تعملوا معنا للارتقاء بهذه المدينة لتصبح المدينة الفاضلة».
طراز إسلامي
قيمة الساحل الشرقي بما يتفرد به من مبانٍ حديثة، مستوحاة من العمارة الإسلامية التي تعيد إلى هذه المنطقة التاريخية سابق عهدها، من الجدير ذكره أن هناك 22 مسجداً في دبا الحصن التي حظيت باهتمام ودعم غير عاديين من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ويعد مسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي أكبر جامع فيها، حيث بلغت كلفته 20 مليون درهم ويتسع لـ3000 مصلٍ.
ويعتبر الجامع الذي يتكون من مئذنتين يصل ارتفاع كل واحدة إلى 54 متراً، أحد معالم دبا الحصن الرئيسية. ويستوحي الجامع شكله المعماري من الطراز الإسلامي، وهو موشح بالنقوش والزخارف الفريدة ليكمل بها عقد المباني المشيدة على طول شارع العقد الفريد والذي يضم أكثر من 16 مبنى حكومياً تناثرت كاللؤلؤ المنضود على طرفي الشارع الذي يبدأ بمبني المركز الثقافي وينتهي بالجامع التحفة المحاذي لميناء دبا الحصن الجديد.
في دبا الحصن توجد 6 أحياء هي: الحي الشمالي، وحي المهلب، والحي الغربي، وحي الدوب، وحي السيح، وجزيرة الحصن.
المرأة
للمرأة في مجتمع دبا الحصن دورٌ بارزٌ حيث كان يغيب الرجال بسبب الانشغال في أمور حياتية أو الأسفار طلباً للرزق، فكانت المرأة تتحمل أعباءً كثيرة في تربية الأبناء، وكانت تقضي وقتها في أعمال مختلفة من أجل توفير الماء والغذاء للأسرة.
ولم يُفقد التطور ومواكبة العصر دبا الحصن رونق وسحر الحياة التقليدية القديمة، إذ تشهد المدينة حالياً نهضة عمرانية لافتة تستهدف النهوض بها في جوانب شتى.