رؤية الإمارات واضحة حيال الملفات المصيرية

أكدت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات أن دولة الإمارات تتحرك وفق رؤية واضحة المعالم وبعيدة المدى، ولم تتردد لحظة في الاضطلاع بدور فاعل ومؤثر في الملفات المصيرية، مؤكدة أن التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية أحبط وبطريقة حاسمة المخطط الإيراني للتمدد الأيديولوجي في المنطقة العربية، وإذا لم يحدث ذلك كُنّا سنرى خلطة متفجرة، قوامها الفكر الديني القائم على ولاية الفقيه، وبين تسلط الميلشيوي لجماعة لا تؤمن بالدولة الوطنية.

وقالت في حوار خاص لـ«البيان» بمناسبة انعقاد الدورة الثانية لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني«اليوم وغداً بفندق قصر الإمارات في أبوظبي، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات، بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي بمشاركة أكثر من 300 من السياسيين والدبلوماسيين والاقتصاديين والأكاديميين من نحو 40 دولة، إن التحديات الراهنة والناشئة التي تواجه دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي طويلة ومعقدة بعضها منظور مثل الأزمة اليمنية، وظاهرة الإرهاب والتطرف، وبعضها ناشئ وتفرزه تغييرات فجائية تجبر على إعادة الحسابات كما حصل مع التدخل الروسي في سوريا، وتغير الهوى الأميركي حيال إيران.

ودعت الدكتور الكتبي إلى ضرورة أن تتسلح دول المنطقة برؤية بعيدة المدى، وبنفَس طويل في حلبة دولية، المتصارعون فيها كثر، ويعتمدون خطة تسجيل النقاط، أكثر من ميلهم إلى الضربات القاضية.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

* برأيكم ما هو السيناريو الذي كان سيفرض نفسه في اليمن ومنطقة الخليج في حالة عدم التدخل العربي عبر قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية؟

** هذا سؤال افتراضي لم يعد قائماً، لأن التدخل العربي حصل فعلاً، وبطريقة حاسمة أحبطت واحداً من أوجه مخطط التمدد الأيديولوجي الإيراني في المنطقة العربية، ولكن ليس هنالك من شك في أن العواقب كانت وستكون وخيمة على اليمن وعلى دول الجوار لو لم يلتئم التحالف الداعم للشرعية في اليمن لوقف تمدد الميليشيات الحوثية وحلفائها، وباختصار كُنّا سنرى خلطة متفجرة، قوامها الفكر الديني القائم على ولاية الفقيه، كما تُسوّق لها إيران، وبين التسلط الميلشيوي لجماعة لا تؤمن بالدولة الوطنية، وتقبل بلعب دور الأداة في مخطط توسعي تُرسم معالمه في طهران.

والواقع أن اليمنيين خبروا جزءاً من هذه الخلطة الخطيرة منذ سقوط صنعاء، كُنّا سنرى كذلك تهديداً مباشراً لأمن المملكة العربية السعودية، وبالتالي لبقية دول الخليج، لأن سقوط العمق الاستراتيجي للمنظومة الخليجية ممثلاً في اليمن يعني الانكشاف أمام أجندة عدائية وماكرة، لأنها تدير حروبها بالوكالة من خلال الاستقطاب والشحن الطائفي.

 وكُنّا أخيراً سنرى عواقب اقتصادية نتيجة سقوط باب المندب بأيدي جماعة لا تعير اهتماماً لرعاية المصالح التجارية الدولية المشتركة، وليس لديها أدنى فهم لترابط تلك المصالح وحيويتها لأمن واستقرار العالم.

طبعاً هذا السيناريو القاتم سقط عملياً، وهو الآن يحتضر تحت ضربات قوات التحالف والمقاومة الشعبية اليمنية.

ولكننا في مركز فكري «مركز الإمارات للسياسات» نود أن نذهب أبعد من تحليل الخيار العسكري الذي لا يجادل أحد في رجاحته نريد أن نفكر في البدائل الممكنة أمام اليمنيين لاستعادة دولتهم، وبنائها بشكل يضمن حقوق الجميع شمالاً وجنوباً، ويكرس انتماءها لمحيطها المباشر، الخليجي والعربي، ونريد أن نسهم في وضع التصورات العملية لدور خليجي وعربي مستدام، وبعيد المدى في اليمن، يدمج الأبعاد التنموية والإنسانية بالشقين السياسي والعسكري.

وهذا ما نحاول فعله في مركز الإمارات للسياسات من خلال عملنا اليومي أو من خلال ملتقيات مثل ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني.

تحديات

* وما هي التحديات الراهنة والناشئة التي تواجه دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي من وجهة نظركم والتي ينبغي اتخاذ القرارات الحاسمة بشأنها، خاصة مع التوجهات والتغيرات الجديدة في السياسة الدولية، وتنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف في العديد من دول المنطقة؟

** في الحقيقة قائمة التحديات طويلة بعضها منظور ونحن نعايش تداعياته كالوضع في اليمن وسوريا وليبيا والعراق ومصر وتراجع أسعار الطاقة، والبعض الآخر ناشئ وتفرزه تغييرات فجائية تجبر على إعادة الحسابات كما حصل مع التدخل الروسي في سوريا، وتغير الهوى الأميركي حيال إيران، والذي ذهب أبعد من الاتفاق النووي إلى دعوتها إلى طاولة الحوار السورية، أو كما يحصل الآن مع تباطؤ النمو في الصين وما قد ينجم عن ذلك من تأثيرات تجارية عابرة للحدود.

المهم في ظل هذا الوضع المتقلب وفي ظل التوجهات المتحولة للسياسات الدولية أن تعي الدول الخليجية ودول العمق العربي مصلحتها في وضع استراتيجية مشتركة للدفاع عن مصالحها الحيوية. استراتيجية تقوم على دور نشط في التعامل مع الأزمات، بل واستباقي لتفادي تفجرها وخروجها عن الطوق.

اليوم، لم تعد دولنا متابعاً عن بُعد للمشكلات الإقليمية والعالمية، بل صعدت إلى الخط الأول للمواجهة، وباتت تدرك أن ما من شيء يحك ظهرك مثل ظفرك كما يقول المثل. وقد رأينا بوادر هذا التحول الكبير والإيجابي في التحالف العربي في اليمن، وقبله في البحرين، وفي الحرب على«داعش»، واليوم في دعم مسار التعافي الذي تسير عليه مصر ومحاولات رأب الصدع في ليبيا.

من المهم كذلك أن تتسلح دول المنطقة برؤية بعيدة المدى، وبنفَس طويل في حلبة دولية، المتصارعون فيها كثر، ويعتمدون خطة تسجيل النقاط، أكثر من ميلهم إلى الضربات القاضية. والواقع أن دولة الإمارات تعد نموذجاً يحتذى في هذا الباب، فهي تتحرك وفق رؤية واضحة المعالم وبعيدة المدى، ولم تتردد لحظة في الاضطلاع بدور فاعل ومؤثر في الملفات المصيرية.

تنسيق

* كيف يمكن برأيكم تعزيز وتنسيق موقف عربي موحد لمواجهة خطري العبث الإيراني في المنطقة من ناحية، ومواجهة منظمات الظلام والإرهاب من ناحية ثانية؟

** في الواقع نحن ننظر للأدوات الطائفية للتمدد الإيراني في المنطقة وللمنظمات الإرهابية الأخرى كوجهين لعملة واحدة، وقد كنا في مركز الإمارات للسياسات من السبّاقين إلى التحذير من حملة المغالطة التي تروج لها الدعاية الإيرانية، والقائمة على تصوير الإسلام السني كونه إسلاماً متطرفاً وحاضناً للفكر المتشدد، مقابل إسلام شيعي مسالم ومنخرط في محاربة الإرهاب.

والواقع أن الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ينطوي على الجوهر نفسه وإذا كنا لا نختلف على توصيف تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» بالإرهابية، فهل يمكن لعاقل أن يطمئن لميلشيا الحشد الشعبي في العراق أو لجماعة الحوثي في اليمن، وكلها تمارس القتل والتهجير باسم مشروع ديني طائفي يجد جذوره في طهران؟ في الواقع أنه ليس في القنافذ أملس، وجماعات الإسلام السياسي والإرهاب الديني واحدة في نظرنا.

نقطة أخرى يجب الالتفات إليها تتعلق بضرورة التخلي عن سياسة المقعد الفارغ، فإخلاء الساحة في دول مثل العراق وسوريا ونسبياً اليمن وترك إدارة ملفاتها وصراعاتها لقوى إقليمية أو غربية أو للأمم المتحدة هو ما أوصل هذه الدول إلى حالة التشظي والفشل ويجب على الدول العربية استعادة المبادرة والانخراط بشكل نشط في اقتراح البدائل والحلول لمشكلات الدول التي سقطت كلياً أو عبر بعض مكوناتها في المشروع الإيراني، يجب التفكير في آلية مشتركة لحل المشكلات العربية داخلياً، من دون ترحيلها إلى المحافل الدولية، وجعلها نهشاً لمصالح القوى الإقليمية والدولية، كما يجب كذلك التخلي عن الحسابات الضيقة القائمة على اعتبارات شخصية أو عاطفية أو تكتيكية وتبني منطق المصالح.

ومنطق المصالح يقول، إن على الدول العربية ومنها دول الخليج أن تراجع سياساتها في كثير من الملفات على غرار ما فعلت في اليمن ومصر، وأن تنتبه إلى التحولات الطارئة على سياسات القوى التي تصنف كونها حليفاً وتتكيف تبعاً لذلك.

انتهاكات حوثية

* وكيف ترون سبل مواجهة انتهاكات الحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لحقوق الإنسان في اليمن وإظهارها أمام منظمات الأمم المتحدة والرأي العام الدولي؟

**أعتقد أن التحركات التي قامت بها الحكومة اليمنية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك تحركات بعض منظمات المجتمع المدني اليمني التي رصدت ووثقت الانتهاكات الحوثية هي خطوات في الاتجاه الصحيح.

فهي أولاً تظهر الوجه القبيح لجماعة تبشر بحكم ديني طائفي فئوي، كما أنها تضع الأرضية لإحقاق العدالة وجلب مرتكبي الفظاعات في حق اليمنيين إلى القضاء، ولكن علينا كذلك أن ندرك أن مسالك القضاء الدولي طويلة ومعقدة، وفي أحيان كثيرة غير ناجزة، لذلك يجدر باليمنيين بعد نهاية الحرب التحرك في اتجاه بناء دولة مؤسسات يكون القضاء أحد أعمدتها. وما لا يدرك بالقضاء الدولي قد يتحقق من خلال القضاء الوطني اليمني.

دور إنساني

* ما تقييمكم للجوانب الإنسانية في أزمة اليمن، وهل هناك حاجة لخطة مارشال عربية لإنقاذ اليمن؟

** بلغت الأزمة الإنسانية في اليمن حداً خطراً بسبب تراكمات عمرها عقود، وبسبب سقوط الدولة، وضرب بنية الخدمات الأساسية من قبل الميليشيات الحوثية وقوات صالح والتحرك لمواجهتها يجب أن يكون على مسارين: الأول يدخل في إطار ما يسمى بالاستجابة العاجلة.

وذلك لتلبية الحاجيات الإنسانية الملحة، وأعتقد أن دول الخليج ومنظماتها الخيرية والإنسانية كالهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة الملك سلمان اضطلعت بدور مهم في هذا الباب، كما أن منظمات إنسانية دولية حافظت على حد أدنى من التحركات للتعامل مع الأزمة الإنسانية في اليمن.

ولكن يجب الإقرار أن هذه الجهود مازالت بحاجة إلى دعم، وخاصة في تعز وعدن اللتين تعرضتا لحصار وتدمير رهيبين.

أما المسار الثاني فيندرج ضمن رؤية بعيدة المدى، ويجب أن يقوم على إعادة الإعمار، ودعم التنمية في اليمن، وإدماجه تدريجياً في محيطه الاقتصادي الإقليمي المباشر. وهنا يجب أن نقرأ بعمق طبيعة علاقات مجلس التعاون الخليجي مع اليمن، خلال العقود الماضية، خاصة في شقها الاقتصادي، لمعرفة مكامن إخفاقها والعمل على تفادي تكرار ذلك في المستقبل.

مساومات

* كيف ترون آفاق الحل للأزمة السورية بعد التدخل الروسي؟

هي آفاق غائمة ومعتمة في الواقع، فدخول روسيا المباشر على خط الصراع في سوريا ووضعها كل أطياف المعارضة السورية المسلحة في سلة الإرهاب يُلقي بكثير من الضبابية على المشهد، كما أن تناسي واشنطن دور إيران المدمر في سوريا والنظر إليها اليوم كونها جزءاً من الحل هو مثار قلق واستغراب، وربما يشكل دليلاً إضافياً على انعدام أي رؤية بشأن سوريا، بل وبالمنطقة برمتها لدى الإدارة الأميركية الحالية.

فلا تبدو محاولات فرنسا للملمة موقف غربي ذات جدوى كبيرة بعد التغيرات الدرامية على الأرض، بل تبدو أقرب إلى محاولة للتأقلم مع «نهاية الشرق الأوسط» التي بشر بها رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية.

أما تركيا فمخططاتها في سوريا كثيرة، لكنها لا تملك الوسائل لتحقيقها. وهي ترى الحل من زاوية إقامة منطقة عازلة والمساومة بأزمة اللاجئين وكبح جماح التطلعات الكردية.

أما العرب فلا مكان للرئيس الأسد في رؤيتهم للحل، وهذه نقطة مبدئية جيدة، لكن لا تفاصيل إضافية في هذه الرؤية وإذا جمعنا كل هذه التناقضات، فعلينا أن نتوقع مسلسلاً طويلاً من المساومات ومفتوحاً على كل الاحتمالات لعل أخطرها التقسيم وهو احتمال يخدم أولاً وأخيراً إسرائيل، الملف السوري معقد ومرشح لمزيد من التعقيدات.

 

مناقشة

دور الخليج في عالم جديد ومتغير

يناقش الملتقى في دورته لهذا العام مكانة وأدوار منطقة الخليج في عالم جديد ومتغير، وطبيعة التحولات الداخلية والعنيفة التي تشهدها دول «الربيع العربي»، وديناميكيات التجاذب والتنافر بين القوى الإقليمية والدولية في ظل معادلة متحركة للمصالح، والخريطة العالمية الجديدة للإرهاب وأنماط واستراتيجيات تمدده.

ويخصص الملتقى كذلك جلسات لدراسة الإكراهات الاقتصادية التي تفرضها تقلبات أسواق الطاقة، وضرورات إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي.

كما سيتناول التحديات التي يفرضها العالم الرقمي وفضاء المعلومات على رسم السياسات والاستراتيجيات العامة، وسيناقش في هذا الصدد ماهية القوة في العصر الرقمي، وتأثير الفضاء المعلوماتي في مفهوم ومستقبل القوة والدولة، ودور التكنولوجيا في إعادة التوازن الاقتصادي.

 

مشاركة

حضور خليجي لافت في النسخة الثانية

يظهر الحضور الخليجي اللافت في النسخة الثانية من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي ليس فقط من خلال الموضوعات المتضمنة في جدول الأعمال وإنما أيضاً من خلال مشاركة قيادات خليجية قريبة من دوائر صنع القرار في القطاعين الحكومي والخاص، ومن المجال البحثي والأكاديمي.

ويأمل القائمون على الملتقى أن تتسم المداخلات بالوضوح في الطرح بعيداً عن لغة الدبلوماسية العامة، وأن تُلامس القضايا المعروضة للنقاش في أبعادها الاستراتيجية العميقة دون خوض في الأعراض العابرة.

وفي هذا السياق تقول الدكتورة الكتبي إن «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي يطمح لأن يذهب أبعد من العصف الذهني حول مواضيع النقاش، وأن يسهم في صياغة توصيات عملية وقابلة للتطبيق يمكن لصانع القرار الإماراتي والخليجي أن يستلهمها في رسم السياسات العامة واتخاذ القرارات، التي تفرضها التغيرات الإقليمية والعالمية المتلاحقة».

الأكثر مشاركة