نص شعري قدّم دُرر السيرة النبويـة وقبسات من نهجها المُبارك

«أهلاً رمضان» قصيدة لمحمـد بن راشد ترحيباً بشهر الخير

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 لقراءة قصيدة "أهلاً رمضان" بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 - «أهلاً رمضان» قصيدة لمحمـد بن راشد ترحيباً بشهر الخير(PDF)

رمضان، أجمل الضيوف وموعده أجمل المواعيد، شهر الخير والجود والعطاء، نشر ضياءه، وأطل هلاله المُبارك، فتاقت الأفئدة والقلوب إلى استقباله مستبشرة بخير الأيام في السنة، وأفضل ضيف، شهر فيه تفتح أبواب المغفرة والرحمة، وتغشى القلوب قيم التسامح والمودة والإخاء، وقد نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوم أمس، قصيدة ترحيبية بشهر الخير، جاءت تحت عنوان «أهلاً رمضان»، حملت نصاً روحانياً متكاملاً كأجمل ما يكون السبك، قدّم فيه دُرراً من السيرة النبوية وقبسات من نهجها المُبارك، فرمضان شهر العبادة والتقى، بنوره تدين الأرواح وتشهد، فهو شهر الإيمان والمرتل من القرآن، اختصه الله بنزول كتابه الحكيم، في ليلة خيرٍ من ألف شهر، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، تتجدد آياته المحفوظة، صالحة لكل زمان ومكان:

أقبـــــــــــلْ كأجمَـــــل مــــــــــا يكــــــــــونُ المَوعِــــــــــدُ

                                                 وأنشـــــــــــــرْ ضيــــــــــاءَكَ للأنـــــــــــــامْ لِيَهتـــــــــــــدوا

رمضــــــــــــانُ يا شـــــــــــــهرَ العبــــــــــــادةِ والتُّقــــــــــــىَ

                                                 لاقَتــــــــــــــــــــكَ أرواحٌ بنـــــــــــــــــــوركَ تشـــــــــــــــــــهدُ

بِـــــــــــكَ أنـــــــــــزَلَ اللـــــــــــهُ الكتـــــــــــابَ مُبارَكــــــــــاً

                                                 آياتُــــــــــــــــــــــــهُ أنوارهـــــــــــــــــــــــا تَتَجَـــــــــــــــــــــــدَّدُ

ضياء الزمان الأبدي

تنساب الحروف من البداية، رشيقة من ثغر المطلع، رقراقة وشهية التواصيف، كأجمل ما يكون الموعدُ، هو رمضان، ضياء الزمان الأبدي، والوقتُ المُقتطع المُبارك من تدفقه الأزلي، نهر خالد للإحسان، تدفق من نبع خالد، يختار المعنى والسياق، من وحي السيرة النبوية العطرة، وتعاليمها التي لا تنطقُ عن الهوى، من غار حراء، ينزل الوحي السماوي على النبي الكريم محمد - عليه أفضل الصلاة والتسليم - في غار حراء، قبس من الهدى شعشع نوره، حمل البلاغة والإعجاز، وجاء في متنه جذوة تتوقد، «اقرأ» هكذا تردد الصوتُ رحمة للعالمين في أرجاء المكان، رسالة من خالق الأكوان، حملها جبريل، ووقرت في قلب النبي الكريم، وانتشرت بين السموات والأرض حاملة رسالة الإسلام إلى العالمين:

غـــــــــــارٌ بـــــــــــهِ الهــــــــــادي محمــــــــــدُ أوحــــــــــداً

                                                يــــــــــــأتي لــــــــــــهُ مَلَــــــــــــكٌ هُــــــــــــداهُ مؤكَّــــــــــــدُ

لَمَّـــــــــــا أتـــــــــــىَ جبريـــــــــــلُ بـــــــــــالآيِ الـــــــــــذي

                                                حمَـــــــــــــــلَ البلاغَـــــــــــــــة جـــــــــــــــذوةً تتوقَّــــــــــــــدُ

ويقـــــــــــولُ إقـــــــــــرَأ يـــــــــــا محمــــــــــدُ بإســــــــــمِهِ

                                                رَبِّـــــــــــي ورَبُّـــــــــــكَ مـــــــــــنْ يُطـــــــــــاعُ ويُعبَــــــــــدُ

المعلم والقُدوة

ويقدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في هذا النص الشعري ومضات من سيرة المصطفى، ومن قصة الرسالة الخالدة، وهذا ليس بغريب على سموه، ففي كتاب «ومضات من فكر» قال سموه: «قدوتي في الحياة هو نبيي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم»، والمتابع لمنتج سموه الشعري يلاحظ أن سموه أفرد العديد من القصائد التي احتفت بأنوار الهدي المحمدي وإشراقاته الساطعة، ومن ضمن ذلك قصيدته «نبي السَّلام» التي يقول في مطلعها:

أَلِـــــــــــــــــفٌ أنـــــــــــــــــتَ للهُــــــــــــــــداةِ وبــــــــــــــــاءُ

                                              سَيّـــــــــــــــدَ الخلـــــــــــــــقِ جنـــــــــــــــدكَ الأنبيــــــــــــــاءُ

علْمــــــــــــكَ العلــــــــــــمُ مــــــــــــا لعلمــــــــــــكَ حَـــــــــــدٌّ

                                             حلمــــــــــــــكَ الحلــــــــــــــمُ طبعــــــــــــــكَ الإغضـــــــــــــاءُ

كما تتبع عطر هذه السيرة في «القصيدة المسكيَّة في مدح خير البريّة عليه السلام» التي جاءت وارفة الظلال في مدح ووصف خير البشر، عليه أفضل الصلاة والسلام:

أهْــــــــــــــــدى إلــــــــــــــــيِّ الشــــــــــــــــعرُ ريِّقَــــــــــــــــهُ

                                            فجعلـــــــــــت لـــــــــــي فـــــــــــي الشــــــــــعر بُســــــــــتانا

وغرسْـــــــــــتُ فــــــــــي مــــــــــدحِ النــــــــــبيِّ شجــــــــــا

                                            وســــــــــــــــــــــقيْتُه روْحــــــــــــــــــــــاً وريْحانـــــــــــــــــــــا

يـــــــــــــــــا ظِـــــــــــــــــلَّ وارفـــــــــــــــــةً بســــــــــــــــيرتِه

                                           قـــــــــــــــد أثمـــــــــــــــرتْ جـــــــــــــــوداً وإحســـــــــــــــانا

يوظف سموه في «أهلاً رمضان» قصة الإعجاز القرآني الذي تحدى به الله ذوي الفصاحة وأرباب النُهى، نور سماوي ولوح محفوظ رحمة للعالمين، لا يأتي الفصحاء بمثله، وكذلك الإنس والجن، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً:

وبـــــــــــهِ تحـــــــــــدَّىَ اللــــــــــهُ أربــــــــــابَ النُّهــــــــــىَ

                                           فــــــــــي أنْ يجـــــيءَ بمثلـــــــــهِ مـــــــــنْ ألحـــــــــدوا

نــــــــــــــــورٌ سمـــــــــــــــاويٌّ يشـــــــــــــــعُّ هدايَـــــــــــــــةً

                                         يفنــــــــــــــىَ الزمــــــــــــــانُ وعلمـــــــــــــهُ لا ينْفَـــــــــــــدُ

لايبلــــــــــــــغُ الفصَــــــــــــــحاءُ مـــــــــــــنْ إعجـــــــــــــازهِ

                                         لـــــــــــوْ آيـــــــــــةً عجـــــــــــزوا وعنــــــــــهُ تَبَلَّــــــــــدوا

يسرد بانسياب شعري متدفق، وروح مُحبة لنهج قويم، قصة النبي الكريم حين بدأ الدعوة إلى رسالة الحق، وما واجهه من صلف وتعنت قريش التي ارتأت إزاء هذا النبأ العظيم ثني الرسول محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، عن أمره، بمنحه المُلك والزعامة إن كان يريد، أو بتزويجه بأجمل نسائهن إن هو أحب ذلك، أو بمنحه ما يريد من المال إن أراد، لكن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لم تكن تلك العروض لتثنيه عن تبليغ رسالة التوحيد، فقال رسول الله لعمه أبي طالب رده المشهور في السيرة: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته»:

مـــــــــــا الأمـــــــــــرُ هـــــــــــذا أيُّ قصَّــــــــــةِ فتنــــــــــةٍ

                                         حَلَّـــــــــــتْ تقـــــــــــومُ لهـــــــــــا قُرَيــــــــــشُ وتقعُــــــــــدُ

ويُحَــــــــــــــرِّكُ النَّبَــــــــــــــأُ العظيـــــــــــــمُ سُـــــــــــــؤالَهمْ

                                         مــــــــــــاذا يريــــــــــــدُ بمـــــــــــا يقـــــــــــولُ محمـــــــــــدُ

أيريـــــــــــدُ مُلكـــــــــــاً ســـــــــــوفَ نعقِــــــــــدُ تاجــــــــــهُ

                                        ولــــــــــــــهُ الزَّعامــــــــــــــةُ والمَقـــــــــــــامُ الأمجَـــــــــــــدُ

أمْ أنَّهـــــــــــــــا إمـــــــــــــــرأةٌ نُزوِّجهــــــــــــــا لــــــــــــــهُ

                                      أمْ شــــــــــــــاءَ مــــــــــــــالاً فالـــــــــــــدَّراهمُ توجَـــــــــــــدُ

أوْ مـــــــــــا بـــــــــــهِ مــــــــــرَضٌ فــــــــــإنَّ علاجَــــــــــهُ

                                      مـــــــــــا يبتغـــــــــــي حيـــــــــــثُ الأطبَّــــــــــأ تُقصَــــــــــدُ

وليتـــــــــركِ الـــــــــدَّعوىَ التـــــــــي يـــــــــدعوا بهـــــــــا

                                     ولعمِّـــــــــــــــهِ بجميـــــــــــــــعِ ذلـــــــــــــــكَ حَــــــــــــــدَّدوا

يتابع سموه رواية السيرة العطرة، ورفْض النبي الكريم إغراءات قريش، وما واجهه إزاء ذلك من حصار وما لاقاه من أذى، فكان صابراً مصابراً على الحق، لا يضيره جُحودهم للهدى، بالحكمة والموعظة الحسنة يدعوهم، وبأخلاقه الرفيعة يوجههم، فاستنفدوا السُبل، ولم يكن إجماع رأيهم الأخير إلا الحبس أو القتل، فاختاروا من أربعين قبيلة أربعين فارساً، وخططوا لقتله ليتفرق دمه بين القبائل، ولا يحيقُ المكر السيئ إلا بأهله، فربه أنجاه من مكرهم وعدوانهم، فهو نور مُبارك به اهتدت الأمم:

لــــــمْ يَــــــرضَ مــــــا عرضــــــوا ولـــــمْ يأبـــــهْ بهـــــمْ

                                     فتبـــــــــــــــــــادروهُ وحاصــــــــــــــــــروهُ وهــــــــــــــــــدَّدوا

فـــــــــــــي دارِ نــــــــــــدوتهمْ وفــــــــــــي أســــــــــــواقهمْ

                                     صخَــــــــــــــبٌ وتســــــــــــــفيهٌ وحقــــــــــــــدٌ أســـــــــــــوَدُ

يتــــــــــــــآمَرونَ عليـــــــــــــهِ شـــــــــــــارَكَ جَمعَهـــــــــــــمْ

                                     إبليـــــــــسُ يَفْصِـــــــــلُ فـــــــــي الحَــــــــديثِ ويَشــــــــهَدُ

جَحــــــــــــدوا الهُــــــــــــدىَ وتصـــــــــــايحوا لـــــــــــدمارهِ

                                    فـــــــــــي كُـــــــــــلِّ زاويـــــــــــةٍ جمـــــــــــوعٌ تُحشَــــــــــدُ

والــــــــــــــرأيُ كـــــــــــــانَ بحبســـــــــــــهِ أو قَتلـــــــــــــهِ

                                   والقتــــــــــــــلُ حَــــــــــــــلُّ الظـــــــــــــالمينَ الأوحَـــــــــــــدُ

مــــــــــــــــنْ أربعيـــــــــــــــنَ قبيلـــــــــــــــةٍ قُرَشـــــــــــــــيَّةٍ

                                  جمعـــــــــــــوا لـــــــــــــهُ فرســـــــــــــانهمْ وتَرَصَّـــــــــــــدوا

بيـــــــــضُ السُّــــــــيوفِ تريــــــــدُ شخصــــــــاً واحــــــــداً

                                  مـــــــــــنْ بعــــــــــدِهِ النَّــــــــــورُ المبــــــــــاركُ يخمــــــــــدُ

شهر الجود بالخير

يقدم ختامها مسكاً، عبر لغة قوية شفافة المضامين، تحمل نور رمضان، ورياحين الإيمان، التي نشرها نبي الهدى ورسول الله إلى العالمين، المُهاجر إلى الله وبالحق، من اهتدت بهداه الخلائق، وطاب المورد من نبع صافٍ زلال ومُبارك، يصوغها من نفحات الجود وهبوب رياحه المرسلة، التي تغشى الناس في شهر الرحمة تسعد وتفرح به النفوس، تبلغ أعلى درجات صفائها، تشرح النفس بالذكريات، ولنا في الرسول أسوة حسنة، فقد كان فيه قدوتنا ورسولنا الكريم، أجود بالخير من الريح المرسلة، وأكرم ما يكون، فهو الشهر الفضيل، الذي تجد فيه النفوس متسعها بالسماحة والإيمان والعبادة والخير، وتشحن القلوب من نفحاته طاقتها:

واللـــــــــــــــهُ مُكمـــــــــــــــلُ نـــــــــــــــورهِ ومُتِمِّـــــــــــــــهِ

                            والنَّصـــــــــــــرُ مــــــــــــنْ رَبِّ الخلائــــــــــــقِ يُعقَــــــــــــدُ

أنجــــــــــــــاهُ خالقـــــــــــــهُ وهـــــــــــــاجرَ وإهتـــــــــــــدتْ

                           بهـــــــــــــــداهُ أمَّتـــــــــــــــهُ وطـــــــــــــــابَ المــــــــــــــوردُ

رمضــــــــــــــانُ هـــــــــــــذي ذكريـــــــــــــاتٌ هِجْتَهـــــــــــــا

                          إنِّـــــــــــي بوجهـــــــــــكَ حيــــــــــنَ تُقبِــــــــــلُ أســــــــــعَدُ

 

قصيدة بنكهة رمضانية عذبة

مع إطلالة هلال شهر رمضان المبارك يطالعنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقصيدة جديدة ذات نكهة رمضانية عذبة، فلا ندري أنفرح بقدوم شهر رمضان أم نفرح بجماليات هذه القصيدة الفصيحة التي جاءت على وزن بحر الكامل. ولا أخفيكم القول إذا قلت إنني من شدة المفاجأة والفرحة، أمسيت أردد لا شعورياً أبيات الشاعر الذي يقول:

رأيت الهلال ووجه الحبيب

                          فكانــا هلاليــن عند النظــر

فلـولا التـورّد في الوجنتيـن

                         وما راعني من سواد الشعر

لكنـتُ أظـنّ الهلال الحبيـب

                         وكنت أظـن الحبيــب القمـر

عادات كريمة

استهل الشاعر قصيدته بالفعل «أقبل»، فصحيح أن سموه فاجأنا بالقصيدة، إلا أنه لم يفاجأ بقدوم شهر رمضان، لأن له مع رمضان عادات كريمة ومجالس رمضانية جميلة يستقبل فيها ضيوف الرحمن وأحباءه وأعيان البلد على موائد الإفطار، وعلى صدى صوت جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، فهو على موعد مع رمضان وإطلاق المبادرات الخيرية الإنسانية فيه، وهو بالفعل ينتظر تجليات هذا الشهر من عام إلى عام، كما أنه على يقين بأن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، ففي رمضان كم يصحح الذين أسرفوا على أنفسهم أخطاءهم، وإلى ذلك كله أشار سموه بقوله:

أقبل كأجمــل ما يكون الموعدُ

                       وانشر ضياءك للأنـام ليهتــدوا

رمضان يا شهر العبادة والتقى

                       لاقتـــك أرواح بنــــور تشهـــدُ

نزول الوحي

ثم أشار سموه إلى أكبر حدث وقع في رمضان، ألا وهو نزول القرآن الكريم، ومعلوم أن للقرآن ثلاثة تنزلات: تنزّلة إلى اللوح المحفوظ أولاً، وتنزلة إلى السماء الدنيا جملة في ليلة القدر ثانياً، وتنزّلة على الرسول مفرقاً في 23 سنة ثالثاً.

ولقد أشار الشاعر الشيخ محمد إلى مكان نزول أول آية على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو غار حراء الذي كان ينفرد فيه محمد صلى الله عليه وسلم للعبادة ويترقب نزول الوحي. وأشار أيضاً إلى الملَك الموكل بالوحي وهو سفير الأنبياء جميعاً، ألا وهو جبريل عليه السلام، فالوحي لم يكن ينزل على محمد كأحلام ورؤى، بل حقيقة كالشمس حملها جبريل إليه عبر 23 سنة في مكة والمدينة، وفي السفر والحضر، وبالليل وبالنهار، لذلك قال شوقي:

والآي تترى والخوارق جمّة

                    جبريــــل روّاح بهــا غــدّاءُ

والقرآن الكريم أنعم به وأكرم من كتاب جمع بين دفّتيه ما وقف أمامه القرشي وهو أفصح الناس يقول: والله إن له لحلاوة، وإن به لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر، وإلى ذلك أشار سموه بقوله:

بك أنزل الله الكتاب مباركاً

                     آيــــاته أنوارهـــــا تتجــدّدُ

غار به الهادي محمد أوحـدُ

                      يأتـي له ملك هــداه مــؤكدُ

لما أتى جبريل بالآي الذي

                      حمل البـلاغة جذوة تتـوقدُ

إعجاز القرآن

أجل، وخصّه الله تعالى باسمه، فقال له جبريل: اقرأ يا محمد، وكأنه يقول: اقرأ الكتاب الذي هو خاص بك وبأمتك، والبدء بـ«اقرأ» دليل على أهمية القراءة في عالم وُصف بالبداوة وبالأمية، في حين أن الأمم من حولهم في ذلك الوقت كان فيهم القرّاء وفيهم الكتّاب وفيهم العلماء.

وفي قوله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذي خلق» التفاتة إلى أن عمل الإنسان أيّ عمل إذا لم يقترن بتوفيق من الله فإن مصيره الفشل، وبالقرآن تحدى رب العالمين عباده فلم يستطيعوا أن يجاروه لا بالسور ولا بالآيات ولا بالحروف، ولا يزال ذلك الإعجاز قائماً، فالدنيا تفنى وإعجاز القرآن خالد إلى الأبد، وإلى ذلك أشار الشاعر فقال:

ويقــول اقرأ يا محمد باسمــه

                     ربيّ وربك من يطـاع ويعبــدُ

وبه تحـدى الله أربــاب النهـى

                    في أن يجيء بمثله من ألحدوا

نــور سمـــاوي يشــع هدايــة

                   يفنى الزمـان وعلمـه لا ينفــدُ

لا يبلغ الفصحاء من إعجــازه

                    لو آيــة عجزوا وعنــه تبلــدوا

بعثة الرسول

ثم يذكر الشاعر ما أصاب قريشاً من هلع عند بعثة الرسول ونزول القرآن عليه، وحيرتهم فيما أخبر به الرسول من المغيبات أكثر، ولعل موضوع القيامة والبعث والجزاء هو أهم ما شغل أذهانهم حتى نزل قوله تعالى: «عم يتساءلون* عن النبإ العظيم» إلى آخر السورة.

وقريش جنّ جنونهم، إذ كيف يستولي محمد وحده من بينهم على الساحة، ويصبح شاغل الناس بالعجب من القول والفعل، في حين أن في قريش أمثال عمرو بن هشام وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة وأبي لهب وغيرهم من صناديد قريش.

لذلك، فإنهم إزاء ذلك أرادوا أن يسكتوه بالمال والجاه والجمال والعلاج، فوسّطوا أقرب الناس إليه، وهو عمه أبو طالب، ليعطوه كل ما يريد مقابل توقفه عن سب آلهتهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبعوث رب العالمين لم يغره شيء، فقال: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر لما تركت، فقال له عمه افعل ما تريد يا عم:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

                     حتى أوسّد في التراب دفينـا

ولقد علمت بأن دين محمـــد

                     من خير أديان البريــة دينــا

لولا الملامة أو حذار مسبـة

                      لوجدتني سمحا بذاك يقينــا

موقف قريش

وعبّر الشاعر الشيخ محمد بن راشد عن موقف قريش من محمد وموقف أبي طالب من محمد بقوله:

مـــا الأمـر هذا أي قصــــة فتنـــة

                       حلّت تقوم لهـــا قريــــش وتقعــــدُ

ويحرك النبـــأ العظيـــم سؤالهــــم

                       ماذا يريــــد بمــــا يقـــــول محمدُ

أيريد ملكا ســــوف نعقـــد تـــاجه

                        وله الزعـــامة والمقــــام الأمجـــدُ

أم أنهـــــا امـــرأة نزوجهـــــا لـه

                         أم شـــاء مـــــالا فالدراهم تـــوجدُ

أو مـــا به مـرض فـــإن علاجـــه

                          مـــا يبتغي حيث الأطبــــاء تقصدُ

وليترك الدعوى التــي يدعو بهـــا

                         ولعمّـــه بجميـــــع ذلـــك حـــدّدوا

لم يرض ما عرضوا ولم يأبه بهم

                           فتبــــادروه وحـــاصروه وهــدّدوا

التهديد بالحصار

نعم، لم يكن بعد ذلك إلا أن يتسلحوا بحيلة العاجزين والمفلسين، وهي التهديد بالحصار وبالقتل، حتى استعانوا بإبليس فاتفقوا في دار الندوة على أن يختاروا من كل قبيلة أشجعهم، ويجلسوا له في طريقه وهو خارج، لينهالوا عليه بضربة رجل واحد، وعندئذٍ ينتشر دمه في قبائل عدة فيضيع دمه، لكن ما ظنك بمن يرعاه رب العالمين؟ لقد سلّمه منهم وأمره بالهجرة إلى المدينة من حيث لم يشعروا، وأحسن الشاعر الشيخ محمد بن راشد في التعبير عن تلك المكائد بقوله:

والله مكمـــــل نـــــوره ومـتمــه

                           والنصـر من رب الخلائــق يعقدُ

أنجاه خـــالقه فهـــــاجر واهتدت

                            بهـــداه أمتـــه وطـــاب المـــوردُ

رمضان هذي ذكريات هجتها

                           إني بوجهك حين تقبل أسعدُ

ذكريات وعبر

وفي البيت الأخير من القصيدة يعود الشيخ محمد بن راشد ليخاطب رمضان كما فعل في مستهل القصيدة، فيقول: يا رمضان إنك عندما تهل في كل عام من جديد تجدد في نفسي ذكريات وتحرك أشجاناً، لذلك فإني بك أسعد.

أقول: ونحن يا صاحب السمو برمضان نسعد، بل نسعد بمثل هذا الاستقبال منك لرمضان، فأنت قدوتنا، وكم حملت هذه القصيدة من ذكريات وعبر، فهي لم تكن لوحة رمضانية واحدة فحسب، بل سيرة حياة لمبعوث العناية الإلهية.

فنزول القرآن في رمضان، وانطلاق أول آية من غار حراء، وقيام جبريل بمهمة سفير الوحي، وبيان إعجاز القرآن وتحديه لقريش، واندهاش قريش من ذهاب الوحي إلى محمد دون غيره، وإخبار الرسول بالمغيبات، وإصرار الرسول على الدعوة برغم مكابرة قريش، وتآمر قريش على قتل الرسول، ونجاته عليه الصلاة والسلام منهم بالهجرة، كل هذه صور وأخيلة ومواقف ولوحات، حملتها هذه القصيدة التي لو فصلناها لاحتجنا إلى مجلدات في السيرة النبوية.

شكراً لكم يا سيدي على هذه المفاجآت الإيمانية في شهر الإيمان، وبالمناسبة فإن «اقرأ» التي هي أول آية نزلت في مثل هذا الشهر، لا تزال نصب أعيننا، ولا نزال نحن مطالبين بها وبتنفيذها، وقيادتنا الرشيدة أكدت ذلك، فأصدرت قراراً بجعل عام 2016 عاماً للقراءة، فلنقرأ باسم ربنا ما يرضي ربنا.

عبد الله بن دلموك:

النبطي والفصيح والفخر

شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فيه نفس وطني نعرفه جميعاً كقراء لقصائده، ونعرف روحانياته التي لا تنفك عن باقي شعره قوة وحضوراً، وقلما نجد شاعراً محلقاً بالفصحى ومحلقاً بالنبط كما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فقد أجاد وأبدع في الطريقتين وزاد عليهما الكثير من فنه، وبات شعره الفصيح كما النبطي مرجعاً ومقصداً لمحبي الشعر.

قلما عرف التاريخ حاكماً يبارك لشعبه شعراً، ويبادلهم المشاعر الصادقة عبر قصيدة متينة المعنى شديدة التكثيف واضحة الهدف، وقلما نجد في التاريخ ميلاً نحو كتابة الشعر في مناسبات دينية، لكن محمد بن راشد أعطى معنى أعمق للشعر عندما بارك لشعبه بقدوم الشهر عبر إعادة الحكاية الكريمة لسيد الخلق، ولكن بطريقة شعرية لا تخلو من لمحات ذكية في استعمالات اللغة ومفرداتها التي خدمت الهدف الرئيس للقصيدة ومضامينها الواضحة.

دائماً ما يبهرنا محمد بن راشد بكلماته، كلماتٌ تدفعنا إلى الفخر بأن حاكماً شاعراً بيننا ومن أبناء أمتنا التي ما فتئت تنجب الأبطال والقادة الميامين الذين تتفاخر بهم الأمم، ونحن نفاخر بالشاعر والقائد محمد بن راشد، وكل العرب والمسلمين يشعرون بهذا الفخر، ليس داخل الإمارات فحسب، بل في كل مكان، أفعاله وخصاله تدل عليه، وشعره يؤكد صواب رأيه وحكمته.

راشد شرار:

قصيدة تحاكي عصور الشعر الذهبية

هذه القصيدة تلامس مشاعر كل فرد فينا، فهي تنهل من الكتاب الحكيم معانيها، ويجد القارئ فيها راحة لنفسه، وكأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أراد القول إن رمضان هيّج الذكريات، فاستعاد سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فاستلهمها شعراً وحكاية رواها باختصار الشاعر الذي يطوّع الكلمات وينمّق العبارات، لتأخذ مكانها في البيت الشعري بطريقة مبتكرة يعرفها أهل الصنعة.

حملت القصيدة رسالة واضحة المعاني للأمة، وعلى الرغم من أننا في الإمارات نعيش في أمن وأمان، لكن حولنا الكثير من المآسي التي ندركها، لأن أهلنا من يعانون ويدفعون الثمن، ويدرك الشاعر ذلك بمضامين قصيدته ذات الأهداف النبيلة، وكل من لديه اطلاع على السيرة الكريمة يعرف حتماً المعاني الدفينة في شعر سموه.

لقد سرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد جانباً من سيرة النبي الكريم، متخذاً شهر الصوم مدخلاً لتفاصيل الحكاية، إنه الشهر الفضيل الذي جاء فيه جبريل وقال له: «اقرأ»، وراح سموه يسرد كل منعطف من حياته الكريمة وما تعرض له من ظلم وضيم، لكن الله ينصر عبده وينجيه من مكائد الكفار وشرورهم:

أنجــــــــــــــاهُ خالقـــــــــــــهُ وهـــــــــــــاجرَ وإهتـــــــــــــدتْ

                                 بهـــــــــــــــداهُ أمَّتـــــــــــــــهُ وطـــــــــــــــابَ المــــــــــــــوردُ

إنها حكاية يرويها شعراً، بلغة تميل إلى البساطة دون ترهل، فكل كلمة لها معنى، وكل جملة لها مغزى، وكل بيت له هدف.

هو ذا الشعر الذي يستحق منا القراءة لعلو قامته وفخامة معناه، وقد ذكرت في أحد حواراتي أن الماجدي بن ظاهر حاضر في شعر محمد بن راشد، لأن سموه يكتب الشعر النبطي بروح شعراء كبار، وهو في كتابته الفصيحة يحاكي شعراء عصور موغلة، فكأنه شاعر أموي أو عباسي يعيش في زماننا.

Email