لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا
البحث عن النحافة العاجلة والمعاناة من السمنة المفرطة يدفعان المصابين بداء البدانة لتجربة طرق جراحية لا تخلو من أخطار، أبرزها عمليات قص المعدة، أو ربط المعدة أو تحويل مسار المعدة ، وهي وإن كانت في المعايير العالمية لا تتجاوز خطورتها حد الـ2% إلا أن دخولها سوق الأطباء التجار الباحثين عن الثراء السريع قد يرفع درجة خطورتها ومضاعفاتها إلى 40% وبدل أن يخرج المريض بجسم رشيق فإنه قد يخرج بعاهة مستديمة أو قد تصل إلى حد الوفاة تحت مبضع الجراح.
هذه العمليات أصبحت اليوم أكثر ما يطرق مستشفيات القطاعين الحكومي والخاص في الدولة، وتحظى بإقبال لافت من قبل شرائح عمرية مختلفة، تتصدرها فئة الشباب الذين يشكلون 37% من المصابين بداء البدانة المفرطة، كما لا تقتصر زيادة الوزن على الذكور فقط، بل تشمل الإناث أيضاً وحتى صغار السن، وتؤكد الإحصائيات في مستشفى دبي مثلاً أن المواعيد في المستشفى محجوزة حتى نهاية العام وشهرياً يتم إجراء 50 عملية تقريباً لمواطنين ومقيمين تصل أوزانهم إلى أكثر من 140 كيلوغراما، وهو ما أكدته مديرة قطاع المستشفيات في وزارة الصحة ووقاية المجتمع الدكتورة كلثوم البلوشي التي قالت إن المستشفيات التابعة للوزارة أجرت العام الماضي 500 عملية، مع تأكيد الوزارة أنها وضعت معايير محددة لتنظيم عمليات جراحة السمنة في مستشفياتها وطالبت الأطباء الالتزام بها، انطلاقاً من حرصها على أمن وسلامة المتعاملين.
وقد طرحت حادثة وفاة شاب في رأس الخيمة، مؤخراً، بعد اجرائه عملية قص للمعدة أسئلة عديدة ومنها: أين المعايير الملزمة للأطباء، ومَن هم الأطباء المسموح لهم بإجراء العملية، وهل كل المستشفيات مؤهلة لإجراء هذا النوع من العمليات؟.
معايير محددة
الدكتور يوسف السركال وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لقطاع المستشفيات أكد أن الوزارة شكلت لجنة استشارية قامت بوضع معايير محددة لتنظيم عمليات جراحة السمنة في مستشفيات الوزارة، مشيراً إلى أن مشكلة السمنة عالمية وأن الإقبال على جراحات السمنة قد تزايد في العامين الأخيرين، الأمر الذي يتطلب مواجهتها، كما تحتاج إلى توعية عالية المستوى لكافة أفراد المجتمع، ويفرض علينا ضرورة تقنين العمليات التي تجرى في هذا الصدد ووضع إرشادات تتضمن معايير تحدد من الذي يجب أن يستفيد من عمليات جراحة السمنة والمستشفيات المخولة بإجرائها.
وأكد السركال أن سياسة التعامل مع جراحات السمنة تأتي ضمن خطة متكاملة لقطاع المستشفيات لتنظيم الخدمات العلاجية المقدمة في مستشفيات الوزارة وفق بروتوكولات طبية معتمدة علمياً وعالمياً وعلى الأدلة المبنية على البراهين.
وتتمحور السياسة حول المعايير الواجب توفرها في المستشفيات المصرح لها بإجراء عمليات السمنة والطاقم الطبي المخول بذلك من حيث توفر الـتأهيل العلمي والخبرة العملية بالإضافة للشروط الواجب توفرها في المريض ليتم إجراء العملية له بحيث لا تكون مجرد إجراء تجميلي فقط بل يجب أن تكون هناك دواع طبية معتمدة لإجرائها.
وأشار إلى أن عدد العمليات التي تم إجراؤها في المستشفيات التابعة للوزارة وصل العام الماضي إلى 500 عملية تنوعت ما بين قص أو تكميم المعدة وتحويل مسار المعدة وهو ما يؤكد أن هناك مشكلة كبيرة في المجتمع، ناجمة بالطبع عن تغير الأنماط الغذائية والاعتماد على الوجبات السريعة التي تحتوي على كميات كبيرة من الكربوهيدات قابلها في ذلك عدم ممارسة الأنشطة البدنية.
تدقيق دائم
الدكتورة كلثوم البلوشي مدير إدارة المستشفيات قالت بدورها إن الوزارة عقدت عدة ندوات لتوعية المعنيين من الجراحين في الوزارة بالسياسة والمعايير الموضوعة وتم تصميم سجل يتم فيه تدوين كافة المعلومات عن جراحات السمنة التي يتم إجراؤها في مستشفيات الوزارة وذلك لمتابعة الحالات ومراقبة الالتزام بالمعايير التي تم وضعها ويتم عمل تدقيق دوري لمراقبة مدى التزام المستشفيات والفريق الطبي بهذه المعايير مشددة على ضرورة الالتزام بها.
وأكد الدكتور عيسى معلمي رئيس فريق عمل الاستشاريين، استشاري الجراحة العامة في مستشفى الكويت بالشارقة الذي قام بوضع المعايير، أن المعايير المعتمدة في السياسة تتطلب إخضاع المريض لفحص دقيق لبيان توافقه مع المعايير المطلوبة ومدى الحاجة للعملية ومنها وزن الجسم سمنة مفرطة وأن لا يقل مؤشر كتلة الجسم عن 35، (تقسيم الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر) والأمراض المصاحبة وغيرها. كما يجب عدم قبول أي شخص لجراحة السمنة إلا إذا كان قد حاول في السابق وسائل أخرى لتنقيص الوزن كالحمية الغذائية والرياضة والأدوية، كما سيجري إخضاع المتعامل لبرنامج طبي وتأهيلي معتمد لعدة أسابيع قبل إجراء العملية بالإضافة لبرنامج غذائي دقيق قبل وبعد العملية.
واشتملت السياسة كذلك على مهام ومسؤوليات الفريق الطبي المخول بإجراء عمليات السمنة، كما تم تقسيم المستشفيات إلى مستويات وتم تحديد متطلبات كل مستوى من مستويات المستشفيات والمعايير الواجب توفرها في المستشفيات من حيث عدد العمليات ومؤهلات وخبرات الأطباء لكل مستوى بالإضافة للامتيازات الممنوحة للأطباء.
وحول الاشتراطات والمعايير الواجب توفرها في المرضى الكبار والشباب قال الدكتور عيسى معلمي هناك برنامج لتحضير المرضى للعملية بما في ذلك التحضير قبل وأثناء وبعد التسريح من المستشفى، وبرنامج المتابعة المنتظمة لتجنب المضاعفات والتأكد من التزام المريض بالتعليمات.
حجم المشكلة
الدكتور زيد المازم استشاري الجراحة العامة في مستشفى دبي أكد أن عمليات قص المعدة أصبحت شائعة جدا في الإمارات بسبب زيادة الوزن إلى ما فوق المعدلات المقبولة، بدليل أن مواعيد عمليات قص المعدة محجوزة بالكامل حتى نهاية العام وشهرياً لدينا 50 عملية وكلها لشباب من الجنسين (الذكور والإناث ومن جميع الجنسيات).
وقال: صحيح أن جراحة ربط المعدة تعتبر من العمليات الآمنة، ونسبة المضاعفات المتعارف عليها عالميا لا تزيد عن 2% ولكن في بعض المراكز والمستشفيات تحولت عمليات ربط وقص المعدة إلى تجارة رابحة، إذ لا تستغرق العملية أكثر من 20 دقيقة، وتصل تكاليفها إلى 35000 درهم وفي بعض الدول المجاورة تجرى بأسعار أقل بكثير، لافتا إلى أن بعض المراكز تنشر إعلاناتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت معلنة تحطيم الأسعار لجذب الخليجيين، وأضاف أنه تبين من خلال بعض الحالات التي يتم متابعتها حدوث مضاعفات خطيرة ناجمة عن استخدام نفس الأجهزة والمعدات لأكثر من مريض وتكتفي فقط بتعقيمها، الأمر الذي يسبب مضاعفات خطيرة أقلها الالتهابات الفيروسية والبكتيرية.
وقال: عالمياً المضاعفات المحتملة لهذا النوع من العمليات هو 2% ولكنها قد تصل إلى 40% في حال أجريت في تلك المراكز من قبل أطباء الثراء السريع وقد تؤدي إلى الوفاة.
ويضيف المازم: لدينا في مستشفيات الصحة حالات عدة لأشخاص ما زالوا يعانون من مضاعفات تلك العمليات لأنهم استرخصوا السعر 20000 درهم، من قبل أطباء غير مؤهلين، لافتاً إلى أن البرتوكولات العالمية تقول بأنه يمكن اجراء عملية ربط أو قص المعدة في حال كانت كتلة الجسم لدى الشخص أكثر من 40، أو 35 اذا كان مصاباً بالسكري، ولكن ما يجري في المراكز أنها تجرى لأشخاص كتلة أجسامهم تقل عن 30.
أخطار
وأضاف: تنفيذ العملية الجراحية تحت تأثير مخدر عام، قد يحمل بعض المخاطر عند تطبيقه، حسب طبيعة أجسام الأشخاص، كما قد تحدث مخاطر أخــرى كانتقال العدوى أثناء القيام بالعمليــة، وقد تنتج آلام في المعدة، كمــا قــد تزيــد مخاطر التعــرض للقرحــة، بعــد الانتهــاء مــن العمليــة الجراحيـة.
وقال من المضاعفات الأخرى التي قد تحدث بعد العملية انزلاق القطعة المربوطة بالمعدة عن موقعها الأصلي، مما يؤدي إلى حدوث تهيج ونزيف داخلي، بالإضافة إلى السماح للمواد الغذائية بالدخول إليها، وإلغاء فائدة ربطها، كما قد تعلق القطعة في منطقة أسفل البطن، مما يسبب انسداداً، يتطلب عملية جراحية لإزالته، وقد تتعرض القطعة أيضاً إلى ضعف في قوتها، بحيث تزيد قدرتها على تسريب بعض المواد الغذائية، والتي يلزم استبدالها لحل المشكلة نهائيا.
وينصح الدكتور زيد المازم الأشخاص الذين يفكرون بإجراء العملية التريث قليلا واتباع برنامج حمية غذائية معينة توصف من الطبيب بالتعاون مع خبيرة التغذية لمدة شهرين أو ثلاثة وفي حال عدم الاستجابة للبرنامج الغذائي فيفضل اختيار مركز معروف وطبيب مشهود له بالكفاءة والخبرة دون النظر إلى تكلفة العملية لأن حياة الإنسان أغلى من المال.
دوافع طبية محددة
قال الدكتور زيد المازم إن الطبيب يلجأ لعملية ربط المعدة في حالات وظروف محددة ومنها تعرض المريض لخطر الإصابة بأمراض القلب والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وتوقف التنفس أثناء النوم، عندها تساعد الجراحة على فقدان الوزن بشكل سريع وملحوظ خلال السنة الأولى، وتظهر الفوائد الصحية بشكل ملموس ولكن شريطة أن يبقى الشخص على تواصل مع اختصاصي التغذية بشكل دائم وفي حال ظهور أي أعراض يجب على الفور مراجعة الطبيب المختص.