تمثل التكلفة المرتفعة لمعالجة حالات المصابين بالتوحد إشكالية كبيرة تقع على عاتق الأسر، تفاقم معاناتهم وتزيد وقع مصيبة أحد أبنائهم عليهم، إذ يبلغ متوسط كلفة علاج الحالة الواحدة في المراكز الحكومية على مستوى الدولة نحو 62 ألف درهم سنوياً، وتتضاعف أكثر في مراكز التوحد الخاصة، لتصل في بعض الأحيان إلى 400 ألف درهم، ما يفتح التساؤلات عن أسباب هذه الارتفاعات المبالغ فيها ومبرراتها، برغم تأكيد وزارة تنمية المجتمع أن هناك معايير واشتراطات تتبعها لمراقبة أسعار الخدمات العلاجية والتأهيلية المقدّمة من قبل المراكز الخاصة للمصابين بالاضطراب، وأن هناك مراقبة مستمرة لمتابعة هذه التكلفة والتأكد من ملاءمتها للخدمات الموجودة لديهم، بينما برر المسؤولون عن المراكز أسباب ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة لمصاب التوحد بسبب استقطاب الكفاءات التخصصية من خارج الدولة.
إلى ذلك، طالب مختصون بضرورة إدراج الإصابة في لائحة التأمين الصحي على الأقل خلال المرحلة الذهبية، لمساعدة الأهالي على تجاوز تلك المحنة والإسهام في علاج الكثير من الحالات، ودعا أولياء أمور إلى زيادة عدد المراكز الحكومية المعنية بتأهيل مرضى التوحد، بينما يظهر واقع المراكز أن هناك نقصاً على مستوى الدولة في بعض التخصصات، أهمها اختصاصي النطق أو التخاطب من المواطنين، حيث إن وجود اختصاصي نطق غير مواطن لا يثمر عن الاستفادة المرجوة، في حال كان الطفل متلقي العلاج التأهيلي مواطناً.
معايير واشتراطات
وأوضحت وفاء حمد بن سليمان، مديرة إدارة رعاية وتأهيل المعاقين في وزارة تنمية المجتمع، أن هناك معايير واشتراطات تتبعها وزارة تنمية المجتمع لمراقبة أسعار الخدمات العلاجية والتأهيلية المقدمة من قبل المراكز الخاصة للمصابين باضطراب التوحد، وأن هناك مراقبة مستمرة لمتابعة هذه التكلفة، والتأكد من ملاءمتها للخدمات الموجودة لديهم.
وأضافت أن المراكز الخاصة التي ترغب في زيادة أسعار الخدمات العلاجية والتأهيلية يجب عليها أولاً التقدم بطلب لزيادة الرسوم للإدارة، مصحوباً بوجود المبررات والدوافع التي تجعلهم يرغبون في هذه الزيادة، لافتةً إلى أن مثل هذه الطلبات يجب أن تقدم قبل بدء العام الدراسي بمدة زمنية كافية لإتاحة الفرصة للرد عليها، حتى يتسنى لأولياء الأمور البحث عن أماكن في مراكز أخرى لأبنائهم تتناسب مع ظروفهم المالية، وحتى لا يترتب على ذلك أي أعباء تثقل كاهل هذه الأسر.
وذكرت أنه بعد تقديم الطلب تتم دراسته بعناية، حيث يشترط للموافقة على زيادة الأسعار توافر بعض الاشتراطات التي تشمل عمل دراسة تقييمية لخدمات المركز في الفترات السابقة، والتعرف إليها حتى تتسنى معرفة الجديد فيها الذي يجب أن يتناسب مع الزيادة المطلوبة، كما أنه يجب على هذه المراكز تقديم تصوراتهم الخاصة لطلب هذه الزيادة ومبرراتها.
ولفتت إلى أن إدارة رعاية وتأهيل المعاقين لها الحرية في رفض الزيادة أو قبولها، حس ما يتراءى لها من مناسبة الأسعار مع ما يُقدّم من خدمات مراكز رعاية ذوي الإعاقة، كما أنه يمكن طلب تقليل الزيادة المطلوبة بنسبة معينة، إذا تبين أنه مغالى فيها وفي تقديرها، ويأتي ذلك انطلاقاً من المسؤولية التي توليها الوزارة في مراعاة الأسر التي لديها أطفال مصابون بطيف التوحد.
خدمات باهظة
وأبانت بن سليمان أن الخدمات التأهيلية المقدمة لهذه الشريحة تتميز بشكل عام بارتفاع أسعار الخدمات التأهيلية مقارنة بالإعاقات الأخرى، كما أن المتخصصين المعالجين أعدادهم قليلة، وبالتالي ترتفع الكلفة العلاجية تبعاً لذلك، مشيرةً إلى أن بعض المراكز الخاصة تكون أعداد المصابين بطيف التوحد قليلة لديها، وبالتالي قد تصبح الفصول الدراسية فارغة، ما يزيد التكلفة الإجمالية المترتبة على ذلك.
وأشارت بن سليمان إلى برنامج التدخل المبكر بمراكز المعاقين التابعة للوزارة، التي تعتبر أحد الأنظمة الحديثة المقدمة لذوي الإعاقة، لأنه نظام خدمات تربوي علاجي ووقائي، يقدم للأطفال الصغار من الولادة حتى 5 سنوات ممن لديهم احتياجات خاصة نمائية وتربوية، والمعرضين لخطر الإعاقة لأسباب متعددة.
تدريب الأمهات
وأضافت أنه نظراً إلى أهمية التدخل المبكر في الشهور الأولى من العمر، فإن عملية التدخل تعتمد على الأم في هذه المرحلة بشكل أساسي، حيث يتم تدريب الأمهات على مجموعة من الأنشطة والمهارات التي يمكن أن تمارسها مع طفلها في الأسرة، والتي تهدف إلى تحسين عملية تواصله وانتباهه إلى الأشياء من حوله، وتعزيز استخدامه حواسه في استكشاف المحيط، واستجابته للمحيطين وبداية إقامة علاقات معهم، إضافة إلى تحسين قدرته على اللعب بالأشياء والتعامل معها، وهذا كله بدوره يمكن التخفيف من السلوكيات غير التكيفية عند الطفل، وإثراء عملية تواصله الاجتماعي مع الآخرين، وبالتالي تخفيف آثار الإعاقة وتداعياتها على الطفل وأسرته، ولتسهيل وصول أداة الكشف المبكر إلى الأسرة، يجري حالياً تصميمها عبر الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، مما يسهل استخدامها أيضاً، ويبين نتيجة المسح الأولى بشكل آلي، والجوانب الحرجة أو التي تحتاج إلى متابعة، والتي ترشد الأسرة إلى التوجه للمختصين من أجل التدخل فيها ومعالجتها في وقت مبكر.
تشريعات وضوابط
بدوره، طالب الدكتور محمد العمادي، مدير مركز دبي للتوحد، بأهمية وجود تشريعات وضوابط يتم من خلالها التقليل من المتاجرة واستغلال أولياء الأمور، إضافة إلى تشديد الرقابة على جميع المراكز المعنية بتقديم الرعاية للأطفال المصابين بالتوحد، وعدم ترك المجال لتلك المؤسسات لتحديد قيمة الرسوم حسب تقديرها، مؤكداً أن قلة عدد المتخصصين في مجال التوحد، خصوصاً الناطقين باللغة العربية، هي من أبرز التحديات التي تواجه مراكز التوحد في الدولة، وذلك ما أدى إلى ارتفاع قيمة الخدمات التأهيلية للمصابين بالتوحد.
وعن فعالية العلاج، أوضح الدكتور العمادي أن النتائج تختلف من طفل إلى آخر، فمنهم من يُظهر نتائج إيجابية في التواصل اللفظي بعد 6 أشهر من تلقي العلاج، ومنهم من استمر 5 سنوات حتى بدأ يستجيب، وقال إنه لا توجد علاجات دوائية لهذا الاضطراب، وإنما علاجات تأهيلية وتعليمية فقط، إلا في حال خرج الهياج لدى الطفل المصاب عن السيطرة، فيتم إرساله إلى طبيب نفسي، ليصف له العلاج الدوائي المناسب.
إنشاء مراكز
من جهتهم، أبدى عدد من أولياء أمور أطفال التوحد استياءهم من رسوم المراكز التي ينتسب إليها صغارهم، وزيادتها المستمرة عاماً إثر عام. وأكدت علياء محمد آل علي، أم طفل مصاب بطيف التوحد، أنها لم تتوقع أن رسوم المركز المنتسب إليه طفلها ستزيد في هذا العام 10 آلاف درهم عن العام الماضي، وعلى الرغم من مقدرتها على تحمل تكاليف التأهيل ورسومه التي يتم تحصيلها بالتقسيط، فإنها تساءلت: هل يستطيع جميع أولياء الأمور دفع هذه الرسوم المرتفعة، حتى إن اتسم المركز بجودة خدماته ونوعيتها التي يقدّمها مدرسون ومعالجون متخصصون؟
وأضافت آل علي: «لم تستوقفني رسوم تلك المراكز فقط، وإنما قوائم الانتظار المتزايدة لدخول المراكز المتخصصة أيضاً، نظراً إلى الضغط الشديد على المراكز الحالية»، وتمنّت آل علي إنشاء المزيد من المراكز المتخصصة الحكومية لعلاج الأطفال الذين يعانون التوحد، بحيث يكون أسمى أهدافها تأهيل الأطفال سلوكياً، ودمجهم تربوياً ومجتمعياً.
وأشارت والدة النيادي إلى أن أطفال التوحد ليسوا بحاجة إلى مراكز لتأهيلهم فقط، وإنما بحاجة إلى مراكز أو مؤسسات لاحتواء هواياتهم وإبداعاتهم أيضاً، لا سيما أن طفلها أحمد النيادي حقق إبداعاً لا حدود له في مجال اختراع الروبوتات وتركيبها وتصميمها بشكل مذهل، من خلال الاستعانة بمكعبات «الليغو»، حيث بدأ ممارسة هواية تجميع الروبوتات منذ أن كان في السادسة من عمره، وكان آخرها الروبوت «EV3» الذي يمكن تحريكه بـ«ريموت كونترول»، وحاز لقب مبتكر 2015 في المسابقة التي نظمتها لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا، وهو بحاجة إلى دعم مستمر في جهة متخصصة تتفهم إبداعه في مجال الاختراع.
مركز خاص
وحرصت نجلاء محمد العبد الله، أُم لطفل توحد يبلغ من العمر 6 أعوام، على إلحاق صغيرها بمركز خاص لتأهيل أطفال التوحد، وقالت: «على الرغم من وجود مركز بسعر أقل في إحدى الإمارات المجاورة للإمارة التي أقطن فيها، فإنني اخترت هذا المركز لأفضلية مرافقه وخدماته، حتى تميز طاقمه الإداري والوظيفي، ولا أنكر أن أسعار مراكز التوحد الخاصة مرتفعة جداً، لذا أرجو أن تنظر القيادة الحكيمة إلى مشكلتنا التي يكمن علاجها في تأسيس مراكز تستوعب أطفالنا، وتخفف ألم الأسر التي لا تستطيع إلحاق أطفالها، نظراً إلى ارتفاع تكلفة العلاج التي تفوق طاقتهم المادية».
هيئة للعناية بالأطفال
واقترحت والدة الطفل عبد الله سعيد راشد، الذي يبلغ من العمر 8 أعوام، وهو طالب في مدرسة النهيانية، إيجاد هيئة تعنى بأطفال التوحد من ناحية تأهيلهم، وتسهيل الإجراءات الخاصة بهم من الناحية الصحية والمادية، وحتى تسليط الضوء على هواياتهم واهتماماتهم، وهذا الأمر من شأنه أن يخفف على الوالدين الأعباء المادية والنفسية تجاه هذا الطفل الذي يحتاج إلى اهتمام خاص، مؤكدةً أن وجود هذه الهيئة التي ستستوعب أطفال التوحد سيخفف بلا شك عن أولياء الأمور الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج الباهظة في المراكز الخاصة.
دور مهم للأسرة
نبهت وفاء بن سليمان إلى أهمية دور الأسرة في الكشف المبكر عن الأطفال الذين لديهم اضطراب التوحد، حيث إنه من المعروف أن اضطراب التوحد يتم تشخيصه خلال السنة الثالثة من عمر الطفل أو قبل ذلك بقليل، إلا أن هناك مجموعة من المؤشرات والعلامات التي يمكن للأسرة أن تنتبه لها، والتي تعتبر مؤشرات أولية إلى تطور اضطراب التوحد لدى هذا الطفل، مشيرةً إلى أهمية توعية الأمهات بكيفية ملاحظة الأطفال وطريقة تواصلهم واستجابتهم، والتفاعلات الاجتماعية مع المحيطين وأي سلوكيات غير طبيعية تختلف عن الأطفال العاديين.
6
قدم عدد من الأمهات 6 مقترحات لتخفيف معاناتهن، وتمثلت في زيادة مراكز التوحد الحكومية، وإيجاد الكادر المؤهل للعمل مع الأطفال، وتوفير مراكز متخصصة بأسعار رمزية، وإشراف الخبراء على برامج المرضى، والتنسيق بين المدارس والمراكز العلاجية، وأخيراً، تأسيس مراكز تعنى بهوايات أطفال التوحد.
وقف خيري
لفت محمد العمادي إلى أن موارد المركز المالية تأتي غالباً من الإعانات والهبات والتبرعات التي تقدم من الهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات والشركات والأفراد التي يقبلها مجلس الإدارة، ومن أي وقف خيري يوقف على المركز، مشيراً إلى الأقساط الرمزية التي يدفعها أولياء الأمور، على الرغم من أن تقديم البرامج المتخصصة مكلف جداً، ويعتمد بشكل أساسي على العامل البشري.
13
حدد أخصائيون تربويون 13 دوراً لمدير المدرسة التي تفتح أبوابها لدمج المصابين من مرضى التوحد. أبرز هذه الأدوار يتمثل في: تشجيع ثقافه الدمج، وتهيئة البيئة التربوية والمدرسية الضامنة لتنفيذ برامج التربية الخاصة، وتسهيل عملية قبول ودمج الطلبة وفق التوصيات.
تكنولوجيا علاجية
يوفر مركز دبي للتوحد أحدث الوسائل التكنولوجية التأهيلية التي يمكن تطبيقها وتحديثها بشكل دوري في مقره الجديد، حيث تم اختيار تكنولوجيا Exergame لتوفيرها في نادي المركز الرياضي الخاص بالأطفال، والتي تتميز باستخدامها عناصر تفاعلية ثلاثية الأبعاد تدفعهم للحركة واللعب بشكل ممتع ومفيد للنمو وتعزيز المهارات. كما سيوفر المركز الأسطح التفاعلية بتقنية Vertigo Systems.
280
ذكر محمد العمادي أنه تم إنشاء مركز دبي للتوحد كمؤسسة ذات نفع عام تهدف إلى تقديم الخدمات المتخصصة لرعاية الأطفال المصابين بالتوحد، موضحاً أنه لارتفاع نسبة الإصابة باضطراب التوحد، أثراً في ازدياد قائمة الانتظار للالتحاق بصفوف المركز إذ تجاوز عددهم 280 طفلاً.
منح دراسية
تواصل مركز دبي للتوحد، وبالتعاون مع مؤسسة خلف أحمد الحبتور للأعمال الخيرية، مع عدد من جامعات الدولة لاقتراح مشروع تقديم منح دراسية للطلبة من مواطني الدولة في تخصصات مختلفة ضمن مجال التوحد، وذلك سعياً لتشجيع الكوادر الوطنية واستقطابهم للعمل في قطاع التربية الخاصة.
%40
أوضحت الدكتورة هبة شطة المدير العام لمؤسسة مركز الطفل لتدخل الطب المبكر في دبي، أن التدخل المبكر يؤدي إلى استغناء 40 % من مصابي التوحد عن الخدمات لاحقاً. وقالت: من الضروري العمل على تحفيز الخلايا العصبية في الدماغ خلال 5 سنوات الأولى من عمر الطفل.
مهارات
يساعد أخصائي العلاج الوظيفي على إدخال وتعديل وتحسين المهارات الوظيفية المختلفة، إلى أن يصل الفرد المصاب بالتوحد إلى أعلى مستوى من الاستقلالية، كما أن العلاج الإبداعي يندرج ضمن الخطة الفردية التأهيلية لكل طالب، ومن خلاله يتم إتاحة المجال للتعرف إلى القدرات الإبداعية لكل طالب عن طريق الأعمال في مجالات الفن والدراما والموسيقى والتمثيل العلاجي.