الجسم السليم يلفظ الأمراض التي تحاول أن تصيبه، وهكذا هو حال مجتمع الإمارات المتعافي الذي يرفض كل ظاهرة دخيلة تؤثر على عاداته وقيمه وموروثه الشعبي، فقد انبرى المجتمع كاملاً بمسؤوليه وعلمائه وأبنائه ضد تصرفات وحالة طيش ابتدعها قلة قليلة من الطلبة والمراهقين من خلال أداء حركات تسيء لموروثنا، تحت اسم «المتصوع»، تناغماً مع أغنية جديدة.

فقاعة سرعان ما أحيطت بجبهة متآزرة من الرفض والاستهجان في وجه ما تفرزه مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تبقى عين المجتمع أقوى ولسانه أمضى والقانون فوق الجميع.

وزارة التربية والتعليم تتابع تطبيق لائحة السلوك الطلابي ‏على الطلاب الذين ‏بدرت منهم حركات غير لائقة في الحرم المدرسي. والنائب العام في الدولة المستشار حمد سيف الشامسي أهاب «بالمواطنين أمهات وآباء ممارسة دورهم التربوي وتوجيه أبنائهم إلى النأي عن ممارسة هذه الأفعال التي تجافي المبادئ الأخلاقية، والتي ينكرها المجتمع الإماراتي ويستهجنها».

وطلب النائب العام من الشباب أن «يتحلّوا بالاحترام الواجب لمعاهد العلم»، مشيراً إلى أهمية «الالتزام بحدود اللياقة، وبالسلوك الأخلاقي»، «حتى لا يقع أي منهم تحت طائلة القانون الجنائي».

وفي هذا المضمار تعددت آراء رجال الدين والتربويين والمواطنين في كيفية التصدّي لمثل هذه الظاهرة، التي رأى بعضهم أن من الواجب إعطاء الفرصة للشباب للتعبير عن دواخلهم. وذهب آخرون إلى وضع خطط للانتفاع من طاقات الشباب، في حين راح آخرون يطالبون بوضع ضوابط لسلوكهم، ومنعهم من الخروج عن التقاليد، وفق آرائهم.

ضرار بالهول الفلاسي المدير العام لمؤسسة وطني الإمارات، رحّب ببيان النائب العام للدولة حول مقاطع فيديو انتشرت في الآونة الأخيرة لفئة من أبناء الدولة بنين وبنات يؤدون فيها رقصات بأسلوب حركي ينال من الموروث الأخلاقي والاجتماعي والثقافي المتأصل في المجتمع الإماراتي المحافظ.

وقال الفلاسي: إن أخلاقنا وقيمنا وشخصيتنا الوطنية الإماراتية المستمدة من عقيدتنا الإسلامية السمحة هي سلاحنا الأول في عالم اليوم، وعلينا جميعاً أن نحمي هذا السلاح، ولهذا فإن الجميع مدعوون للتجاوب مع بيان النائب العام لأن ما شاهدناه من مقاطع فيديو يسيء بشكل كبير إلى صورة المجتمع الإماراتي وسمعته كمجتمع يعلي القيم الأخلاقية الحميدة، ويربي أبناءه وبناته على السلوكيات المنضبطة والخيّرة، بعيداً عن اللهو الماجن والتصرفات المبتذلة المسيئة. ودعا ضرار بالهول الآباء والأمهات والتربويين كل في ميدانه إلى التعامل بجدية مع هذه السلوكيات غير المقبولة إطلاقاً، متمنياً في الوقت نفسه أن يتم إلزام كل من يثبت تورطه في هذه السلوكيات بأداء الخدمة الوطنية العسكرية لكي يتعلم في ميدان الرجولة ماذا يعني أن يكون إماراتياً في عالم مليء بالتحديات الجسام.

استنكار

واستنكر الدكتور رياض المهيدب مدير جامعة زايد، ما يتم تداوله بين فئة الشباب، مشيراً إلى أن هذه السلوكيات في مجملها محدودة ولم ترتق إلى الظاهرة، وهنالك دائماً فئة صغيرة تحاول كسر القواعد والظهور بشكل فكاهي أو خارج عن المألوف ربما للفت النظر أو بسبب الملل، والمشكلة الحقيقية هي في تصوير مثل هذه المشاهد من قبل الشباب وتوزيعها فتعطي انطباعاً عن الغالبية بأنهم عابثون وغير جادين، أو أنها تمثل حتى الأشخاص أنفسهم عندما يكبرون وتكون لديهم تجربة في الحياة تمكنهم من فهمها بشكل أفضل.

ومن ناحيته شدد محمد مبارك ياقوت الغفلي رئيس خط نجدة الطفل بالشارقة على ضرورة شغل أوقات فراغ الشباب فيما يفيد ويعود عليهم وعلى المجتمع بالخير ومن أمثلة ذلك إشراكهم في مبادرات تطوعية انطلاقاً من عام الخير بالإضافة إلى إشراكهم في أنشطة ترفيهية ونوعية وغيرها.

غياب القدوة

وأوضح الخبير النفسي والتربوي محمد السويدي، أن المشكلة تكمن في غياب القدوة والرقابة الأبوية والضوابط الأسرية، فنجد الآباء مشغولين عن أبنائهم سواء في العمل أو مع الأصدقاء، فكثيراً من الآباء يتركون أمر تربية الأبناء برمته للأم، متناسين أدوارهم ويكتفون بدور الممول فقط، وهذا خطر حقيقي ويؤثر بشكل كبير في سلوك الأبناء، كما أنهم قد يجدون في مثل هذه السلوكيات متنفساً لهم بعيداً عن أجواء المنزل التي لا يجدون فيها من يفتح لهم أذانا. وأشارت موزة الشومي إلى ضرورة عدم إعطاء المشكلة أكبر من حجمها، إذ إنها لم ترتق إلى الظاهرة، لافتة إلى دور وزارة التربية والتعليم التي يجب أن تنظم فعاليات ترفيهية وأنشطة ثقافية ينخرط فيها الطلبة سواء في المدارس أو الجامعات لفتح باب يجدون فيه متنفساً لتفريج الطاقات الكامنة بداخلهم. وأهابت بضرورة استغلال طاقات هؤلاء الشباب من خلال المسرح المدرسي أو الجامعي وإشراكهم في الفرق الموسيقية المدرسية، بحيث ينفسوا عن مواهبهم وطاقاتهم بالطريقة الصحيحة.

مبادرات أخلاقية

أوضحت جواهر المهيري عضوة مجلس دبي للشباب، أنها حزينة لما يتداول حالياً من مقاطع «رقصة المتصوع» المنتشرة بين الشباب إلى هذا الحد، لأنها تحمل جزءاً من تراثنا الإماراتي الذي نعتز به، مؤكدة أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يكون لها حدود لا تتعداها بحيث نختار منها ما يفيدنا وليس ما يسيء لنا، ولذلك فإن التأثر بالغرب في أفعاله من حركات وأفعال لا يجب بالضرورة أن نهتم له.

وأكدت أن مجلس شباب الإمارات يعمل على إطلاق العديد من البرامج والمبادرات التي من شأنها أن تقوّم وتساعد الشباب الإماراتي على الانطلاق بقدراته وإمكاناته لآفاق أرحب، وأكبر دليل على ذلك برنامج القيم ومناهج الأخلاق وغيرها من المبادرات التي تسعى لتعزيز القيم والثوابت الإماراتية في نفوس الجيل الجديد.

ولفتت إلى أن أعضاء مجلس الإمارات للشباب يقومون بجولات مستمرة بين شباب الوطن بالتزامن مع انعقاد الجلسات الشبابية، لزيادة الوعي والتوجيه وتقديم النصح والإرشاد، ولذلك فإن برامج استيعاب قدرات الشباب مستمرة، موضحة أن هذه التصرفات ستنتهي بسرعة لأنها غريبة عن مجتمعنا الذي يحمل من المبادئ والقيم التي من شأنها لفظها.

من جهته أوضح المهندس زيد العبيدي أن الانتشار الكبير لهذه الظاهرة السلبية والتي تبتعد عن عاداتنا وتقاليدنا لها العديد من الأسباب، أولها قلة الوازع الديني عند الشباب الذي يجعلهم يجتمعون على كل ساقطة ولاقطة من التقليعات، بالإضافة إلى زيادة دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الشباب، لافتاً إلى وقت الفراغ الكبير والطاقة الكبيرة التي يكبتها الشباب بداخلهم، ولذلك يقومون بإفراغها في كل ما يراه جديداً وغريباً.

قرية صغيرة

وقال المهندس منذر السعدي إنه بعد تطور منصّات التواصل الاجتماعي،أصبح العالم قرية صغيرة، ومن ثم أصبحت هناك بعض الممارسات الدخيلة على الشعب الإماراتي ولا تمت له بصلة، وتابع أن هذه الفئة من الشباب أو غيرها من الذين يأتون ببعض العادات الدخيلة، يشوهون سمعة المواطن الإماراتي، التي وصلنا إليها بفضل القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وقادة الإمارات من بعده، ولذلك فإنهم لا يقبلون أن تشوّهها فئة قد تأثرت بما هو لا يمثل المواطن الإماراتي.

غياب الإشراف

يرى الأستاذ الدكتور أحمد العموش من كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، أن مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لشباب يؤدون رقصات غريبة داخل الحرم المدرسي والجامعي وأماكن عامة هي تصرفات وحركات غير مألوفة أو مستساغة بالنسبة للمجتمع وتتعارض مع قيمه الأصيلة، مؤكداً رغم حالة الاستياء التي اثارتها تبقى محدودة وتتعلق بسلوكيات غير مسؤولة ينبغي متابعتها وملاحقتها بشدة.

واعتبر أن ما تم تداوله من هذه الممارسات يأتي نتيجة حتمية عن غياب الإشراف الأبوي الدائم للأبناء كون ذووهم في حالة انشغال دائم في أمور روتينية خارج أسوار المنزل ما قد يؤدي إلى إتيان النشء بسلوكيات منحرفة وانشغالهم بالمجتمع الافتراضي عبر الإنترنت الذي بات موجهاً لهم في كثير من الأمور.

وحمل الدكتور العموش غياب الدور التربوي الذي تلعبه شريحة كبيرة من المدارس، وتغييب دور الأخصائي الاجتماعي وشيوع حالة عدم الاكتراث له بما يقوم به الطلبة واعتقاد البعض أنهم يسايرون الغرب ضاربين بذلك أصالة الأسرة والتراث ومنظومة القيم.

من وجهة نظر فيصل محمود آل علي وهو أخصائي اجتماعي أنه يتوجب على جميع المؤسسات التكاتف لصد هذه الظاهرة بالمعالجات الثقافية والاجتماعية، مبدياً استغرابه من مثل هذه السلوكيات التي لا دخل لها بالعادات والتقاليد، وأن من قاموا بها لم يتورعوا من انتهاك حرمة المدارس التي وجدت لاستقاء العلم والمعرفة، وقال إن إخفاء هذه الفئة لوجوهها يدلل على إدراكهم للخطأ الذي يقومون به وأنه أمر يتنافى مع قيم المجتمع، متحدثاً عن شعوره بالأسى كون هذه الفئة أعطت انطباعاً لمن يشاهد المقاطع أنه أمام أشخاص فاقدين للوعي، وأضاف هذه أمور مخجلة تصدر عن أفراد تنظر إليهم الدولة بأنهم الأمل والمستقبل وعلى عاتقهم إظهار الصورة الإيجابية للدولة وما تطمح إليه.

ممارسات تستوجب الردع

قالت المحامية أميرة البستكي إن الفيديوهات التي تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملت العديد من الممارسات التي تمس بالآداب العامة بشكل مباشر، وتتعارض بشكل كامل مع القيم والعادات والتقاليد في المجتمع الإماراتي، لافتة إلى أن مثل هذه الممارسات تستوجب الردع، مطالبة أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع بأخذ دورها فيما يتعلق بمجابهة الممارسات الدخيلة كتلك.

وأوضحت أنه وفقاً للقانون لا تقام دعوى جزائية على الحدث الجانح الذي لم يبلغ من العمر السابعة عشرة لكن يجوز لجهات التحقيق والمحاكم أن تأمر باتخاذ الإجراءات التربوية أو العلاجية المناسبة إذا رأت ضرورة لذلك، وإذا ارتكب من أتم السادسة عشرة جريمة معاقباً عليها في قانون الجزاء أو أي قانون آخر جاز للقاضي أن يحكم باتخاذ ما يراه من تدابير منصوص عليها في القانون بدلاً من العقوبات المقررة.