نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في حسابه على موقع «إنستغرام»، أمس، قصيدة جديدة لسموه بعنوان «فرسان العَلَم»، وذلك تزامناً مع حلول موعد مناسبة غالية على قلوب الإماراتيين جميعاً وهي، يوم العَلَم. إذ تغنى سموه في أبيات رائعته الشعرية هذه، والتي تبدت ناضحة بالمعاني الوطنية والفخر بأمجاد الوطن، بقيمة وتميز ماضي وحاضر ومستقبل الإمارات.
وتحفل قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في هذه المناسبة، بألوان الفخر والاحتفاء برفعة دولة الإمارات وشموخ علَمها وتفاني وأمانة أبنائها الذين لم ولن يبخلوا، في بذل الغالي والنفيس، في سبيل عزتها وبقائها في مكانة رائدة عالمياً، ولأجل أن تستمر ترفل بأثواب الخير والقوة والمنعة والوئام والازدهار.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حاكم ذو فراسة وشاعر ذو مراس معروف بدقّته في انتقاء الأسماء واختيار الأزمنة والأحداث.
كما عرف سموه بحسّه الوطني المرهف ووفائه لأرضه وقائده وشعبه، فهو لا ينسى الماضي ولا يُهمل الحاضر ولا يغفل عن المستقبل، وكل شيء عنده بقدر، وعدالته تشمل البر والبحر والبادية والحضر.
وبما أن سموه قرر أن يكون الاحتفال بيوم العلم الخميس المقبل «غداً»: 2/ 11/ 2017 يصادف هذا اليوم الأغر مكانة رفيعة في نفس سموه، اذ اختار له يوماً عظيماً أيضاً في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة.. الاحتفال بهذا اليوم يأتي بمناسبة تسلم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مقاليد الحكم في دولة الإمارات.
يلاحظ أن الاثنين حدثان غاليان على قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يوم تولى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الحكم، ويوم علَم الدولة الذي رفعه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في 2 ديسمبر عام 1971، فسموه يكتب هذه القصيدة متخيلاً هذين الموقفين وحاله حال الشاعر الذي يقول:
رأيت الهلال ووجه الحبيب
وكانا هلاليــــن عنـــد النــظر
فلــولا الـــتـورد في الوجنتـــين
وما راعني من سواد الشعر
لكنت أظن الهلال الحبيب
وكنت أظن الحبيب القمر
نعم... وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، افتتح قصيدته بالقول:
العلـم لي كان زايد رافعنّــه
هـو أمانــتـــنا نعيــــش ونـــرفـــعه
بالدّما له نفتدي ونذود عنّه
وفي القلوب والمشاعر نزرعه
للوطن منّه ولهذا الرمز منّه
وفي يــد القايـد وشـعبـه يتـبعه
لاحظوا كيف قارن الشاعر بين العلم وبين زايد والأمانة، فالمحافظة على العلم واجبة، والمحافظة على وصية زايد واجبة، والمحافظة على أداء الأمانة واجبة أيضاً، والمحافظة على العلم رغم أنها واجب وطني إلا أن سموه ربطها بالمحافظة على الأمانة، التي هي واجب ديني ومطلب شرعي.
وفي هذه الحالة فإن من يقصّر في واجب أوجبه رئيس الدولة، يعد مقصراً في واجب من الواجبات الشرعية، لأن طاعة الحاكم من طاعة الله عز وجل.
قامتان
ولكي يلفت سموه أنظار الشعب إلى أهمية رفع العلم والمحافظة عليه أو قيمة علم الدولة عموماً، استهل القصيدة بذكر العلم مقترناً باسم زايد والأمانة، مثله مثل الوالد الغالي على قلوب أبنائه، فتقول أم الأولاد أو أحد الأبناء لإخوته إن كنتم تحبون الوالد نفّذوا كلامه الذي قال.
ثم إن العَلم عندما يقترن باسم زايد يتبادر إلى الذهن اسم زايد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعلم الدولة التي لم تكن تقوم لولا جهود المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في الزمن الصعب. وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شاهد العصر في ذلك الوقت.
والعلم بما أنه رمز الدولة ورمز العزة ورمز الكرامة ورمز النصرة والفخر والقوّة، يجب علينا شرعاً وعرفاً وقانوناً أن نحافظ عليه بالشكل اللائق به لكي لا يفقد قيمته ولا دوره في المجتمع وأمام الدول.
والعَلم ليس بدعة محدثة بل وجد منذ قديم الزمان، ففي القرآن الكريم ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ﴾ الآية 24 من سورة الرحمن، وقد قال المفسرون: الأعلام هي الجبال، والجبل نفسه علم، لذلك قالت الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
فالعلم يطلق على الأثر والعلامة، ومن مرادفاته اللواء والراية والبند مع فرق لغوي دقيق بين هذا وذاك، وفي الحديث الشريف «لكل غادر لواء يوم القيامة» رواه البخاري، والمراد باللواء العلامة، فالعلم هو العلامة والمنار والشيء الذي ينصب في الفلوات ليهتدى به.
قيمة ومعنى
وما يعنيه سمو الشاعر هنا هو علم دولة الإمارات العربية المتحدة الرمز الدال على وجود الدولة واستقلاليتها وقوتها وعزتها.
ففكرة العلم قديمة كما قلنا حتى يقال بأن أول من عقد الألوية هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، والمصريون والآشوريون والرومان والإغريق ثم الفراعنة عرفوا العلم، وكانت أعلامهم رموزاً تقربهم من الآلهة حسب عقيدتهم.
وأما الدول العربية والإسلامية فيما بعد، فكانت أعلامها تستقى من تاريخ الدولة أو الجماعة وترمز إلى المحبة والحياة غالباً، وصارت فيما بعد ترمز إلى تطلع الشعوب إلى الوحدة والاتحاد، فتراوحت ألوانها، ومعظم الدول العربية بنت ألوان أعلامها على ما ورد في بيت من قصيدة صفي الدين الحلي:
بيض صنائعنا سود وقائعنا
خضر مرابعنا حمر مواضينا
إذن، فإن العلم مهما يكن شكله ولونه، فإنه رمز الدولة. وكما قال الشاعر الكبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو أمانة في رقابنا يجب أن نرفعه عالياً ونفتديه بأرواحنا، لأنه لا سمح الله لو سقط لسقطت هيبة الدولة، فالعلم والقائد رمزان كبيران للدولة التي نموت، ونحيا على اسمها. ثم يقول الشاعر:
نحن فرسان العلم أهل الأعنّه
سامعه عنا الجهات الأربعة
من عزايمنا المعادي خاب ظنّه
فعلنا يشوفه قبل ما يسمعه
حول رايتنا قلوب مطمئنّه
صادقه حول العلم متجمّعه
يشير الشاعر بهذه الأبيات إلى أبناء الإمارات أقسموا لرئيس الدولة بالولاء والطاعة، وأصبحوا يرددون دائماً:
أقسمنا أن نبني نعملْ
نعمل نخلص نعمل نخلص
مهما عشنا نخلص نخلص
فهم يرددون كلمات الوفاء تلقائياً وبأمانة ومسؤولون عن الدفاع عن العلم أمام الله قبل رئيس الدولة، والعالم يشهد لهم بذلك، والدليل على ذلك أنهم استجابوا لنداء رئيس الدولة، فسارعوا إلى الانضمام إلى التحالف مع إخوانهم المدافعين عن الأرض في الدولة الشقيقة اليمن.
وقوات الإمارات الباسلة بيضت الوجه وقدمت الشهداء وما زالت تقدم، وما ذلك إلا لصدق إيمانها بالواجب وإخلاصها لدولتها وأمتها.
ويقول الشاعر: حول رايتنا قلوب مطمئنّه، ويقصد بذلك أن القيادة واثقة من إخلاص أبناء الإمارات لقائدهم وأرضهم، فما بين أبناء الإمارات خائن ولا ناقض عهد، وكلهم يحبون الاتحاد ويلتفون حول علم الاتحاد.
ثم يقول سموه:
من ذكّرنا بشر يا ويله لأنّه
نقطعه شرّه وراسه نقطعه
صفنا واحد أبد ماجته هنّه
من سنة سبعين ماحد زعزعه
تسمع لتاريخنا حنّه ورنّه
سيرة المجد وسناه ومطلعه
في هذه الأبيات، يأخذنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى جانب آخر، وهو أن بعضهم زين له الشيطان سوء عمله فانجرف يوماً ما وفكر في زعزعة الأمن، ولكنه فوجئ بأننا نقف له بالمرصاد فواجهناه بالحزم. وفوجئ أيضاً أنه وجد نفسه وحيداً في الخيانة، فلم يشاركه أحد من أبناء الإمارات المخلصين لبلدهم، كيف ذلك وهم حريصون على بقاء شجرة الاتحاد شجرة معمرة، فاتحاد الإمارات والحمد لله مضرب المثل في العالم.
وبما أن الشاعر نظم هذه القصيدة بمناسبة يوم العَلم، عاد في ختام القصيدة إلى العلم مرة أخرى يمجّده ويحث الشعب على الالتفاف حوله كرمز للدولة. ويأمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بعد ذلك، وأمره مطاع، أن يرفع العلم عالياً في الثاني من نوفمبر إحياءً للذكرى الخالدة، بل نرفعه كل يوم، لكننا في يوم الذكرى نرفعه معاً على بيوتنا والمؤسسات في وقت واحد، هو الوقت الذي يرفع أصحاب السمو العلم، كل يرفعه في مقر الاتحاد أو أمام أي مؤسسة.
ومما ينبغي أن يقال في هذا المقام، إن هذا العلم يرفع من قبل الشعب لكنه يُهمل فيما بعد فيتشقق بفعل الرياح ويبيض بتأثير الشمس ولا يبقى منه إلا عموده، وهذا الإهمال لا يليق بالعلم الذي أمر سموه برفعه عالياً، فرفعه عالياً معناه أن يكون ذلك مع المحافظة على أن يبقى العلم نظيفاً سليماً جميلاً، لأنه رمز الدولة التي نردد في حقها كل يوم:
«رمز العروبة
كلنا نفديك
بالدما نرويك
نفديك بالأرواح
يا وطن».