تُجسّد المنظومة الثقافية الإماراتية السعودية في كافّة أبعادها المجتمعية والإنسانية، جسوراً للتواصل الحضاري ذات صبغة تاريخية متلاحمة الأوصال في نظرتها الإعلامية الشاملة وتجاربها الأصيلة الأدبية والشعرية، التي تؤكد وحدة الموروث، وطموحات الحاضر والمصير المشترك، الذي يحمل بين طياته آمالاً عريضة لحقبة متميزة من الإبداع على كافّة الصعد، تتحدى عوالم الزمان والمكان للمشهد الثقافي في البلدين الشقيقين، حيث صار لهما شأنٌ فاعل وتجلّيات حاضرة في الوجدان والعقل العربي، وامتد شعاعها الإيجابي ليتعدى الحدود المحلية والعربية، مُحلّقة في فضاءات العالمية.
وحدة المصير
وفي السياق، يؤكد الشاعر علي السبعان أن الشعر أهم قنوات التواصل السعودي الإماراتي، ويمثل الشعبان الإماراتي والسعودي نسيجاً واحداً، تتشابه خيوطه وتتشابك أواصره المتجذرة والعميقة، وتشكل العادات العربية والتقاليد المتوارثة لُحمة هذا النسيج المتوحد بوحدة الدم واللغة والدِّين والمصير الواحد، ومما لا شك فيه أن الشعر أحد أهم المشتركات التي تجمع موروث البلدين، حيث تتوحد مرجعتيه ومطلقاته وأعلامه ودلالاته التاريخية والجغرافية.
ويذكر السبعان أنه وخلال عمله في لجنة فرز ألغاز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، أنها ترد لهم عشرات الألوف من الردود من شعراء سعوديين يتفاعلون مع إبداع سموه.
كما لوحظت الجماهيرية العريضة التي تحظى بها قصائد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المكتب التنفيذي، في السعودية، ويقابلها كذلك جماهيرية واسعة لرموز الشعر السعودي في الإمارات، حيث تعد الساحة الشعرية في الإمارات امتداداً طبيعياً للساحة السعودية، ويشكلان معاً مشهداً شعرياً مترابطاً ووثيق الصلات، ولا يعد هذا الأمر حديثاً أو طارئاً، فالتاريخ يسعفنا بالعديد من الشواهد على هذا التمازج الثقافي، ولعل أبرزها الشاعر مبارك العقيلي (1875 - 1955) الشاعر السعودي الذي يعد أحد رموز الساحة الشعرية في الإمارات في النصف الأول من القرن الماضي، إضافة إلى الشاعر بندر بن سرور الذي عاصر شعراء الإمارات ومدح الشيخ زايد بقصيدته المشهورة:
كم من عجوزٍ من ورا شط بغداد
سمت على الشِيب الفلاحي ولَدْها
تبغاه يظهر مثل زايد ولا فاد
ما كل من هز الطويله صعدها
مشتركات ثقافية
ويشير الشاعر طلال الطويرقي إلى أن الإمارات والسعودية كدولتين شقيقتين تقفان على مشتركات ثقافية واجتماعية عديدة، تؤهلهما فعلياً للاندماج في بوتقة ثقافية اجتماعية واحدة، ولعل إدراك القيادتين المبكر لهذه الحقيقة قاد إلى إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين الكيانين ليتجاوز طموحاتنا في المجال الثقافي فقط، وهناك العديد من المناشط والمهرجانات والفعاليات في كلا البلدين الشقيقين، وأطمح فعلياً أنا وغيري إلى أن نرى ثمرات هذه الفعاليات بتشارك المثقفين والشعراء في هذه المناشط والمهرجانات بشكل أفضل مما هو عليه الآن.
فمثلاً أعلن أخيراً يوم 26 من مايو يوماً للكاتب الإماراتي فماذا لو استثمرنا هذا اليوم ليكون الكاتب الشقيق ضيفاً كبيراً في فعاليات مشتركة هنا وهناك؟ كما يقام لدينا مهرجان الأفلام السعودية ويقام في الإمارات مهرجان دبي السينمائي، ماذا لو تبادلنا الخبرات في هذا المجال الحيوي بعرض الأفلام المقابلة كضيفة شرف مثلاً؟
ويضيف الطويرقي هناك الكثير من الكُتاب والشعراء يكرمون ويفوزون بجوائز إماراتية، وفي هذا الصدد أذكر موقفاً شهدته شخصياً وهو أن الشاعر الإماراتي الجميل شعراً وخلقاً ومحبة كريم معتوق، شارك بقصيدة عصماء، كنت قرأتها قبل أن تظهر للعلن، هذه القصيدة التي شارك فيها في «سوق عكاظ» توقعت لها شخصياً الفوز، لما حملته من شعور كبير تجاه بلدنا وتجاه تقاربنا وتقاطع أفكارنا ومصالحنا. كانت بالفعل تمثل ما نحن عليه الآن بكل صدق ومحبة لا يخالجهما شك، وإن لم يحالفها حظ الفوز في حينه. هذه القصيدة تحديداً أرجو أن تلقى في محفل وطني كبير كالجنادرية مثلاً، تعبيراً عن التقدير لها ولشاعرها الجميل.
دور ورسالة
ويوضح الإعلامي مهدي الزهراني: «قبل أن نلتقي شعراً فنحن (الإمارات والسعودية) نتقاسم الفؤاد ونتعاطى الحب والاحترام والتقدير، فالشعراء الإماراتيون والسعوديون يعون جميعاً الدور والرسالة التي يحملها الشعر الذي يخدم القضايا المشتركة نحو تحقيق التوازن الانفعالي وتحقيق رؤية واضحة في صناعة فضاءات من المحبة والسلام والود. فالمتتبع للتجارب الشعرية يجد أننا أمام اتحاد همٍّ ورؤية وتوجّه، يحضر التاريخ السعودي في الشعر الإماراتي وكذلك التاريخ الإماراتي يحضر في الشعر السعودي، وبهذا نؤمن بدور الشعر والشاعر والكلمة الشعرية في خلق هذه الصورة لدى المتلقي حتى أصبح يردد قصائد الشعراء سواء من الإمارات أو من السعودية».
ويضيف الزهراني: «تمر بنا حالات من التلاقي في فضاءات الشعر حيث نلمس مدى التقارب الكبير في التجارب الشعرية وكذلك مدى خلق مساحة من التقارب الثقافي بين البلدين من خلال الفعاليات الثقافية والأماسي الشعرية وبهذا يأتي الشعر والشعراء ليرسموا صورة من صور الوفاء والعطاء المتبادل، ويسهم الشاعر في بلورة الاتجاهات السياسية نحو تعميق العلاقات القوية بين البلدين من خلال التواصل والاتصال، الذي بدأ بعلاقة الصِّلة التاريخية التي تمتد منذ مراحل النشأة والتكوين وجاء الشعراء بالمحافظة على ديمومة هذه العلاقة من خلال الاحترام المتبادل والوعي السلوكي الذي يمارسه الشعراء».
مخرجات ثقافية
من جانب آخر، يشير الشاعر والقاصّ عبدالقادر سفر حمدان الغامدي إلى أنه يقع على كاهل المثقف السعودي عبء كبير باعتباره مكوناً بشرياً من مكونات الثقافة الأساس وباعتبار الثقافة هي المنتج السلوكي القيمي الإنساني في مخرجها النهائي وحتى يتحقق هذا المُخرج الثقافي كان لزاماً على المثقف السعودي وهو يتعاطى مع متغيرات الحياة التي كانت «رؤية 2030» أهم ملامحها أن ينطلق من المحلية الموغلة أحياناً في الخصوصية الثقافية إلى الإقليمية بل ويتجاوزها إلى العالمية ليعرّف العالم بوجه الحضارة الإنسان داخل وطنه ويندمج ويتفاعل مع مخرجات ثقافية وفعل ثقافي آخر بدءاً بمنطقة الجوار التي تمثل الإمارات أحد أهم الدول التي تتقاطع معها السعودية تاريخاً ومصيراً مشتركاً».
راعية الإبداع
ويعتقد الكاتب والباحث المسرحي ياسر مدخلي أن دولة الإمارات استطاعت لفت أنظار الإعلاميين واهتمام المبدعين من خلال استقطاب الناشطين في مجالات الثقافة والإعلام عبر تنظيم مسابقات ومهرجانات بجوائز تقديرية ضخمة واستضافة راقية وتعامل احترافي، وقد استفاد المثقفون والفنانون السعوديون من مشاركاتهم ضمن هذه المحافل وحصدوا جوائز مهمة بتمثيلهم الوطن في هذه الدولة الراعية للإبداع والداعمة للمبدعين في السعودية خصوصاً في العالم بشكل عام، ومن تلك المهرجانات والجوائز، مهرجان «المسرح الخليجي» الذي نالت السعودية على جائزته الكبرى وجوائز أخرى العام المنصرم وكذلك جائزة «الشارقة للتأليف المسرحي» التي حصدها كاتب وكاتبة من السعودية في مراكزها الأولى لهذا العام ومهرجان دبي ومهرجان أبوظبي السينمائيين، وهذه على سبيل المثال لا الحصر.
نقاط التقاء
ويقول الشاعر وديع الأحمدي، أحد أبرز نجوم شاعر المليون السعوديين بهذه المناسبة: «إن الشعر هو حياة الناس وتفاصيلهم، وأعتقد أن نقاط الالتقاء الحياتية بين الشاعر الإماراتي والشاعر السعودي كثيرة، ابتداءً من التكوين الأساسي للبادية العربية الأصيلة بكل تفاصيلها، وشخصية المنتمي لوطن الحلم الذي يبني نفسه داخل الحياة المدنيّة الجديدة بتفاصيلها المختلفة، وليس انتهاءً بالانتماء لوطنٍ يمر بمرحلةٍ مهمة جعل من محاربة التطرف الفكري والاعتقادي الذي اجتاح المنطقة خلال العقود الماضية».
أما الشاعرة تهاني التميمي التي شاركت أيضاً في مسابقة شاعر المليون في نسخته الأخيرة، فتقول إنه لا يخفى على الكثير من المهتمين بالشعر هذا الالتقاء الرائع بين شعراء البلدين، ولأن الشاعر هو لسان حال فئة معينة أو توجّه معين وقد يصل إلى أمة كاملة نجد أن الهمّ الإماراتي السعودي مشترك على الصعيد الأدبي والسياسي، لذلك الشعراء الإماراتيون والسعوديون يكتبون بلسان واحد، لسان الحريص على الأمة العربية ووحدتها، لسان المنصف حين يبصر الباطل ويرفضه ويبصر الحق ويثني عليه ويدعو له. ونلتقي بدماء الشهداء وأرواحهم، ونلتقي أدبياً بالرغبة الجامحة في خلق جيل واعٍ مُحب للأدب والشعر والرواية، جيل يملك حسّاً مرهفاً تجاه الفنون بشتى أنواعها.
الحلم الوطن
فيما يقول الإعلامي مسفر الدوسري بهذه المناسبة إن الشعر خُطى القلب الخضراء وسلام المشاعر النديّة، يورق ويثمر في الدرب الواصل بين جنتين وهذا ما تترجمه العلاقة التاريخية الضاربة جذورها بين شعراء دول الخليج بشكل عام نتيجة لعوامل عدة ليست الجغرافيا والتاريخ والحالة الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الأسرية إلا بعضاً من هذه العوامل، وقد شكلت هذه العوامل في مجملها مزاجاً شعرياً يكاد يكون متشابهاً أسهم كثيراً في خلق جسر ثقافي قوي وثابت بين شعراء الخليج، اعتمد على مفاهيم شعرية تمثل قواسم مشتركة بين الشعراء تمسّ بنية القصيدة شكلاً ومضموناً، ويمثل التواصل بين الشعراء الإماراتيين والسعوديين حالة مميزة ومبهرة.
مشروعات مشتركة
وبدوره، يشدد الإعلامي عبدالله الخزمري على قوة التلاحم الحضاري والثقافي الإماراتي السعودي قائلاً: «رغم الفوارق المدنية البسيطة بين المجتمعين، يظل المجتمعان الإماراتي والسعودي مجتمعاً واحداً. تجمعهما كأفراد وقيادات روابط الدين والدم والتراب.
وبكل تأكيد كان له أثره الواضح على التشابه الكبير بين الموروث والحاضر بين البلدين والكثير من الأسماء الإماراتية الرائعة تحظى باهتمام بالغ بالسعودية والعكس صحيح. ونجحت الكثير من المشروعات الثقافية المشتركة على كافة الصعد.