أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن صناعة المستقبل وتعزيز الفكر المستقبلي الاستباقي تمثل جوهر ثقافة العمل الحكومي في دولة الإمارات، والمنهج الذي تتبناه الحكومة في تطوير أدواتها واستراتيجياتها وخدماتها بما ينعكس إيجاباً على الناس.

وقال سموه، خلال اطلاعه على منصّة التحول المستقبلي ضمن الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية التي شهد سموه انطلاق فعاليات دورتها الثالثة أمس «إن ثورة البيانات والتطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والعلوم المتقدمة ستمثل محوراً مهماً في تشكيل معالم المستقبل، نحن في دولة الإمارات حريصون على توظيف هذه المستجدات وتطويع التكنولوجيا الحديثة بما يخدم مسيرة التطور الإنساني».

وأضاف سموه: «نفخر بإسهامات دولة الإمارات في تعزيز رحلة البشرية إلى المستقبل، وتسهيل عملية الانتقال إليه والاستفادة من أدواته، ونعمل بكل جهد لبناء قدرات الأجيال على المهارات التي يتطلبها العيش فيه، استضافة مجالس المستقبل العالمية أحد محاور رؤيتنا لدور دولة الإمارات العالمي في تطوير ظروف المجتمعات الإنسانية نحو الأفضل، وانعكاس لطموحنا وعملنا المتواصل لتحقيق الخير للناس».

وقد شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله جانباً من أعمال مجالس المستقبل العالمية التي تغطي 38 موضوعاً حيوياً، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، وسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ومعالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الرئيس المشارك لمجالس المستقبل العالمية، وبورغيه برانديه، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين.

واطلع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله على مخرجات منصة التحوّل المستقبلي، وهي أداة معرفية تفاعلية أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي وتغطي أكثر من 120 موضوعاً مختلفاً تشمل شتى القطاعات والدول والقضايا محل الاهتمام العالمي.

وتعكس هذه الأداة المبتكرة تراكم المعارف والخبرات لدى شبكة المنتدى التي تحتوي على الأبحاث والتحليلات والدراسات التي أجرتها نخبة المؤسسات البحثية الرائدة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى الرصيد المعرفي الناتج عن أنشطة وفعاليات المنتدى.

وتشتمل منصة خرائط التحول المستقبلي على التوجهات والرؤى من مصادر متعددة ومترابطة، تعزز عملية صنع القرار، وتدعم جهود الحكومات بمواكبة التوجهات المستقبلية العالمية، بينما توفر المنصة خيارات متنوعة للمستخدمين بعدة لغات عالمية، من بينها اللغة العربية.

يُذكر أن حكومة دولة الإمارات أطلقت بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي أمس، فعاليات الدورة الثالثة لاجتماعات مجالس المستقبل العالمية، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله ويشارك فيها أكثر من 700 من العلماء ومستشرفي المستقبل والخبراء، ضمن 38 مجلساً تستشرف مستقبل القطاعات الحيوية لوضع حلول عملية لتحدياتها.

فعاليات

وانطلقت أمس فعاليات الدورة الثالثة للاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية، التي تشهد مشاركة أكثر من 700 مستشرف وخبير ومسؤول من 70 دولة حول العالم، ضمن 38 مجلساً تركز على استشراف مستقبل القطاعات الحيوية الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان.

وأكد معالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الرئيس المشارك لمجالس المستقبل العالمية في كلمته الافتتاحية لأعمال الدورة الثالثة للاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية أن الدورة الحالية ستعمل على استشراف التطورات العالمية التي سيواجهها العالم في المستقبل ووضع التصورات الكفيلة بالتعامل معها.

وأشاد معاليه بالشراكة الاستراتيجية بين حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي التي تمتد عشر سنوات، مثمرة العديد من التقارير الدولية، والسياسات والمبادرات الحكومية العالمية، والحوارات التي أثّرت بشكل مباشر في رسم واقع التنمية العالمي.

وقال معاليه: «إن دولة الإمارات تحقق المكانة المتميزة عالمياً في ريادة المستقبل لأن قيادتها الرشيدة لديها شغف بصنع المستقبل، ولديها اهتمام كبير بهذه المؤتمرات العالمية التي تناقش التطورات المستقبلية، إن حكومة دولة الإمارات تعمل على تنفيذ توجهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن تمتلك المستقبل من خلال تخيله وتصميمه وتنفيذه.. فرؤية سموه تحثّنا دائماً على امتلاك الرغبة المستمرة لمعرفة ما سيحمله المستقبل لنا، وكيف يمكن تخيله، وكيف يمكننا التأثير فيه وصنعه من اليوم».

أسئلة المستقبل

وأضاف معالي القرقاوي: «إن الانشغال بأسئلة المستقبل اليوم هو انشغال بحياة أكثر من سبعة مليارات من البشر، والإجابة عن أسئلة المستقبل، هي إجابة يتطلع لها مئات الملايين من الشباب الذين يريدون بيئة تساعدهم على تحقيق أحلامهم، ويريدون توجيهاً حول الفرص التي يحملها اقتصاد المستقبل».

وتابع: «اليوم عندما ننظر إلى اقتصاد العالم نرى التطورات التكنولوجية التي تحمل -حسب التقديرات العالمية- فرصاً بقيمة 70 تريليون دولار في عشرة أعوام فقط، ومن هنا فإن على الحكومات والشعوب الاستفادة من هذه الفرص العظيمة والاستعداد لها بشكل صحيح».

وأكد معالي محمد القرقاوي أن مجالس المستقبل العالمية ستسهم في إيجاد الإجابة لبعض هذه الأسئلة والتحديات التي تواجه العالم اليوم، كما ستستمر الكثير من المؤتمرات ومراكز الأبحاث والجامعات في البحث عن إجابات.

وتطرّق معاليه إلى الأولويات التي لا بد للحكومات من العمل عليها اليوم لتكون أكثر استعداداً للمستقبل، وقال: «سأتحدث عن أربعة أولويات رئيسة أولاها التصميم التشاركي لصناعة المستقبل حيث لا يمكن للحكومات في عالمنا اليوم الانفراد بصناعة المستقبل لأنها ستتأخر، وستعتمد على موارد محدودة جداً لصنع سياساتها».

وأضاف: «لا بد من إشراك الجميع من قطاع خاص وشباب وشركاء دوليين وغيرهم في صنع السياسات والاستفادة من موجات البيانات الضخمة والتفاعلات الاجتماعية وتحليلات الذكاء الاصطناعي لتطوير سياسات تشاركية بشكل أفضل من أجل المستقبل».

ولفت معاليه إلى أن العقل الجمعي الذي توفره لنا التكنولوجيا أذكى بكثير من العقول المنفردة، مشيراً إلى أن رأي الجماعة أفضل وتتضاعف فعالياته آلاف المرات باستخدام التكنولوجيا، لأن مجموع الأعداد، وكمية البيانات تكون مضاعفة آلاف المرات وهو ما يقود إلى أهمية إيجاد سياسات تشاركية في صنع المستقبل للوصول إلى سياسات أفضل.

وأوضح معالي الرئيس المشارك لمجالس المستقبل العالمية أن الأولوية الثانية تتمثل في هندسة التشريعات الاستباقية بشكل منهجي منظم، منوهاً إلى أن الأثر التراكمي للتشريعات غير المحدّثة يكلف الاقتصادات العالمية اليوم أكثر من 4 تريليونات دولار، معتبراً معاليه أن هذا الرقم لو كان ميزانية لدولة لكانت من أغنى الدول في العالم.

مختبر عالمي

وتابع القرقاوي: إن إطلاق دولة الإمارات أول مختبر تشريعي في العالم يهدف لتحويل الدولة إلى مختبر عالمي لتجربة التشريعات المستقبلية للتقنيات الحديثة، خارج إطار الدورة التشريعية التقليدية، ولتكون دولة الإمارات الأسرع عالمياً في هذا المجال، ولنستطيع أن نختبر ونصيغ تشريعات تهم كافة حكومات العالم في تشريعات المستقبل، كالتشريعات المتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، أو علوم الجينوم أو غيرها من التقنيات التي ما زالت الحكومات تحاول فهمها واستيعاب كافة الآثار القانونية لها.

وفي ما يتعلق بالأولوية الثالثة، فقد أكد معاليه أنها تتركز في تطوير إنتاجية وكفاءة الحكومة، مبيناً أن الدراسات العالمية تشير إلى أن التحول إلى التكنولوجيا المتقدمة في الحكومات يرفع من مستويات الإنتاجية في الخدمات بنسبة لا تقل عن 20%.

وقال: إن دولة الإمارات اليوم، وحسب التقارير الدولية، هي الأكثر كفاءة عالمياً في الإنفاق المالي، وهي أيضاً الأكثر كفاءة في استخدام التكنولوجيا، وهناك رابط واضح بين المؤشرين، وتجربتنا مفتوحة لكافة الحكومات، ولكن الإنتاجية ليست هدفاً بل هي رحلة مستمرة من التطوير والتحديث، رحلة مستمرة من زيادة الإنتاجية التي هي الأساس لتسريع التنمية في الدول والحكومات.

واعتبر معاليه أن الأولوية الرابعة هي العولمة، مشيراً إلى أن العالم اليوم يشهد تراجع بعض الدول عن مبدأ العولمة واللجوء إلى الحمائية، والحروب التجارية التي تعد أحد أكبر الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها الحكومات.

نقطة اللاعودة

وتحدث القرقاوي: العالم وصل إلى نقطة اللاعودة في موضوع العولمة، حيث إنه يعيش عولمة البيانات، وعولمة التعليم والمعرفة، وعولمة المواهب، وعولمة الأفكار، وبفضل العولمة تغيّر اقتصاد العالم وزادت الفرص، إذ إن الدراسات العالمية تشير إلى أن التعاملات الرقمية ستولِّد وحدها 4 تريليونات دولار خلال عقدين فقط.

وأضاف: لولا العولمة لم نشهد ولادة شركات تريليونية ضخمة غيّرت وجه العالم مثل غوغل وأمازون وأبل، وميكروسوفت وغيرها، وبفضل العولمة لم تغلق دول العالم أبوابها أمام هذه الشركات، وهذا السبب كان وراء نجاحها وأصبحت عالمية عبر الاقتصاد التشاركي، ولهذا فإنه من غير المنطقي أن تقوم أي دولة بمحاولة إغلاق الحدود أمام المعلومات والخدمات والمعرفة والفرص العالمية.

وأشار معاليه إلى أن الدورة الحالية من اجتماعات مجالس المستقبل العالمية ستركز على محاولة وضع إجابات أكثر وأفضل وأكثر وضوحاً حول التحديات التي يطرحها المستقبل، وقال: سنحاول العمل كفريق واحد للمساهمة ولو بشيء يسير في تقدّم البشرية نحو أهدافها التنموية القادمة.

وأضاف القرقاوي: رسالة الشيخ محمد بن راشد التي كلفني بإيصالها لكم جميعاً اليوم هي أن «دولة الإمارات ستبقى محطة رئيسة لكم كل عام وستبقى منصة للنقاش والحوار حول كل ما فيه تقدم وتطور للبشر.. وستبقى نموذجاً ومختبراً مفتوحاً لكل ما هو جديد.

شراكات عالمية

من جهته، قال بورغيه برانديه، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: «إن الشراكة الاستراتيجية بين حكومة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي تعد واحدة من أهم الشراكات العالمية في إطار استشراف المستقبل وإيجاد الحلول العملية لتحدياته، والدورة الحالية للمنتدى ستبحث واقع العولمة واستشراف المستقبل كما ستبحث العولمة بشكلها الجديد».

وأكد أن العولمة بمفهومها الجديد أصبحت تشهد تطورات كبرى، ومن هنا تبرز أهمية التعرف على أشكالها الجديدة لتكون عولمة أكثر استدامة وشمولية وقادرة على توليد الكثير من الوظائف، ومواكبة للتغييرات التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة.

وبيّن برانديه أن المنتدى حرص على إطلاق شبكة الثورة الصناعية الرابعة لتكون محفزاً لبناء شراكات استراتيجية مع الكثير من الخبراء والشركاء من مختلف دول العالم، ولإيجاد مقاربة تجريبية جديدة تقود إلى تحقيق مستقبل أفضل للمجتمع الإنساني.

وقال: «نحن بحاحة لقواعد جديدة للحد من مخاطر اختراق الأعمال، كما لا بد من إيجاد مساع إقليمية لتعزيز الأمن الإلكتروني، وإيجاد التشريعات التي تتناسب مع التطورات التقنية الكبيرة، ولا سيما في ظل وجود السيارات ذاتية القيادة والطائرات من دون طيار وغيرها من التقنيات الحديثة».

جدير بالذكر أن مجالس المستقبل العالمية تغطي في دورتها الثالثة مواضيع حيوية عدة تشمل: مستقبل المساعدات الإنسانية، ومستقبل الأمن الغذائي، ومستقبل الابتكار وريادة الأعمال، ومستقبل التجارة الدولية والاستثمار، ومستقبل أمن المعلومات، ومستقبل الإنترنت، ومستقبل المدن، ومستقبل النقل، ومستقبل الحوكمة العالمية، ومستقبل الأمن العالمي، ومستقبل الإنتاج، ومستقبل الثورة الصناعية الرابعة، ومستقبل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ومستقبل الطاقة، ومستقبل الحوسبة، ومستقبل التعليم، ومستقبل تحسين جودة الحياة البشرية، ومستقبل الفضاء، ومستقبل البيئة، ومستقبل التكنولوجيا الحيوية.