#حكايات_لكبار _المواطنين

«ذهب الأيام».. آسيا سلطان محمد 60 سنة ربة منزل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن عمري قد وصل إلى العشرين. أذكر جيداً ذلك اليوم. كان شتاءً مثل أيامنا هذه. في يناير العام 1980 . كان «سوق الذهب » صغيراً، لكن الطلب على شراء الذهب وصل إلى معدلات جنونية.

نحن «الحريم » لم نكن نعرف كثيراً ماذا يحصل، لكننا نسمع عن أسعار غريبة لسعر الأوقية. حماتي مندهشة، وأسمعها تقول إنه يتوجب علينا أن نبيع سريعاً. كان شيئاً أشبه بحمى الذهب انتشر في كل مكان، و«سخّن » الأجواء، حتى أحاديثنا في البيت و «الفريج »، وعلى العتبات باتت «ساخنة » ومتوهجة مثل بريق المعدن الأصفر. لكننا في ذلك الشتاء لم نبع ذهبنا. كنا متعلقات به وعاطفيات جداً، وربما فوّتنا فرص ثراء. هذا المكتوب والنصيب، ولن نأخذ معنا من هذه الدنيا إلا أعمالنا الصالحة.

ألبس الذهب وأحبه وأقتنيه منذ زمن بعيد. المرحوم زوجي كان يشتري لي. وأيضاً حماتي كانت تدللني. كنت صغيرة وحلوة. كلنا في شبابنا نكن حلوات. ماذا تظن؟ في البداية، قالت لي: تعالي معي إلى السوق وتعلمي. عليك أن تسألي في أول محل عن سعر القيراط. ثم تكررين السؤال في محل آخر. وعليك أن تنتبهي إلى الطرز والأسعار التي يضعها الصاغة على «شغلهم »، أي تصميمات الذهب، هذا هو الهامش الذي بوسعهم أن يناوروا عبره. وأنت، عليك أن تكوني أيضاً مستعدة للمناورة.

تعلمت منها الكثير وحين اشتد «عودي » وأصبحت أقوى في جولات سوق الذهب، انتبه التجار إلى سيدة جديدة تعرف فن المناورة، وخبيرة بالمعدن الأصفر من نظرة واحدة. أذكر جيداً ذلك اليوم الذي مشيت فيه في ممرات السوق وأزقته وحدي من دون أي مرافق. نظرت إلى عيون الباعة مباشرةً وقلت: هذه أنا. انتظروني.

مع السنين تنامى شغفي لزينة الذهب. نلبسها في المناسبات والأعراس. بلادنا خير ولسنا محرومات من أي شيء، فلماذا لا نظهر هذا الخير، خاصة أنني أدفع زكاتي كل سنة عما أقتنيه بحسب الشرع. الحسد موجود في القرآن. لذلك حين أرتدي زينتي أقرأ عليها سورة الكرسي والناس وأتوكل على الله. قطعتي المفضلة هو هذا الخاتم المثلث. ذهبه خليجي ومطرز بحريني. اسمه الشاهد، لأن الإصبع الذي يلبس فيه هو إصبع الشاهد.

لو سألتني من هو الشخص الذي بإمكاني أن أضع كل ذهبي في صندوق وأهديه له سأقول: روح المرحوم زوجي.. لكن علينا أن نعرف جيداً: الدنيا تبرق لنا مثل الذهب، لكننا حين نغادرها لا نأخذ معنا شيئاً. فقط أعمالنا الصالحة.. قيمتها أثمن من الذهب!.

علمتني الحياة

  1. ليس كل ما يبرق ذهباً لكن ليس كل ذهب يبرق
  2. تربح وتخسر هذه هي الدنيا عليك أن تتقبل
  3. الإرادة تجعلك قادراً على الاستغناء عن الاعتمادية
  4. الزوج رفيق رحلة وروح وشاهد على حياة زوجته
  5. لا يمكنك أن تتملك الأشياء إلا وتملكتك

يأتي في حلمي

أقف وسط قريباتي وجاراتي وأنا أرتدي كامل زينتي

المرحوم زوجي يشتري لي قطعة ذهب ثمينة جداً

أمشي في ممرات سوق الذهب وأزقته وأسأل عن الأسعار

Email