يجسد قصر الوطن صرحا حضاريا وثقافيا فريدا يروي فصولا من المجد والتاريخ العريق لأرض التسامح والأمل ويعكس مسيرة الإنجاز والتقدم في وطن الهمم العالية عبر الموروث الثقافي والتاريخي الذي تزخر به الإمارات ليمثل جسرا معرفيا جديدا للتواصل الحضاري والإنساني بين الشعوب.

ويحمل قصر الوطن الذي تم افتتاحه أمس بين جنباته أصالة التراث وعبق الماضي ورؤية الحاضر لمستقبل أكثر ازدهارا عبر أجنحته العالية التي تضم مجموعة من التحف والمخطوطات التاريخية التي تسلط الضوء على الإسهامات الإماراتية والعربية في مختلف مجالات الحضارة الإنسانية من علوم وفنون وآداب.

واطلعت وكالة أنباء الإمارات " وام " خلال جولة إعلامية بين أروقة قصر الوطن على مقومات ومكانة هذا المعلم الإنساني والحضاري الذي يأثر قلوب وأنظار زواره من الوهلة الأولى لما يجسده من إبداع في فنون العمارة العربية المعاصرة والذوق الرفيع الذي يطغى على جدرانه.

وانطلقت الجولة من (القاعة الكبرى) التي تعد القلب المعماري لـ(قصر الوطن) بطول وعرض يبلغان 100 متر والتي تتميز بتصميمها الهندسي الفريد والمتوَجة بقبة تضفي عليها طابعا من التناغم والتوازن الذي يرمز بدوره إلى الاستقرار الذي تنعم به دولة الإمارات بفضل رؤية قيادتها الحكيمة كونه مكان استضافة الزيارات الرسمية والاجتماعات.

ويبلغ قطر القبة الرئيسية 37 مترا وارتفاعها 60 مترا وهي واحدة من أكبر القباب في العالم حيث تم اعتماد تصميم هندسي في (القاعة الكبرى) يستند إلى تقسيم الجدران ضمن ثلاثة مستويات بهدف إظهار هيكل القاعة المستوى الأول بعلو 6.1 متر والثاني 15.5 متر والثالث 21 مترا والتي يمكن الاطلاع على أدق التفاصيل المعمارية فيها من خلال أربعة مجسمات مكعبة تظهر هذه التفاصيل وتنوع الأنماط والأشكال حيث استوحيت ألوان جدران قصر الوطن من مياه الخليج ولونها الأزرق بالإضافة إلى اللون الأصفر المستوحى من الصحراء التي تعد جزءا من تضاريس دولة الإمارات.

وشملت الجولة زيارة عدة أجنحة حيث تضمنت جناح (الهدايا الرئاسية) الذي يتضمن مجموعة الهدايا الدبلوماسية المقدمة إلى دولة الإمارات والتي تجسّد العلاقات الودية التي تجمع الدولة بمختلف دول العالم بالإضافة إلى جناح (المائدة الرئاسية) التي يتم فيها تقديم الولائم في المناسبات الرسمية وتعكس كرم الضيافة الإماراتية فيما يقدم لممثلي الدول الشقيقة والصديقة وتضم القاعة 149,000 قطعة فضية وكريستالة مصممة خصيصا لقصر الوطن.

وتضمنت الجولة الاطلاع على قاعة (روح التعاون) بتصميمها الدائري المميز وبشكل متدرج على هيئة مسرح مفتوح والمخصصة لاستضافة الاجتماعات والقمم الرسمية المهمة والجلسات الدورية للمجلس الأعلى للاتحاد حيث يبلغ وزن الثريا الموجودة في القاعة 12 طنا وهي مكونة من ثلاث طبقات جمعت في القاعة نفسها نظرا لضخامتها وبالرغم من ضخامة حجمها إلا أنها معلقة من نقطة واحدة في السقف وتحتوي هذه الثريا على 350 ألف قطعة من الكريستال وبالإضافة إلى كونها عنصرا جماليا يضفي مزيدا من الأناقة على القاعة فإن لها وظيفة عملية تتمثل بقدرتها على امتصاص الضجيج والضوضاء في القاعة.

وتضمنت الجولة مجلس (البرزة) الذي استوحيت تصاميمه كافة من الإرث التاريخي الإماراتي العريق حيث تعقد بين جنباته اللقاءات الاجتماعية ويتم مناقشة الأمور المتعلقة بشؤون البلاد والذي يعد ثاني أكبر قاعات قصر الوطن بعد القاعة الكبرى ويمكنه استضافة 300 ضيف ويضم أعمدة الجرانيت البرازيلي (السودالايت) وهو من المواد النادرة والقيمة ويعتبرها البعض من الأحجار شبه الثمينة بالإضافة إلى السجاد الذي استوحي تصميمه من الأسلوب الذي تتبعه دولة الإمارات في استخدام المياه وإدارتها ويرمز إلى الدور الذي لعبه نظام الري القديم المعروف بالفلج وصنعت السجادة من مزيج من الصوف والحرير في تايلاند وكانت مقسمة إلى قطع كل منها بمساحة 6 أمتار مربعة حيث تم وصل القطع ببعضها البعض في القصر كما استوحي تصميم السقف من شكل الأيادي المتشابكة والتي ترمز إلى روابط التلاحم والتواصل ويتميز تصميم السقف بشكله الذي يحاكي الستائر المنسدلة في الخيم.

إلى ذلك تضمنت الجولة أيضا جناح (مكتبة القصر) التي تحتوي على أكثر من 50,000 كتاب و1900 كتاب نادر لتشكل وجهة أساسية للباحثين عن مصادر معرفية تعنى بدولة الإمارات وتشمل المراجع المختصة بالجوانب التاريخية والجغرافية ومراحل تطور الدولة في السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية وتضم مكتبة القصر وثائق تتطرق إلى عدد من المواضيع في فن العمارة والتاريخ وعلم الأحياء وعلم الأجناس البشرية.

كما تغطي الكتب والمنشورات الموجودة في مكتبة قصر الوطن مواضيع متعددة تشمل علم الفلك والتاريخ والثقافة والأدب وغيرها من العلوم الإنسانية وتم إصدارها من قبل مؤسسات ثقافية مختلفة، ومراكز بحثية، والوزارات المعنية داخل الدولة ومجموعة من دور النشر الإماراتية كما تضم مكتبة قصر الوطن أيضاً مكتبة رقمية تحتوي على 16 مليون مادة متنوعة يمكن الوصول إليها إلكترونيا من أي مكان داخل دولة إمارة أبوظبي ويمكن للزوار دخول المكتبة مجانا من خلال مدخل خاص منفصل وذلك بعد قيامهم بالتسجيل في مركز الزوار.

ويعرض الجناح الشرقي لقصر الوطن إحدى الأعمال الفنية الفريدة بعنوان (طاقة الكلام) وهو عبارة عن مقولات مأثورة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان "طيب الله ثراه" وهي "الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب".

كما تضمنت الجولة جناح (بيت المعرفة) الذي يضم معروضات وأعمالا فنية نادرة تلقي الضوء على العصر الذهبي للحضارة العربية وإسهاماتها في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية من علوم وفنون وآداب حيث يمكن للزوار الاطلاع في بيت المعرفة على مجموعة واسعة من القطع الأثرية والمخطوطات التي تستعرض تاريخ الكتب في العالم العربي والمساهمات العربية في الحضارة الإنسانية في مجالات العلوم والفنون والآداب وغيرها.

ويستعرض مجموعة من المخطوطات القديمة التي تعود إلى عدة قرون ماضية من مختلف أنحاء العالم العربي بما في ذلك مخطوطة برمنجهام للقرآن الكريم ومخطوطة أطلس في علم الفلك وشرح لامية الزقاق الخاصة بفقه القضاء وأصول المحاكمات وغيرها الكثير وتعد مجموعة المخطوطات التي يعرضها القصر سجلا تاريخيا قيّما يساهم قصر الوطن في حفظها ومشاركتها.

وتشمل المخطوطات النادرة الموجودة في قصر الوطن واحدة من أقدم النسخ الباقية للقرآن الكريم مكتوب بالخط الحجازي الذي يعد من أقدم الخطوط العربية وكتبت هذه المخطوطة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأولى من بزوغ فجر الإسلام والنسخة الأصلية منها موجودة اليوم في جامعة برمنغهام حيث قدم الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة هذه النسخة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في عام 2016.

كما يتضمن جناح (بيت المعرفة) مخطوطة الأطلس في علم الفلك والتي تحتوي على جداول فلكية ورسومات ملونة وخرائط تستعرض الجوانب الأربعة لكوكب الأرض، بالإضافة إلى خرائط للقارات القديمة ويعتقد أن هذه المخطوطة تعود إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري بالإضافة إلى شرح لامية الزقاق الخاصة بفقه القضاء وأصول المحاكمات ومخطوطة نادرة من تأليف محمد بن محمد بن عبدالله الدليمي الورزازي الدرعي الذي توفي عام 1166 هجري.

ويعرض جناح (بيت المعرفة) المساهمات العربية في مجال المعرفة الإنسانية في عصر التنوير الذي يعرف بالعصر الذهبي العربي والذي كان بمثابة الطريق نحو عصر النهضة الأوروبية بالإضافة إلى أول خريطة عصرية للجزيرة العربية من عام 1561 والتي رسمها الإيطالي جياكومو جاستالدي من خلال استخدام المعلومات التي جمعها المستكشفون البرتغاليون ويعتقد بأنها أول خريطة تحمل اسم إمارة أبوظبي.

إلى ذلك تضم موسوعة "التاريخ الطبيعي" ما يصل إلى 20 ألف حقيقة قام بجمعها الباحث الروماني بلينيوس الأكبر (23-79م) والذي يعد المصدر الأكثر أهمية للمعرفة الجغرافية والعلمية في العصور القديمة الكلاسيكية.

والمتجول في أرجاء المعرض لا تخطئ عينه التصاميم وفن العمارة الفريد الذي يعكس التراث المعماري العربي برؤية معاصرة من خلال الأنماط والزخارف والأشكال الهندسية والألوان المستوحاة من طبيعة المنطقة حيث بنيت واجهة القصر من الجرانيت الأبيض والحجر الجيري الذي يدوم لمئات الأعوام كما اختير اللون الأبيض باعتباره رمزا للنقاء والسلام ونظرا لأن ألوان المباني في دول الخليج عادة ما تكون باللونين الأبيض والبني الفاتح تم استخدام 5,000 شكل هندسي وطبيعي ونباتي متنوع مستوحى من طبيعة المنطقة.

ويقع قصر الوطن ضمن مجمع قصر الرئاسة بأبوظبي على مساحة 380 ألف متر مربع حيث استغرق بناء القصر 150 مليون ساعة وتم تصنيع أبوابه من خشب القيقب الصلب والذي تم اختياره نظراً لمتانته ولونه الفاتح والمحلاة بالذهب الفرنسي عيار 23 قيراطا فيما تم نقش الرسوم على الأبواب يدوياً واستغرق صنع كل باب 350 ساعة.

ويفتح قصر الوطن أبوابه للزوار يوميا من الساعة 10:00 صباحا وحتى الساعة 8:00 مساء حيث يمكن للزوار الاستمتاع بعرض ضوئي وصوتي بعنوان "The Palace in Motion" يوميا في تمام الساعة 7.30 مساء لمدة 15 دقيقة والذي يبرز بهاء وروعة القصر ويستعرض مسيرة التقدم في دولة الإمارات عبر رحلة مرئية من ثلاثة فصول تنتقل بالزائر من تاريخ الدولة العريق إلى حاضرها المشرق، ورؤيتها لمستقبل أكثر ازدهارا في حين يمكن لزوار القصر كذلك التجوّل في حدائقه الخارجية ومتابعة العرض الصوتي والضوئي الذي يمكن مشاهدته على مبنى القصر من الخارج.

يذكر أن هذه البادرة المهمة تجسد دور الإمارات الرائد في حفظ ورعاية التراث الإنساني من خلال استحضار ونشر الإسهامات العربية في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية حيث سيخوض زوار القصر تجارب إنسانية غنية تبرز تاريخ وحاضر دولة الإمارات ومساهماتها الإنسانية والمعرفية.