تتسم طبيعة العلاقات والترابط بين الإمارات والهند بالخصوصية، وبأنها متجذرة وقديمة قدم الخليج العربي، الذي شهد بدايات حركة التجارة وعبور السفن بين البلدين وتبادل السلع والمنافع منذ مئات السنين، وتعززت تلك العلاقات ووضع لها شكلاً وإطاراً تنسيقياً وتعاونياً واضحاً القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي قام بزيارة تاريخية إلى الهند في العام 1975 تبعها زيارة رئيسة وزراء الهند الراحلة إنديرا غاندي إلى الإمارات في العام 1981.

وشهدت العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند خلال السنوات الماضية زخماً وتحركاً كبيرين مع الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي للإمارات في أغسطس 2015 ثم زيارته الثانية في فبراير 2018 للمشاركة في فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي، وعلى الجانب الإماراتي كان هناك اهتمام واضح بزيارة الهند وتعزيز التعاون معها، ففي الفترة بين 10-12 فبراير عام 2016 زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الهند بناء على دعوة من ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، وأجرى مناقشات واسعة النطاق حول القضايا الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف ذات الاهتمام المشترك، وتم التوصل إلى توافق واسع في الآراء، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون حول تسهيل مشاركة المؤسسات الاستثمارية الإماراتية في استثمارات البنية التحتية بالهند والتعاون في الطاقة المتجددة، والتعاون في مكافحة الجرائم الإلكترونية والتبادل الثقافي إلى جانب عدد من الاتفاقيات التي تختص بالفضاء والتأمين وتبادل العملات.

تفاهم وتنسيق

وفي يناير عام 2017 أعاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، زيارته للهند باعتباره ضيف الشرف الرئيس في موكب عيد الجمهورية الهندي الـ 68 حيث أكد سموه أن العلاقات الإماراتية ــ الهندية أصبحت نموذجاً للعلاقات المتميزة القائمة على الشراكة الاستراتيجية، التي تتجه بقوة وثقة نحو المستقبل، في إطار من التفاهم في المواقف والتوجهات، سواء على مستوى الروابط الثنائية، أو في ما يتعلق بالمتغيرات والتحديات القائمة في البيئتين الإقليمية والدولية.

وقبلها في مارس عام 2010 كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قد قام بزيارة لجمهورية الهند، والتقي سموه، رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، حيث تم استعراض عدد من المواضيع الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية وسبل تعزيز آفاق السلام والاستقرار في المنطقة، وإيجاد آليات العمل على توسيع آفاق التعاون بين دولة الإمارات وجمهورية الهند في شتى الميادين الاقتصادية والثقافية وغيرها، وذلك تتويجاً لعلاقات الجوار والصداقة التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الصديقين.

وقد سبقت زيارة سموه عدة زيارات رسمية للهند بين عامي 2007 إلى 2011 تركزت حول العمل على توسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

وذكرت سفارة الإمارات في دلهي أن العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند تلقت زخماً جديداً من تبادل الزيارات رفيعة المستوى من الجانبين والتي دشنت لبداية شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين.

وأضافت أن البيان المشترك الذي صدر عقب زيارة رئيس الوزراء الهندي للإمارات في فبراير 2016 حيث تم الاتفاق على العمل معاً ليس فقط لتعزيز الإنجازات في المجالات الحالية وإنما أيضاً لاستكشاف مجالات جديدة للتعاون.

وأكدت السفارة الإماراتية في دلهي أن العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بين دولة الإمارات والهند، ساهمت في استقرار وتنويع وتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، ويسعى الجانبان إلى تعزيز هذه العلاقات لتحقيق المنفعة المتبادلة إذ ارتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين من 180 مليون دولار سنوياً في السبعينيات، إلى نحو 57 مليار دولار، مما جعل دولة الإمارات العربية المتحدة، ثالث أكبر شريك تجاري للهند للعام المالي 2015-2016 بعد الصين والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة التبادل التجاري 100 مليار دولار خلال 2020 ما يجعل الهند الشريك التجاري الأول للإمارات.

استثمارات

كما بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الهند حوالي 8 مليارات دولار، ما يجعل الإمارات في المرتبة العاشرة بين أكبر المستثمرين في الهند من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر وتتركز أغلب الاستثمارات الإماراتية في الهند على قطاعات الخدمات والطاقة والإنشاءات والنقل الجوي والضيافة والفندقة، وبحسب تقرير هيئة الإمارات للتنافسية والإحصاء بلغ حجم الاستثمار الأجنبي الهندي المباشر في الإمارات ما يزيد على 6.6 مليارات دولار، وهناك استثمارات تبلغ 5.5 مليارات دولار، بين العامين 2016-2017 في القطاع العقاري في دبي وحده.

وتتصدر الهند قائمة الشركاء التجاريين للدولة بحجم تجارة خارجية يقدر بحوالي 18 مليار دولار خلال النصف الأول من 2018، فيما سجلت إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين بنهاية عام 2017 نحو 34.8 مليار دولار، بينما بلغت الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الهند حوالي 5.8 مليارات دولار أمريكي.

وفي الماضي كانت التجارة والنفط والغاز هي التجارة الرئيسية بين الهند والإمارات، واليوم هناك تنوع كبير لحجم النشاط التجاري بينهما ليشمل الذهب والنحاس والخدمات اللوجستيات والبتروكيماويات وغيرها، فضلاً عن أن الجالية الهندية في الدولة هي الأكبر عالمياً، فضلاً عن أن التبادل السياحي يشهد نمواً ملموساً بين البلدين، حيث احتلت الهند المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للزوار إلى الإمارات خلال 2017 بإجمالي عدد 2.2 مليون زائر بنسبة 9.1% من إجمالي عدد زوار الدولة وذلك في ظل الجهود الجارية لتيسير عملية إصدار التأشيرات ومع حركة انتقال جوي نشطة بعدد رحلات جوية مباشرة بين مدن البلدين تقدر بأكثر من 1000 رحلة أسبوعية، تدير منهم الناقلات الوطنية الإماراتية حوالي 500 رحلة أسبوعية إلى جانب تواجد أكثر من 4365 شركة و238 وكالة تجارية هندية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد.

اللجنة المشتركة

وتعد اللجنة الإماراتية الهندية المشتركة اللجنة المشتركة بين البلدين واحدة من الآليات المؤسسية الأكثر أهمية لدى دولة الإمارات والهند لمناقشة سلسلة كاملة من الشراكة الاستراتيجية الثنائية، حيث يتم خلال اجتماعات اللجنة الوقوف على سريان العلاقات الاستراتيجية المتميزة وسبل تعزيزها وتطويرها في ظل ما يربط البلدين من روابط صداقة مشتركة وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين وبحث مجمل المستجدات والتطورات الراهنة.

وعقب انتهاء اجتماعات اللجنة المشتركة الثانية عشرة في أبو ظبي ديسمبر 2018 أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي أن دولة الإمارات ترتبط مع جمهورية الهند بعلاقات استراتيجية وتاريخية راسخة وأن هذه العلاقات بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل والثقة وتهدف دائماً إلى تعزيز التعاون المشترك في مختلف القطاعات بما يعود بالخير على شعبين البلدين الصديقين.

وتشترك دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند بروابط تاريخية وثقافية منتظمة على المستويين الرسمي والشعبي حيث وقع كلا البلدين على الاتفاق الثقافي في عام 1975 ومنذ ذلك الحين تم تنظيم مجموعة ضخمة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية ومعارض الحرف اليدوية عبر المراكز الثقافية داخل الدولة بمشاركة السفارة الهندية في أبوظبي ومؤخرا تم تدشين متحف «زايد ـ غاندي» الرقمي في منارة السعديات بأبوظبي والذي تم افتتاحه في 12 مارس الماضي ويعد المتحف الذي يقام بتنظيم من وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بالتعاون مع متحف غاندي الرقمي في نيودلهي، أول متحف رقمي مشترك بين دولة الإمارات وجمهورية الهند، ويقام تكريماً لذكرى القائدين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومهاتما غاندي الزعيم الهندي الخالد.

متحف غاندي

وأكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، أن متحف «زايد ـ غاندي» الرقمي الأول من نوعه في الدولة، يعد ملتقى حضارياً ويتزامن مع احتفاء دولة الإمارات بالتسامح قيمة حضارية متجذرة في الإمارات، بعد إعلان عام 2019 عاماً للتسامح، والذي يمثل محطة جديدة في مسيرة العلاقات الثقافية بين الإمارات وجمهورية الهند الصديقة، إذ يشكل ملتقى حضارياً يسرد حكاية التسامح والتعايش التي رسخها زايد وغاندي في شعبيهما، ويأخذ الزوار في رحلة عنوانها المحبة والوطن والقيادة الحكيمة، محطاتها السلام والتسامح والإخاء.

3.3

العلاقات بين دولة الإمارات وجمهورية الهند لا تقف عند حد التبادل التجاري بل تشمل الترابط بين الشعبين فالإمارات تستضيف على أراضيها الجالية الهندية المغتربة الأكبر في العالم بعدد 3.3 ملايين نسمة والتي تسهم بحركة تحويل أموال كبيرة تدعم الاقتصاد الهندي قاربت في 2017 الوصول لحد 14 مليار دولار سنوياً.