ترك الأطفال في المركبات.. قتل بالإهمال

ساعات كادت الطفلة البريئة ميثا، ذات الـ3 سنوات، أن تلفظ أنفاسها الأخيرة فيها عندما نسيها أهلها داخل المركبة محاولة استجماع قواها المنهكة من الإجهاد الحراري عساها تلوذ بطيف أمل وسط تلك الدائرة محكمة الإغلاق على وقع نبضات قلبها المتسارعة.


 4 ساعات وهي في رحلة اقتفاء أثر الخروج من مركبة أهلها الذين نسوها في ساعة غفلة من أمرهم في زيارة خاطفة إلى ذويهم كادت أن تخطف روحها البريئة جراء إهمال كاد أن يكلف أهلها وزرها ولكن قدرة الله حالت دون وقوع الكارثة عندما تنبه أبوها أن الطفلة بقيت في المركبة دون أن ينتبه أحد عليها ليسارع الخطى متوجهاً إلى المركبة وكله أمل أن يلوذ بفلذة كبده حية ترزق ليجدها في حالة يرثى لها كانت قاب قوسين أو أدنى أن تفارق بسمتها جنبات بيت أهلها لولا عناية الله. قصة ميثا، هي واحدة من عشرات القصص التي تفتح باب مشكلة إهمال الأهل لأطفالهم على مصراعيه ضمن أسئلة ملحّة حول آلية التعامل مع هذه الظاهرة التي باتت مشكلة تؤرق المجتمع مستنهضة الجهات المعنية لإطلاق برامج توعوية ضمن بوتقة الردع لا سيما وأن القانون الاتحادي وفقاً للمادة رقم (350 ) يشدد العقوبة على كل من عرض طفله للإهمال والخطر.


تفاصيل الحادثة


وفي تفاصيل الطفلة ميثا، التي تركها ذووها في المركبة في ساعة غفلة تمّكن أطباء قسم العناية المركزة للأطفال بمستشفى توام في العين من إنقاذ حياة الطفلة المواطنة التي صارعت الموت لمدة 4 ساعات داخل سيارة محكمة الإغلاق، حيث تركتها أسرتها سهواً ما أدى لإصابتها بإجهاد حراري شديد، ومضاعفات أخرى خطيرة، تمثلت في صورة تشنجات عصبية وارتفاع ضغط الدماغ ودخولها في غيبوبة.

وأكد الدكتور نضال الحشايكة رئيس القسم، أن الطفلة وصلت إلى قسم الطوارئ بمستشفى توام، وهي في حالة غيبوبة عميقة بالإضافة إلى مضاعفات صحية أخرى، وباشر الفريق الطبي في قسم العناية المركزة للأطفال على الفور العمل على إسعافها وإنقاذ حياتها، حيث تم إخضاعها لفحوصات طبية ومخبرية دقيقة والتصوير المقطعي وبأجهزة الرنين المغناطيسي، وتجاوزت مرحلة الخطر في غضون 48 ساعة بدأت بعدها حالتها الصحية والعصبية تتحسن تدريجياً وغادرت العناية المركزة إلى قسم الأطفال يوم 24 أغسطس الجاري، حيث تستكمل برنامج علاجها.


 شارك في جهود إسعاف الطفلة وبرنامج علاجها إلى جانب فريق العناية المركزة للأطفال طواقم طبية من اختصاصات طبية أخرى تشمل جراحة المخ والأعصاب، الجهاز الهضمي، وقسم الأعصاب للأطفال والعلاج الطبيعي والتأهيل.وأكد رئيس فريق العناية المركزة للأطفال بمستشفى توام، أن التقنيات التشخيصية والعلاجية الكبيرة المتقدمة التي يمتلكها المستشفى إضافة إلى الكوادر الطبية من ذوي الكفاءة والخبرة العالمية في مختلف التخصصات أسهمت في إنقاذ حياة الطفلة، التي شارفت على الموت نتيجة إصابتها بإجهاد حراري شديد والمضاعفات الصحية الأخرى الخطيرة التي ترتبت على ذلك.


من جانبه أفاد جد الطفلة (ميثا) كانت برفقة أسرتها في زيارة عائلية، حيث تركتها الأسرة سهواً بمفردها داخل السيارة بعد إحكام إغلاقها واكتشفها والدها بالصدفة بعد نحو 4 ساعات، بعد أن غابت عن الوعي فأسرع إلى نقلها فوراً إلى قسم الطوارئ بمستشفى توام، حيث تمكن الأطباء من إسعافها وإنقاذ حياتها نظراً لتقدم ورقي مستوى الخدمات محذراً الآباء والأمهات من الركون إلى الخادمات خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال فلذات الأكباد.


ردع


من جهته أكد المحامي ناصر العصيبة أن القانون الإماراتي كفل للأطفال حق الحماية والرعاية من قبل القائمين عليهم، وشددت العقوبة على كل من عرض طفله للإهمال والخطر، ومن ذلك ترك الطفل بمفرده داخل المركبة ونسيانه، وفقاً للمادة رقم (350 ) من قانون العقوبات الاتحادي، التي نصت على أن (يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تزيد على 10 آلاف درهم، من عرض للخطر طفلاً لم يتم السبع سنوات، وكان ذلك في مكان معمور بالناس، سواء أكان ذلك بنفسه أم بوساطة غيره)، إضافة إلى قانون حماية الطفل المعروف باسم «وديمة»، الذي شدد عقوبة الإهمال والضرر بسلامة الطفل، بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 5 آلاف درهم، مبيناً أن ترك الأطفال بمفردهم داخل المركبة يعرضهم لخطر الاختناق والوفاة - خصوصاً - في ظل ارتفاع درجات الحرارة كما يعد الترك صورة من صور الإهمال التي يعاقب عليها قانون الطفل الذي كفل الحماية للأطفال وسلامتهم الجسدية والنفسية من قبل الوالدين.


وأضاف العصيبة أن ترك الأبناء ونسيانهم في المركبات قد تم التنبيه عليه أكثر من مرة، ولكن هناك بعض أولياء الأمور يهملون أبناءهم ولا يتابعونهم – خصوصاً – الأطفال منهم دون سن السابعة، ويجب عليهم الانتباه لتصرفاتهم، إضافة إلى عدم ترك السيارة وهي في وضع التشغيل حتى لا يعبث بها الطفل ما يؤدي إلى تحريكها وبالتالي ممكن أن تتسبب في ما لا يحمد عقباه.

 


من جهته حذر العقيد الدكتور سالم حمد بن حمضه، مدير إدارة الدفاع المدني بأم القيوين، من مغبة ترك الأطفال صغار السن بمفردهم داخل المركبات؛ الأمر الذي يؤدي إلى تعريض حياتهم لمخاطر الاختناق، مناشداً أولياء الأمور وقائدي الحافلات المدرسية بضرورة الالتزام باشتراطات السلامة العامة في هذا الشأن لحماية الأبناء، وضرورة التأكد من أن المركبة خالية لا يوجد بها طفل حتى لا يتعرض إلى الاختناقات الحرارية، مبيناً أن معظم الحوادث التي تقع تكون نتيجة سوء تقدير من الوالدين أو مصطحبي الأبناء، فيكون هناك إهمال غير مقصود قد يؤدي إلى حالة اختناق الأبناء داخل المركبة بسبب حرارة الجو التي تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون داخل السيارة، إضافة إلى تسرب بعض الغازات السامة من المقاعد.


تكثيف الرقابة


بدوره أكد النقيب ناصر علي بوعصيبة رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة  بالقيادة العامة لشرطة أم القيوين، أنه يجب على أولياء الأمورعدم ترك أو نسيان أبنائهم داخل المركبات وعليهم أخذ الحيطة والحذر حتى لا يتعرضوا للعقوبات القانونية التي نص عليها المشرع الإماراتي، مبيناً أن هناك تكثيفاً للرقابة الشرطية من قبل الدوريات المرورية أمام الأسواق والمراكز التجارية، على السيارات التي تقف في وضع تشغيل وداخلها أطفال بمفردهم، مبيناً أن شرطة أم القيوين تعمل دائماً وبصورة دورية على توعية الآباء من مخاطر ترك الأبناء لوحدهم في المركبات وهي في حال تشغيل.


خطورة كبيرة


من ناحيتها قالت الدكتورة عائشة راشد عبيد شطاف، أخصائية الأطفال بمستشفى القاسمي للنساء والأطفال إن ترك الأطفال أو نسيانهم في المركبات يشكل خطورة كبيرة على صحة الأبناء، إذ سرعان ما يصيبهم ارتفاع في درجات الحرارة، الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهم بصدمة حرارية من الممكن أن تؤذي الدماغ وأجزاءً كبيرة من الجسم، كما أن هذا الأمر يحدث سريعاً نتيجة لارتفاع درجة الحرارة داخل المركبة المغلقة النوافذ ومن الممكن أن يفضي إلى الموت، أما إذا تم عملية تداركه قبل وفاته فسوف يصاب بإعاقة دائمة نتيجة لتلف الدماغ بسبب نقص الأكسحين، لافتة إلى أن المستشفى يستقبل سنوياً ما بين 3 5 حالات تأتي إلى المستشفى ومصابة باختناقات داخل المركبات.


وأضافت انه كلما كان الطفل صغيراً تقل قدرته على احتمال الحرارة، مناشدة بضرورة عدم ترك الأطفال داخل المركبة أو السماح لهم باللعب في المركبة، كما يجب التأكد من إغلاق الأبواب بعد خروج جميع الأفراد من المركبة وتفقّد جميع المقاعد، وإبقاء المفاتيح بعيدة عن متناول الأطفال منعاً من العبث بها، لافتة إلى أن ارتفاع درجة الحرارة داخل المركبة تزداد بسرعة كبيرة تقدر بـ 20 درجة خلال دقائق معدودة، وهذا ليس له علاقة بدرجة الحرارة في المحيط خارج المركبة، الذي قد يبدو غير حار.


تجريم


من جهته قال المحامي عادل بن خلفون إن الأطفال أولادنا وفلذات أكبادنا يجب أن نحافظ عليهم من كل مكروه وذلك من خلال متابعتهم والتأكيد على سلامتهم، فهم لا يدركون الزمان ولا المكان ولا يستطيعون التفكير في حل المشكلات التي تجابههم لذلك يتعرضون في حال تركهم في المركبات ونسيانهم إلى اختناق يؤدي إلى الموت في معظم الأحايين، مبيناً أن القانون الإماراتي جرم ترك ونسيان الأطفال في المركبات بحسب المادة ( 350) والتي تنص أنه يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف درهم من عرض للخطر طفلاً لم يتم سبع سنوات وكان ذلك في مكان معمور بالناس سواء أكان ذلك بنفسه أم بواسطة غيره، كما أن المادة ( 349 ) تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين من عرض للخطر سواء بنفسه أو بواسطة غيره حدثاً لم يتم 15 عاماً أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو العقلية أو النفسية وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الحدث أو العاجز في مكان خال من الناس.


مبادرة مشتركة


من ناحيته نوه فيصل محمد الشمري، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل لمبادرة مشتركة متميزة بين الجمعية ومجلس أبوظبي للمطابقة والجودة وهيئة صحة أبوظبي ‏والدفاع المدني بأبوظبي ‏وغيرها من الجهات المعنية التي شرعت بإجراء دراسة مشتركة حول ‏إصابة الأطفال في المجتمع، والذي يهدف لتطوير برنامج متكامل للوقاية من إصابات الأطفال في إمارة أبوظبي، حيث شاركت جمعية الإمارات لحماية الطفل بتقديم رؤيتها الأولية ومقترحاتها على التقرير ‏الأولي والذي يعكس احترافية وحرص كل الجهات المشاركة على حماية الطفل وتطوير نواة لمنظومة حماية الطفل في إمارة أبوظبي.
وأكد الشمري أن الأسرة هي صمام الوقاية الأول، حيث يجب عدم ترك الأطفال لوحدهم أو بصحبة الأغراب أو حتى مع الأقارب، يجب أن يكون وفق ضوابط شرعية ورقابة والديه مع وجود دروس مستفادة وحوادث سابقة.


وأوضح أن قانون «وديمة» نص في المادة 15 من الفصل الثالث على أن يلتزم والدا الطفل، ومن في حكمهما والقائم على رعايته، بتوفير متطلبات الأمان الأسري للطفل في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة، كما تحظر المادة 35 في الفصل الثامن من القانون على القائم على رعاية الطفل تعريضه للنبذ أو التشرد أو الإهمال أو اعتياد تركه دون رقابة أو متابعة أو التخلي عن إرشاده وتوجيهه أو عدم القيام على شؤونه.
 

 

وفاة 21 طفلاً في حوادث متفرقة خلال 2018


يعمل مركز حماية الطفل في وزارة الداخلية بشكل متواصل على توعية الأسر لاتخاذ احتياطات السلامة الكفيلة والرقابة وعدم ترك أطفالهم في المركبات لأية فترة طالت أم قصرت من دون رقابة مما قد تعرضهم لأخطار محدقة، مشيراً إلى أن الإهمال من المسببات الرئيسة لإصابات الأطفال والذي قد يودي بحياتهم في غالب الأحيان وهم بعمر الزهور.


وأكد مركز حماية الطفل أن حوادث اختناق الأطفال داخل السيارة أثناء وجودهم بمفردهم دليل واضح على إهمال الأسر وقلة وعيهم بالمخاطر المحتملة، مشيراً إلى ضرورة توسيع نطاق مسؤولية الأسرة، ومشدداً على تضافر الجهود المشتركة التي تصب في تعزيز حماية الأطفال.


وقدرت الإحصائيات التي أعلنت عنها الجهات المختصة خلال العام الماضي حول وفيات الأطفال أن عام 2018 شهد وفاة نحو 21 طفلاً في حوادث متفرقة وقعت بالدولة منها وفاة 4 أطفال غرقاً خلال وجودهم في مسابح أو على الشواطئ في مناطق متفرقة من الدولة، إضافة إلى سقوط 5 أطفال من نوافذ أو شرفات منازلهم في البنايات السكنية، فيما توفي نحو 12 طفلاً في حادثي حريق وقعا في منازل سكنية وغيرها من الحوادث.


وقدرت الإحصائيات أعمار الأطفال الذين توفوا في تلك الحوادث ما بين عامين إلى 10 أعوام من مختلف الجنسيات بالدولة، مؤكدة أن أسباب هذه الحوادث تعود إلى الإهمال وعدم توفر شروط السلامة في بعض المرافق الخاصة بالمباني سواء السياحية أو المنازل وغيرها.


وكانت جمعية الإمارات لحماية الطفل قد أعربت عن أملها في أن تسريع إجراءات اعتماد وإصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون وديمة، حيث أكد فيصل الشمري، رئيس مجلس إدارة الجمعية أن الحاجة لمراجعة قانون وديمة دورياً وتحديثه أصبحت ملحة.

الأكثر مشاركة