لعب قطاعا المصارف والتأمين دوراً حيوياً وبارزاً في نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ليصبحا إحدى الدعامات الكبرى الأساسية في بناء الهيكل المالي والاقتصادي، لكن رغم هذه النجاحات على الساحتين المحلية والدولية إلا أن القطاعين يعانيان من ضعف التوطين فيهما، وهي قضية لا تزال تراوح مكانها من دون تحقيق النجاحات المتوقعة والمستهدفة رغم العديد من المبادرات والبرامج، فالتوطين في القطاع المصرفي يكتفي بالاستجابة لنظام النقاط الذي وضعه المصرف المركزي ويتذرع به، أما التأمين فالمشكلة أكبر، حيث تباطأ التوطين، بل إنه تخلّف عن اللحاق بنظام النقاط المماثل لنظام المصارف، ما جعل نسب التوطين فيه لا تتخطى 15%.
ومن واقع الأرقام وتفاعل القطاعين مع نظام النقاط تبدو الرؤية والاستراتيجية وتبني سياسات دائمة تحتاج إلى تعديلات جوهرية في القطاعين وعدم الاكتفاء بالاجتهاد نحو تلبية متطلبات المصرف المركزي، من دون إغفال الإشارة إلى تبني بعض البنوك وشركات التأمين سياسات واضحة وأهدافاً طموحة حققت نجاحات تحتذى.
ويؤكد أحدث تقرير صدر عن الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، أن نسبة التوطين في القطاع المصرفي بنهاية 2018 بلغت 27.4%، لتصل بذلك إلى أدنى معدلاتها خلال 8 أعوام.
وأوضح التقرير الذي تناول الفترة من 2011-2018، أنه رغم أن عدد المواطنين العاملين في القطاع المصرفي ازداد 341 مواطناً في 2018 مقارنة بعام 2017، إلا أن عدد غير المواطنين شهد زيادة كبيرة خلال الفترة نفسها بلغت 1613 موظفاً.
في الحلقة الثانية من ملف التوطين الذي تعرضه «البيان» تفاعلاً مع رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الموسم الجديد التي تعرّضت بحزم لقضية التوطين أجل معالجتها، تتناول «البيان» اليوم التوطين في قطاع المصارف والتأمين.
ويتفق كل من المصرف المركزي واتحاد مصارف الإمارات على أهمية التوطين والعمل على استقطاب ورفع كفاءة المواطنين العاملين في القطاع، إضافة إلى التركيز على توظيف الخريجين الإماراتيين الجدد وزيادة موازنات التدريب والتطوير لدى المصارف، بحيث يتم الاستثمار في وضع مسارات وظيفية واضحة وطموحة للخريجين الإماراتيين، فتطبيقاً لقرار مجلس الوزراء عام 2015 باعتماد استراتيجية التوطين في قطاع المصارف وشركات التأمين ونظام النقاط، والذي حل بديلاً عن نظام النسب، بدأ المصرف المركزي تطبيقه فعلياً عام 2017 كمرحلة أولى من دون تطبيق الغرامات، وتم تطبيقه بشكل كامل في 2018، وأصبحت استراتيجية التوطين تعتمد بشكل كبير على الأرباح التشغيلية للبنوك، أي كلما ارتفعت أرباح البنك ارتفع عدد النقاط المستهدفة.
وحرصاً من المصرف المركزي على دعم التوطين في القطاع المصرفي، تم تحديد النقاط المستهدفة في أبريل من العام الحالي بتحديد النقاط المستهدفة، التي يتعين على البنوك العاملة في الدولة تحقيقها بنهاية السنة، وهي 29736 نقطة، وتمكنت البنوك من تحقيق 28050 نقطة في نهاية يونيو، ما يعني أن على بعض البنوك أن تزيد وتيرة توظيف المواطنين وتدريبهم حتى يتم تحقيق النقاط المستهدفة بنهاية السنة.
خيارات
ويتيح نظام التوطين في القطاع المصرفي للبنوك خيارات عدة، تستطيع من خلالها تحقيق النقاط المستهدفة، إذ يمكن تحقيق نقاط أكثر عن طريق توظيف المواطنين في درجات وظيفية أعلى، وتزيد النقاط المحققة كلما ارتفعت الدرجة الوظيفية. وحسب النظام يحقق البنك نقطة واحدة للموظف الإماراتي في الدرجة غير الإدارية، وثلاث نقاط في الإدارة الوسطى، وخمس نقاط للإدارة العليا.
وتتضاعف هذه النقاط في حالة تعيين مواطن من أصحاب الهمم، هذا بالإضافة إلى الحصول على نقطتين في حال تعيين مواطن إماراتي في وظيفة حيوية كالاستثمار وإدارة المخاطر وغيرها، كما يمكن تحقيق نقاط مقابل الاستثمار في تدريب وتأهيل المواطنين، وكذلك من خلال التزام الإدارة العليا للبنك تجاه تحقيق استراتيجية التوطين، لكن على الرغم من ذلك، بقيت نسب التوطين في المصارف بأدنى معدلاتها.
تساؤلات
لذلك توجهت «البيان» إلى الخبراء والمسؤولين والمتخصصين، لمعرفة مدى نجاح نظام النقاط الذي وضعه المصرف المركزي، ولماذا لم يأت بثماره المرجوة؟ ولماذا تتجه المصارف إلى تعيين غير مواطنين في مناصب يستطيع المواطن القيام بها؟ وما هي التحديات التي تواجه التوطين في القطاع؟ وما هي الحلول؟ وقد طرحت «البيان» كل تلك التساؤلات بمنتهى الجرأة والشفافية حتى تحصل على إجابات شافية ورؤى واضحة ومقترحات هادفة، حتى يمكن أن تستفيد منها القيادة في وضع استراتيجياتها الجديدة لمعالجة هذا الملف بشكل تام.
لا استراتيجيات
بداية، أرجع خبراء القطاع السبب الرئيسي وراء عدم نجاح نظام النقاط في تحقيق الأهداف المرجوة منه حتى الآن، إلى غياب الخطط والاستراتيجيات المستقبلية لدى البنوك لزيادة عدد المواطنين لديها، حيث تكتفي أغلب البنوك بعدد النقاط التي وضعها المركزي، حتى ترفع عن نفسها الحرج، دون أن تبادر من تلقاء نفسها بزيادتها في إطار تحملها الطبيعي لمسؤوليات التوطين باعتبارها مسؤولية مجتمعية يجب عليها القيام بها.
تصورات
وقال الخبراء: رغم أن القوانين الخاصة بالتوظيف في البنوك تمنح الأولوية للمواطنين عبر مبادرات التدريب والتوظيف العديدة والمتنوعة، التي تقوم بها وسعيها الدؤوب إلى توفير بيئة مثالية تسهم في تنمية المواهب المحلية وتعزيز مهاراتهم وقدراتهم المهنية، إلا أن الشباب المواطن لا يزال يفضل العمل في القطاع العام بسبب فجوة الامتيازات، ولا يزال يبرز في أفق القطاع المصرفي وبشكل واضح تحديات عدة تتعلق بزيادة نسب التوطين، يقول خبراء: إن أهمها ضعف التواصل بين الجامعات والمؤسسات المالية في الدولة، وساعات الدوام في البنوك، علاوة على التحديات المتعلقة بالتحول الرقمي في البنوك، التي يرى فيها البعض فرصة جاذبة يجب استغلالها بصورة مدروسة لاستقطاب المزيد من المواطنين والاحتفاظ بهم في البنوك.
أسباب
ولخص الخبراء والمسؤولون أسباب تلك المشكلة في عدد من النقاط منها: رغبة الشركات في تنفيذ مشروعات تنمية طموحة دفعها للاستعانة بخبرات أجنبية، إضافة إلى التنافسية الشديدة في سوق العمل، والتي فرضت نهج جذب المهارات دون النظر للتوطين، فضلاً عن التحول الرقمي المذهل في القطاع، والذي لم يواكبه الإعداد الكافي لشغل وظائف نوعية، كذلك الجهل بمزايا القطاع والدخول إلى سوق العمل دون بوصلة واضحة توجه الخريجين، أيضاً المزايا المالية في القطاع الحكومي والتي تعد أكثر بكثير من الخاص ما يؤثر على قرار المواطن في التوجه للقطاع المصرفي.
وملثما حلل الخبراء والمسؤولون أسباب المشكلة طرحوا بعض الحلول منها: الاستثمار المستمر في التعليم للوصول إلى أرفع المستويات، وفرض توظيف الخريجين الجدد بشرط زيادة موازنات التدريب، وتخصيص أدوار وظيفية مناسبة لمهارات وخبرات المواطنين، ووضع برامج دوام تساعد المواطن على تحقيق توازن بين حياته الشخصية والمهنية، وتوفير الميزانيات المالية الكافية لتعيين المواطنين ليصبحوا كوادر مؤهلة للسوق، وتقليل فجوة الامتيازات المالية بين العمل في القطاع المصرفي والقطاع الحكومي.
خريطة عمل
وقال جمال الجسمي، مدير عام معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية، وعضو لجنة تنمية الموارد البشرية المواطنة في القطاع المصرفي والمالي، إن رسالة صاحب السمو هي امتداد لرؤية حكيمة اعتدنا أن تضبط إيقاع كل نواحي العمل والحياة، كما أنها تمثل نهجاً وخريطة طريق للعمل والإنجاز، ليس للموسم الجديد فحسب، ولكن للمستقبل.
وأضاف أن تمكين المواطنين يأتي في مقدمة أولويات المعهد، في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة في الدولة للتعليم في كل مستوياته العام والعالي والتوطين انطلاقاً من أن الإنسان المواطن يأتي أولاً، لافتاً إلى أن الاستثمار المستمر في التعليم والحرص على الوصول إلى أرفع المستويات التعليمية في كل المستويات مقارنة بالدول الأخرى كان دائماً من أولويات القيادة الحكيمة، معتبراً أن التعليم والتأهيل هما المدخل للتوظيف والعمل المنتج.
وأكد أنه رغم كل التحديات الراهنة، يظل القطاع المصرفي من أفضل القطاعات الأخرى في مجال التوطين، حيث أثبت جديته في التعامل مع هذه القضية، وهو ما يؤكد ريادة القطاع في هذا المجال والتزامه بسياسات الدولة وتعاونه التام مع لجنة تنمية الموارد البشرية في القطاع المصرفي والمالي وجميع المؤسسات التابعة لتنمية الموارد البشرية وخاصة المؤسسات التعليمية بالدولة.
تنافسية السوق
وقال عبد الفتاح شرف، الرئيس التنفيذي لبنك إتش إس بي سي في الإمارات إنه مع تطور السوق والتغيرات المستمرة، يواجه القطاع المصرفي بعض التحديات عندما يتعلق الأمر بالتوطين، فسوق العمل الحالية تنافسية للغاية في جذب المستوى ذاته من المهارات والخبرات سواء من الخريجين الجدد أو الموظفين الإماراتيين من ذوي الخبرة.
وأضاف شرف: مع تحول القطاع المصرفي إلى العالم الرقمي وتوجيه اهتمامه وتركيزه نحوه، فإن هناك فرصة لهذه المهارات الوطنية الإماراتية المتخصصة لتحقيق المزيد من النمو والتطور، كما يركز القطاع المصرفي على وظائف مثل إدارة المخاطر والامتثال التنظيمي وتكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، ومن المهم للقطاع التعليمي، سواء المدارس والمعلمين، في المراحل الأولى من التعليم العالي، أن يكونوا على دراية بالتحولات المرتقبة في سوق العمل ونقل هذه المعرفة إلى طلابهم. ويمكن لهذا أن يساعد الطلاب على الاستعداد وإتاحة الفرصة أمامهم لاتخاذ الخيارات المناسبة من حيث تنمية مهاراتهم.
كما يمكن للقطاع المصرفي أن يلعب دوراً إيجابياً في هذا الشأن أيضاً. ولفت إلى أن «إتش إس بي سي» في الإمارات يعطي الأولوية دائماً لبرنامج التوطين ولديه استراتيجية تقودها إدارات الأعمال لديه لجذب وتوظيف وتطوير وكذلك الاحتفاظ بالإماراتيين والمهارات المحلية لدى البنك.
قطاع التأمين
وتتواصل الجهود في قطاع التأمين المحلي لزيادة نسب التوطين التي لا تزال دون المستوى المنشود، من خلال بناء الاستراتيجيات ووضع الخطط واتخاذ القرارات على نحو فعّال ومراقبة التنفيذ، بهدف الوصول إلى الأهداف المنشودة وتوفير كوادر وطنية مؤهلة وفرص وظيفية مناسبة للمواطنين.
ضعف الإقبال
وأكد مسؤولون ومديرون في شركات تأمين استطلعت «البيان» آراءهم، أن نسب التوطين في القطاع لا تزال دون المستوى المنشود لعدة أسباب رئيسية، أبرزها ضعف الإقبال على العمل في القطاع مقارنة بالقطاعات الأخرى مثل القطاعات الحكومية باعتبارها مغريةً أكثر من حيث الرواتب والحوافز المقدمة، إضافة إلى ندرة الاختصاص ونقص الخبرات.
وطالب المسؤولون والمديرون بضرورة وجود بعض المحفزات لدفع معدلات التوطين إلى الأمام، وعلى رأسها إعادة النظر في الرواتب باعتبارها حافزاً مهماً لانخراط المواطنين في أعمال التأمين، وتوفير فرص تدريبية لتهيئة الشباب المواطنين للعمل في الجوانب الفنية والمالية والقانونية والإدارية المتقدمة لأعمال القطاع.
وبحسب إحصائيات رسمية، بلغ إجمالي أعداد العاملين لدى شركات التأمين من مختلف الجنسيات نحو 9640 موظفاً في نهاية العام الماضي، وبلغ عدد المواطنين منهم 1316 مواطناً، أي ما نسبته 13.6%، بينما بلغ إجمالي عدد العاملين في الإدارات الفنية لدى شركات التأمين العاملة في الدولة في نهاية 2018 ما مجموعه 5650 موظفاً، منهم ما مجموعه 702 موظف مواطن يعمل في الإدارات الفنية وبما نسبته 12.4%.
مسألة حيوية
وأكد جهاد فيتروني، الرئيس التنفيذي لشركة دبي الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين «أمان»، أن ملف التوطين يعتبر مسألة حيوية ووطنية ويحظى باهتمام جميع أطراف المنظومة التأمينية بما في ذلك هيئة التأمين، لافتاً إلى أن شركات التأمين المحلية، وعلى رأسها الوطنية، مهتمة بنسبة التوطين ونوعية الوظائف التي يتم توفيرها للمواطنين.
وقال إنه على الرغم من تلك الجهود لا تزيد نسبة التوطين في القطاع على 15%، ما يستدعي مضاعفة الجهود والعمل بروح الفريق الواحد بين القطاعين «العام والخاص» والمؤسسات المعنية بهذا الشأن، بغية ترجمتها إلى واقع ملموس. ونوّه بالجهود التي تبذلها هيئة التأمين من أجل التعزيز والمساهمة في تسريع التوطين في قطاع التأمين بالدولة، وأيضاً لزيادة معدلات التوطين وفقاً لنظام التوطين بالنقاط، الذي أطلقته الهيئة مع الشركات العاملة بالقطاع.
10 تحديات
1. الرغبة في تنفيذ مشروعات تنموية طموحة دفعت للاستعانة بخبرات أجنبية
2. التنافسية الشديدة في السوق فرضت نهجاً لجذب المهارات دون النظر للجنسية
3. التحول الرقمي المذهل لم يواكبه الإعداد الكافي لشغل وظائف نوعية
4. الجهل بمزايا القطاع والدخول إلى سوق العمل دون بوصلة واضحة توجه الخريجين
5. المزايا المالية في القطاع الحكومي أكثر بكثير من الخاص ما يؤثر على قرار المواطن
6. ضعف مستوى التواصل بين الجامعات والمؤسسات المالية يخفي حاجات سوق العمل
7. إدارة المخاطر والامتثال التنظيمي وتكنولوجيا المعلومات وظائف تحتاج لتأهيل خاص
8. التفكير الخاطئ لدى الخريجين الجدد بأن المنصب الكبير في انتظارهم بمجرد التخرج
9. ضعف الرواتب بالبنوك يصرف المواطنين عنها إلى قطاعات أخرى
10. عدم وجود التوعية اللازمة خصوصاً في المراحل الدراسية
10 حلول
1. الاستثمار المستمر في التعليم للوصول إلى أرفع المستويات
2. فرض توظيف الخريجين الجدد بشرط زيادة موازنات التدريب
3. تخصيص أدوار وظيفية مناسبة لمهارات وخبرات المواطنين
4. وضع برامج دوام تساعد المواطن على تحقيق توازن بين حياته الشخصية والمهنية
5. توفير الميزانيات المالية الكافية لتعيين المواطنين ليصبحوا كوادر مؤهلة للسوق
6. تقليل فجوة الامتيازات المالية بين العمل في القطاعين المصرفي والحكومي
7. إعادة النظر في الرواتب باعتبارها حافزاً مهماً لانخراط المواطنين في العمل
8. الاستمرار في نظام النقاط الذي انتهجه المصرف المركزي بعد أن أثبت نجاحه
9. تعيين المواطنين في مناصب بالفروع الإقليمية للمصارف وعدم الاقتصار على المحلية
10. تعزيز حضور البنوك على صعيد معارض التوظيف في مختلف إمارات الدولة
جهود مشتركة
قال فريد لطفي، أمين عام جمعية الإمارات للتأمين، إن زيادة معدلات التوطين في قطاع التأمين المحلي تتطلب جهوداً مشتركة من جميع أطراف المنظومة التأمينية، بدءاً من هيئة التأمين من جهة عن طريق بناء الاستراتيجيات ووضع الخطط واتخاذ القرارات على نحو فعال ومراقبة التنفيذ، وصولاً إلى شركات التأمين في الدولة من جهة أخرى عن طريق الالتزام وتنفيذ تلك القرارات.
وأضاف أن نسبة المواطنين العاملين في قطاع التأمين لم تتجاوز 15% من مجموع العاملين في القطاع، ما يجعل الفرصة متاحة لزيادة نسبة التوطين الكلي والنوعي عبر برامج متنوعة وخطط مبتكرة، لافتاً إلى أن الوصول إلى نسبة 20% يعتبر أمراً جيداً مقارنة بالمستويات الموجودة لدى دول المنطقة.
وشدّد على أهمية وجود بعض المحفزات لدفع معدلات التوطين إلى الأمام، وعلى رأسها إعادة النظر في المرتبات باعتبارها حافزاً مهماً لانخراط المواطنين في أعمال التأمين، موضحاً أن القطاع أصبح يوفر فرصاً ممتازة للمواطنين ومجالات تدريبية لتهيئة الشباب المواطنين للعمل في الجوانب الفنية والمالية والقانونية والإدارية المتقدمة لأعمال القطاع.
صعوبات محيطة
قالت شروق حبيب، مديرة قسم الموارد البشرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى دويتشه بنك: «نحن كمختصين في قطاع الموارد البشرية على درايةٍ تامة بحجم الصعوبات المحيطة بجهود تحقيق زيادة ملموسة ومستدامة في العدد الإجمالي للإماراتيين العاملين في القطاع المالي، لذا ينبغي أن ينصبّ تركيزنا حالياً على إيجاد حلول هادفة، قصيرة وطويلة الأجل، لمواجهة هذه الصعوبات. ومن المهم أن نعمل على زيادة عدد المواطنين ككل في القطاع المالي كأولوية، ما سيسهم في توفير قاعدة أكبر من المنضمّين الجدد إلى القطاع، ومن ثم الانتقال لتحقيق أهداف التنمية والنمو.
وأكدت حرص «دويتشه بنك» على وضع خطط توطين لا تقتصر أهدافها على تحقيق أهداف التوطين المطلوبة في كيان البنك المحلي فحسب، بل تشمل أيضاً تعيين عدد من الإماراتيين في مناصب هامة بفرع البنك الإقليمي في مركز دبي المالي العالمي، ومنهم المدير الإقليمي للموارد البشرية، بالإضافة إلى تعيين عدد من كبار الموظفين في قسم الالتزام والامتثال.
وأضافت: كغيرنا من البنوك العالمية متعددة الجنسيات، فإن وجود الضوابط التي تحدد أعداد الموظفين الإجمالي لدينا تعني أن علينا أن نكون أكثر إبداعاً وابتكاراً في توفير مناصب جديدة للمواطنين الإماراتيين، واستقطابهم لشغل هذه المناصب. وفي هذا الصدد، نحن نفتخر بشراكتنا مع عدد من الهيئات منها اتحاد مصارف الإمارات ومعهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية، وذلك بهدف إيجاد حلول مستدامة للإماراتيين في الدولة، ودعم تهيئتهم للعمل والنجاح في هذا القطاع.
ضرورة مراعاة الراتب وبدل التقاعد
ذكرت سعاد الشمري، رئيسة إدارة الموارد البشرية في المصرف العربي للاستثمار والتجارة الخارجية «المصرف»، أنه على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها المصرف المركزي والتي ساهمت في معالجة العديد من العقبات التي تواجه مسيرة التوطين في القطاع المصرفي، فإنه ما يزال هناك بعض الأمور التي تتطلب حلولاً لتذليلها وتفاديها وأهمها تقليل الفجوة في الامتيازات بين العمل في القطاع المصرفي والعمل في القطاع الحكومي، وذلك من ناحية الراتب وبدل التقاعد وزيادة الجهود والمبادرات لتحفيز وتشجيع المواطنين على الالتحاق بالقطاع المصرفي.
وأشارت إلى نجاح «المصرف» في تجاوز النقاط المستهدفة في النظام الجديد من خلال استراتيجيته التي تبناها مؤخراً لتعزيز التوطين، خاصة في ظل التوسعات التي يشهدها المصرف حالياً.
وحول سبل المحافظة على نسب التوطين من الانخفاض، قالت: «إن مفهوم التوطين يعتمد على منهجية تهدف إلى تحقيق معدلات توطين فعّالة تسهم في إيجاد جيل مصرفي وطني مؤهل لتسلم المسؤوليات والمشاركة بفعالية في نمو المصرف. ووفقاً لهذا المفهوم، فإننا نواصل بشكل مستمر مراجعة سياستنا واعتماد محاور جديدة ضمن الإطار العام لاستراتيجية المصرف لتعزيز عملية التوطين. ومن أبرز هذه المحاور زيادة الحوافز الاستقطاب الكوادر الوطنية المؤهلة وتعزيز حضورنا على صعيد معارض التوظيف».
توجيه النصح لشباب الخريجين
قالت رولا أبومنة، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد الإمارات، إن السبب يكمن وراء عزوف بعض الشباب والشابات المواطنين عن الالتحاق بركب القطاع المصرفي في عدم معرفتهم بميزات هذا القطاع التنافسية، وأضيف إلى ذلك الدور المنوط بالأهل وهو التعريف والتوجيه خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالمراحل الدراسية الأولى. فمن الضروري أن يقوم الآباء بتقديم النصيحة والمشورة الصحيحة والتي من شأنها أن تضع الجيل القادم على الطريق الصحيح.
وأضافت: «ننصح الآباء والأمهات بالتعريف أكثر بالمجالات والمساقات التعليمية التي تفيد في مجال الصيرفة من التدقيق المالي إلى المحاسبة، ما سيساعد على إنشاء جيل مثقف وواعٍ.
ويضاف إلى التحديات، المزايا المالية التي قد يحصل عليها الخريج الجديد حين يلتحق بالقطاع الحكومي، والتي قد تكون أكثر بكثير من نظيرتها في القطاع الخاص والقطاع المصرفي بشكل عام».
ولفتت إلى أنه ضمن مساعي البنك لتعزيز التوطين، وسعيه المتواصل لنشر ثقافة الاستحقاق في بيئة العمل من خلال التركيز على النتائج النهائية وليس على مكان أو ساعات العمل، أطلق «ستاندرد تشارترد» برنامج «الدوام المخفض» الذي يتيح للموظفين المواطنين والمواطنات اختيار ساعات العمل المناسب لظروفهم ومتطلّباتهم الشخصية، بما يتوافق مع احتياجات البنك والعملاء.
وضع استراتيجية توازن بين متطلبات سوق العمل
أفاد مروان المهيري، مدير إدارة الموارد البشرية لـ«الإمارات الإسلامي» بأن أهم تحديات التوطين في القطاع المصرفي يكمن في ضعف مستوى التواصل بين الجامعات والمؤسسات المالية في الدولة، عبر مبادرة الجامعات إلى دراسة متطلبات سوق العمل مع مختلف الجهات المختصة والمعنية، حتى تتمكن من توجيه الشباب والشابات إلى الاحتياجات الحقيقية لهذا السوق، والعمل على تحقيق التوازن فيما بين التخصصات الجامعية ومتطلبات سوق العمل.
ولفت المهيري إلى إمكانية المحافظة على نسب التوطين من الانخفاض من خلال عدة حلول، منها تنظيم سلسلة من اللقاءات والاجتماعات بين المؤسسات التعليمية المختلفة في الدولة والمؤسسات المالية، لوضع استراتيجية نوعية لتحقيق التوازن بين متطلبات سوق العمل والتخصصات الجامعية، وتوقيع مذكرات التفاهم فيما بين هذه المؤسسات التعليمية والمؤسسات المالية من أجل توجيه واستقطاب وتأهيل الإماراتيين لسوق العمل.
وأضاف: «لابد كذلك من نشر الوعي لدى الطلاب والطالبات عبر ضبط وحُسن إدارة توقعاتهم لناحية طبيعة المهام الوظيفية التي يتطلعون إلى ممارستها بعد التخرج، من خلال الإضاءة على حقيقة أن حصولهم على منصب قيادي فور دخولهم إلى سوق العمل هو أمر غير واقعي، وأن هذا الأمر يتحقق تدريجياً من خلال الاجتهاد في العمل والتدرج الوظيفي، وصولاً إلى المراكز العليا».
وأشار المهيري إلى أنه من الضروري كذلك توفير الميزانيات المالية الكافية لتعيين المواطنين، حيث إن معظم الوظائف التخصصية تستدعي وجود موارد مالية لتأهيل وتدريب الكوادر الوطنية.
نسب مستهدفة
وحول نسبة التوطين في «الإمارات الإسلامي»، قال المهيري: «كان الإمارات الإسلامي قد تجاوز خلال السنوات الثلاث الماضية هدفه في نظام نقاط التوطين الذي أقره مجلس الوزراء للقطاع المصرفي والمالي، بحيث نجح في زيادة نسبة التوطين في كافة إداراته وأقسامه، ليستحوذ المواطنون من موظفي المصرف على أكثر من 85% من المناصب العُليا في مختلف الإدارات والأقسام.
وينظّم «الإمارات الإسلامي» سلسلة من برامج التدريب الرائدة في القطاع المصرفي بالتنسيق مع معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية، سعياً إلى تدريب الشباب الإماراتي وتمكينهم من المساهمة في نمو قطاع التمويل الإسلامي في الإمارات».
وأضاف: «باعتبارنا مصرفاً وطنياً، ومؤسسة مالية إسلامية رائدة نشأت ونمت في الإمارات، نأخذ على عاتقنا التزاماً طويل الأمد بزيادة نسبة التوطين وتنمية المواهب المواطنة والتركيز على بناء كوادر بشرية ماهرة تمضي بنا قدماً نحو مستقبل مكلل بالنمو والازدهار، ونحن نعمل على استقطاب العناصر الإماراتية في كافة المجالات.
لمتابعة الحلقة الأولى:
ـــ التوطين.. «البيان» تفتح الملف بجرأة رسالة الموسم الجديد «1»