شدد فضيلة الدكتور أحمد الحداد كبير مفتين، مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، على أهمية إنشاء مجلس الإمارات للإفتاء، وقال: إنه عمل مؤسسي يواكب التطور التشريعي والحضاري للدولة، موضحاً أن النهج الذي يقوم عليه الإفتاء في دبي هو الوسطية، وعدم التشدد.
وقال الدكتور الحداد في حوار مع «البيان» إن استسهال البعض في الحصول على حكم الشرع في بعض المسائل الفقهية، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، دون استفتاء العلماء الاختصاصيين، «يعتبر قصوراً كبيراً»، لا ينجي من مسؤولية المؤاخذة الشرعية، في وقت رأى فيه مواقع التواصل الاجتماعي فضاء مفتوحاً من الصعب التحكم فيه لاسيما في مسائل الفتوى التي يدعيها الكثير من الناس.
ودعا أبناء الدولة وغيرهم ممن يعيش على ثرى هذه الأرض الطيبة، وفي ظل هذه الحكومة الرشيدة العادلة، أن لا يتعدوا المفتين فيها، «فإنهم أدرى بعرف البلد وعاداته ونظامه ومصالحه».
إن المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث هي أكثر المواضيع التي يستفتي الناس عنها في هذه الأيام، تليها المسائل المالية والتجارية، مشيراً إلى أن إدارة الفتوى تتلقى يومياً أكثر من 200 فتوى عبر القنوات والوسائل المختلفة.
وأعرب الدكتور الحداد عن سعادته بازدياد إقبال المواطنين على دراسة العلوم الفقهية والشرعية، والحصول على الشهادات العلمية العليا، مشيراً إلى توظيف 6 مفتين مواطنين من حملة الدكتوراه، منهم مفتيتان، بعد تدريبهم في الإدارة لنحو 4 سنوات «كمرحلة أولى».
* كيف تقرؤون إنشاء مجلس اتحادي للإفتاء؟ وما أهميته؟ وكيف سيواكب الأمور والمسائل المستجدة في المجتمع؟
مجلس الإمارات للإفتاء، عمل مؤسسي رائع يواكب التطور التشريعي والحضاري للدولة، لاسيما مع زيادة حاجة الناس إلى معرفة أمور دينهم بسبب المستجدات الكثيرة والشبهات المثيرة، وحتى لا يرجع الناس إلى غير المتخصصين فيضلون سواء السبيل، فكان إنشاء هذا المجلس عملاً موفقاً سديداً، وسيكون له أثره الإيجابي العظيم على الفرد والمجتمع والدولة أولاً.
وسيواكب الأمور المستجدة بدراستها وتصورها وملابساتها ثم بيان الحكم الشرعي فيها المستنبط من الأدلة الشرعية والمعزز بالنظرة المقاصدية، وسلامة مآلاته، ومثل هذا الأمر لا يقوم به فرد، بل لا بد أن يكون عملاً جماعياً، حتى يكون صواباً أو قريباً منه على الأقل.
* ما معنى الوسطية في الفتوى؟ وما النهج الذي تتبعه دبي في الإفتاء؟ ولماذا هذا الاختيار؟
الوسطية في الفتوى تعني عدم التشدد، وعدم التفريط، كحال الشريعة الإسلامية كلها، فإن الوسطية هي منهج الإسلام كله كما قال الله تعالى عن هذه الأمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فإذا كانت الأمة كلها وسطية فإن من لازم ذلك أن يكون الشرع كله وسطياً، فلا غلو فيه ولا تساهل يفضي إلى ضياع فرائضه ومقاصده، وهذا هو المنهج الذي عهد به النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بقوله: «بعثت بالحنيفية السمحة»، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أحبُّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة».
وهذا هو المنهج الذي تسير عليه إدارة الفتوى بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، فإنها نهجت نهجاً وسطياً في كل فتاواها، فوسعت المجتمع كله، وعم نفعها الآفاق، حيث تردها المسائل من كل مكان، ويصل النفع إلى كل سائل.
* ما الآليات العملية لضبط فوضى الفتاوى على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكيف تفسرون هذه الحالة وما الهدف منها برأيكم؟
مواقع التواصل الاجتماعي فضاء مفتوح من الصعب التحكم فيه لاسيما في مسائل الفتوى التي يدعيها الكثير من الناس، فيبثون في هذه المواقع الغث والسمين، والناس في حاجة إلى معرفة ما يستجد من أمورهم فيستسهلون الدخول إلى هذه المواقع فمنهم من يعتمدها ويكتفي بها عن سؤال العلماء المتخصصين، وهذا يعتبر قصوراً كبيراً من الناس في اعتمادهم على مثل هذه المواقع، فإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لذلك نحذر الداخلين على هذه المواقع أن يقعوا فريسة أخطائها، فإن ذلك لا ينجيهم من تبعاتها فإن الله تعالى أمر من لا يعلم أن لا يسأل إلا من يعلم كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
* لوحظ تصدي بعض الشباب لبعض الفتاوى على مواقع التواصل الاجتماعي ولهم جمهورهم ومتابعوهم، دون امتلاكهم المعرفة الكافية بالعلوم الشرعية، وقواعد الإفتاء، ودون أن تكون لهم مرجعية، وربما هم ليسوا مقيمين في الدولة، فما تفسيركم لهذه الظاهرة؟ وما السبيل لتطويقها وبماذا تنصحون الناس؟
كما قلنا سابقاً إن هذه الوسائل فضاء واسع مفتوح، لا سبيل إلى منعها أو التحكم فيها فيما نراه في الواقع، ولكن نستطيع أن نفعل الكثير لتقليل آثار هذا الانفلات غير المحمود، وذلك بإيجاد البديل النافع من مواقعنا التي ننشر فيها الكثير من المسائل التي ينتفع بها الناس، فإن الناس إذا وجدوا من يعرفون لا يذهبون إلى من لا يعرفون، وإذا وجدوا ما يُقنعهم لا يذهبون إلى من لا يقنعهم، كذلك نهيب بالناس أن لا يأخذوا الفتوى من غير أهل الاختصاص، فذلك تقصير منهم ولا ينجيهم ذلك من مسؤولية المؤاخذة الشرعية ديانة؛ لأنهم لم يفعلوا ما أمروا به من سؤال أهل الذكر، فإذا وعَّينا الناس بمثل هذا المنشور فإن ذلك إسهام نافع من تقليل مخاطر تلك المواقع غير المتخصصة أو المشبوهة.
* هل على أبناء الدولة الالتزام بالفتاوى الصادرة داخل الدولة فقط؟
ينبغي على أبناء الدولة وغيرهم ممن يعيش على ثرى هذه الأرض الطيبة، وفي ظل هذه الحكومة الرشيدة العادلة، أن لا يتعدوا المفتين فيها، فإنهم أدرى بعرف البلد وعاداته ونظامه ومصالحه، وهذه أمور تقف عندها الفتوى، حيث لا يجوز للمفتي أن يفتي أهل كل بلد حتى يعرف عوائدهم ليعيدهم إليها فيما كان سبيله العرف والعادة، فإن العداة محكمة كما تقول القاعدة الفقهية المطردة، وإنما جعلت القوانين المنظمة لتنظيم أحوال الناس في ظل قانون البلاد وتشريعاته، صحيح أن القانون لم يلزم الناس في قضاياهم الخاصة بالرجوع إلى المتخصصين الرسميين، إلا أنه منع أن تنشر فتوى لا توافق الشرع الشريف أو توجه الدولة ونظامها العام لاسيما في القضايا العامة، فإن الخطر يكمن في هذا على وجه التحديد، وقد حدد عقوبات رادعة لذلك هي كفيلة بزجر المتهورين وردع المشغبين.
* ما الفرق بين الواعظ والمفتي وما المسافة الفاصلة بينهما؟
الوعظ علم مستقل بذاته والفتوى علم آخر، فليس كل واعظ مفتياً ولا العكس، ولكن يوجد من يجمع بينهما لكثرة علمه التخصصي وأسلوبه الوعظي، كما كان حال كثير من السلف والخلف، أما من لا يحسن الإفتاء لعدم دراسته الفقه الإسلامي وعدم تدربه على الفتوى ومجالسته المفتين فإنه لا يفتي فيما تعرض له من مسائل بل عليه أن يحيلها للمفتين، ولا يتكلف ما لا يعنيه، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من علم منكم علماً، فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل لما لا يعلم: الله أعلم. فإن: العالم إذا سئل عما لا يعلم، قال: الله عز وجل أعلم»، وقد قال الله لرسوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} وقد رهّب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك كما أخرج الحاكم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشدة فقد خانه، ومن أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه».
* ما أبرز المسائل والنوازل التي يسأل الناس عنها في هذه الأوقات؟
الناس يسألون عما يهمهم في أمر دينهم فنجيب عنها، وهي متنوعة بين مسائل العبادات والمعاملات وأحوال الأسرة، وغير ذلك وكلها فتاوى بارزة، وتنشر بين الحين والآخر في بعض المجلات كمجلة الضياء الصادرة عن دائرة الشؤون الإسلامية، وتنشر جميعها في مجلد الإفتاء السنوي الذي يحتوي على الفتاوى الصالحة للنشر، وقد بلغت 23 مجلداً، وستصدر قريباً مجموعة في 7 مجلدات كبار، وهي في متناول الجميع لمن يريد أن يقتنيها يستفيد.
فضلاً عن العدد الكبير في الموقع الإلكتروني للدائرة، وهي الفتاوى الصادرة إلكترونياً حسب أسئلة السائلين المختلفة، والدخول إليها سهل، وقد بُث منها نحو 30 ألف فتوى على الشبكة العالمية Google وعم نفعها العالم، وما زلنا في تحديث أعداد أخرى من الفتوى الرسمية والإلكترونية لتبث على الشبكة العالمية.
ولو أردنا الاقتراب أكثر من مواضيع الفتاوى التي تنظر فيها الإدارة، فإننا نجد أن مسائل الزواج والطلاق والميراث، هي الأكثر، ثم المعاملات التجارية والمصارف الإسلامية والشركات والأسهم، وغيرها مما يمس حاجة الناس.
* وكيف تقيمون إقبال المواطنين على دراسة العلوم الشرعية والفقهية التي تؤهلهم ليكونوا مفتين في المستقبل وما خطتكم للتوطين؟
لله الحمد الإقبال كبير وملحوظ، ومؤخراً تم تعيين 6 مفتين مواطنين من حملة الدكتوراه منهم مفتيتان، بعد تدريبهم في الإدارة مدة 4 سنوات، ونسعى إلى استقطاب وتدريب المزيد من أبناء الدولة للعمل في هذا القطاع.
* أين وصلت فكرة إنشاء مركز للإفتاء في دبي أسوة بمركز إفتاء أبوظبي من حيث التقنيات وطريقة التواصل مع المستفتين؟
فكرة إقامة مركز للإفتاء ما زالت تحت الدراسة، والتصور معد، والمقارنات المعيارية للمراكز والمؤسسات المماثلة في الداخل والخارج جارية، ليكون المركز متكاملاً ومتماشياً مع طموح إمارة دبي الريادي.