احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية نظمت هيئة دبي للثقافة والفنون، أمس، بحي دبي للتصميم، مبادرتها التفاعلية «أول توقيع إبداعي أدبي» بحضور عدد من الفنانين والخطاطين العاملين في الهيئة إلى جانب حضور كثيف من جمهور وزوار الحي الذين شاركوا في تزيين أكواب القهوة بكلمات وأبيات شعرية مستوحاة من فنون الخط العربي والرسوم والنقوش التراثية.

وذلك بالتزامن مع ذكرى اعتماد اللغة العربية من قبل الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والإسبانية، في 18 ديسمبر في عام 1973.

18 مقعداً

وأكد محمد الحبسي، مدير إدارة الآداب بالإنابة في «دبي للثقافة»، أن اليوم العالمي للغة العربية يعد مناسبة مهمة للاحتفاء بلغتنا العربية الجميلة وإبراز مكانتها وأصالتها وأهميتها بوصفها واحدةً من أكثر اللغات الحية انتشاراً على النطاق العالمي.

وتأتي مبادرة «أول توقيع إبداعي أدبي» نتاجاً لتنسيق مشترك بين إدارة الآداب وإدارة الفنون التشكيلية في «دبي للثقافة»، من خلال تخصيص 18 معقداً في مقهى «هوم بيكري» بحي دبي للتصميم، إلى جانب توفير أدوات الكتابة والتلوين للمشاركين من المتخصصين في مجال الخط أو الأدب في أجواء تفاعلية تعكس روح المناسبة من خلال 18 بيتاً شعرياً يحاول المشاركون استخدامها في كتابة الحرف العربي أو ما هو مستوحى منه من رسوم فنية.

كما تسعى الفعالية إلى تشجيع الناطقين بغير العربية على تعلم كتابة أسمائهم بالعربية، ونطق بعض المفردات العربية وكتابتها؛ كعبارات الترحيب والشكر.

إرث حضاري

وأشار الحبسي إلى الدور الفاعل الذي تلعبه «دبي للثقافة» في تكريس حضور اللغة العربية في جميع المجالات الحياتية؛ قائلاً:

«تأتي هذه الفعالية في إطار جهود (دبي للثقافة) الرامية إلى الإسهام في تعزيز مكانة لغة الضادّ العريقة في المجتمع الإماراتي ضمن سلسلة طويلة من المبادرات والفعاليات التي تطلقها لصون وترسيخ هويتنا الوطنية الأصيلة وإرثنا الحضاري المجيد.

هذه الجهود المنسجمة مع مبادرة (ميثاق اللغة العربية) التي جاءت ثمرة للرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله».

قيمة معرفية

وفي السياق قال خليل عبدالواحد حسن، مدير إدارة الفنون التشكيلية في «دبي للثقافة»، إن الهيئة حملت على عاتقها مهمة الإسهام والنهوض الحقيقي بلغتنا العربية ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، علاوةً على تكريس مكانتها ليس في المجتمع الإماراتي وحسب، بل على النطاق العالمي أيضاً؛ وذلك استناداً إلى قيمتها التاريخية والمعاصرة بصفتها إحدى أهم اللغات الحية.

حيث يتحدث بها أكثر من 420 مليون شخص، وهي لغة البدايات المبكرة للكثير من العلوم التي وضع العرب الأولون أسسها، وصدّروا بها كتباً لا تزال تشكل مراجع مهمة على المستوى المعرفي الإنساني حتى اليوم.

الجمال الأبدي

وحول التعاون المشترك بين إدارة الآداب وإدارة الفنون التشكيلية في تنظيم هذه المبادرة التفاعلية يقول خليل، إن الأدب والفنون وجهان لعملة واحدة، وكلاهما أسهم في تشكيل المشهد الثقافي العربي التاريخي والمعاصر، وخلال الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، لم نجد أفضل من الخط العربي وفنونه التي كثيراً ما خطت أشعاراً ومقولات من تراثنا العريق إلى جانب القرآن الكريم بكل تأكيد.

فقد شكلت المحبة روح الإبداع لهذا الفن من خلال أعمال نقلت رسالة الجمال الأبدي بحروف منسوجة بالحكمة والمحبة الإلهية، يؤديها الخطاط بفنه الذي يسمو في عالم الإيمان وينسلخ من عالم المادة ويحلق في كينونات علوية تطبع فيوضها الروحانية في تركيبات الحروف المتناغمة.

تكوين الخط

وضمن مشاركتها في مبادرة «أول توقيع أدبي إبداعي» تقول الفنانة التشكيلية والخطاطة فاطمة العامري: بحكم عملي في مجال الفنون والخط أجد نفسي منجذبة إلى فكرة التضاد والتباين في تكوين الحرف العربي والتي تعد من أهم العلاقات الجمالية في العمل الخطي.

والتي يمكن من خلالها عرض المفردات الخطية في التكوين الخطي ومحتوياته بطريقه تجعل العناصر المهمة قابلة للظهور بشكل واضح ومتميز، وهو ما يساعد على استثمارها لتحقيق السيادة وإرشاد المتلقي إلى هدفه وتمنحه وحدة الفكرة ضمن الإطار العام، ومن المهم القول إن الانسجام التام سلبي ولا يجذب المتلقي في حين يعد التضاد من أكثر أنواع التنظيم شيوعاً ومصدراً من مصادر التنويع والحيوية .

ويضفي عليه توازناً منشؤه التعادل بين الأضداد، ما يفسر في الوقت نفسه وحدة القوى المتصارعة التي تحقق بدورها للمتلقي المزيد من المتعة البصرية التي تغذي الحواس.

عاشق الحرف

ويعتقد الهندي كوشير لاكشمي الموظف بقسم الضيافة بهيئة دبي للثقافة والفنون، أن مشاركته اليوم فرصة مثالية للتعرف إلى ماهية فنونها المرتبطة بالثقافة العربية والإسلامية على الرغم من أنه لا يتقن الحديث باللغة العربية ولكن هوايته الرسم وتقليد الأشكال والحروف، ويقول: أعشق تكوين الحرف العربي وإنسانيته التي تختلف تماماً عن الكتابة باللغة الهندية الضاربة في القدم.

وعلى الرغم من انتشار فن الخط العربي بين المسلمين الهنود منذ أكثر من 1000 سنة، وظهور خطاطين كثيرين للغة العربية في كافة الأماكن عبر مراحل التاريخ المختلفة، ظل تعلم هذا الفن الرائع مقتصراً على المساجد أو الدوائر التعليمية الأهلية، ولم يجد فرصة لدخول المدارس الرسمية لكي يتعلمه الطلاب المسلمون وفقاً للمناهج التعليمية المقررة.

كما أنه لم تكن هناك قواعد أو نظريات محددة لهذا الخط، فراح كل خطاط يكتب اللغة العربية كما يشاء، وكان من نتيجة ذلك أن بقي فناً مقتصراً على دوائر الناطقين بها أو المسلمين والعديد من المثقفين والمختصين.

هوية عالمية

ويعتقد خالد السعيدي الموظف بقسم الفعاليات بمتحف الاتحاد، أن المبادرة نجحت في استقطاب الزوار والجماهير إلى جانب المتخصصين في مجال اللغة العربية والفنون وهي من أكثر التجارب إلهاماً وإثراء بالنسبة لي على المستوى الشخصي، وخاصة أن العمل يجمع نخبة من المصممين والفنانين الإماراتيين والتي تشكل أطروحاتهم وأفكارهم.

وتشكل جزءاً من الهوية العالمية، بما تملك من قواسم مشتركة، وامتداد للهوية العربية والثقافة الإسلامية المرتبطة بجماليات الخط والأدب من خلال مجموعة الأشعار المختارة للتنفيذ من قبل الجهة المنظمة.

 

انتشار عالمي

من جانبها، أشادت نسيمة بالعروس نائبة مدير جمعية ومكتبة اللغة العربية بباريس، بالحدث الذي يحتفي باللغة العربية في يومها العالمي ضمن نخبة من الفنانين والمثقفين والمهتمين إلى جانب جمع غفير من الجمهور الذي منح الفرصة في المشاركة والتفاعل ضمن هذه الورشة الثقافية الملهمة والتي تنظمها هيئة دبي للثقافة والفنون.

مؤكدة أن اللغة العربية اليوم تعيش أحد عصور ازدهارها وانتشارها الواسع بفضل وسائل الاتصال الإلكترونية. فهي اليوم واحدة من أكثر لغات العالم انتشاراً ولا يمكن الحكم على نسبة انتشارها في فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية من خلال وضعها الراهن في مجتمعات المنطقة العربية فقط، فرقعة انتشارها تتجاوز المنطقة إلى مناطق أخرى من العالم، من خلال التجمعات العربية تلك المدن العالمية .

وفي آسيا أيضاً. وكذلك الاهتمام بالعربية ودراستها في المدارس والأكاديميات وجامعات العالم يتزايد اليوم بشكل غير مسبوق في تاريخ هذه اللغة. وذلك بخلاف لغات ساميّة أخرى تنتمي في أصولها إلى المنطقة الجغرافية نفسها.