تصنّف العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية كنموذج متميز للعلاقات الثنائية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة وإصرار الجانبين على تعزيز أواصر الصداقة العميقة وتكريسها من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات وقطاعات عدة من شأنها المساهمة في الارتقاء بالشراكة الاقتصادية والسياسية بين الجانبين إلى آفاق رحبة، ويرجع الفضل في توطيد التعاون بين البلدين إلى امتلاكهما رؤية ديناميكية تهدف إلى دفع جهود التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون الدولي.

وبمناسبة مرور 71 عاماً على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، هنأت دولة الإمارات العربية المتحدة القيادة الصينية والشعب الصيني الصديق بهذه المناسبة، وكذلك بمرور 36 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية، والتي شهدت منذ عام 1984م تطورات كبيرة لتوثيق العلاقات الثنائية، والتي ترسخت بإقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في عام 2012، حيث شهدت العلاقات الثنائية بعدها نمواً شاملاً وسريعاً تعززت من خلاله الثقة وتوسّع التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والأمنية والطاقة وغيرها.

تطوّر سريع

وتتميز العلاقات الإماراتية ـ الصينية عموماً بسرعتها خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاستثمارية لدولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية، ويعزى ذلك التطور السريع بين البلدين إلى ما حققه اقتصاد دولة الإمارات من تطور كبير خلال فترة وجيزة.

وقد لعبت الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين دوراً كبيراً في دفع العلاقات السياسية بين الجانبين الإماراتي والصيني نحو مزيد من الشراكة الاستراتيجية، خاصة أن البلدين يشهدان نمواً غير مسبوق عالمياً على كافة الأصعدة، وقد مثلت الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى الصين في 2008 وزيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في 2009 و2015 و2019 نقطتا تحول في العلاقات بين البلدين، وعززتها في كافة المجالات لاسيما المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وقد أسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، للعلاقات الإماراتية الصينية قبل ما يزيد على ثلاثة عقود ونصف وبالتحديد في عام 1984 والتي قامت منذ اليوم الأول لصالح الشعبين الصديقين، حيث دعا رحمه الله إلى بناء العلاقات الدولية على أسس من التسامح والتنمية وتحقيق المنفعة المتبادلة للشعوب وقبول الآخر، وكانت الزيارة التاريخية التي قام بها الشيخ زايد إلى جمهورية الصين الشعبية خلال عام 1990 لها الدور الأكبر في وضع أسس العلاقات بين البلدين الصديقين ومبادئها على مدى العقود الماضية.

أهداف مشتركة

ويجمع بين البلدين العديد من الأهداف المشتركة التي تتمثل في تحقيق التنمية المستدامة والنمو والازدهار والاستقرار لشعبيهما، وترسيخ العلاقات الثنائية القائمة على مبادئ وركائز أساسية مبنية على محاور عدة، أهمها السلم والتسامح والحوار والانفتاح على الثقافات المختلفة، وترسيخ الأمن والاستقرار، ومد جسور التعاون والتواصل مع المجتمع الدولي والتمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون والتفاهم المشترك في ظل التطورات الحالية للأوضاع الدولية.

وتعتبر الإمارات من بين أهم الشركاء التجاريين للصين في الشرق الأوسط، والصين تعد شريكاً مهماً للدولة بعد اليابان كأكبر شريك تجاري لها، حيث إن الصين استطاعت أن تجعل من دبي مركزاً تجارياً لإعادة تصدير منتجاتها للكثير من الدول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، الأمر الذي ساعد في جعل الإمارات الدولة العربية الوحيدة التي ضمتها قائمة الثلاثين أكبر دولة مستوردة للبضائع في العالم والمركز السابع والعشرين، كما أن الشركات الصينية استطاعت دخول أسواق الإمارات وتستثمر في مجالات المقاولات وتشييد البنية التحتية وحتى في قطاع نقل المعلومات.

توحيد المواقف

وعلى صعيد التعاون الدولي فقد اتفقت الدولتان على تعزيز التعاون وتوحيد المواقف تجاه العديد من القضايا الدولية الراهنة في المنظمات الدولية مثل التغير المناخي وأمن الطاقة وأمن الغذاء، وإصلاح الأمم المتحدة، والتعاون في مجال تبادل الترشيحات في المناصب الإقليمية والدولية غير المتعارضة مع مصالح كل من الدولتين، حيث تؤكد الإمارات دائماً أن تطوير العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية يمثل توجهاً استراتيجياً للدولة، وستعمل على تعزيز هذا التوجه ودعمه خلال السنوات المقبلة.

كما تم تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلديـن، وإقامة شراكه استراتيجية وتبادل الخبرات وتشكيل لجنة مشتركة عامة، بهدف تعزيز العلاقات المشتركة في الجانب الاقتصادي والقانوني والعلمي والسياحي، وبما أن الإمارات تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية فقد دأبت الدولتان على تقليل حجم التوازن في الميزان التجاري بتخفيض الرسوم الجمركية على بعض السلع الإماراتية المصدرة للصين مثل الألمنيوم.

وخلال الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للصين في يوليو عام 2019، تم توقيع 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الإمارات والصين شملت المجالات الدفاعية والاقتصادية والتجارية والبيئية، إضافة إلى التعليمية والجمارك والطاقة، التي تهدف إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتعاون الثنائي بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات.

كما كانت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في منتصف يوليو عام 2018 تتويجاً لمسار طويل وناجح من التعاون الإماراتي - الصيني، الذي أثمر شراكات رائدة في كافة المجالات.

ولقد كانت العلاقات الإماراتية ـ الصينية في بداية عهدها محصورة في التعاون في المجالين الاقتصادي والتجاري والقنصلي، ولم تتوسع لتشمل المجالات الأخرى الثقافية والسياحية والصحية إلا حديثاً بفضل الجهود المشتركة التي تبذلها الدولتان والتطور الذي حققه الاقتصاد الصيني، لتصبح الصين أكبر سوق عالمي على مستوى العرض والطلب.

توطيد التعاون

ويرجع الفضل في توطيد أوجه التعاون بين دولة الإمارات والصين إلى امتلاكهما رؤية ديناميكية تهدف إلى دفع جهود التنمية الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدولي، حيث تنظر دولة الإمارات إلى علاقاتها مع الصين كأحد أهم العناصر الضرورية لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.

وهناك فرص كبيرة لتعزيز العلاقات مع الصين، خاصة أن منهج التنمية الذي تعتمده دولة الإمارات ينبثق من رؤية إنسانية عالمية غرسها الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتقوم على مبادئ الاعتدال السياسي والانفتاح والتسامح وتعزيز التواصل والتقارب بين الحضارات، بما يسهم في بناء مستقبل أفضل للمجتمعات كافة.

وفي ديسمبر عام 2017 تبادلت دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية مذكرة تفاهم بشأن إعفاء مواطني الدولة من حملة الجوازات العادية من تأشيرة الدخول المسبقة اعتباراً من 16 يناير 2018 مع إمكانية البقاء فيها لمدة أقصاها 30 يوماً في كل زيارة.

وفي مؤشر على النشاط الاقتصادي والتجاري الصيني في الإمارات تظهر الإحصاءات وجود أكثر من 4200 شركة صينية تمارس أعمالها في الدولة ونحو 2500 علامة تجارية صينية مسجلة و356 وكالة تجارية صينية، ويصل عدد المواطنين الصينيين العاملين في الإمارات نحو 300 ألف مواطن بحسب إحصاءات 2017.

تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة

عززت الإمارات والصين الشراكة الاستراتيجية الشاملة وأصدرتا بياناً مشتركاً في 23 يوليو عام 2019، يؤكد أن الجانب الإماراتي يدعم مبادرة «الحزام والطريق»، ويحرص على المشاركة النشطة في مشاريع البناء والأعمال المعنية ذات الصلة، ويهنئ الجانب الصيني بنجاح الدورة الثانية لمنتدى «الحزام والطريق» للتعاون الدولي.

استمرارية التواصل

كما أكد البيان اتفاق الجانبين على استمرارية التواصل والتعاون والتركيز خلال المرحلة القادمة على المجالات التالية: - إعطاء الأولوية لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وترسيخ العلاقات الخاصة بين البلدين الصديقين، وتكثيف الزيارات المتبادلة والمشاورات بين قادة البلدين والمسؤولين على كافة المستويات، وتعزيز التواصل والتنسيق حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك للحفاظ على المصلحة المشتركة للبلدين، وحرص الجانبان على تعزيز التنسيق والتعاون المشترك، والعمل على حل القضايا الدولية والإقليمية، بما يحقق الاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.

استثمار متبادل

كما أكد حرص الجانبين على مواصلة تشجيع الاستثمار المتبادل ومواصلة توسيع مجالات التعاون وقنوات الاستثمار والتمويل من خلال آلية تبادل الزيارات بين رجال الأعمال في البلدين، والعمل سوياً على دفع مشاريع التعاون ذات الأولوية، والتوسع في استخدام العملات المحلية في تسوية التجارة والاستثمار بين الجانبين، إضافة إلى الترحيب ودعم فتح فروع للمؤسسات المصرفية للبلدين لدى الجانب الآخر، لتعزيز التواصل والتعاون بين المؤسسات المالية للبلدين.