تشارك دولة الإمارات، العالم، الاحتفال بيوم الأغذية العالمي، والذي يصادف اليوم، 16 أكتوبر من كل عام، وذلك في ظروف استثنائية، فرضتها تداعيات فيروس «كورونا» المستجد، الذي أثبت للعالم أنه لا بديل عن مساهمة الشعوب في تحقيق الأمن الغذائي، والمحافظة على استدامة الموارد، والذي يكون مصدر قوة للدول لمواجهة تداعيات الأزمات والكوارث والأوبئة.

وعززت الدولة استراتيجيتها لاستدامة الأمن الغذائي بالابتكار وتطوير التقنيات الذكية في إنتاج الغذاء، كما تمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات وضعها في الصدارة عالمياً وفق مؤشرات الأمن الغذائي.

حيث تتبوأ المركز 21 عالمياً بعد قفزتها لعشرة مراكز في العام الماضي. وأكدت معالي مريم بنت محمد المهيري وزيرة الدولة للأمن الغذائي والمائي، أن دولة الإمارات مسهم رئيس في الجهود الدولية الرامية إلى الحد من الجوع في العالم، والارتقاء بكافة السبل والممكنات التي تضمن استدامة الأمن الغذائي العالمي، وتعزيز التعاون المشترك، لزيادة فعالية سلاسل التوريد الغذائي في العالم.

وقالت معاليها، بالمناسبة: «إن العالم يواجه العديد من التحديات بقطاع الغذاء، مثل التغيرات المناخية، ونقص المياه، وفقدان التنوع البيولوجي، وفقد وهدر الغذاء، والنزاعات والصراعات الإقليمية.

حيث تفاقمت بسبب تداعيات أزمة انتشار فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19)، ما يستلزم إيجاد حلول مبتكرة، من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية لكل سكان العالم، الآن وفي المستقبل، حيث سيكون هناك حاجة ملحة لإطعام أكثر من 9 مليارات شخص حول العالم، بحلول عام 2050».

وأضافت معاليها: «إن استخدام أحدث التقنيات المتقدمة، وخاصة تكنولوجيا الزراعة الحديثة، مع الاعتماد الكامل على الاستدامة، كنهج عمل، خلال عملية إنتاج الغذاء وكامل سلسلة القيمة الغذائية، أصبح أمراً حيوياً، من أجل تحقيق الأمن الغذائي العالمي، وخصوصاً في ظل مواجهة فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19)، لذا، أصدرت الدولة نظاماً وطنياً محفزاً، لتمييز منتجات الأغذية المستدامة، ليكون داعماً لجهود التنمية الزراعية في الدولة».

وأشارت معاليها إلى أن 690 مليون شخص، يعانون من الجوع كل يوم في جميع أنحاء العالم، مؤكدة أنه أصبح من الضروري، تعزيز التعاون العالمي المشترك، من أجل قيادة مسيرة تحول النظم الغذائية إلى نظم أكثر استدامة، لتكون أكثر صموداً وصلابة، في مواجهة مختلف التقلبات والمتغيرات العالمية.

وفي هذا الصدد، أكدت معاليها أن الإمارات ملتزمة بالتعاون الكامل مع مختلف الدول الصديقة، والمنظمات الدولية ذات الشأن، وعلى رأسها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، من خلال تبادل الخبرات، والمساهمة في تقديم المساعدات للمجتمعات الأكثر احتياجاً، فضلاً عن المساهمة في تطبيق مختلف التوجهات العالمية الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الثاني الخاص بالقضاء على الجوع.

وأوضحت أن المجتمع يلعب الدور الأكبر في تعزيز منظومة الغذاء في الإمارات والعالم، من خلال رفع وعي أفراده تجاه أهمية الغذاء في مستقبل البشرية، وتعزيز علاقة الأفراد بالغذاء، وأهم التحديات التي تواجه استدامة هذا القطاع.

مشيرة إلى أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، لا بد من مشاركة كل أفراد المجتمع في الجهود والحلول التي تتعلق بإنتاج الغذاء المستدام في المنازل، من خلال تبني نظم الزراعة الحضرية، وتطوير سلوكيات شراء واستهلاك الغذاء، وحث المجتمع على تبني أنظمة غذائية صحية، والمساهمة في الحد من هدر وفقد الغذاء.

ونوهت معاليها بأن المجتمع، وبالشراكة مع مختلف الجهات الدولية والحكومية والقطاع الخاص، يستطيع خلق مستقبل إيجابي للأمن الغذائي العالمي، من خلال إطلاق طاقات جيل جديد من الكوادر البشرية، التي تستطيع أن تعمل ضمن منظومة متكاملة، تتضمن البحث العلمي والتطوير، والابتكار والأعمال.

واحتفلت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، بالمناسبة، في وقت تتزامن فيه مع ظرف استثنائي، تتعامل فيه الدول مع الآثار الواسعة لانتشار «كوفيد 19»، في وقت تتعاظم فيه الحاجة العالمية لضمان نظم غذائية صحية مستدامة، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي.

وفي إطار جهود الوزارة لتحسين وضع التغذية لجميع أفراد المجتمع بدولة الإمارات، مع رؤية جماعية لمستقبل أكثر صحة واستدامة، أطلقت الاستراتيجية الوطنية للتغذية.

والدليل الإرشادي الوطني للتغذية، العام الماضي، بالتعاون مع 18 جهة حكومية في الدولة، بهدف خفض معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، وأمراض سوء التغذية، والحد من معدلات المرض والوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية، وتحفيز وتشجيع الأفراد على ممارسة الأنشطة الرياضية المكملة لجهود سلامة الأغذية.

ويسهم تطبيق الاستراتيجية الوطنية للتغذية، في خفض تكاليف الإنفاق على علاج الأمراض، وضمان صحة الأجيال من الأطفال واليافعين، وتحقيق الأمن الغذائي للدولة، ورفع جودة الحياة واستدامتها.

مرجع وطني

وأكد الدكتور يوسف محمد السركال مدير عام مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، أن الاستراتيجية الوطنية للتغذية، تمثل مرجعاً وطنياً موحداً للجهات الحكومية، والمنشآت الخاصة التي لها علاقة بالغذاء والتغذية، موضحاً أن الدليل الإرشادي الوطني للتغذية، يعد مرجعاً للتوعية والتثقيف الغذائي للأفراد والجهات الحكومية والخاصة، لتنظيم السلوك الغذائي، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.

وذلك للوقاية من الإصابة بالأمراض المزمنة والسمنة وأمراض سوء التغذية، خاصة لدى الأطفال والنساء، التي تؤثر في حياتهم، ووضع الحلول المستدامة للتحديات الصحية بمجال التغذية. ونوه بأن تطبيق الاستراتيجية، سيسهم على المدى الاستراتيجي في خفض معدل انتشار الأمراض المزمنة، وأمراض سوء التغذية، لضمان سلامة وصحة أفراد المجتمع، ما يؤدي إلى رفع التنافسية في مجالات الصحة والتعليم والابتكار وجودة الحياة.

وأشار السركال إلى أن الوزارة تقدم نطاقاً واسعاً من خدمات العناية الصحية والتغذية العلاجية الداعمة لخطة علاج المرضى في المستشفيات، وذلك للارتقاء بجودة ونوعية خدمات التغذية المقدمة للمرضى والمراجعين، موضحاً أن جميع المرضى في المستشفيات، يتلقون الرعاية الغذائية العلاجية.

وذلك من خلال الدور الذي يقوم به اختصاصيو التغذية من تقييم وتشخيص للحالة الغذائية، والتدخل الغذائي، وتقديم الاستشارة الغذائية، وفقاً للحالة المرضية، ومتابعة ذلك، إلى جانب تقديم الخدمات الغذائية، وفق أعلى المعايير، والحصول على شهادات الاعتماد العالمية المختلفة في سلامة الغذاء، خاصة خلال فترة جائحة «كوفيد 19»، وذلك لضمان سلامة المرضى نزلاء المستشفيات.

مسؤولية

من جهتها، أكدت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، التزامها بالحفاظ على استدامة الغذاء، وتعزيز مسؤولية متداوليه في الالتزام بممارسات واشتراطات السلامة الغذائية، من خلال تبنيها لأفضل التقنيات والممارسات وبرامج التوعية المعتمدة في مجال التفتيش الغذائي، الزراعي، والحيواني.

وأكدت الهيئة، بالمناسبة، على دورها في وضع السياسات والاستراتيجيات الزراعية والغذائية المستدامة، لترسيخ منظومة الأمن الغذائي، والنهوض بقطاع الزراعة وإنتاج الغذاء في إمارة أبوظبي. وتحرص الهيئة على الاهتمام بجانب تنمية الإنتاج المحلي، من خلال تقديم برامج الدعم الحكومية، التي تشرف عليها الهيئة، والموجهة لقطاع الزراعة.

وكذلك تقديم الإرشاد الزراعي للمزارعين ومربي الثروة الحيوانية، لتطبيق أفضل الممارسات، ومكافحة الآفات الزراعية والأمراض الحيوانية، كما تعمل الهيئة على تقديم الدعم الفني للمزارعين لعمليات ما بعد الحصاد، للمحافظة على جودة المنتجات الزراعية والثمار بعد حصادها، وزيادة فترة صلاحيتها، وتقليل الفاقد منها، إلى جانب توجيه المزارعين لزراعة الأصناف الملائمة لمناخ الدولة، وطبيعة الأراضي الزراعية.

تطوير الأبحاث الزراعية ودعم تكنولوجيا الغذاء

وضعت دولة الإمارات، تطوير مفاهيم الاستدامة والغذاء، محوراً حيوياً ضمن أجندتها الوطنية، وعززت الأبحاث الزراعية، وسخرت التقنيات والتجارب لديمومة الأمن الغذائي، وشجعت الأفكار المبدعة والتقنيات الحيوية، التي تسهم بدورها في دعم تكنولوجيا الغذاء.

وفي ضوء هذه النظرة الاستشرافية، تتبنى العديد من المؤسسات على مستوى الدولة، هذه الرؤية المشرقة، ومنها هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، التي استلمت دفة الأبحاث العلمية، لتطوير مفهوم الاكتفاء الذاتي، مؤكدة أن العلم والمعرفة خيط الوصول الأول لأمن غذائي مستدام.

حيث بات البحث والتقصي حول الحلول الجديدة والدراسات المتطورة المتعلقة بالقطاع الزراعي، ضرورة حتمية، وبؤرة حيوية، تصاغ من أجلها الاستراتيجيات، باعتبارها رافداً أساسياً للأمن الغذائي، والتي من شأنها حث المساعي والدعوة لتشجيع البحوث العلمية الزراعية، وجعلها ركيزة داعمة لصوغ استراتيجيات مستدامة، تدعم الخطط الوطنية، وتتجه بوصلتها نحو التوجه الحكومي الرامي إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، خدمة لأهداف الدولة المستقبلية.

تطوير

فثقافة الابتكار الزراعي والتقنيات الحديثة، تعتبر إحدى أهم الركائز التي تستند عليها هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، باعتبارها خطوة مهمة في تحقيق الأمن الغذائي، لا سيما في ظل الظروف الاحترازية الراهنة، وتعمل على تطوير القطاع الزراعي لإمارة أبوظبي، من خلال تطبيق الأنماط الزراعية الحديثة، حيث قامت الهيئة بتبني التقنيات الحديثة والمناسبة ذات الكفاءة العالية في الزراعة، وخصوصاً تقنيات الزراعة المحمية، والزراعة المائية، والزراعة في بدائل التربة.

ولإيمانها بأهمية العمل الجماعي للوصول للمساعي المستدامة، قامت الهيئة، وبالشراكة مع هيئة البيئة- أبوظبي، بالتعاقد مع (جامعة فاجننج- هولندا)، بوصفها رائدة في مجال الابتكار الزراعي، لإنشاء مركز الزراعة المحمية في محطات الأبحاث التابعة للهيئة، والذي يهدف إلى نقل واختيار أحدث التقنيات الزراعية، بالإضافة إلى دعم جهود البحث والتطوير، في مجال إيجاد وتحديد أفضل التقنيات المناسبة للظروف المحلية.

40 منتجاً غذائياً

وفي إطار السعي المستدام لتعزيز منظومة الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل، ومن خلال الدعم الدؤوب الذي تقدمه القيادة الرشيدة، أصبح القطاع الزراعي في إمارة أبوظبي، يسهم بأكثر من 40 منتجاً زراعياً محلياً مختلفاً، متضمناً الخضراوات والفاكهة بمختلف أنواعها، واللحوم والحليب والبيض ومشتقاتها، هذا.

بالإضافة إلى تعزيز الحملات الوقائية التي تنفذها لتمكين أنظمة الأمن الحيوي في القطاع الزراعي، والترويج لأفضل الممارسات المتصلة بذلك، الأمر الذي أسهم في أن يكون القطاع الزراعي المحلي (النباتي والحيواني)، أحد أهم مرتكزات الأمن الغذائي في الإمارة، إذ يسهم بما يقارب أكثر من 45 % من الاحتياجات المحلية للإمارة من المنتجات النباتية والحيوانية، هذا، بالإضافة إلى تلبية احتياجات السوق من المنتجات الزراعية، دون نقص، على مدار العام.

تطوير سلالات

ولأن العسل أحد أهم الأغذية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كغذاء ودواء منذ القدم، عملت الهيئة على استنباط الجيل الأول والثاني والثالث والرابع من السلالة الإماراتية لملكة النحل الإماراتية، وقامت بتوزيع ملكات النحل للسلالة الإماراتية على المربين المحليين.

بالإضافة إلى إدخال تقنية التلقيح الاصطناعي لملكات النحل في الدولة، حيث تم إنتاج 1300 إلى 1400 ملكة نحل إماراتية، وتم تسويق أكثر من 500 منها على المزارعين.

وتتبع الهيئة استراتيجية متكاملة، تهدف إلى ضمان الأمن الحيوي، بشقيه النباتي والحيواني، حيث تولي الهيئة أهمية خاصة لمكافحة الآفات التي تصيب النخيل، وذلك من أجل المحافظة على هذه الشجرة المباركة، لما لها من أهمية في الموروث الحضاري لدولة الإمارات والمنطقة، بالإضافة إلى الأهمية البيئية والاقتصادية، وأيضاً باعتبارها داعماً أساسياً للأمن الغذائي.