لا يمكن أن تطأ قدمك الإمارات دون أن تبهرك بنخيلها المنتشر في كل مكان، على الطرقات، في الواحات، في البيوت، وفي الساحات، وشهدت زراعة النخيل توسعاً كبيراً وسريعاً في أعداد المزارع خلال العقدين الماضيين وحظيت باهتمام خاص من الدولة والمواطنين المهتمين بهذه الشجرة المباركة ويعتبرونها تراثاً تربطهم بها علاقة ود وحفظ للمعروف بعد أن كانت تلك الشجرة خير معين لهم يأكلون من ثمرها ويصنعون من سعفها بيوتاً وأدوات يستخدمونها في مختلف مناحي الحياة.
ويسارع الجميع هذه الايام مع تغير الجو إلى تنظيم عملية تلقيح النخيل قبل ان تشتد درجات الحرارة فتفسد عملية التلقيح، او ما يسمى محليا بـ"تنبيت النخيل". ومع التوسع السريع في أعداد مزارع النخيل بالدولة اختلفت طرق "التنبيت" فهناك من يستخدم التكنولوجيا في "تنبيت النخل" وهناك من لايزال يحافظ على الطرق التقليدية القديمة متمسكين بتراث الاباء والاجداد.. فاختلفت طرق "تبيت النخيل" لكن النتيجة واحدة.
وقال الباحث في شؤون التراث ابراهيم عبيد اللاغش: تمر عملية "تنبيت النخيل" بعدة مراحل، بداية باختيار الفحل الاصيل والذي يحتوي نسبة بودرة "طحين" عالية تسمى بودرة اللقاح وتتناسب مع نوع النخلة المراد تلقيحها كالنغال، والخلاص، والخواطر والخنيزي، وجش خصرة وجش نغال وغيرها.
وغالباً ما يستخدم الطلع الأبيض في التلقيح بعد استخراجه من الفحل مباشرة من نخلة الفحّال، وهي نخلة تنبت من دون غرس، تظهر في النخيل وتكون متوفرة بشكل محدود، ويتفاوت عدد عذوق نخلة الفحّال بين 3 إلى 30 عذقاً بحسب نوع وحجم الفحل، وفي حال زاد اللقاح عن الحاجة فإنه يتم تجفيفه واستخدامه لاحقاً للنخيل الاخيرة في التلقيح مثل البقول والخصاب والهلالي ويسمى "كسيف".
ويبدأ "تنبيت النخل" بتنظيف النخلة الأم وإزالة كافة الشوائب والسعف الميت "الجاف" لتهيئتها لعملية التنبيت، ويبدأ صاحب مزرعة النخل مراحل التنبيت حين تتفتح عذوق النخلة الأم التي تنذر بحاجتها لتلقيح ويكون ذلك خلال الأيام الأولى دون تأخير، وعادة تكون عملية التلقيح من أواخر شهر ديسمبر إلى شهر مارس وتختلف من منطقة إلى أخرى.
وهناك ثلاث طرق للتنبيت الطريقة التقليدية السائدة والغالبة ويقوم صاحب المزرعة بوضع الفحل او ما يطلق عليه الشماريخ او يطلق عليه "عطل" التي تحمل حبوب اللقاح إلى أجزاء صغيرة لوضعها في وسط عذوق النخلة الأم، وكل نوع من النخل يحتاج الى عدد من الشماريخ وتتراوح ما بين 3-20 شمروخا.
أما الطريقة الثانية عن طريق الرش بواسط الآلات الحديثة ويتم تجفيف اللقاح ورشه على النخلة المراد تلقيحها.
أما الطريقة الثالثة والمتبعة في بعض دول الخليج زرع فحل بين كل 10 من اشجار النخيل ويتم التلقيح عن طريق الحشرات والرياح.
وقال الدكتور منير البلاج مساعد مدير التطوير في وحدة دراسات وبحوث تنمية النخيل والتمور في مختبر زارعة الانسجة النباتية التابع لجامعة الامارات:" تشهد الإمارات نهضة كبيرة في زراعة النخيل وإنتاج التمور، مع اهتمام الدولة في تحقيق التنمية الزراعية الشاملة شهدت توسعا كبيراً وسريعاً في أعداد مزارع النخيل خلال العقدين الماضيين وحظيت باهتمام خاص باعتبارها احد أهم المنتجات الزراعية. حيث بلغت مساحة النخيل المزروعة قرابة 50 ألف هكتار بحسب احصائيات الفاو 2012.
وهذا التوسع الكبير جعل الحاجة ماسة لإدخال التكنولوجيا في إجراء عمليات الخدمة الزراعية في تلقيح النخيل الذي يبدأ من أواخر يناير ويستمر إلى بداية شهر مارس ويختلف من منطقة إلى اخرى.
واضاف أثبتت الدراسات أن التلقيح الآلي أو الميكانيكي أكثر جدوى من اليدوي ويمتاز ايضا بتوفير الوقت والجهد.
أما فيما يتعلق بالطريقة اليدوية للتلقيح فهي صعبة نسبيا في إجرائها خصوصا في المزارع الكبيرة، لما يتطلبه الأمر من صعود للنخلة مع توافر المهارة والخبرة لدى الملقح، وبالتزامن مع هذه المتطلبات هناك قلة أعداد الملقحين ذوي الخبرة بسبب الانخراط في الأعمال المدنية والصناعية، مما حدا بالمختصين والباحثين في مجال النخيل بابتكار آلات تقوم بعملية التلقيح للتغلب على مشكلة الاحتياج الشديد لعمال مدربين ولتجنب صعود النخلة عدة مرات وفي وقت محدود لإجراء عملية التلقيح وبالتالي توفير الوقت والجهد.
واضاف التلقيح الآلي خفض من متطلبات العمالة بنسبة تراوحت بين 40-60% مقارنة بالتلقيح اليدوي.
واوضح ان وسائل التلقيح الميكانيكي أثبتت نجاحها كبديل لطريقة التلقيح اليدوي إضافة لكونها توفر الوقت والجهد فإنها توفر كمية من حبوب اللقاح، وخلال الفترة الزمنية الماضية تم تطوير العديد من الآلات الخاصة بالتلقيح منها ما يصلح للمزارع المغروسة على أبعاد منتظمة أو ما يناسب الأشجار غير المنتظمة المسافات.
واضاف وقد انتشرت في مختلف المناطق مزارع نخيل ضخمة بأعداد تجاوزت عشرات الآلاف، وتلك الأعداد الكبيرة تتطلب توفير كميات كبيرة من حبوب اللقاح في وقت ضيق، مما استوجب استعمال التلقيح الآلي بحبوب لقاح مخففة كطريقة بديلة تكون سريعة وفعاله، حيث دلت الدراسات على إمكانية استخدام دقيق القمح حاملاً لحبوب اللقاح بنسب 1:1 إلى 10:1 حسب الصنف دون أن يضر ذلك بالإخصاب أو زيادة تساقط الثمار وأن استخدام حبوب اللقاح المخزنة أو الطازجة لا تختلف معنوياً في حيويتها عند 5%.
وأكدت بعض الدراسات أن استخدام المزارعين لحبوب لقاح "قديمة" كحامل لها بدلا من طحين القمح مع حبوب "حديثة" لتلقيح الاغاريض المؤنثة أثمرت نتائج مرضية ولم تحصل اختلافات كبيرة في الصنف الواحد باختلاف طريقة التلقيح.
وأوضحت الدراسات أن وزن العذق لم يتأثر سلباً نتيجة استخدام حبوب اللقاح المخففة بمسحوق ألتلك، بل أعطى نتائج مقاربة للتلقيح بحبوب اللقاح عند استخدامه بنسبة 20% أو 40%. كما توصي الدراسات بإعادة التعفير مرة أخرى بعد 4-6 أيام للحصول على أعلى نسبة عقد ممكنة حسب حاجة الصنف وقابلية الأزهار للتقيح للأصناف التي يطبق عليها التلقيح الآلي. لذا كانت سببا قويا ومشجعا لإدخال هذه الآلة في مزارع النخيل بالدولة.