جمال الروح وحقيقة الإيمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع الإسلامي وكيانه وهى ركيزة تقدمه وأساس بنيانه، وبصلاح الأسرة واستقامة أفرادها يصلح المجتمع الإسلامي ككل في دنياه وفى أُخراه.....

ولكي نصل إلى هذا الإصلاح والنجاح داخل الأسرة لابد لنا من منهج قويم وتخطيط سليم وقدوة حسنة، ونموذج أخلاقي نهتدي بهديه ونتبع منهجه...

ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهديه هو طوق النجاة في هذه الدنيا لكل أسرة مسلمة وكيف لا وهو القائل تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا... «كتاب الله وسنتي»......

ورسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم كثيراً بجمال الروح والقلب، كما اهتم أيضاً بجمال الشكل ولكنه علمنا أن يكون جمال الشكل هو طريق لرضا الله عز وجل وليس العكس... وأنّ جمال الروح وصفاء القلب وحُسن العبادة وجمال الخُلق هو الجمال الحقيقي وليس جمال الوجه أو الملبس فحسب....

ويقول صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم.

وكما يقول ابن القيم في روضة المحبين : اعلم أن الجمال ينقسم قسمين ظاهر وباطن فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث، وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غير جميل ولا سيما إذا رزق حظا من صلاة الليل فإنها تنور الوجه وتحسنه وقد كان بعض النساء تكثر صلاة الليل فلما سئلت عن ذلك فقالت إنها تُحسِن الوجه وأنا أحب أن يحسن وجهي...

ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه........

وأما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها (يزيد في الخلق ما يشاء) قالوا هو الصوت الحسن والصورة الحسنة..

ولكن حذار من غرته هيئته وأدخلت الكبر على نفسه.. فلا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر...

نعمة الله في الجمال الباطن :

والجمال الباطن من أعظم نعم الله تعالى على عبده فالجمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب الشكر... وشكر هذا النوع من الجمال يكون بتقوى صاحبه أو صاحبته والذي كلما صانه وحفظه كلما ازداد جمالا على جماله وإن استعمل جماله في معصية الله قلبه له شيئا ظاهرا في الدنيا قبل الآخرة فتتحول تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا ينفر عنه من رآه فكل من لم يتق الله عز وجل في حسنه وجماله انقلب قبحا وشينا يشينه به بين الناس فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره... !

أنواع الجمال :

الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع : منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود. وكان له لباس خاص للقتال ولباس للحرب دون كبر ولا خيلاء. فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه.....

والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه. فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.

فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد لأجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة. كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً.

ليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب وكان عند الله أكرم........

Email