شخصية

عبد الملك بن عمر.. عاش زاهداً ومات صافياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز سنة 82هـ ومات سنة 101هـ، وهو في التاسعة عشرة من عمره، في زهرة شبابه مات صافيًا لم يعرف آثام الحياة.

قال سيار بن الحكم خادم عمر: "قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك، وكان يفضل على أبيه: يا أبي أقم الحق ولو ساعة من نهار".

قال ابن رجب الحنبلي في مناقب عبد الملك: ".. ففي ذكر أمثال أخبار هذا السيد الجليل مع سنه توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطال، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا هو إليها ميال".

زهده وتقشفه:

الزهد في حال الشيخوخة محتمل، لكنه في الشبيبة نادر، وعلى هذا الدرب كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز الفتى الزاهد. فعن ميمون بن مهران قال: "دخلت على عبد الملك بن عمر فحضر طعامه، فأتى بقلية مدنية وهي عظام اللحم، ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزًا وشحمًا، ثم أتى بزبد وتمر، فقلت: لو كلمت أمير المؤمنين يخصك منه بخاصة، فقال: إني لأرجو أن يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك، فقلت لنفسي: أنت لأبيك، ودخلت عليه مرة أخرى فإذا بين يديه ثلاثة أرغفة وقصعة فيها خل وزيت".

من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "وشاب نشأ في طاعة الله"، ومن هؤلاء عبد الملك بن عمر؛ فقد قال عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز: "وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فنزلت على ابنه عبد الملك وهو عزب، فكنت معه في بيت، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي حتى ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء: 205، 206]، فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء..؟

نصيحة:

جمع عمر بن عبد العزيز الناس واستشارهم في رد مظالم الحجاج، فكان كلما استشار رجلاً قال له: يا أمير المؤمنين ذاك أمر في غير سلطانك ولا ولايتك، فكان كلما قال له رجل ذلك أقامه، حتى خلص بابنه عبد الملك، فقال له ابنه: يا أبي ما من رجل استطاع أن يرد مظالم الحجاج فلم يردها إلا شاركه فيها، فقال له عمر: لولا أنك ابني لقلت: إنك أفقه الناس؛ الحمد لله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي عبد الملك ابني.

قال عبد الملك بن عمر لأبيه يومًا: يا أبي ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غَلتْ بي وبك القدور في ذلك. وفاتهa

قال عمر ذات يوم لعبد الملك ابنه: ما كنت أحب أن أراه فيك إلا قد رأيته إلا شيئًا واحدًا قال: ما هو؟ قال: موتك (أي يبتلى بفقده، فيكون في صحيفة حسناته) قال: أراكه الله، فأصابه الطاعون في خلافة أبيه، فمات قبل أبيه وعمره تسعة عشر عامًا، ووقف عمر على قبره وقال: رحمك الله يا بني، فلقد كنت برًّا بأبيك، وما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا، ولا والله ما كنت أشد سرورًا ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيرك الله إليه، فرحمك الله وغفر ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئه، ورحم كل شافع يشفع لك من شاهد وغائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره.

Email