الإسلام دين المستقبل، فيه خلاص البشرية من آلامها وعذاباتها، وفيه إرضاء الفطرة التي فُطِر الإنسان عليها، وفيه حلول ناجعة لمشكلات الإنسانية التي تزداد يوماً بعد آخر، وفيه راحة البال والاستسلام لمستقبل مقدر ومكتوب من خالق هذا الكون، وفيه الروحانيات التي ترزق صاحبها السعادة، وكذلك فيه الحض على الموازنة بين القلب والعقل، وبين الدنيا والآخرة، وقال الله تبارك وتعالى: "وعدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لهم" (النور: 55). وكيف يكون الاستخلاف في الأرض والتمكين للدين من دون دخول الناس في هذا الدين، وتعبدهم الله تعالى به؟!

هذه الحقيقة يدركها الناس يوماً بعد آخر، من خلال الأفواج الداخلين في دين الله في كل يوم، وفي كل ركن من هذه المعمورة. هذه الحقيقة يتردد صداها في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، وتحديداً في قسم "المسلمون الجدد" الذي كان نافذة أبصر منها آلاف الناس نور الإسلام، وحقيقة التوحيد؛ حيث دخل في الإسلام في السنوات القليلة الماضية حوالي 12 ألف شخص في دبي فقط.

القسم يقوم بجهد طيب ودؤوب في الدعوة إلى الله تعالى، على محورين: الأول استقطاب الباحثين عن الحقيقة الراغبين في اعتناق الإسلام، والثاني توعية المسلمين بالوراثة ممن لم تسعفهم الظروف في تحصيل معرفة شرعية كافية لإدراك حقيقة الإسلام.

لم تذهب الجهود هباءً، وأثمرت عن اعتناق آلاف المقيمين في دولة الإمارات الإسلام، وهم ينتمون لأكثر من خمس وسبعين جنسية من قارات العالم أجمع.

"البيان" تسلط الضوء على تجربة العمل الثرية في قسم "المسلمون الجدد" من خلال لقاء مع رئيسه هدى الكعبي التي تتحدث عن تطور مستمر في مسيرة القسم بفضل وتوفيق من الله تعالى، وتقول: نحن نعمل وفق منهجية وخطة استراتيجية متكاملة تقوم على برامج زمنية ثابتة ومعروفة، وبين أيدينا الآن خطة خمسية ممتدة من العام المقبل لغاية عام 2017.

وتضيف: بعد توفيق الله تعالى، يوجد الآلاف من أبناء الجاليات الأجنبية والعربية ممن اعتنقوا دين الإسلام، وهم ينتسبون إلى دول تنتمي لمعظم قارات، فبفضل الله تعالى دخل في الإسلام في السنوات القليلة الماضية ما يقارب 12 ألف شخص، وأنا هنا أتحدث عن المسلمين الجدد في دبي فقط، ناهيك عن معتنقي الإسلام في الإمارات الأخرى.

جاذبية الإسلام

لكن ما هي الأسباب التي تدفع بهؤلاء الناس للدخول في الإسلام، ومن أي شريحة اجتماعية هم؟

تجيب هدى الكعبي عن السؤال، قائلة: ربما يستغرب بعض الناس من الأسباب الكامنة وراء دخول هؤلاء الناس في الإسلام، ولكنها الحقيقة، فالأذان الذي يرفع خمس مرات في اليوم شكل إذا صح التعبير صدمة إيجابية عند كثير ممن يسمعونه من غير المسلمين، بما يتركه من أثر نفسي إيجابي وفعال في نفوسهم، وكذلك طبيعة المعاملة التي يلقونها من المسلمين، إضافة إلى عامل مهم وهو مشاهدتهم لجموع الناس في فريضة الحج، وهم يتساوون في الوقوف والطواف وسائر مناسك وشعائر العبادة، لا فرق بين غني وفقير، وحاكم ومحكوم، وكبير وصغير، وقوي وضعيف. هذه الشعائر الإسلامية تثير في نفوسهم نوازع البحث عن الحقيقة، وتعكس جاذبية الإسلام أمام النفس البشرية، وتخاطب الفطرة الكامنة في نفوسهم، فتتفتح قلوبُهم أمام نداءات الإيمان.

أما مهنهم فهي منوعة، ففيهم قبطان السفينة، والطيار، والمهندس، والمعلم، والطالب، والموظف، والعامل الحر، ورجل الأعمال، وكثير من أصحاب المهن والأعمال الحرة.

وتتابع رئيس قسم "المسلمون الجدد": وبمجرد دخولهم في الإسلام نبدأ في إخضاعهم لبرامج تثقيفية، وتطبيقات عملية على العبادات والشعائر الإسلامية، كالوضوء والصلاة والعمرة والحج، ويساعدنا في ذلك رعايات مالية من خارج دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، ولا نكتفي بذلك، بل نقيم لهم برامج ترفيهية، وزيارات للمواقع والآثار الإسلامية في الدولة.

موسم الفلاح

وتكشف هدى الكعبي عن أن شهر رمضان المبارك يمثل بالنسبة لعملنا موسم فلاح حقيقي، ففيه يكثر الداخلون في الإسلام، وكذلك في المناسبات السنوية كمهرجان التسوق الذي نكثر فيه من التواصل مع الناس من خلال الندوات وغيرها من أنواع الاتصال المباشر.

وتوضح آلية عمل قسم "المسلمون الجدد"، بالقول: لدينا أربعة عشر موظفاً في القسم، إضافة إلى أحد عشر آخرين يعملون بصفة متعاون، يساهم كل منهم في تطوير الأداء، وتجويد العمل من خلال الأفكار والمقترحات التي يطرحونها في اجتماعات دورية، وخاصة قبيل اعتماد الخطة السنوية التي هي فرع من خطتنا الخمسية، ثم نقوم جميعاً بمراجعة فصلية، أو ربع سنوية لما تم إنجازه من الخطة السنوية.

ومن أسباب التطور في الأداء والعمل كما ترى الكعبي التعاون مع الجهات الحكومية الأخرى كالمستشفيات والشرطة، وكذلك مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية.

منهجية عمل

غير أن من أهم ما صدر عن هدى الكعبي أثناء اللقاء حديثها عما يعكس فلسفة العمل ومنهجيته، وذلك عندما قالت: "نحن في إدارة التثقيف والتوجيه الديني التي يتبع لها قسم المسلمون الجدد لا نهدف إلى زيادة أعداد المسلمين، بل هدفنا في الدرجة الأولى هو نشر التوعية الدينية، والعمل على إيجاد جيل واع إسلامياً، ملمٍّ بحقيقة الإسلام، ويفقه أمر دينه".

وتطرقت رئيس قسم "المسلمون الجدد" في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إلى الاستنتاجات والخلاصات التي خرجوا بها بعد خبرتهم في ميدان العمل الدعوي حول الانطباعات والأفكار الموجودة في أذهان زوار الإمارات عن الإسلام، قائلة: لاحظنا أن كثيراً من الزوار يحتفظون بأفكار غير واضحة عن الإسلام، فهم لا يعرفون لماذا يتوضأ المسلم قبيل الصلاة على سبيل المثال، ولا يدركون مغزى كثير من الفرائض والشعائر الإسلامية، ولذلك فإنه بمجرد تصحيح الصورة تبدأ الأسئلة التي تعكس التفاتتهم إلى تحقيق معرفة أكثر عمقاً بالإسلام.

فارق

 

تحدثت هدى الكعبي عن فروقات بيّنة بين المسلمين الجدد، وبين بعض من هم مسلمون "بالوراثة"، وقالت: أبناء الجاليات الأجنبية منها والعربية الذين يعتنقون الإسلام حديثاً يتمتعون بحماس كبير جداً للإسلام، ويعيشون روحانيات عالية، ورثهم رقة في القلب، وحباً كبيراً لهذا الدين، ونحن نرى ذلك في وجوههم، وفي تعاملهم، فهم يستشعرون لذة الإيمان بعد حرمان طويل من نعمة معرفة الحقيقة، ومعايشة صدق الالتجاء إلى الله عز وجل. وهذه الحال تختلف بشكل كبير عن المسلمين الذين ولدوا في مجتمع مسلم ولأسر مسلمة، فالفئة الأخيرة، أو لنقل بعضها، محرومون من استشعار طعم الإيمان الذي يشعر به ويعيشه المسلم الجديد، فهم ورثوا الإسلام، ولم يعيشوا مرحلة اكتشاف الحقيقة خطوة بخطوة.

 

ضوابط

لاحظت خلال زيارتي إلى إدارة التثقيف والتوجيه الديني، وبالتحديد إلى قسم "المسلمون الجدد"، أن مجهود العمل الفكري والتنظيمي والميداني توزع بشكل أفقي، بمعنى أنه يقوم بحصص شبه متساوية على جميع أفراد فريق العمل، فهناك تتمثل حقيقة روح الجماعة من خلال التعاون فيما بين أفراد القسم، وكذلك رئيس قسم إدارة التثقيف عائشة الكاش التي تقوم بمهمة الإشراف والمتابعة على القسم، وتذليل كافة المعوقات أمام العاملين إن وجدت. ولكي يكون المرء موظفاً في قسم المسلمون الجدد ينبغي أن يتمتع بضوابط وشروط تؤهله لشغل هذا المكان، ومن أهم تلك الشروط: التمتع بلغة البلد الأصلي لمن يدخل في الإسلام، كاللغة الفلبينية والهندية والألمانية والإنجليزية، وكذلك امتلاكه لناصية العلم الشرعي من خلال الشهادات الأكاديمية التي يحملها، ثم بعد ذلك تجاوزه للاختبار.