السبت 9 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 10 مايو 2003 تحدثنا عن الأخطاء كيف تقع من الكُتّاب والطباعين وقد ذكرنا أمثلة لما قلنا، ثم تحدثنا عن همزات القطع والوصل، وذكرنا تقسيماتها من حيث النظر الى مواقعها في بداية الكلام، أو في وسطه أو في آخره، وسردنا أمثلة توضيحية لما قلنا، وما ذكرناه هو أصل القاعدة الذي يُعتمد عليه عند علماء الاملاء والقراءة، لكن لا ننسى ان نذكّر القراء بأن هناك حالات شاذة ايضا لا يمشي الكاتب بها على القاعدة الأصلية، لذا تراه يكتب كلمة «مشيئة» أي الهمزة على الكرسي في حين أنها مفتوحة، وتكتب كلمة «مجيئها» اي الهمزة على الكرسي في حين أنها مضمومة. أما موضوعنا الاخير الذي نريد ان نتطرق اليه اليوم في مقالنا فهو علامات الترقيم او الوقف عند علماء الاملاء والقراءة. هذه العلامات وان كانت لم تظهر في كتابات العلماء السابقين بهذا الشكل الذي يظهر اليوم، فإننا نستطيع القول بأن بداياتها ظهرت على يد عالم العربية ابي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي والحجاج بن يوسف الثقفي ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم. نعم ولا غرابة في ذلك لأن الاملاء مُستمدّ من القواعد النحوية والصرفية. فأول من وضع علم النحو هو أبو الاسود الدؤلي بأمر الامام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، عندما سألت بنت أبي الاسود الدؤلي أباها قائلة: ما أجمل السماء بكسر الهمزة، فقال أبو الأسود: نجومها. قالت لم أرد ذلك وانما أردت التعجب، قال أبو الأسود: اذن قولي ما أجمل السماءَ وافتحي فاك أي بفتح الهمزة. ثم أخبر عليا فأمره أن يضع للناس قاعدة فكتب الكلام اسم وفعل وحرف، وجاء علماء اللغة بعده ففصلوا في النحو والصرف، ولا سيما عندما كثُر اللحن. وأبو الاسود لم يكتف بذلك بل وضع الحركات والشكل أيضا، كما وضع النقط نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، ذلك أن الكلمات العربية كانت مجرّدة عن الشكل والحركات مثل تجرّد قلل الجبال عن ماء المطر، وكان العربي بسليقته يقرؤها ويفهمها. أما اليوم فبالرغم من أن الكلمات مضبوطة بالحركات والنقط، إلا أن الناس لا يحسنون القراءة، وهذا يُذكّرني بالذي قال لآخر: ماذا فعل أبوك بحماره؟ قال: لقد باعِه (بكسر العين)، قال له الرجل: ولماذا باعِه؟ أي بكسر العين؟ قال: ولماذا تقول أنت بحماره؟ قال الرجل: عندي الباء في بحماره حرف جرّ، قال عجباً لك باؤك تجرّ وبائي ما تجر، فذهب ما قاله مثلاً. اذن حاجة الناس اليوم الى الترقيم ووضع علامات للوقف حاجة مُلحة، اذ ربما وقعوا في الخطأ بسبب عدم وجود هذه العلامات. وقد روى أحمد الخوص في كتابه «قصة الاملاء» ان احد الادباء الكبار كان يتصل بعد منتصف الليل هاتفياً بالصحيفة التي ينشر فيها مقالاته، ويطلب من المشرفين عليها أن يتأكدوا ان الفواصل والنقط وغيرها وضعوها في أماكنها الصحيحة، ولما سُئل عن هذه الشِّدة الزائدة قال: كنت أقرأ ذات يوم كتاباً باللغة الانجليزية لأحد فلاسفة الغرب المشهورين، فوصلت الى عبارة لم أفهمها فأعدْت قراءتها مراراً ولم أفهمها فتركته. ثم حدث ان جاء المؤلف بنفسه في زيارة فعرضت عليه فذهب يقرؤها مراراً لكنه لم يفهمها، فاستمهلني أياما، واستعار الكتاب مني ثم ذهب. وبعد أيام عاد فرحاً، وقال: هاتان جملتان لا جملة واحدة، لكن المطبعة أهملت وضع النقطة بينهما فاختلطت الجملتان، فتعذرت قراءته عليّ أنا المؤلف وعلى غيري. اقول وعلامات الترقيم والشكل والمواقف كثيرة، منها الفتحة والضمة والكسرة والسكون والشدة والهمزة والصلة والمدّة، وصورها بالترتيب كالتالي ـ ـ ـ ـ ـ أ إ ؤ ئ ء ا آ. ومنها الفاصلة والفاصلة المنقوطة والنقطة والنقطتان وعلامة الاستفهام وعلامة التعجّب والقوسان وعلامة التنصيص، والشرطة والشرطتان وعلامة القفل وعلامة الحذف، وإليك صورها واستعمالاتها بالترتيب التالي: (،) فاصلة غير منقوطة توضع بين الجمل وأجزائها، أو الشرط وجوابه أو بعد المنادى مثل (يا رجلاً، خذ بيدي). (؛) فاصلة منقوطة وتوضع بين الجمل الطويلة وما بعدها أو بين جملتين تكون الأولى سبباً في الثانية مثل (قام المعلمون بزيارة عدد من مدارس المنطقة؛ وقد استمعوا الى شرح عدد من المعلمين في تلك المدارس). أو مثل (ارحم الحيوان ولا تحمّله ما لا يُطيق؛ لأنه يُحسّ ويتألّم). (.) توضع في نهاية كل فقرة، لأنها علامة الإنهاء مثل (في كل منطقة عدّة مدارس نموذجية.) (:) تستعمل بعد القول مثل (قال الرسول: إنما الأعمال بالنيّات)، وتستعمل أيضاً لبيان التقسيم أو التفصيل مثل: الهمزات قسمان: همزات قطع وهمزات وصل. (؟) توضع في نهاية الجمل الاستفهامية مثل: ما أجمل أيام السنة؟. (!) توضع بعد الجمل التعجبية مثل: ما أحسن الأدب!، وتوضع بعد الدعاء مثل: تبّا لك يا أبا لهب!، وتوضع بعد التحذير مثل: الخمر الخمر!. () [] توضعان حول ألفاظ تفسّر ما قبلها مثل: غلبه الكرى [النوم]، أو إذا أردنا تصحيح خطأ مثل: بالجد والمثابرة نفلح [الصحيح: الجِد بكسر الجيم]. (()) يوضع بينهما الكلام الذي يُنقل بنصّه من غير تغيير، سواء كان قرآناً أو حديثاً أو غيرهما مثل: ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)). () توضع بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول كما يقول جلال أمين في كتابه مثل: شربة ماء أرتوي بها وأذهب بها الصدى ـ أفضل من قتلي على الظمأ، وتوضع أيضا بين العدد والمعدود مثل: فرائض الوضوء سبعة: ـ النية. ـ غسل الوجه. ـ غسل اليدين الى المرفقين. ـ مسح الرأس. ـ غسل الرجلين. ـ الموالاة. ـ الدلك. وتستخدم في المحاورات أيضاً مثل: ـ متى جئت؟ ـ جئت قبل أمس. (ـ ـ) تستخدمان قبل الجملة الاعتراضية وبعدها مثل: الأدب ـ يا عيالي ـ مطلوب. (...، ـ) هذه العلامات وأمثالها كثيرة تستخدم في انهاء الكتاب أو القصيدة أو المقال مثلاً: وكان الأوائل يختمون بكلام مثل: تم أو تمت وبالخير عمت، أو انتهى. (....) توضع هذه النقاط بين الكلام لتدل على الكلمات أو العبارة المحذوفة مثل: دخل الولد على أبيه غاضباً واستخدم كلمات غير لائقة... مما جعل والده يضربه. أقول هكذا بدأت العربية، وهكذا انتهت العربية اليوم، حيث بدأت غير متكلّفة وتعقّدت الآن قليلاً، لكنها صارت منظمة لأنها ضبطت بالشكل والنقاط والرموز الدالة على المطلوب، أليس كذلك؟