«فإذا بَرِقَ البصرُ، وخَسَفَ القَمَرُ، وجُمِعَ الشَّمسُ والقَمَرُ، يَقُولُ الإنسَانُ يَومَئِذٍ أيْنَ المفَرُّ» تمر أمام أعيننا أحداث في صور صغرى لما سيحدث بمشيئة الرحمن من العلامات الكبرى لقيام الساعة، ويريد الله جل شأنه بهذه الصور الصغرى أن يلفت أنظارنا وعقولنا وأن ننتبه ونتدبر لما نحن قادمين عليه ولعل أقرب هذه الصور والتي تتكرر سنوياً ظاهرتا الكسوف الشمسي والخسوف القمري وهما آيتان من آيات الله نرى فيهما الكسوف الشمسي على الأقل مرتين في كل سنة بعين اليقين .
ولا ننتبه لما يحدث من هذه الآية حيث تتجمع الحوادث في يوم الكسوف فنجد على كوكب الأرض أحداث الزلازل في أماكن متفرقة ولنتذكر قول الله تعالى في سورة الزلزلة آية «إذا زلزلت الأرض زلزالها»، وأحداث أخرى في اليوم نفسه تتأثر بها المدن الساحلية وبصفة خاصة الواقعة على المحيطات حيث تطغى مياه المد العالي لتدمر المدن الساحلية وتسحق كل أنواع الحياة فمع ظاهرة الكسوف أو الخسوف تعمل قوى جذب الشمس مضافاً إليها قوى جذب القمر
فينتج عن ذلك أعلى مد لمياه البحار والمحيطات وتكون صورة مصغرة للبحار إذا فجرت ولنتذكر قول الله تعالى في سورة الانفطار آية 3 «وإذا البحار فجرت» فهل للإنسان قدرة على أن يتجنب هذه الأحداث في دنياه أم هو متفرج عليها ولا حول ولا قوة فيما أتاه ولا يملك الإنسان إلا أن يصرخ إلى أين أذهب وإلى أين أهرب وإلى أين أجرى وإلى أين أفر
ولنتذكر قول الله تعالى في سورة القيامة آية 10 «يقول الإنسان يومئذ أين المفر» ويقف الإنسان في هذا اليوم المشهود ليرفع أكف الضراعة طالباً من الله عز وجل المعذرة على ما سبق وأنه لن يعود إلى مساوئه مرة ثانية وأنه سوف يسير على الطريق المستقيم ويستمر في الدعاء وبأنه في داخله الكذب والخداع فبمجرد أن تنتهي أحداث الزلازل والطوفان ينسى الإنسان ما حدث وكل يعود إلى ما كان عليه
ولكن الله جل شأنه أعلم بعباده فقد سألت الملائكة الله سبحانه وتعالى كيف يكون هذا المخلوق الفاسد قائداً وخليفة على كوكب الأرض كما جاء في سورة البقرة آية 30 « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» صدق الله العظيم.
من آيات الله الكونية
وتعتبر ظاهرتا الخسوف والكسوف من آيات الله الكونية التي تحدث بين الحين والآخر على كوكب الأرض لتلفت الأنظار إلى الإعجاز القرآني في الفلك. ولقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز في سورة القيامة في الآيات من 7 ـ 10: «فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر» وأوضح المفسرون الأوائل بأنها من العلامات الكبرى لقيام الساعة. وكان الإيضاح العلمي لجمع الشمس والقمر هو وضع الاجتماع والذي يحدث عنده كسوف الشمس.
ولقد حدث في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم أن كسفت الشمس واجتمع العرب حول الرسول ليقولوا ان الشمس قد كسفت حزناً على موت إبراهيم، فأجاب الرسول بحديثه الشريف: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا الحديث الشريف فقد نبهنا رسول الله بأنه عند حدوث إحدى الظاهرتين فإنه تقام الصلاة والدعاء لإزالة الغمة والبلاء.
استطلاع الرؤية العلمية للظواهر الفلكية
لم يكن استطلاع الرؤية العلمية للأحداث الفلكية المستقبلية ضرباً من ضروب العلم بالغيب (حاشا لله) بل هي حسابات علمية مطلقة، ونعلم أن إرادة الله سبحانه وتعالى تعلو هذا الكون وله أن يغير بما يشاء وفي هذه الحالة ستكون نتائج العلماء كلها خاطئة ولكننا نجد في الآية الكريمة (الشمس والقمر بحسبان) تعطي الاطمئنان لعلماء الفلك بثبات الحال إلى يوم الدين.
إن الكسوف والخسوف من الآيات الكونية والظواهر الفلكية الجديرة بالدراسة والتنبؤ بموعد حدوثها لما لها من تأثير عام في حياة كوكب الأرض. ويعتبر السبب الرئيسي لحدوث الظاهرتين هو حركة دوران القمر حول الأرض دورته الشهرية، وتحدث ظاهرة كسوف الشمس في أوائل الشهر العربي وبدقة حينما يكون القمر محاقاً، بينما تحدث ظاهرة خسوف القمر في منتصف الشهر العربي
حيث يتحول القمر الكامل المنير بما يعرف بدراً إلى حالة إظلام تام بما يعرف باسم «محاق» مؤقت لفترة لا تزيد على ساعة. وعلى الراغبين في مشاهدة ظاهرة كسوف الشمس عدم النظر إلى قرص الشمس في هذه اللحظة بالعين المجردة إنما يتم ذلك خلف منظار به ظلالات لحماية العين من الأشعة المبعثرة أثناء حدوث الظاهرة الفلكية، حيث تسبب هذه الأشعة في دمار أجزاء من جوهرة عين المشاهد.
الكسوف الشمسي
يحدث الكسوف الشمسي حينما القمر بين الأرض والشمس، ويطلق على هذا الوضع للقمر بوضع الاجتماع حيث يكون القمر فيه مجتمعا مع الأرض والشمس لأحداث الظاهرة الكونية وهي ظاهرة الكسوف، فالكسوف هو كسوف الشمس عن استمرارها في العطاء من حرارة ومن ضوء وهي تقف في موقف الخاجلة من عدم إمكانية التغلب على القمر الذي يقف بينها وبين الأرض حاجبا لوصول الطاقة والضوء إلى سكان كوكب الأرض.
وينتج عن هذه الظاهرة ارتفاع كبير لسطح الماء «أعلى ماء عالى» حيث يعمل القمر والشمس في وجهة واحدة من الأرض بما يحقق انجذاب سطح الماء في هذا الاتجاه ويقابله أيضا الناحية الأخرى ارتفاع كبير لسطح الماء ولكن بسبب آخر هو القوة الطاردة المركزية التي تساوي قوى الجذب ولكن في عكس الاتجاه،
ولاشك انه وآن كان الماء يستجيب إلى قوة الجذب فيتحرك في شكل مد وجزر مرئي للعين المجردة وملموس في الحركة الرأسية للسفن الرابطة على أرصفة الموانئ إلا أنه تستجيب الجبال ايضا وتتحرك إلى أعلى وأسفل ولكن بحركة ضئيلة جدا لا يمكن ملاحظتها.
أنواع الكسوف الشمسي
تنقسم حالة كسوف الشمس إلى ثلاثة أنواع هي: كسوف كلي، كسوف جزئي، كسوف حلقي، ويرجع أسباب اختلاف هذه الأنواع وأشكالها المختلفة إلى اختلاف موقع القمر بين الشمس والأرض، كذلك إلى اختلاف خط عرض الراصد، كذلك اختلاف بعد القمر عن الأرض الذي يتغير ليكون على المسافة القصيرة من الأرض 221 ألف ميل في موقع الحضيض ثم على المسافة الكبيرة من الأرض 252 ألف ميل في موقع الأوج
مما يتسبب عنه ظهور شكل الكسوف من كسوف كلي إلى كسوف حلقي ولا يحدث الكسوف الشمسي إلا في نهاية الشهر العربي أي عندما يكون القمر محاقاً، وليس هذا يعني أن عند كل نهاية شهر عربي سيحدث كسوف للشمس لأن هنالك شرطاً رئيسياً في حدوث الكسوف الكلي
وهو ان يقع مركز الشمس ومركز القمر ومركز الأرض على خط مستقيم واحد وهذا نادرا ما يحدث إذ ان الدائرة الكسوفية التي تقع عليها الحركة الظاهرية للشمس تميل عن دائرة دوران القمر بقيمة خمس درجات. والتقاء الشمس والقمر على خط واحد مع الأرض فهو قليل الحدوث.
الكسوف الكلي
لحدوث الكسوف الكلي يجب ان يقع الراصد «الإنسان» على الخط الواصل من مركز الشمس إلى مركز القمر ماراً بجسم الراصد «أو موقع المدينة التي بها الراصد» إلى مركز الكرة الأرضية، وهذا يعني فلكيا ان ميل القمر خط العرض السماوي للقمر يساوي ميل الشمس خط العرض السماوي للشمس» بنفس القيمة وبنفس الإشارة، ويكون هنا شكل الكسوف الكلي ان تختفي الشمس تماما خلف القمر ويكون الظلام كاملاً في موقع الراصد «المدينة التي بها الراصد»
مع ظهور هالة خفيفة من الضوء حول قرص القمر الذي لايرى أيضا حيث ان القمر في هذه اللحظة يكون محاقا أي يكون في نهاية الشهر العربي. وقد يرى الراصد نتيجة لذلك النجوم والكواكب حيث انها موجودة في السماء ليل نهار، وعدم رؤيتها نهاراً يرجع إلى ضوء الشمس القوي، فإذا ما اختفت الشمس ظهرت النجوم بوضوح تام.
الكسوف الجزئي
في لحظة حدوث الكسوف الكلي نفسها يقع الكسوف الجزئي ولكن لراصد آخر في موقع بعيد عن الخط الواصل بين المراكز الثلاثة «مركز الأرض، مركز القمر، مركز الشمس» بحيث تظهر الشمس غير كاملة الدوران بل مقطوع منها جزء.
الكسوف الحلقي
وتحدث ظاهرة الكسوف الحلقي بنفس الشروط السابقة ولكن القمر يكون فيها بعيداً عن الأرض حيث يكون موقع الأوج «252 ألف ميل من الأرض» ويرى الراصد الشمس في شكل حلقة ضيقة من ضوء الشمس بعد ان حجب القمر الجزء الأوسط منها.
وتحدث ظاهرة الكسوف الشمسي جنوبا بحد أدنى مرتين في السنة، ويستفاد بهذه الظاهرة في تأكيد الحسابات الفلكية الخاصة بالشهور العربية، حيث أنه بحدوث الظاهرة يكون بداية دقيقة للشهر العربي ويكون العد الرقمي في اليوم التالي لحدوث الكسوف. وقد تلاحظ ان زمن حدوث هذه الظاهرة لا يتجاوز ثماني دقائق في المكان الواحد، كما أن المساحة التي تحدث فيها الظاهرة لا تتجاوز 200 ميل بحري.
خسوف القمر
القمر جسم معتم تماما لا يرى إلا بعد سقوط أشعة الشمس عليه لتنيره، فإذا أحجمت عنه الاشعة أصبح محاقا، لهذا يحدث خسوف القمر حينما تقع الأرض والشمس في جهة واحدة من القمر، أي يكون القمر في وضع الاستقبال ويكون القمر في هذه الحالة بدراً أي قرصاً كامل الدوران. وشرط حدوث هذا الخسوف ان يكون مركز القمر ومركز الأرض ومركز الشمس على خط مستقيم واحد بحيث تحجب الأرض أشعة الشمس عن الوصول الى القمر فيحدث الخسوف للقمر ويصبح معتما تماما،
ويكون في هذه الحالة ميل الشمس وميل القمر بنفس القيمة ولكن عكس الاتجاه بحيث اذا كان ميل القمر (خط عرض القمر) شمالا فإن ميل الشمس (خط عرض الشمس) بنفس القيمة ولكن بعكس الاشارة أي جنوبا، وعلى هذا يكون الخسوف للقمر عندما يكون القمر بدراً وليس معنى هذا ان كل بدر يحدث خسوفاً للقمر، ويرجع ذلك لعدم تطابق الدائرة الكسوفية للقمر في كل مرة،
بل هي تميل خمس درجات عن دائرة بروج الشمس، ولكن عند تطابق الشمس والقمر في الدائرة الكسوفية يحدث خسوف القمر، ويمكن رؤية خسوف القمر على نصف سطح الكرة الأرضية بينما كسوف الشمس لا يرى الا على قدر مدينة محددة، ويكون عدد مرات الخسوف والكسوف في العام الواحد بما لا يزيد على سبع مرات ولا يقل عن مرتين، يكون على الأقل منها مرتين كسوفا للشمس.
مراحل الخسوف القمري
يمر القمر اثناء عملية الخسوف بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: هي مرحلة الالتحام وذلك عند دخول القمر البدر إلى منطقة شبه الظل الأولى ويرى فيها القمر باهتاً في اضاءته ولكنه يظل مرئياً.
وأما المرحلة الثانية:
هي مرحلة الاعتام وذلك عند دخول القمر إلى منطقة الظل الكامل ويتحول اضاءة القمر البدر الى اعتام واظلام كامل في شبه محاق مؤقت ولكن يتسرب بعض الأشعة الشمسية من قطاع شبه الظل فيرى في هذه الحالة بلون احمر قاتم.
والمرحلة الثالثة:
هي مرحلة الانفصال وهي تشبه المرحلة الأولى ولكن القمر يكون مسرعا في الهروب من حالة الاختناق التي اصابته من مرحلة الاعتمام ليرى بدراً باهتاً ثم يخرج بعد ذلك بدراً منيراً. وتستغرق المراحل الثلاث زمن ما بين 3 إلى 4 ساعات، حيث يعتمد زمن الظاهرة على قرب وبعد القمر من ظل الأرض. وقد استدل العرب الأوائل من ظاهرة خسوف القمر على كروية الأرض حيث يظهر عند مرحلة اعتام القمر بشكل أقوس على وجه القمر ولم تكن خطوطاً مستقيمة.