غياب أو اختفاء الزوج عن أسرته لفترة طويلة كان أمراً لا يحدث إلا في حالات الحروب أو الكوارث الطبيعية، ولكن في عصرنا الحاضر أصبحت لقمة العيش والمسؤوليات الجسيمة التي يتحملها الزوج سببا مباشرا في اضطرار الزوج للاغتراب في شتى بقاع الأرض؛ بحثًا عن الوضع الأفضل لتحسين أوضاع أسرته، وهناك من يفر بجلده هروبا من مسؤولياته وغيرها من أسباب الغياب، ولكن الزوجة هي الأكثر تضرراً من هذا الواقع بسبب انتقال المسؤولية بكاملها إليها، وفي أغلب الأحيان لا تجد من يساعدها أو يمد لها يد العون.
وعندما يطول الغياب تبدأ البحث عن الحلول، وأكرمها بالنسبة لها حصولها على الطلاق بسبب الغياب لتجد من يساندها ويتحمل معها المسؤولية ولكن هناك خلافاً مستمراً حول أحقيتها في الحرية والتحرير من قيد أوله وآخره مجهول. علماء الاجتماع والدين اختلفوا فيما حدده الشرع حول فترة غياب الزوج للحصول على الطلاق.. القضية تطرحها «البيان» على رجال الدين وعلماء الاجتماع عبر حالتين التقتهما وطرحتا روايتهما.
الأولى (م. ع) تقول: «زوجي سافر إلى السعودية بحثًا عن لقمة العيش، ولكن انقطعت أخباره عنا ولم نعرف أنه ميت أم حي فانتظرته لأكثر من سنة، ولكن متطلبات الحياة قد دفعتني للجوء إلى القضاء للحصول على الطلاق منه، ومازلت أبحث عن حل، والغريب أنى تعرفت على الكثيرات يواجهن نفس المشكلة، وما أقلقني أنى وجدت سيدة في العقد الثالث من عمرها وزوجها غائب منذ 6 سنوات وتتسول أمام إحدى المحاكم، لأنها تعرضت للمرض بعد أن تخلى عنها أهل الزوج هي وأولادها لعدم قدرتهم على الإنفاق عليهم، ومنذ تلك اللحظة قررت البحث عن لقمة العيش، فعملت في إحدى الصيدليات ومرتبي لا يغطى متطلبات الأسرة.
الثانية (داليا. ر) تقول: «تزوجت من أحد الشباب ولكن بسبب مصاعب الحياة فكر في السفر إلى ليبيا فسافر، وبمجرد وصوله إلى هناك اتصل بي واطمأننت عليه، وبعد ذلك انقطعت أخباره عني، وقال لي البعض إنه تعرض لحادث هناك وتوفي، وقال لي البعض الآخر إنه تزوج بليبية لكي يستقر هناك، وانتظرته لمدة عام ولكنه لم يعد، ولم أجد من يصرف علي أنا وأولادي؛ فبحثت عن عمل ووجدت عملاً بـ «سوبر ماركت»، ولكنني لم أسلم من ألسنة الناس ومطامعهم، وبدأ الجميع يتحدث عني وعن سيرتي، خاصة أنني ساكنة وأولادي بمفردنا في شقة دون زوج يحميني، وتقدم لي بعض الشباب للزواج مني، ولكنني رفضت ذلك لأنني لا أملك مصاريف المحاكم لأحدد مصيري، ولا أعرف كيف لي أن أحصل على الطلاق لأتزوج».
وحول رأي الدين في هذه القضية ترى الدكتورة سعاد صالح - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه إذا غاب الزوج عن زوجته، ولم تعرف عنه أي أخبار في خلال عام فمن حقها أن تطلب الطلاق وتتزوج من آخر، وإذا عاد الزوج الأول تعود إليه، وتنفصل عن الزوج الثاني مهما كان لأنه زوجها ولم يطلق، ولكن انقطعت أخباره لظروف معينة ما اضطرها للزواج بآخر خوفا من الفتنة، ولتجد من يحمل عنها مسؤوليات جساماً.
سنوات الغياب
أما الدكتور أبو سريع عبد الهادي - أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر فأكد أن الفقهاء تكلموا قديما في هذه المسألة، وأشاروا إلى أن الزوجة عليها أن تنتظر زوجها لسنوات، ولكن كل ما قيل مجرد اجتهادات ليس عليها دليل، وعن سيدنا عمر رضي الله عنه قال «إذا غاب الزوج عن زوجته أربع سنوات فإن عليها تعدد أربعة أشهر وعشرة أيام كعدة وفاة ثم تتزوج بآخر».
ويقول عبد الهادي: نسمع الكثير من المآسي التي تصل إلينا عن طريق التليفون، فتلك المآسي تحدث نتيجة ابتعاد الزوج عن زوجته لفترة طويلة، فعلى سبيل المثال امرأة تزوجت عرفيا، ومكث زوجها معها وقتا قصيرا ثم تركها وغاب عنها 8 سنوات، فإذا ذهبت إلى المحكمة لا نستطيع الحكم في هذا الموضوع لأن عقد الزواج العرفي غير موثق، وبناء على ذلك نطالب أن يأخذ القانون بعقود الزواج العرفي، حتى لا تحدث مثل تلك المشاكل وتظل الزوجة معلقة.
عصر التكنولوجيا
ويؤكد الدكتور محمد المنسي - أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة أنه مع انتشار وسائل الاتصالات، يمكن أن تطلب الطلاق من المحكمة بمجرد مرور ستة أشهر من غيابه عنها وغياب أخباره، وذلك كرحمة للزوجات وحتى لا تتعرض للقيل والقال، وإذا ظهر الزوج بعد ذلك ترد إليه دون عقد وتطلق من زوجها الثاني لأن العلاقة التي كانت بينها وبين زوجها الثاني غير محرمة.
وبناءً على ذلك، كما يقول المنسي، إذا غاب الزوج عن زوجته ستة أشهر، ولم تعرف الزوجة عنه شيئاً فعليها أن تطلب الطلاق من المحكمة، وتتزوج بآخر وإذا ظهر الزوج الأول بعد ذلك فلها حق الإرادة في العودة إليه أو عدم العودة إليه.
الدكتور محمد الراوي - عضو مجمع البحوث الإسلامية أكد أن غياب الزوج عن زوجته له مدة قانونية وهى أربع سنين، ولكن أجد أن سنة واحدة كافية لحصول المرأة على الطلاق لأنه يوجد الكثير من الأزواج تنقطع بهم سبل الذهاب إلى البلاد، وفي كثير من الأحيان يحدث نوع من اللامبالاة من جانب الزوج، وفي وقتنا الحاضر انتظار الزوجة لزوجها أكثر من عام دون أن تعرف عنه شيئا يعتبر ذلك انتهاكا لأدميتها وظلما بيناً، فلابد أن تذهب إلى المحكمة وتطلب الطلاق منه بعد مرور عام على غيابه عنها.
ستة أشهر
أما الدكتورة آمنة نصير فتقول إن هناك حديثاً للسيدة عائشة رضي الله عنها يتحدث عن سفر الزوج، وسئلت فيه عن المدة التي تستطيع الزوجة أن تتحملها بعيدا عن زوجها، فقالت أربعة أشهر، فما بالنا بما يحدث من أن يغيب الزوج عن زوجته ويسافر إلى بلد أخرى لفترة أكثر من سنة، فكيف تتحمل هي متطلبات الحياة ومتطلباتها الطبيعية، ومن المؤكد إذا كانت ضعيفة الإيمان ربما تتجه للرذيلة، وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان، وبناء على ذلك ستة أشهر كافية لبعد الزوج عند زوجته في وقتنا هذا، بشرط أن يكون دائم الاتصال بها، ويشعرها بأنه لن يتأخر عنها كثيرا، وإذا تأخر أكثر من ذلك فعليها أن تطلق نفسها منه، وتتزوج بآخر لكي تقي نفسها من الفتنة.
ضرورة اجتماعية
وحول رأي علماء الاجتماع يرى الدكتور محمد منصور - أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أنه إذا غاب الزوج عن زوجته لمدة أربع سنوات، ولم تعرف عنه شيئا فعليها أن تذهب للمحكمة وتطلب الطلاق، وبناء على ذلك يصدر حكم قضائي بفقدان هذا الشخص، وأن يتكفل بها أهل الزوج، وفي حال رفض أهل الزوج زواجها بشخص آخر باعتبار أنهم يتكفلون بها، قد يؤدي ذلك إلى تعرض الزوجة لظروف صعبة ودفعها إلى الخروج عن مبادئ وعادات وتقاليد المجتمع الشرقي، كما يحدث في أغلب الأحيان فنجد الكثير من هذه الحالات تتجه للعمل في مجالات مرفوضة دينيا واجتماعيا؛ لكي توفر نفقاتها هي وأولادها بحجة أن زوجها غاب عنها وانقطعت أخباره.
أما الدكتورة عزة كريم - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فأكدت أن الفترة القانونية التي يغيب فيها الزوج عن زوجته هي خمسة أعوام، وبعد ذلك تذهب للمحكمة للحصول على حكم بالطلاق منه لكي تتزوج بآخر أو لكي تحدد مستقبلها، ولكن الطامة الكبرى تحدث عندما تكون تلك الزوجة ربة بيت لا تستطيع أن توفر احتياجاتهم المعيشية، ما يعرضها لأن تكون فريسة سهلة لآخرين في المجتمع.