بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة ربه إلى العالمين رجالا ونساءً ليُضيء مشارق الأرض ومغاربها، وليتمم مكارم الأخلاق.
وكما شَرُف الكثير من الرجال بصحبته، وطاعته واتباع سنته؛ شرُفت نساء كثيرات كذلك بهذه الصحبة المباركة، والتفت حول المائدة النبوية لتنهل من علمه وتستضيء بنوره صلى الله عليه وسلم فظهرت منهن الفقيهات والمقاتلات والطبيبات، والداعيات، والرافعات لراية الإسلام في بداياته، وكانت لهن عند رسول الله المكانة العالية والإشادة، وكان لكل منهن شأن معه وفي هذه الزاوية نلتقي بهؤلاء النسوة اللاتي شرٌفن بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتحدث عنهن.
قال رسول الله عن أم أيمن: «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن..».
لقد اختار الله تعالى لنبيه محمد أمهات طاهرات كريمات.. ذوات أصل عريق.. وأنساب شريفة.. كان لكل واحدة منهن دور في رعايته والعناية به إلى أن أصبح شابا سويا.. فمن أمهات النبي صلى الله عليه وسلم: آمنة بنت وهب، وهي الأم الكبرى له... وكان لها شرف احتضان واحتواء نبينا محمد في رحمها الطاهر، وحملها له إلى أن وضعته، وأما حليمة السعدية فهي الأم الثانية التي كان لها شرف إرضاعه وتغذيته بلبنها.. ورعايته في طفولته.
وكذلك ثويبة، مولاة أبي لهب، التي أرضعت سيدنا محمد بعد أن جفّ لبن أمه آمنة، وهي أم النبي بالرضاعة أيضا والتي كان رسول الله يبعث إليها بمال، وكسوة، حتى ماتت سنة سبع، للهجرة.
و«أم أيمن» حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم شخصية إسلامية لها مكانتها ومنزلتها العالية في قلب رسولنا الحبيب واسمها «بركة بنت ثعلبه بن عمر» الملقبة بأم «أيمن الحبشية».
كانت أم أيمن في بيت النبوة الأول عند عبد الله والد رسولنا الكريم، ولما تزوج عبد الله من السيدة آمنة بقيت السيدة «بركة» أو أم أيمن معهم تخدم بيت النبوة بأمانة وتفان.
ولما تزوج رسول الله صلى الله سيدتنا خديجة؛ أعتق أم أيمن، لكنها ظلت معه ومع زوجته الكريمة، التي أحسنت إليها أيما إحسان، فكانت أم أيمن رفيقة النبي منذ ميلاده، وبعد زواجه.
ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم كانت أم أيمن من أوائل من آمن به وكانت من المهاجرات الأوائل رضي الله عنها.
وقد روي: أن النبي كان يقول لأم أيمن: «يا أم» كما كان يقول عنها: «هذه بقية أهل بيتي»...
عاشت بركة أو أم أيمن مراحل النبوة منذ بدايتها، فهي حاضنة الرسول عاصرت نموه صلى الله عليه وسلم منذ ولادته ثم رضاعته في بني سعد وقد عادت به لما بلغ الخامسة من عمره، وكانت معه حين أرادت السيدة «آمنة بنت وهب» أم النبي أن تزور بني النجار أخوال جده عبد المطلب بالمدينة، وعاصرته كذلك في رحلة العودة الأليمة التي فقد فيها أمه فعادت به إلى مكة المكرمة، كي يكون في رعاية جده عبد المطلب.
لم تفارق أم أيمن رسولنا الكريم فأصبحت أمه بعد أمه كما كان يقول لها.
وقد كانت أم أيمن تلاطف النبي وتحدثه كأم أحدنا إليه، كما كان صلى الله عليه وسلم يمازحها كثيراً ويستأنس بالحديث معها، كما كان حريصاً على زيارتها من آن إلى آخر.
وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له: أيمن، وقد أسلم أيمن ابنها وحسن إسلامه، وكانت له هجرة وجهاد، عكس أبيه الذي ذكرت بعض المراجع إصراره على الكفر، بينما ذكرت مراجع أخرى أنه استشهد في إحدى الغزوات.
وكان الرسول قد قال في أم أيمن: «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن»، فحظي بها زيد بن حارثه.
ولما تزوجها زيد بن حارثة ولدت له أسامة بن زيد، الذي سمي بحِب رسول الله، وكان أسامة فخر الابن لأمه فقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام، وهو لم يتجاوز العشرين من عمره.
ومن مناقب هذه السيدة المباركة أنه لما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة هاجرت أم أيمن بمفردها من مكة إلى المدينة سيرا على الأقدام، وكانت صائمة وليس معها لا ماء ولا زاد....وجهدها العطش وكادت أن تهلك، فأتى الله لها بمعجزته التي روتها أم أيمن وهي ثقة لا تكذب فتقول:
»تدلى لي دلو من السماء فيه ماء برشاء أبيض، فأخذته وشربت منه حتى رُويت، واستطردت تقول ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة، وإنني كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش.
روت أم أيمن عن النبي الكثير من الأحاديث وروى عنها أنس بن مالك، والصنعاني، والمدني من أئمة الحديث....
كما اشتركت في عدة غزوات مثل غزوة أحد، حيث كانت تسقي الماء، وتداوي الجرحى، وكانت تحثو التراب في وجوه الذين فروا من المعركة وتقول لبعضهم:
«هاك المغزل وهات سيفك، تسفيها منها لمن رجع وترك المعركة...
كما شهدت كذلك مع رسول الله غزوتي خيبر وحنين.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر الهجري، كان أبو بكر وعمر يزورانها كما كان يفعل رسول الله....
فلما رأتهم بكت فقيل لها: أتبكين ؟ قالت: والله لقد علمت أن رسول الله قد صار إلى خير مما كان فيه؛ ولكني أبكي على خبر السماء الذي انقطع عنا نحن أهل الأرض، وهذا يدل على سعة أفقها وطريقة فكرها.
مكانة كبيرة
وظلت أم أيمن تحظى بمكانتها التي كانت عند رسول الله في عهد الخليفة الأول «أبى بكر الصديق» رضي الله عنه، وخلافة «عمر بن الخطاب» الخليفة الثاني رضي الله عنه، حتى توفيت على الأرجح في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان....
ماتت السيدة أم أيمن بعد أن بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وبعد أن مات وهو راض عنها وراض عن أمومتها له وحسن صنيعها معه.. فرضي الله عنها وأرضاها.
جيهان محمود