يعاني الوطن العربي من نقص ملحوظ في تأمين الغذاء لسكانه الذين يزيدون على 300 مليون نسمة، إذ لا يكفي ما ينتجه من غذاء لإطعام كل السكان وتتفاوت نسب النقص من دولة لأخرى رغم ما يبذل من جهود لزيادة الرقعة الزراعية وتقليل استيراد المواد الغذائية في الوقت الذي أصبح فيه هاجس تحقيق الأمن الغذائي مشكلة تؤرق المسؤولين والمفكرين في الوطن العربي على حد سواء لما لها من جوانب وأضرار سلبية على الاقتصاد العربي.

العديد من المشاريع الإنتاجية المحلية والمشتركة تم إقامتها في الوطن العربي لتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ولكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ما زال بعيد المنال حتى الآن، بل إن بعض الدول العربية تعاني من مجاعة وتجد صعوبة في تأمين لقمة العيش لأبنائها مما دفع بعضهم للخروج في مظاهرات غاضبة ضد هذا الوضع فيما حذر آخرون من عواقب «ثورة الجوعى». وحدة الدراسات في «البيان» عقدت ندوة بعنوان: «الأمن الغذائي العربي: واقعه وسبل تحقيقه»، دعت لها مجموعة من ذوي الاختصاص والأكاديميين لمناقشة مشكلة الغذاء في الوطن العربي وكيفية الخروج منها وذلك وفق المحاور التالية: المحور الأول: حجم إنتاج الغذاء في الوطن العربي ومدى النقص الذي يعاني منه العرب. المحور الثاني: المشاريع العربية المحلية والمشتركة لزيادة الإنتاج الغذائي ودرجة جدواها. المحور الثالث: مستقبل الأمن الغذائي العربي وطرق الخروج من الأزمة.

يعتبر نقص الغذاء مشكلة عالمية تعاني منها معظم دول العالم وليست محصورة في الوطن العربي ولكن المشكلة في المنطقة العربية ملموسة بشكل أكبر، حيث وصل حجم الفجوة الغذائية إلى نحو 20 مليار دولار مؤخراً. وقد اجمع المتحدثون في الجزء الأول من الندوة على ضرورة تحقيق الأمن الغذائي العربي وأهمية التعاون العربي المشترك على ذلك وإلا فسوف يبقى العرب مرتهنين للخارج في توفير قوت مواطنيهم وما يعنيه هذا الأمر من انتقاص لسيادتهم وقراراتهم السياسية، وفي المحور الثاني من الندوة أكد المشاركون على أهمية الاستغلال الأمثل للموارد واعتماد سبيل للتخلص من المشكلة الغذائية وفيما يلي التفاصيل:

* د. محمد الشامي: اعتقد أن مشكلة الغذاء في الوطن العربي هي إحدى مشاكل التنمية التي تعاني منها بلداننا العربية والكل مجمع على وجود هذه المشكلة وتفاقمها، فبعد أن كان حجم الفجوة الغذائي في السبعينات نحو 10 مليارات دولار فإننا نتحدث اليوم عن 20 مليار دولار ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذا ما هو إلا انعكاس لعوامل التجزئة القائمة بين البلدان العربية وعلينا التفريق بين مفهوم الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، فالأمر يختلف إذا تحدثنا عن الأمن الغذائي لكل دولة عربية على حدة وعن الأمن الغذائي العربي المشترك، فالدول العربية تعاني منذ الأربعينات من عدم وصولها إلى تحقيق السوق الاقتصادية المشتركة.

وقد واجهت دول مثل الهند والصين مشكلة الغذاء وتخلصتا منها، بمعنى انه إذا وجدت الإرادة السياسية فسوف يتم انجاز الكثير ويكون هناك نتائج مثمرة، وإذا أردنا تشخيص المشكلة في الوطن العربي فإننا نعاني من مشكلة في المياه والموارد ومدى الاستغلال الأمثل لهذه الموارد. والأمن الغذائي هو قدرة الدولة أو مجموعة الدول على توفير الغذاء واستمراريته وتوفير القدرة الشرائية للغذاء أمام السكان، ويدخل فيها الجوانب الصحية للغذاء والجودة.

وبالنسبة لقدرة الدولة على شراء الغذاء فكما ذكر زميلي فقد تتوفر لدى الدولة القدرة المادية على شراء الغذاء ولكن قد لا تجد المصدر لشراء هذه المادة الغذائية، وبالتالي فكيف سيكون وضع الدولة التي ليس لديها مساحات زراعية كافية؟ فمشكلة الدول العربية في هذا الجانب لا يمكن أن تحل إلا بالتكامل والتعاون فيما بينها خصوصاً وأن 80% من مساحة الدول العربية هي أراض جافة أو شبه جافة ولا يملك سوى 05% من المساحات المائية السطحية على مستوى العالم مع أن مساحته تشكل 10% من مساحة العالم، وكما نعلم فإن المشكلة أيضاً هي مشكلة مياه فمتوسط حصة الفرد العربي من المياه حوالي 1000 متر مكعب سنوياً مقابل 7000 متر مكعب هي نسبة الفرد عالمياً.

وعندما نتكلم عن قضية التكامل العربي فلان 5,38%من المياه السطحية موجودة في الإقليم الأوسط وتشمل مصر والسودان وجيبوتي بينما نسبة 37% من المياه في شرق الوطن العربي مثل العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان ودول المغرب العربي حوالي 9% فقط والنسبة تتدنى إلى 4% في الجزيرة العربية، وهنا فان الموارد المائية هي متوفرة في بلدان معينة من الوطن العربي وهناك بلدان أخرى أكثر فقرا وهذا يؤكد أهمية المشاريع المشتركة والتكامل العربي.

وبالنسبة للفجوة الغذائية فبالإضافة لمبلغ الـ 20 مليار دولار التي تحدث عنها الزملاء فهناك أيضا 20 مليار دولار أخرى هي قيمة المدخلات الإنتاجية للصناعات الغذائية في البلدان العربية، ومعنى هذا أن هذه المبالغ الطائلة إذا أنفقت على هذا الجانب، فماذا عن بقية جوانب التنمية الأخرى؟ وبالنسبة للدول العربية الفقيرة فإن هذا سيشكل عبئاً ثقيلاً عليها وهنا تبرز أهمية الإشارة إلى موضوع التبعية للعالم الخارجي في موضوع الغذاء.

وهنا علينا التفريق بين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والأمن الغذائي فمن الصعب على بعض الدول العربية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، فلو نظرنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فلديها نسبة جيدة من الحليب والتمور والأسماك تصل إلى 90% من احتياجاتها من هذه المواد ونسبة 40% من البيض والخضار ولكنها بحاجة إلى الفاكهة والأرز واللحوم الحمراء، فلاكتفاء الذاتي يصعب تحقيقه في ظل زيادة الحاجيات وشح الموارد في بعض الحالات.

من ناحية أخرى فإن قطاع الزراعة في بعض البلدان العربية مثل الصومال والسودان يشكل مصدراً أساسياً من دخلها القومي بينما هناك دول أخرى يشكل قطاع الزراعة مصدراً اقل في دخلها القومي، وهنا فإن قضية التناسب بين القطاع الزراعي من الناتج المحلي في ظل وجود الموارد لها أهمية بالغة، وهذا يؤكد مرة أخرى أهمية التكامل العربي، فلو نظرنا إلى البلدان الكبيرة مثل كندا والهند والصين وأميركا فإن المساحات الشاسعة والتضاريس المختلفة.

بالإضافة إلى الإرادة القوية هي التي ساعدتها على حل مشاكلها في قضية الغذاء فمثلاً في الولايات المتحدة هناك ولايات لا يمكن أن تنتج كفايتها من المواد الغذائية ولكنها تعتمد على ولايات أخرى وكذلك الأمر في الهند والصين وكندا، وهنا تبرز ميزة الوطن العربي في مساحته الشاسعة وتنوع تضاريسه ولكن هل هناك استخدام أمثل للموارد؟

فالأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي تقدر بنحو مليوني كيلو متر مربع لكن المستغل منها لا يزيد على 5% فقط، فقضية الاستغلال هذه مربوطة بقضايا تنموية أخرى مثل العلم واستغلال التكنولوجيا، فللأسف عندنا في بعض البلدان العربية كاليمن مثلاً تكاد كليات الزراعة فيها تقفل وبدأ الطلاب يبتعدون عنها مما يعني حصول تناقص في عدد الخبراء الزراعيين ولكن رغم ذلك إذا وجدت الإرادة السياسية مع إدراك حجم المشكلة فسوف يتم حل المشكلة من خلال التكامل العربي لأن أي دولة عربية غير قادرة على المشكلة لوحدها.

* عبد الحميد رضوان: نظراً لارتباط الأمن الغذائي بموضوع المياه فقد قال بعض المتخصصين الزراعيين في مصر ، إذا كان العالم يعاني من ندرة المياه فلماذا يصدر العرب المياه للخارج ؟ وعند استيضاح هذه النقطة قالوا إننا عندما نصدر الذرة مثلاً للخارج بما تحتاجه من مياه فإننا ندعم هذه الدول على حسابنا في مقابل بحث عن قيمة صادرات لا توازي قيمة الندرة من المياه، فالإشكالية أصبحت ليست في الموارد الموجودة وإنما في استغلالها وهذا يعني عدم الفصل بين الخبير الاقتصادي والخبير الزراعي.

فالاثنان أصبحا يفيداننا في النقطة نفسها، وبنظرة اكبر للموضوع ونظراً لأهمية المياه على مستوى العالم فهناك من يبحث عن التنمية المستدامة فالمفهوم القديم للإنتاج القومي أصبح لا يعول عليه لأنه يمكن إحداث تنمية من خلال استنزاف الموارد الموجودة ولكن العالم أصبح يتجه من خلال الأمم المتحدة إلى مفهوم جديد هو الحسابات القومية الخضراء والذي يأخذ في حساباته ندرة الموارد التي لا نستطيع نحن إدراكها ونظراً لأهمية المياه في هذا الموضوع فقد أفردت لها حسابات خاصة بحيث انه لا بد لأي دولة تقول إن عندها تنمية أن تحسب كمية المياه المستهلكة لتصحيح الناتج المحلي لها للوصول إلى التنمية الحقيقية.

وبالعودة إلى الجذور التاريخية للمشكلة في الوطن العربي فبعد خروجها من الاستعمار اتجهت إلى نمط التنمية الصناعية وأهملت الاستثمار في القطاعات الزراعية وهذا يؤكده النسبة المتدنية للزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، وهناك مشاكل أخرى تترتب على هذا الأمر فنحن عندما نستورد القمح مثلاً فهناك تبعية أخرى لهذه العملية ألا وهي الارتباط بضرورة استيراد ماكينات طحن القمح المستورد من الخارج وهنا زيادة في التبعية الصناعية.

والنقطة الأخرى التي يجب الاهتمام بها وهي أن المشكلة سوف تظهر عندنا بشكل اكبر في المستقبل لأن الدول المصدرة للحبوب مثلاً كان استهلاكها بسيطاً ولكن بعد حصول النمو في هذه الدول بدأت تستهلك كميات اكبر من الحبوب وبدأت تحد من الكميات المصدرة وأحياناً تفرض عليها الحظر ولذلك علينا النظر إلى المشكلة الغذائية العربية نظرة تكاملية وليس نظرة فردية.

* د. شوقي البرغوثي:بالنسبة لموضوع المياه في الوطن العربي فالأمر يختلف عن الدول الأخرى في عدم توفر المياه اللازمة للزراعة كما هو الحال في الهند مثلا ولذلك على الدول العربية أن تدرس استغلال المياه غير التقليدية وخاصة المياه المالحة والعادمة غير الصالحة للشرب فالمياه التي نستخدمها علينا إعادة استغلالها في الزراعة، وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة باستخدام العلم في الزراعة بالمياه المالحة وخاصة زراعة الأعلاف فالأمر بحاجة للإدارة والريادة بإقامة مشاريع للتوسع في الإنتاج الزراعي غير التقليدي.

وبالنسبة للتفريق بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي فالأمر إداري ومرتبط بالعرض والطلب، وبما أن العرض والطلب بالنسبة للغذاء موسمي فقد لاحظنا العام الماضي ارتفاع تكلفة الغذاء وقيام مظاهرات في مصر واندونيسيا وغيرهما وبعد أربعة أشهر عندما حان نزول المحصول الجديد وامتلأت الصوامع بالحبوب انخفضت الأسعار بنحو 40% مما كانت عليه، والسؤال هل هناك قدرة من خلال التكامل العربي التجاري وبما لدينا من قدرات على شراء الغذاء عندما يكون العرض متوفراً وتخزينه لوقت الحاجة؟

إن الأمر بحاجة لبناء صوامع ضخمة لتخزين المحاصيل الزراعية وإدارة الأمور بطريقة علمية وتجارية وهذا بحاجة لنوع من التنسيق بين وزارات التجارة في الدول العربية والقطاع الخاص حتى يتم شراء ما يحتاجه كل بلد لموسم أو موسمين وبأسعار معقولة .واعتقد أن مستقبل الأمن الغذائي هو عبارة عن إدارة حكيمة لحسن استغلال موضوع العرض والطلب على المنتجات الغذائية وخاصة عندما يتوفر الفائض من هذه السلع بكميات كبيرة.

* د. أحمد التيجاني: اعتقد انه يجب أن تقوم شركة زراعية عربية عملاقة خصوصاً وإننا في زمن الاستثمار العالي والضخم والذي اجمع رجال الأعمال والاقتصاد على انه هو الأنجح والأجدى اقتصادياً، وإذا قامت مثل هذه الشركة العملاقة ووفرت لها الصناديق المالية العربية التمويل فإنها ستكون انجح من الطريقة الحالية التي تتوزع فيها المشاريع الزراعية الصغيرة والمتوسطة. كما أن هناك بعض الذين حازوا على أراض زراعية في السودان وخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي ولكن للأسف لم يتم استثمارها ولذلك فإنني لا أشجع على مثل هذه الأمور وإنما أشجع المشاريع العملاقة خاصة وان عندنا في الوطن العربي ولله الحمد الكفاءات الجيدة في كل الاختصاصات الاقتصادية والزراعية وفي مجال الإنتاج الحيواني.

وهنا أشير إلى أن السودان يمتلك 140 مليون رأس من الماشية وهذا عدد لا يستهان به وقد استوردت دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي 800 ألف طن من البرسيم من اسبانيا وأميركا، والسودان يمكنها ببساطة أن توفر مثل هذه الكمية من البرسيم لدولة الإمارات بزراعة 100 ألف فدان فقط. وإذا ما قامت الشركة الزراعية العربية الضخمة فإنها ستكون الحل الأمثل لتوفير القمح والأرز والأعلاف لدول مجلس التعاون بشكل خاص وبقية الدول العربية بشكل عام.

* ماجد الشامسي:بدا التعاون العربي في مجال الغذاء منذ أمد بعيد وفق ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945 وفي عام 1964 دخلت اتفاقية الوحدة الاقتصادية حيز التنفيذ ثم تطور العمل العربي المشترك إلى تأسيس الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وقام الصندوق بوضع دراسات كثيرة في مجال الزراعة والغذاء ونفذ الكثير من المشروعات الإنمائية في هذا المجال، كما تم تأسيس المنظمة العربية للتنمية الزراعية في عام 1970.

وأنجزت الكثير من الدراسات لتحديد أبعاد مشكلة الغذاء والعوامل الرئيسية المؤدية إليها واستنباط الحلول والسياسات لمواجهتها وفي عام 1976 تم إنشاء الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والتي تعد منطلقا مهما في وضع البرامج الشاملة للتنمية الزراعية وتنفيذها وذلك بهدف تنمية الموارد الزراعية في الدول العربية على أن تراعي اكبر قدر ممكن من الموارد الغذائية للدول المتعاقدة وان تعمل على زيادة الإنتاج الزراعي والأعمال المرتبطة به.

لكن الواقع يشير إلى اقتصار هذه الاستثمارات على مجالات شبه مضمونة تتوافر لها التقانات المناسبة كإنتاج الدواجن وصيد الأسماك وبعض الصناعات الزراعية والأعلاف والسكر وهكذا فإن الاستثمارات العربية المشتركة لم تتطرق إلى اليوم إلى مجالات الإنتاج الأساسية لعدم توفر المرتكزات الرئيسية اللازمة لذلك والتي من أهمها التقانات الحديثة الملائمة والخبرات الفنية اللازمة والخدمات المؤسسية التي تحتاج إليها وبقي العمل محصوراً في نطاق ضيق لا يتناسب مع المستوى الذي تتطلبه قضية اقتصاد الغذاء والأمن الغذائي العربي.

المشاركون

* ماجد الشامسي: رئيس الاتحاد التعاوني الاستهلاكي

* د. شوقي البرغوثي: مدير عام المركز الدولي للزراعة الملحية

* د. أحمد التيجاني: مدير عام شركة الروابي للألبان

* د. محمد الشامي: عميد كلية الإدارة والأعمال / جامعة عجمان

* عبدالحميد رضوان: خبير اقتصادي/ وزارة التجارة الخارجية

أدار الندوة وأعدها للنشر

* موسى أبو عيد

* تصوير: موهان