قال الله سبحانه تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) وقال : ( أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ).

وقال رسول الله :(مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، والمكْرُ والخِداعُ في النار) وقال أيضا : (لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لمن لا عَهْدَ له).

لقد تبرأ الإسلام من الغِشَّ والخداع ومن كل من يتعامل بهما في أخذ حقوق الغير بغير حق أو سلطان سواء كانت معاملات مادية أو غيرها كأن يلبس الباطل ثوب الحق، ويظهر ذلك في عمليات البَيْعِ والشِّراءِ، حيث يكثر فيهما الغِش والخِدَاع بصورة كبيرة، تَارة بالثناء عَلى السلعةِ بما ليْسَ فيها، وتارة بِكِتْمَان عيوبها، وأخرى بنقْص وزْنِها، وتارة أُخْرى بالإيهام برخصِ ثَمَنِها.

ونجد أن من يفعل ذلك من التجار هم ضعاف الإيمان والنفوس معتقدين أن ما يفعلونه إنما هو الأسلوب الأمثل في تحقيق الأرباح والمكاسب متناسين أن الله عز وجل مطلع على أفعالهم وأقوالهم وأن كل ما يفعلونه من خداع وكذب وتدليس على أصحاب الحاجات إنما هو من الأفعال المنهي عنها بل وتورد صاحبها موارد الهلاك في الدنيا والآخرة . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ[الطعام المجتمع كالكومة] فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ »؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:« أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي » .

وفي الوقت الذي حذَّر فيه النبي من أساليب الغش والخداع في البيع والشِّراءِ رغَّبَ في التزام الصدق والأمانة والنصيحة، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي قَالَ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا، وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا، اليمينُ الفاجِرةُ مَنْفَقةٌ لِلسِلْعَةِ مَمْحَقَةٌ للكَسْب».

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النبي قَالَ: « التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ». وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ : (إنَّ أَطْيَبَ الكَسْبِ كَسْبُ التُّجَّارِ الذين إذا حَدَّثُوا لم يَكْذِبُوا، وإذا ائتُمنوا لمْ يَخُونوا، وإذا وَعَدُوا لم يُخْلِفوا، وإذا اشتروا لم يَذُمُّوا، وإذا باعوا لم يَمْدحُوا، وإذا كان عليهم لم يَمْطُلُوا، وإذا كان لهم لم يُعَسِّروا) .

وجميعنا يعلم تماما أن الرسول عمل بالتجارة فكان مثالا يحتذى في الصِدق والأمانة والمعاملة الحسنة، فعَنِ السَّائِبِ قَالَ أَتَيْتُ النبي فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَي وَيَذْكُرُونِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ « أَنَا أَعْلَمُكُمْ » يَعْنِي بِهِ، قُلْتُ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، كُنْتَ شَرِيكِي فَنِعْمَ الشَّرِيكُ، كُنْتَ لاَ تُدَارِى وَلاَ تُمَارِى. أيْ لا تُخْفِي ولا تُجادِل. وجاء في مكاتبته للْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ « هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ، لاَ دَاءَ، وَلاَ خِبْثَةَ، وَلاَ غَائِلَةَ ».

وهذا يدل على أن المسلم يجب أن يبع بالصدق و الأمانة دون مواربة أو خديعة أوخبث كما يجب على المسلم البائع في معاملاته أن يكون قدوة حسنة لغيره وكم من بلاد فتحت ودخل أهلها الإسلام دون نزال إلا أن أخلاق التجار المسلمين جعلها الله سبحانه وتعالى سببا في اعتناق أهل هذه البلاد الإسلام الحنيف، كما أنَّ الصِّدقَ والأمانةَ مِنْ أكبر العوامل التي تَجْلِبُ الثقةَ والبركة والخير في البيع والشراء وفي كل التعاملات، بينما الغِشّ والخِداع مِنْ أكبر العوامِل التي تبدد الثقة وتَمْحق البركة وتُؤذِن بخراب العمران، ومِنْ أجْلِ ذلك قال النبي لأصحاب الكيل والوزن: (إنِّكم قد وُلِّيْتُمْ أمْراً فيه هَلَكَتِ الأممُ السالِفةُ قَبْلَكُمْ). والصدق والأمانة مِن عزائم الدِّين وكرائم الأخلاق التي يتقدم بها الناس في الدنيا وتبَيَض بها وجوههم في الآخرة، والغش والخداع والتدليس والبعد عن الحق من نواهي الدين ورذائل الأخلاق التي يَتَخلَّف بها الناس في الدنيا وتسود بها وجوههم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أت الله بقلب سليم.

أشرف محمد شبل