حذرت نخب أمنية وتربوية من مخاطر تفشي ظاهرة ترويج الحبوب المخدرة والمؤثرات العقلية في محيط المدارس والمؤسسات التعليمية، بالرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها الجهات المختصة لتطويق ممارسات نشر هذه الحبوب في المجتمع المدرسي، واجتثاثها من جذورها عبر تجفيف منابع تهريبها، فيما اعتبر آخرون ان دخول طلبة في مراحل سنية صغيرة، دائرة الإدمان، يعكس ضعفاً في منظومة الرقابة المجتمعية والأمنية على حد سواء، في وقت أكدت مصادر أمنية أن هناك مدارس تتردد في الإبلاغ عن حالات لديها خوفاً على سمعتها المجتمعية، في حين تخفي مدارس خاصة حالات لديها حفاظاً على مكاسب مادية، وتلك مشكلة لا تقل خطورة.
وأكد مختصون أن هناك استهدافا لطلبة المدارس من قبل بائعي المخدرات ومروجيها، مطالبين بالحد من هذا السلوك الخطير عبر استراتيجية تربوية وحملات للتوعية، تسير جنباً الى جنب مع الجانب الأمني.
واعتبرت إدارات مدرسية أن زحف المخدرات الى المجتمع المدرسي هو نتيجة طبيعية للانفتاح غير المدروس، مبدية تخوفها من وجود أنواع مخدرة مجهولة مثل اللصقات وغيرها من الأنواع غير المرئية، لافتة إلى أن أكثر أنواع المخدرات تداولا بين الطلبة هي حبوب الترامادول. من جهة أخرى؛ طمأنت جهات مسؤولة أولياء الأمور والمعنيين، بأن المدارس تحت نظر رجال الأمن، ولا يجوز تضخيم المسألة باعتبار ذلك أمراً غير مقبول، مشيرة إلى أن المدارس تشهد عددا من الحالات لكن التعميم والتهويل غير دقيق ومرفوض.
عدد الطلبة
كشفت إدارة مكافحة المخدرات في شرطة الشارقة عن خطورة الظاهرة بلغة الأرقام والإحصائيات، معلنة أن عدد طلبة المدارس الذين تورطوا في «جرائم مخدرات» خلال الثلاث سنوات الماضية 925 حالة، منها 339 في العام 2014، و379 في 2013، و207 في 2012، وقد تنوعت التهم بين الحيازة والتعاطي والترويج، وكشف الرائد محمد أحمد الخميري من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الشارقة في وقت سابق، أن هناك ازدياداً مطرداً وتنامياً وارتفاعاً في عدد المتعاطين، منتقدا تكتم بعض المدارس عن حالات لديها. وأضاف حان الوقت للتحرك، ففي المدارس حالات مؤكدة ولا يمكن إنكارها، فذلك ما تقتضيه المصلحة العامة التي ننشدها جميعاً، وبإذن الله بانتشار هذا الفكر المسؤول سنصل إلى نتائج إيجابية وفاعلة.
وبحسب العقيد علي سالم الخيال مدير عام العمليات الشرطيـة بالإنابة، فقد كرست شرطة الشارقة جهودها لحماية الطلبة فور ظهور بعض المؤشرات التي تدل على أن هذا القطاع أصبح مستهدفاً من قبل مروجي المخدرات سواء من خلال ضبطها لأي حدث أو مراهق يتعاطى المؤثرات العقليـة، أو من خلال رصدها لاتجاهات تجارة المخدرات العالمية ولجوئها إلى تكييف صناعة المخدرات وتخليقها وعرضها بصورة تجتذب الشباب والمراهقين.
وأوضح أن الشرطة أطلقت العديد من البرامج وحملات التوعية التي استهدفت شريحة الطلاب لتحصينهم ضد آفة المخدرات، وبيان خطورتها على صحتهم ومستقبلهم، كما اتخذت العديد من التدابير التي سعت إلى تعزيز دور الأسرة التربوية في دعم جهودها في هذا المجال، والتي انتهت بإطلاق برنامج الثقافة الأمنية للطلاب وما تحقق بفضله من نجاح ونتائج مرضية خلال سنوات من تطبيقه في مدارس منطقة الشارقة التعليمية وتوجت مؤخرا بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بإشراك الهيئات التربوية ومعلمي المدارس في تنفيذ هذا البرنامج.
وأضاف إن استمرار برامج وحملات التوعية، ومشاركة المعلمين وأعضاء الهيئات التربوية في هذه البرامج والتواصل المستمر معهم قد أثبت نجاحه في حماية مجتمع الطلاب والحيلولة دون اختراقه من قبل تجار ومروجي المخدرات الذين سعوا بكل السبل للوصول إلى الطلاب ونشر سمومهم بينهم، والتأثير عليهم بمختلف السبل إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة هذه الجهود.
الإبلاغ فوراً
واعتبر مدير عام العمليات الشرطية بالإنابة؛ المعلمين وإدارات المدارس وأعضاء الهيئات التربوية، شركاء في عملية حماية المجتمع الطلابي وتحصينه ضد آفة المخدرات، وأن واجبهم التربوي يحتم عليهم التدخل بقوة إن لاحظوا أي سمات متغيرة على الطلبة، والتعاون مع أجهزة الشرطة المختصة في ردع مثل هذه المحاولات شأنهم شأن أولياء الأمور الذين يتعرض أبناؤهم لخطر المخدرات والإدمان. وذكر انه تم توجيه أولياء الأمور للإبلاغ فوراً عن أي محاولة لترويج المخدرات داخل المدارس، أو التغرير بالطلبة ودفعهم إلى تعاطي المخدرات بأي صورة كانت.
واعتبر العقيد سعيد حميد ناصر مدير إدارة مكافحة المخدرات في القيادة العامة لشرطة عجمان أن انتشار المواد المخدرة والمؤثرات العقلية بين الطلبة لا يرتقي إلى حد الظاهرة. إنما يندرج تحت مسمى حالات فردية وغالبا ما يتم ضبطها خارج محيط المدارس، مشددا على أن وزارة الداخلية حريصة وتوجهنا دوما بالتعاون والتنسيق مع المناطق التعليمية من اجل تنفيذ حزمة من البرامج التوعية النوعية وعدم اعتماد التقليدية منها. وذكر أنه يوجد تعاون وثيق بين القيادة ممثلة بإدارة مكافحة المخدرات ومنطقة عجمان التعليمية ومنطقة عجمان الطبية حيث شكلنا فريق عمل أبرز أولوياته نشر التوعية الأمنية بين الطلبة بمختلف مراحلهم الدراسية، وعليه تم عقد سلسلة من المحاضرات شارك فيها طلبة.
سمعة المدارس
ولم ينكر مدير إدارة مكافحة المخدرات عدم تعاون بعض المدارس خوفاً على سمعتها، لكن بشكل عام هناك تنسيق من اجل منع وصول المؤثرات العقلية للمدارس، وتوجيهات مستمرة لتلك المدارس بضرورة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، واعتبر شق إخفاء المعلومات في المدارس الخاصة اكثر منه في الحكومية بسبب تغليب النزعة المادية والمصلحة التجارية. وأكد انهم متى شعروا بمشكلة سيتحدثون عنها بشفافية مطلقة، معلنا أن المدارس ليست بمنأى عن الخطر إذا اغفلنا جانب التعاون والتنسيق واتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع المواد المخدرة.
وقال لم نضبط أي طالب يروج للمخدرات في أي مدرسة، ونناقش كلجنة عليا لمكافحة المخدرات على مستوى الدولة كيفية منع وصول المخدرات للطلبة واعتبر المجتمع المدرسي مستهدفا ما يتطلب ثقافة ووعياً خاصة من الأسر وعدم الخوف وكذلك المدارس لان التعاون هو الحل لتضييق الخناق وحماية الأبناء، مشيرا الى ان نهج الدولة هو التركيز على شق العلاج والتأهيل قبل العقاب وهي نقطة ينبغي للأهالي والمدارس تفهمها وفي إطار من السرية التامة، وتمنى مدير إدارة مكافحة المخدرات في عجمان من المدارس تطوير آليات التوعية والرقابة لديها من خلال تفعيل دور الاختصاصيين ومد جسور التعاون مع الأهل.
تعاون
مسؤولية وقاية الأبناء تقع على الجميع
قال العقيد صلاح علي القصير رئيس مركز التأهيل الخاص للعلاج من إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية في الشارقة، إن مسؤولية الوقاية والحماية لا تقع على الأجهزة الأمنية وحدها، فكافة الجهات ذات العلاقة ابتداء من الأسرة مرورا بالمدرسة والجامعة مسؤولة عن هذه المعضلة، حيث يصعب القضاء على المخدرات دون تعاون وتضافر كافة الأطراف.
وشدد خلال زيارة أعضاء من المجلس الوطني للمركز في وقت سابق، على أهمية نشر التوعية الاجتماعية والثقافية بمختلف الوسائل المتاحة وتوعية أفراد المجتمع بالأخطار الناجمة عن تناول العقاقير الخطرة والمخدرات، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة.
وأكد دور الأسرة في توعية الأبناء بخطورة هذه الآفة من خلال مراقبتهم لضمان عدم انجرارهم مع رفقاء السوء والانزلاق إلى الخطأ والخطر.
رأي
الدور التكاملي طريق الصواب
أكد العقيد الدكتور محمد خميس العثمني مدير إدارة الشرطة المجتمعية، ضرورة السعي الجاد إلى محاصرة المخدرات واجتثاثها من منابعها، باعتبارها من أبرز المخاطر التي أصبحت تفتك بالمجتمع في الآونة الأخيرة. وركز على أهمية الدور التكاملي لكافة مؤسسات المجتمع وليس الأجهزة الشرطية فحسب، معتبرا مكافحة المخدرات مسؤولية كل فرد ومؤسسة تمتلك الحس الوطني، ما يتطلب مشاركة كافة الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص.
اجتماع
حرمة المدرسة تستوجب الحذر
أوضح العقيد سعيد ناصر مدير إدارة مكافحة المخدرات في عجمان أنه تم عقد اجتماع تنسيقي بين تعليمية عجمان وإدارة مكافحة المخدرات العام الماضي، بحضور مديري المدارس والاختصاصيين الاجتماعيين. وركز الاجتماع على دور المدرسة في ملاحظة أي تغيرات تطرأ على سلوكيات الطلبة تدل على سلوك خط الإدمان، والتواصل بين البيت والمدرسة، وإشراك الإدارة إذا تطلب الأمر، مشددا على أهمية حرمة المجتمع المدرسي، ومتابعتها بصورة منطقية.
سمات
تظهر على المتعاطي سمات دالة على دخوله دوامة الإدمان أبرزها التغيير السلبي في الانتظام المدرسي، تراجع في المستوى الدراسي، العزلة والانطواء، عدم الرغبة في تناول الطعام، كثرة النوم، سرعة الاستثارة والعصبية والتأخر خارج المنزل وكثرة الاستدانة وطلب المال، واضطراب الشخصية وعدم التركيز، فيما تتمثل أسباب الإدمان في الجهل بحقيقة المخدرات وضعف الوازع الديني ورفاق السوء والتفكك الأسري وغياب الرقابة والقسوة الزائدة وقلة الحوار الداخلي بين أفراد الأسرة العربية الذي أثبتت الدراسات أنه في أدنى حدوده.
خطة تربوية أمنية مشتركة ومقترح بكشف دوري على الطلبة
أكدت فوزية حسن بن غريب الوكيل المساعد لقطاع العمليات التربوية في وزارة التربية والتعليم، أهمية وضع خطة توعوية وإرشادية مشتركة بين وزارتي الداخلية والتربية لمكافحة تداول المخدرات بين طلبة المدارس وإخضاع الاختصاصيين الاجتماعيين والمعلمين والإداريين لدورات تمكنهم من التعامل مع تلك الحالات بشكل صحيح، مقترحة إجراء كشف دوري على الطلبة من قبل الهيئات الصحية بالدولة للاطمئنان وكشف أي حالات إدمان.
وأوضحت أن تلك البرامج ستسهم في مكافحة هذه الآفة الدخيلة على مجتمعنا، وخاصة أن هناك أنواعا منها لا يمكن التعرف عليها بسهولة، ولا يمكن ضبطها بحوزه الطلبة.
وقالت يجب على المدارس أن تمتلك خططا وبرامج توعوية منها عرض أفلام وثائقية للتعرف على خطورة تعاطي العقاقير المخدرة، ودراسة ومتابعة الحالات المشكوك بها، ومراقبة سلوكيات الطلبة بشكل عام بالتعاون مع أولياء الأمور.
وسائل التواصل
ودعا الخبير التربوي يوسف شراب إلى تكثيف الجهود من أجل الحد من انتشار السموم المخدرة بين الطلبة، وتشديد آليات الرقابة والمتابعة، لافتا إلى تعاظم دور وسائل الإعلام من خلال إطلاق حملات مكثفة توعي وتحذر الطالب وولي الأمر من مغبة الدخول في دوامة الإدمان.
واقترح شراب استثمار وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية من خطورة المخدرات، وإحكام الرقابة الأسرية على الأبناء وعدم الانشغال عنهم بالعمل. ورهن شراب نجاح محاصرة الآفة بتعاون أولياء الأمور والمدارس مع الجهات الأمنية.
سرية وكتمان
ويتمحور دور الإدارات المدرسية بحسب بعض من تحدثنا معهم وتحفظوا عن ذكر أسمائهم على شقي التوعية والمتابعة بالرقابة المستمرة من جهة والتواصل مع ذوي الطلبة من جهة أخرى، لافتين إلى انه في حال ضبط طالب ظهرت عليه سمات التعاطي فان المدرسة تتواصل على الفور مع ذويه وتحرص بالدرجة الأولى على السرية والكتمان من أجل إلحاقه بأحد مراكز العلاج دون المساس به وبعيدا عن المجتمع المدرسي.
وقالت مديرة مدرسة بالشارقة إن الطلبة يعتقدون انهم بمنأى عن الرقابة فيكثر تداولهم لبعض الحبوب مثل «شيني كيني» الذي راج في فترة من الفترات بصورة مفزعة، قبل سحبه من البقالات والتوعية بمخاطره.
مدرسة خاصة
وعلمت «البيان» أن إدارة مدرسة خاصة رفضت الإبلاغ عن طالب لديها ضبط يروج لعقاقير مخدرة بين زملائه خوفاً على سمعتها دون أن تضع في الاعتبار خوفها على صحة ومستقبل الطلبة، وتم ضبط الطالب المروج من خلال ولي الأمر الذي أخطره ابنه بالواقعة، حيث توجه إلى اقرب مركز شرطة وسجل بلاغا.
وركزت الإدارات المدرسية على دور الاختصاصي الاجتماعي في الحد من هذه الآفة الخطيرة واتخاذ مواقف إيجابية لرفع سقف التوعية بين الطلبة حول مخاطر هذه الآفة، علاوة على إحكام الرقابة على الطلبة، وتلمس أي تغيرات تحدث كتسرب من المدرسة وتأخر في التحصيل والغياب والنوم وأي سمات تدل على التعاطي.
الأكثر تداولاً
أكثر العقاقير المخدرة تداولاً بين الطلبة، أقراص «الترمادول» نظرا لسهولة تناولها والحصول عليها لرخص سعرها وتأثيرها القوي، وعقار «الدورميكام» وعقار «اللاريكا» وعقار «ليجافلكس» ومادة «شيني كيني» التبغية التي انتشرت بين طلبة المدارس في وقت سابق، وهي مادة غير مدرجة ضمن المواد المخدرة رغم خطورتها، وفيها مادة النيكوتين الخطيرة التي تعد السلم الأول للدخول إلى عالم المخدرات.