لو أن السعادة تُشترى بالمال، لتدبر الناس أمورهم واشتروها، لو أنها تغتصب بقوة السلاح لتسلحوا واستولوا عليها، لكنها تأتي بقلب مؤمن ونظيف وعقل يدرك أهمية الإيمان. ورث الشاب من والده المليونير المال الكثير، إلا أنه كان يشعر في كثير من الأحيان بالملل، فقد كانت حياته سهلة، وكان كل شيء يتمناه متوفراً أمامه، ولم يحمد الله تعالى على هذه النعمة الغالية، بل وسوس له الشيطان أن يغوص في وحل الملذات والحياة المحرمة.
وكان والده المليونير العربي الجنسية، الذي توفي مع أفراد الأسرة الآخرين في حادث مروري، قد غرس في نفسه القيم الصالحة والإيجابية، لكن ذلك الشاب انحرف عن الطريق، وكان يردد دائماً «رحلوا عني وتركوني في هذه الحياة».
بدأ يصرف أمواله التي ورثها في الملذات غير المباحة، واجتمع أصدقاء السوء من حوله، يغرونه بتعاطي المواد المخدرة بأصنافها وأشكالها المختلفة، في جلسات اللهو الشيطانية، التي كانوا يعقدونها حتى ساعة متأخرة من الليل.
توبة مؤقتة
عاد الشاب ذات ليلة إلى بيته في حالة يرثى لها من تأثير المخدر على جسده، ونام على السلم ليرى في منامه أن أصدقاء السوء يقودونه إلى حفرة سوداء عميقة، تشتعل فيها النيران الحارقة، فاستيقظ من نومه مفزوعاً، وصرخ بأعلى صوته كأنه يختنق، ثم اكتشف أنه ملقى على درجات المنزل في الساعات الأولى من الصباح، وسمع صوت آذان الفجر فاتجه إلى المسجد وصلى بقلب نادم، وذرفت عيناه الدموع، وقرر أن يترك هذا الطريق الشيطاني فرجع إلى رشده، وبدأ مشواره لاستكمال دراسته الجامعية، وانتظم فيها.
وتعرف في الجامعة إلى نصفه الآخر، فجمع معلومات وافية عنها وعن أهلها، وعرف أنهم أهل خير وصلاح، فتوجه إلى المدينة التي يقطنها أعمامه، وأخبرهم نيته بالزواج، وبعد الموافقة، أقيم حفل زفاف كبير، ولم تكن عروسه تعلم بتاريخه الأسود في تعاطي المخدرات مع الشلة الفاسدة، بل كان حلمها مثل كل بنت، أن تتزوج وترتبط بإنسان تفهمه ويفهمها، ويبنيان معاً بيتاً وأسرة ومستقبلاً سعيداً لهما،
لكنها استيقظت من أوهامها، وانقلبت كل أحلامها إلى كابوس كبير وتحولت حياتها إلى لوحة مصبوغة بالسواد، بعدما سقط القناع عن وجه زوجها، الذي كان قد تاب عن تعاطي المخدرات، لكنه عاد إليها في لحظة ضعف شيطانية، ورجع إلى أصدقاء السوء، الذين لم يتركوه يعيش حياته الهانئة مع زوجته، فقد قرروا أن يبثوا سمومهم فيه ثانية خلال ليلة زفافه وأصبح يعود إلى البيت منهكاً.
وكانت الزوجة تعتقد في بادئ الأمر أن هذا الضغط بسبب العمل، أو أنه يعاني مرضاً، لكن أمراضه الخبيثة سرعان ما ظهرت بوضوح، واكتشفت إدمانه على شرب الخمر وحاولت نصحه وإرضاءه بكل الوسائل ليترك هذه السموم، لكنه تمادى وأصبح يضربها لأسباب لا تستحق حتى العتاب، وتحملت الزوجة المغلوبة على أمرها، على أمل أن يعود إلى رشده، ولكن مرت الأيام وانهارت الجنة التي حلمت ببنائها قبل البدء، وصارت قطعة من العذاب المرعب، عندما أصبح يدعو أصدقاء السوء ليتعاطى المخدرات معهم علناً في البيت، أمام مرأى من زوجته.
ونزلت الكارثة على رأس الزوجة، حيث تحول بيت الزوجية إلى وكر لتعاطي المخدرات، كانت الزوجة تبكي بحرقة، وتتألم أمام ناظريها، وما زاد شعورها بالألم والحسرة أنها كانت تخبئ عنه الخبر السعيد بأنها حامل، وترددت كثيراً في إبلاغه، بينما هو يهينها في حضور أصدقاء السوء، ولم تجد أمامها غير أن تصرخ في وجهه، أمام أصدقاء الشيطان قائلة له: حرام عليك ما تفعله بي، لماذا تصر على تحويل حياتي إلى جحيم؟
وقام من بين أصدقاء السوء يترنح، وأمسك بيدها وهو يرتجف قائلاً لها، أرجوكِ لا تحرجيني أمام أصدقائي، وانفجر رفاق السوء ضاحكين وهم في أوج غيبوبتهم، وأعادت على مسامعه السؤال الذي طالما أسمعته إياه أكثر من مرة، عن سبب زواجه بها، مادام اختار هذه الحياة المخزية، وكان دائماً ما يكتفي أن يعدها بترك هذا الدرب، لكنه لم يف بوعده. ومضت حياتها المتردية على هذا المنوال أكثر من 5 شهور بعد الزواج، وسافر برفقة أصدقائه ومرت الأيام، وإذا به يتصل بها هاتفياً ويخبرها بأنه في مركز الشرطة، وطلب منها أن تحضر له حقيبة ملابسه، وكانت الفاجعة الكبرى حينما أسرعت الزوجة إلى زوجها البائس لترى إنساناً حطم نفسه، ولم تكن شلته الفاسدة معه، لكنه كان وحيداً خلف القضبان، بعدما أضاع أمواله كلها في الليالي الحمراء، وشراء المواد المخدرة.
وحولت قضيته من مركز شرطي إلى آخر، واضطرت الزوجة إلى دفع مهرها للمحامي في محاولة يائسة وأخيرة لتبرئة زوجها، الذي ضبطته الشرطة متورطاً بتعاطي المواد المخدرة، وبعد المداولة حكم القاضي على ابن المليونير بالسجن لمدة 4 سنوات مع إبعاده عن الدولة، بعد تنفيذ العقوبة، وصرخت الزوجة وهي تبكي «ما مصيري وطفلي الذي لم يولد بعد يا حضرة القاضي»، وشعر ابن المليونير بالألم الكبير والندم، وذرفت عيناه الدموع قائلاً لها، لماذا حرمتيني من هذا الخبر السعيد؟ ولكن الأوان قد فات، فقد دخل السجن، بعدما حولت خطاياه الشيطانية حياة زوجته البريئة إلى جحيم.