أقرّت محكمة التمييز في دبي قاعدة قضائية جديدة من شأنها حفظ حقوق المتقاضين وسرعة الفصل في الدعاوى والتقاضي بما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لحكومة دبي، حيث تم تعديل مبدأ قانوني استمر أكثر من 20 عاماً وذلك بناءً على طعن النائب العام في الإمارة، المرفوع على أحد الأحكام الاستئنافية في المواد الحقوقية المدنية.

وفي التفاصيل، أوضح المستشار عصام عيسى الحميدان، النائب العام لإمارة دبي أنه استقر قضاء محكمة التمييز منذ أكثر من عشرين عاماً بأنه في حال قضاء محكمة الاستئناف ببطلان الحكم الابتدائي نتيجة بطلان إجراءات إعلان المدعى عليه بصحيفة الدعوى أمام محكمة أول درجة، فإنه يتوجب على المدعي إعادة رفع دعوى جديدة بمطالبته.

وقد يكون نظر الدعوى السابقة استمر لفترة زمنية طويلة، ما يترتب عليه إرهاق للمدعي ومصاريف قضائية جديدة، غير أن محكمة التمييز بدبي في إحدى دوائرها التجارية أصدرت حكماً بناءً على طعن النائب العام لمصلحة القانون عدلت فيه عن ذلك المبدأ المستقر عليه منذ سنين.

ونقضت الحكم الاستئنافي الذي سبق أن قضى ببطلان الحكم الابتدائي، ووقف عند حد تقرير البطلان، وأعادت الدعوى ذاتها إلى المحكمة الابتدائية لتفصل في موضوعها من جديد.

وأكد الحميدان أن هذا الإنجاز القضائي يعد سابقة ستسرع من إجراءات التقاضي، وتحفظ الحقوق، خاصة في الدعاوى العمالية التي تتقادم الحقوق فيها بمضي سنة من استحقاقها.

سرعة الفصل

وقال: «شأن السابقة الجديدة التي ذهب إليها الحكم الصادر من محكمة التمييز أن تؤدي إلى سرعة الفصل في الدعاوى وتوفير المصاريف والرسوم القضائية على الخصوم، إذ كان المدعي سابقاً يضطر إلى رفع دعوى جديدة أمام المحكمة الابتدائية إلا أنه بالمبدأ الحالي فإن الدعوى ذاتها تعاد إلى المحكمة الابتدائية لتفصل في موضوعها بعد أن انعقدت الخصومة صحيحة بين طرفيها .

وهو ما من شأنه حفظ الحقوق وعدم ضياعها، خاصة أن بعض منها كالحقوق العمالية و المطالبات الناشئة عن التعويض عن المسؤولية المدنية والتي تتراوح مدد سماع المدة بالمطالبة بها م من سنة إلى ثلاثة سنين وهو ما يترتب عليه في حال رفع دعوى جديدة بعد أن تكون الدعوى سابقة قد أخذت وقتاً طويلاً ألا يتم سماع المطالبة بالدعوى الجديدة لمضي المدة المقررة لسماع المطالبة بتلك الحقوق».

وأضاف: «نقضت محكمة التمييز بناء على طعن النائب العام لمصلحة القانون حكماً استئنافياً كان قد قضى ببطلان الحكم الابتدائي لبطلان إجراءات إعلان صحيفة الدعوى والوقوف عند تقرير البطلان.

حيث قررت محكمة التمييز بناء على الطعن المرفوع إليها من النائب العام أنه يتوجب في حال التقرير ببطلان الحكم المستأنف لبطلان إجراءات إعلان صحيفة الدعوى إحالة الدعوى إلى المحكمة الابتدائية لتفصل في موضوعها وذلك لعدم انعقاد الخصومة قانوناً أمام المحكمة الابتدائية، وبالتالي عدم استنفاد ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى».

المصلحة العامة

وكان النائب العام في دبي قد أقام الطعن بالتمييز على أحد الأحكام الاستئنافية الصادرة عن الدوائر التجارية بمحكمة الاستئناف، وقال في أسباب صحيفة الطعن إن المصلحة العامة في سرعة التقاضي وعدم الإطالة، والعدالة الناجزة السريعة تتفق والحكم الوارد في الفقرة الأولى من المادة (166)، خاصة أن البطلان المترتب على بطلان إجراءات إعلان صحيفة الدعوى هو بطلان نسبي.

وقد مثل من قرر لمصلحته البطلان أمام محكمة الاستئناف وأبدى جميع أوجه دفاعه ودفوعه في المنازعة محل الدعوى، عطفاً على أنه من شأن قضاء محكمة الاستئناف ببطلان الحكم والوقوف عند حد تقرير البطلان، أن يتسبب في عدم إمكان بعض المتقاضين من إعادة المطالبة بحقوقهم.

وذلك لمضي مدة سماع المطالبة بتلك الحقوق كما في الحقوق العمالية التي لا تُسمع المطالبةُ بها بعد مضي سنة، خاصة إن استمرت إجراءات التقاضي لأكثر من المدة المقررة لسماع تلك الحقوق، كما أن تلك الإجراءات لا تقطع مدة عدم السماع كونها إجراءات قضائية قضي ببطلانها، وأن الإجراء القضائي الذي يقطع التقادم هو الإجراء القضائي الصحيح وفق ما استقر على ذلك قضاء محكمة التمييز.

تيسير الحقوق

وبحسب النائب العام في دبي، فقد ذكرت محكمة التمييز في أسباب حكمها «إن إعلان صحيفة افتتاح الدعوى بالنسبة للمدعى عليه لازمٌ لانعقاد الخصومة بين طرفيها تحقيقاً لمبدأ المواجهة بين الخصوم، وبالتالي فإنه ينبني على ذلك لكي تعتبر المحكمة قد استنفدت ولايتها بالفصل في موضوع الدعوى أن يكون قضاؤها وارداً على خصومة قد انعقدت وفقاً للقانون، وكان بطلان إعلان صحيفة الدعوى لا يترتب عليه تعطيل أثرها متى كانت بيانها صحيحة وكاملة وفقاً لقانون الإجراءات المدنية، والدعوى إنما وجدت لتسير حتى تحقق الغاية منها بالفصل فيها».

وأشار المستشار عصام الحميدان إلى أمر مرتبط وهو أنه إذا قضت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف لبطلان إعلان المستأنف بصحيفة الدعوى فإنها لا تقف عند هذا الحد.

ولا تفصل في موضوع الدعوى، وإنما يتعين عليها إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لنظر موضوعها الذي لم تستنفد ولايتها للفصل فيه بسبب عدم انعقاد الخصومة، حتى لا يحرم المستأنف الذي تقرر البطلان لمصلحته من نظر الدعوى على درجتين باعتباره من المبادئ الأساسية لنظام التقاضي لا يجوز للمحكمة مخالفتها ولتحقيق أحكام العدالة التي توجب حفظ حقوق المتقاضين وتمكينهم من تحقيق الهدف المرجو من التقاضي دونما إهدار لما تم من إجراءات صحيحة تتمثل في رفع الدعوى وسداد رسومها، وعدم إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة يؤدي إلى تكبده نفقات ومصاريف إضافية تتطلبها إجراءات رفع دعوى جديدة قد يكون مآلها عدم سماعها لمرور الزمان .

وهو ما تتأذى به العدالة، كما أن إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة يتماشى ومقصد المشرع بما قرره بالمادة (13) من القانون الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية من أنه «إذا نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وجب عليها أن تتصدى في الموضوع، ويستثنى من حكم الفقرة السابقة 1- إذا كان الحكم المطعون فيه قد ألغي لبطلانه.

وكان هذا البطلان راجعاً لسبب يتصل بإعلان صحيفة الدعوى فإن المحكمة تقضي مع البطلان بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظرها بعد إعلان الخصوم على أن يعتبر رفع الطعن في حكم الإعلان بالطلبات المعروضة في الدعوى......) .

وظهر صلاح هذا النص والأفضل تعميمه على كل المواد المدنية والتجارية لأن ما يميز القاعدة القانونية أن تكون عامة وشاملة، ولما في ذلك من فائدة تقصير أجل التقاضي بما لا يخل بمبدأ التقاضي على درجتين وربح الوقت والمال بالنسبة للمتقاضين، وهو ما يتناغم مع مقتضيات العدالة، وتحقيقاً للعدل واحترام مبدأ التقاضي على درجتين في الوقت نفسه.