(جرافيك.. العصا البيضاء تضيء طريق المكفوفين في أبوظبي)
تستثمر المنظمات العالمية يوم العصا البيضاء، الذي يصادف 15 أكتوبر من كل عام، لرفع الوعي بالمعاقين بصرياً وخدماتهم، حيث يقيم مجلس أبوظبي للتعليم فعاليات متنوعة في مدارس عدة ممن لديهم طلبة مدمجين من هذه الفئة، في ظل اهتمامه سنوياً بتوفير الأجهزة والوسائل التعليمية الحديثة التي تدعم المكفوفين ومنها العصا البيضاء التي تعد من أهم الدلالات على وجود كفيف يمشي بيننا، إضافة إلى كونها الأداة التي تضيء للكفيف طريقه وتحميه من المخاطر.
وذكرت بارعة سليمان مسؤولة تطوير جودة التعليم بمجلس أبوظبي للتعليم أن الهدف الأول الذي انطلق من أجله اليوم العالمي للعصا البيضاء هو لضمان سلامة الكفيف في الطرق والأماكن العامة ليعي الناس بأن هذا الذي يحمل تلك العصا هو كفيف ويتوجب عليهم توخي الحرص والحذر حتى لا يناله أي أذى، وكانت هذه بداية لتشريعات عديدة انطلقت لضمان حقوق الكفيف في المجتمع، وأن مناسبة العصا البيضاء من الأهمية بمكان الاحتفال بها باعتبارها مناسبة هادفة يتم التأكيد من خلالها على ضرورة تقديم مكتسبات جديدة لذوي الإعاقة البصرية خصوصاً أن أكثر من 20 سنة مضت على أول احتفال بالعصا البيضاء، وقد تم الإقرار باستمرار العمل بهذا الاحتفال ليكن تذكيراً بالمكفوفين وبثاً للتوعية في أوساط الشباب وقائدي السيارات ورجال المرور لمد يد المساعدة لهم.
المدمج الأمثل
وأضافت أن من معاني الاحتفال أيضاً التركيز على قدرات أفراد هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة وإمكاناتهم وضرورة دمجهم في المجتمع الدمج الأمثل، مشيرة إلى تجربة مجلس أبوظبي للتعليم التي أسهمت في دمج عدد من ذوي الإعاقة البصرية في مراحل التعليم المختلفة، وهم يتابعون دراستهم الآن بكل نجاح، عبر برامج الدمج بينهم وبين الطلاب المبصرين في المدارس الحكومية العادية.
واعتبرت أن ذوي الإعاقات البصرية يعدون من أسهل الإعاقات دمجاً لأنهم لا يعانون مشكلات عقلية، وأنها تتمنى أن تلقى هذه الفئة المزيد من الدعم على مستوى الامتحانات الفصلية، حيث أنهم مازالوا يؤدون امتحاناتهم التحريرية كحال أقرانهم الطلبة العاديين وبمساعدة معلم يقرأ للطالب الأسئلة ويكتب له إجابته، لذا ترى أهمية دراسة تقديم امتحانات بطريقة برايل لهذه الفئة للتسهيل عليهم وجعل الكفيف أكثر اعتماداً على ذاته، منوهة بالمعاناة في الورقة الامتحانية العادية من الأسئلة المعتمدة على الصور، التي يتم غالباً حذفها وتوزيع درجاتها بالنسبة للطالب الكفيف، ومن بين التحديات كما تقول بارعة، إنه مع تحول التعليم في مدارس المجلس إلى التعليم القائم على تنويع مصادر التعلم وليس اعتماد الكتاب مصدراً وحيداً للتعلم، زادت الصعوبات على مستوى ضرورة توفير مصادر تعلم متنوعة بطريقة برايل لهؤلاء الطلبة.
خمسة أجهزة
من جانبها أشارت هناء الحمداني مسؤولة جودة تطوير التعليم رئيس اللجنة الفنية لأجهزة ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجلس، إلى تنامي الاهتمام بذوي الإعاقة البصرية، من خلال إدخال التكنولوجيا والوسائل والأجهزة الحديثة في مجال تأهيلهم على مدار الخمسة أعوام الماضية، هذا بجانب تكبير المناهج وطباعتها بجودة عالية تتناسب مع احتياجات كل طالب على حدة، مشيرة إلى قيام المجلس بتوزيع عدد من الأجهزة والوسائل والأدوات المساعدة للطلاب المعاقين بصرياً ذات التقنية العالية، وأن الطالب الواحد قد يحصل على أكثر من خمسة أجهزة مختلفين حسب احتياجاته الخاصة، وما يلزمه لمسايرة العملية التعليمية، تنفيذاً لمفهوم تكافؤ الفرص.
كما أوضح أشرف جمعة اختصاصي التحديات البصرية بالمجلس، أن العصا البيضاء رمز للمكفوفين ولأحقيتهم في التنقل بحرية، والحصول على الدعم والمساندة اللازمين، هذا الحق الذي ينبغي الحفاظ عليه وضمانه بتعديل البيئة المحيطة، سواء في المرافق العامة أو المباني الخاصة، بما يضمن هذا الحق، مشيراً إلى أن العصا البيضاء استخدمت من العام 1931م وهي تعبير عن استقلال المكفوف وحريته في التنقل والتحرك، اعتماداً على الذات، وتغني المكفوف وضعاف البصر عن ضرورة اللمس المباشر للأشياء، ما يوفر لهم الحماية وتفادي الأضرار والمخاطر لأنها تزوده بتخزين مبكر للتغيرات المفاجئة، كما تزودهم بالمعلومات عن الأماكن التي يريدونها، وهي تغني عن السؤال، فالمبصر يعلم أن حاملها يحتاج إلى التعاون معه وتسهيل الوصول إلى أهدافه وإفساح المجال له دون رجاء أو شفقة أو عطف. وذكر أن عمله كونه اختصاصي تحديات بصرية، يتم في إطار منظومة متكاملة بالتعاون مع فريق الدعم الطلابي بكل مدرسة، حيث يقوم بحصر أعداد الطلاب واحتياجاتهم الأكاديمية وكذلك من الأجهزة، والتدريب على استخدامها بمشاركة ولي الأمر، مشيراً إلى أنه من بين التحديات التي تواجه عملهم عملية تفهم ولي الأمر لحالة ابنه أحياناً ومحاولتهم إقناعه بالأفضل للطالب لتعزيز أدائه الأكاديمي.
صيانة دورية
من ناحيته أضاف أيمن عبد اللطيف عضو اللجنة الفنية لأجهزة ذوي الاحتياجات الخاصة أن اللجنة الفنية لا يقتصر دورها على تزويد الطلاب بمدارس إمارة أبوظبي بالاحتياجات من الأجهزة والوسائل والأدوات فحسب، بل يتعدى الدور إلى تدريب الطلاب ومعلميهم وأولياء الأمور على استخدام الأجهزة والتعامل مع الأعطال المتوقعة، ضمن ورش عمل منظمة يقوم بتنفيذها متخصصين في مجال أجهزة المعاقين بصرياً، وأيضاً المتابعة والتواصل مع الشركات الموردة للأجهزة لتقديم الدعم الفني والصيانة الدورية للأجهزة، كما يتم التواصل مع المؤسسات والمراكز العاملة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة داخل الدولة وخارجها، للوقوف على كل ما هو جديد ومتطور في منظومة الأجهزة والوسائل الخاصة بالأشخاص المعاقين حتى يتم توفيره بأسلوب علمي دقيق يتيح أقصى استفادة ممكنة، وليس بطريقة عشوائية.
احتفال مدرسي
هذا كما نظمت مدرسة الرواد المشتركة أمس، احتفالية باليوم العالمي للعصا البيضاء بالتعاون مع مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، وبمشاركة طلبة مكفوفين وأولياء أمورهم ومشرفيهم، وأكد محمد المرزوقي مدير المدرسة حرصهم على إقامة الاحتفال بيوم العصا البيضاء من منطلق قناعتهم بأهمية توعية المجتمع بهذه الفئة من ذوي الاحتياجات، خاصة أن مدرستهم تؤمن بأحقية كل فئات الاحتياجات الخاصة بالدمج، ولديهم 6 حالات إعاقات جسدية وبصرية إضافة إلى 26 صعوبات أكاديمية، ويبذلون جهوداً كبيرة لدعمهم، منوهاً بأنهم حرصوا على توفير كل احتياجات أحد طلابهم من المكفوفين وهو بالصف الثاني عشر وتعزيز أدائه حتى خلال وجوده في المنزل لمتابعة دروسه.
كما أوضح محمد الحوسني مدرس متخصص من مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية، حرصه على مشاركة المدارس احتفالها باليوم العالمي للعصا البيضاء ، لأنه حدث هام يعرف المجتمع بالكفيف وبهذه العصا، حيث إن كثيرين يجهلون ماهية العصا البيضاء، ويشير الحوسني إلى أنه يقوم بتدريب الطلبة المكفوفين على استخدامها لأنها فاعلة وتعزز قدرة الكفيف في الاعتماد على ذاته، مؤكداً أن الكفيف إنسان لديه طاقات ومهارات عديدة وإن كان فاقداً للبصر، وكثيرون لا يدركون قدرات الكفيف وكيف يمكنه أن يخدم ذاته والآخرين، ويضيف أنه مدرس متخصص يقوم بمتابعة حالات الإعاقات المختلفة المدمجة في المدارس، ومنها حالات المكفوفين، من خلال تقييم أدائهم الأكاديمي ومساعدتهم على تطويره وتخطي أية عقبات تواجههم لتعزيز نجاحهم.
مشاركة وتفاعل
محمد نصر مدرس تربية خاصة بمدرسة الرواد أوضح أن حرص وإدارة المدرسة على تنظيم الاحتفال باليوم العالمي للعصا البيضاء لأهمية هذا الحدث وضرورة التنبيه لهذه الفئة من التحديات البصرية واحتياجاتها خاصة على مستوى الوعي المجتمعي بها، لذا فإن مشاركة أولياء الأمور والطلبة العاديين كانت من الجوانب الهامة في الاحتفال.
وأضاف أنه يشرف على بعض حالات ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدرسة، ومنها حالة الطالب علي حمد في الثانوية العامة، التي يتابعها منذ عامين، وأن نجاح علي أكاديمياً يأتي لتضافر الجهود والتعاون بين المدرسة وولي الأمر والجهات المختصة لقناعة الإدارة المدرسية بالدمج، موضحاً أنه يتابع دراسة علي ويهتم بتدريبه على أي جهاز جديد، وكذلك ولي أمره للتمكن من متابعته في المنزل، إضافة إلى التواصل مع مطبعة المكفوفين لطباعة الكتب والمقررات.
الطلبة يؤكدون اعتزازهم بالاعتماد على أنفسهم
أكد عدد من الطلبة المكفوفين أن العصا البيضاء تعزز من اعتمادهم على ذاتهم في مختلف الأوقات.
وتحدث الطالب علي حمد المري (كفيف في الصف الثاني عشر الأدبي)، عن حماسه للتخرج من الثانوية العامة هذا العام في ظل الدعم والاهتمام الذي يحظى به من قبل المدرسة والمعلمين، وكذلك مجلس أبوظبي للتعليم الذي وفر له أجهزة وكتب بطريقة برايل، إضافة إلى العصا البيضاء، مشيراً إلى أنه تعلم الكتابة برايل العام 2003 في مركز أبوظبي لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، والآن غالبية كتبه مطبوعة بطريقة برايل، كما يتدرب على استخدام العصا البيضاء حاليا ليعتمد على ذاته أكثر بدلاً من اعتماده على أخيه الموجود معه في المدرسة، ونوه بأنه يواجه صعوبات في ممارسة الأنشطة الرياضية والتربية العسكرية، وأن المدرسة توفر له أدوات للأنشطة الرياضية مثل كرة الجرس وبعض الألعاب التي تمكنه من الاستمتاع بوقته، مشيراً إلى أن هوايته الدائمة هي الاطلاع وليه جهاز لابتوب يمكنه من القراءة ببرايل على الإنترنت بشكل دائم.
أما الطالبة سعدة أحمد بالصف العاشر وتعاني من ضعف شديد في البصر، إذ لا تتمكن من رؤية الأشياء التي تبعد عنها متر تقريبا، تقول: إن بصرها يضعف تدريجياً، وحتى لا تفقده تماماً فإنها لا ترهقه في الجانب الأكاديمي وتتعلم من خلال طريقة برايل على أنها كفيفة لتحافظ على القليل المتبقي من بصرها، وهذا ما يساعدها فيه اختصاصي الإعاقات البصرية المشرف عليها والمعلمين، كما أنها تتعامل بكفاءة مع العصا البيضاء وتجدها معيناً كبيراً لها في التحرك واستخدام الدرج واعتادت استخدامها بعد التدريب عليها ليوم واحد، وتأمل أن يعي الناس مفهوم هذه العصا وأهميتها للكفيف.
أما أحمد علوي ولي أمر الطالبة سعدة، فذكرت أن سعدة ترى بشكل بسيط جداً ولكن بفضل دعم المدرسة والأخصائيين فإنها اليوم تعتمد على ذاتها كلياً في البيت والمدرسة حتى وصلت إلى الصف العاشر، حيث إنها أمضت ثلاث سنوات في بداية تعلمها بمركز التأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة، ما عزز من دمجها في المدارس العادية، مشيراً إلى أن المجلس وفر لها العديد من احتياجاتها، ولكن آخر فحص طبي أجري لها نصحها الطبيب باستخدام نوع من التلسكوب المبكر وهم في انتظار توفيره لهم من قبل المجلس.
صراف آلي للكفيف
أشار محمد الحوسني مدرس متخصص من مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية إلى أهمية توفير خدمات داعمة للمكفوفين تعزز من إنجازهم لمعاملاتهم اليومية، ومنها اقتراحه بتطبيق فكرة تتعلق باستخدام الكفيف لأجهزة الصراف الآلي، التي اطلع عليها مطبقة من قبل أحد المصارف الخليجية، وتقوم الفكرة على إمكانية استخدام سماعة رأس كالتي تستخدم في الهواتف النقالة، بحيث يتم وضعها في الجهاز فيصبح بإمكان المستخدم الكفيف سماع الخيارات بشكل صوتي، يقوم بتوجيهه لاختيار الخدمة التي يريدها بالضغط على الأرقام الخاصة بلوحة أرقام الصراف، ما يمكن الكفيف من إنجاز تعامله المالي من دون الحاجة لأحد، وبما يعزز أمنه وسلامته.