صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شخصية قيادية على المستوى العالمي دون أدنى مجاملة أو مبالغة في ذلك، استطاع من خلال رؤية عالمية متميزة أن يحقق في أرضه معجزات كبيرة وكثيرة في غضون سنوات قليلة.
فقد بنى بلده من أقصاها إلى أقصاها، حيث انتشر العمران في كل مساحة أراضيها من خلال نهضة عمرانية شاملة غير مسبوقة في أي دولة من العالم، ولم يكن عمراناً عادياً، وإنما فيه شيء كبير من التميز والجمال والإبهار، عمارات شاهقة ناطحات للسحاب، كما يقال، وبأشكال غاية في التفرد والجمال، بحيث يتعجب المقيم والزائر من هذه النهضة غير المسبوقة، لقد كانت هذه الأرض قبل سنوات قليلة، كما قلنا، أشبه ما تكون بالخالية.
بينما يجد الإنسان نفسه في هذه المعاصرة في خضم هذه النهضة ذات الطابع المتميز والخدمات الشاملة من شوارع فسيحة وجسور كثيرة وأنفاق وطاقة كهربائية ومائية فريدة وجزر في داخل البحر، النخلة الأولى والثانية والثالثة، وبقعة زراعية تجمل المساحات بين العمارات وقناة مائية مبهرة ومطارات عالمية وأسطول من طائرات الإمارات تربط المسافر بأي بقعة ووجهة في العالم وموانئ عالمية متفردة وسباقات للخيول على المستوى الدولي ومهرجانات مختلفة وممارسات ثقافية كثيرة وإصدارات غير محصورة، وتقدم وسبق عالمي في كل مجالات الحياة وأدب وشعر زاخر، خاصة أن سموه نفسه شاعر كبير ومتمكن، لقد استطاع سموه، حفظه الله، أن يجعل دبي منطقة سياحية عالمية تقصدها أفواج من السياح طوال مواسم العام، وتجذب إليها أنظار العوائل، وخاصة الخليجية منها بالذات في تحقيق معنى السياحة العائلية المتميزة.
ويمكن لإنسان ما أن يقول إن دبي لا تصلح في الصيف لحرها لأن تكون منطقة سياحية جذابة للناس، لكنني في مجال الرد على ذلك رأيت بأم عيني مجموعة من السياح الأجانب في عز الصيف يتجولون في منطقة السوق في بر ديرة (الراس)، لقد أصبحت السياحة في دبي لا ترتبط بموسم دون آخر، وإنما هي طوال العام بنفس القوة والزخم والجاذبية، لقد أصبحت دبي عنوان التميز في كثير من المجالات، وحقيقة إن وراء هذه النهضة الشاملة رجل ذو قدرة وإمكانية ومتابعة وفكر، هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث يقف بتلك الإمكانيات الذاتية المكتسبة في صف القادة الكبار، ولا أبالغ إن قلت في صدارتهم دون أدنى مجاملة في ذلك، فمن خلال قربي منه أستطيع القول باطمئنان إنه شخصية عالمية فريدة، ومن أي جانب أتيته رأيته متميزاً يقف في صف الصدارة والسبق والفوز، وينفرد بذلك في كثير من الأمور والمجالات.
متابعة دقيقة
يلفتك في سموه متابعاته الدقيقة لتنفيذ رؤيته وإنجازاته العظيمة في واقع حياته، فرغم انشغالاته الكثيرة ومسؤولياته الكبيرة، فإنه متابع دقيق لكل هذه الأعمال، فهذا جانب بسيط من جوانب شخصية سموه، ولو أردنا أن نعدد جوانب هذه الشخصية لصعب علينا ذلك إلا من خلال دراسة شاملة، وليس من خلال مضمون مقال قصير، وبمناسبة دخول العام الهجري الجديد 1441هـ، فاجأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جميع الإمارات بهذه الرسالة المهمة التي أعتبرها وثيقة متضمنة تركيزه على مقومات التطور والنهضة في الإمارات الغالية، وذلك لإعطاء عملية البناء المستقبلي دفعة كبيرة من الدعم غير المحدود والمساندة اللازمة، حيث ركّز سموه على 6 محاور لهذه الرسالة التي وجّهها للمسؤولين في الدولة، لما لهذه المحاور أو الموضوعات من أهمية في عملية تطوير منظومة العمل والاستثمار والنهضة الشاملة في الدولة، والسير بها إلى آفاق بعيدة متقدمة، وتحقيق مشتملات رؤيته التي يركز فيها على المستقبل، ليكون هذا المستقبل بكل المعايير أفضل من الحاضر وأكثر تطوراً وتحقيقاً لغايات رؤيته تحت نظر وإشراف وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
المسؤولية في الميدان
أهم ما في هذه الرسالة بندها الأول الذي يريد فيه سموه من المسؤول في دائرته أو الوزير في وزارته أو غير ذلك من المسؤولين أن يكون حاضراً في الميدان وليس مربوطاً بجلسة الكرسي في مكتبه الوثير، يريد من المسؤولين أن يتحسسوا آلام الناس ويسعوا لتحقيق الخدمات المثلى لهم وتسهيل متطلبات مراجعاتهم من خلال وجودهم بينهم للتعرف إلى مشكلاتهم، والسعي لتقديم أفضل الحلول لها، وفي هذا انتقاد واضح للمسؤولين الذين كثرت لديهم المؤتمرات والمنتديات وعلا صوتهم من خلال ذلك، حيث يقول، رعاه الله: «نحن حكومة إنجازات، ولسنا حكومة محاضرات».
صورة ناصعة
في الرسالة الثانية، ركّز سموه على مسألة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت في هذه الآونة، بشكل يؤثر بلا شك تأثيراً سلبياً في سير الإنجازات في الدولة. ويوجّه سموه بأنه في مجال الأمور الخاصة بالدولة لا يسمح أن يتحدث فيها من خلال هذه الوسائل إلا المعنيون من المسؤولين بوزارة الخارجية وحدهم، وذلك تحديداً للمسؤوليات والتخصصات.
وعند سموه أنه يجب أن تبقى صورة الإمارات ناصعة البياض واللمعان كما بناها قائدها ومؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولن يُسمح للمغردين أن يعبثوا بالصورة الجميلة للدولة، وهذا من أهم ما طرحه سموه وركز عليه، لأنه من منطلق العادات والتقاليد والالتزام أن يتعامل الإنسان مع هذه الوسائل ضمن أعراف المجتمع وقيود الفضيلة وحدود المسؤولية دون إضرار بالغير أو إساءة له تحقيقاً للمصالح العليا للوطن والمواطنين.
توطين
في الرسالة الثالثة ركّز سموه على موضوع توطين الوظائف، وانتقد سير هذا الملف، وانخفاض نسبة رضا الناس فيه، وسمّاه سموه «ظاهرة»، ليبين بذلك عدم رضاه عما تم في هذا الملف من إنجاز لا يرضي طموح سموه، ولا يحقق غاية المواطنين في وجوب حصولهم على وظائف في دولتهم تناسب شهاداتهم وتخصصاتهم. وانتقد سموه المسؤولين في هذا الملف بشكل كبير، لأن لهذا الموضوع تأثيره المهم في حياة المواطنين بشكل مباشر، وذلك ما دعاه إلى أن يسميه ظاهرة، وهو لا شك كذلك.
قفزات كبيرة
في النقطة الرابعة من رسالة سموه نتبين شيئاً من الرضا عن مسألة التجارة والقطاع الاقتصادي وارتفاع نسبة التنافس الاقتصادي في الدولة، ولكن سموه، بناءً على تركيبته الذاتية ورؤيته الشاملة الفاعلة، لا يريد المعدلات المتوسطة من النمو والإنجاز، وإنما يرغب في أن يرى قفزات كبيرة وشاملة تتحقق أمام ناظريه في هذا المجال تصل به إلى القمة التي لا يرضى بما دونها أبداً.
وينتقد سموه المشاريع ذات الإيقاع غير المنضبط، بحيث يريد ضبط سرعتها ونوعياتها لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني حتى لا تصبح كما يقول سموه، عبئاً ومصدراً لعدم الاتزان في مسيرتنا الاقتصادية.
مبدأ أساسي
بالانتقال إلى النقطة الخامسة في «رسالة الموسم الجديد»، يرى سموه، كما يصرح دائماً، أن وجود الحكومة في نظره لغرض أساسي هو خدمة الناس، وهذا مبدأ أساسي في حياته وفكره، ويتضح من ذلك حماس سموه لشكاوى الناس وانتقاداتهم واستماعه لبرامج البث المباشر التي تعنى بنقل هذه الشكاوى والآراء، وأشد ما يؤلمه ألا تجد تلك الشكاوى وتلك الانتقادات والآراء صدى وتجاوباً لدى المسؤولين لحلها أو حتى الرد عليها الرد المقنع لصاحبها، ويوجه سموه بوجوب التعامل مع ما يبث في هذه البرامج والوسائل من خلال السعي لحل المشكلات التي ترد إليها، ولا يركز سموه على الحل فقط، وإنما أن يكون ذلك بقدر كبير من سعة القلب لدى المسؤول والتعامل الإيجابي مع المنتقدين والشاكين دون أن يضيق باله بشيء.
تفاؤل
ونصل إلى النقطة الأخيرة التي ختم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رسالته القيمة، وفيها طمأن سموه الجميع وطلب منهم أن يتفاءلوا بالمستقبل؛ لأنه على يقين بأن القادم سيكون بإذن الله أفضل وأجمل، ويعدد سموه أوجه هذه الأفضلية من كون الإمارات أكثر دولة استعداداً للمستقبل، والأكثر تنافسية، والأسرع في عدد المشاريع، والأكثر تقدماً في الإدارة الحكومية، والأفضل في تبني التكنولوجيا، والأهم عنده من كل ذلك أنها الدولة التي تملك الشجاعة لتواجه الحقائق وتراجع الحسابات وتعدل الاستراتيجيات بأقصى سرعة، بعد كل تلك المميزات التي تتسم بها الإمارات ستكون بإذن الله كما يقول سموه الأفضل والأجمل.
نصح وصراحة
هذه مجمل النقاط والمحاور التي طرحها صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، في رسالته المهمة الموجهة لأصحاب المسؤوليات في الدولة في القطاعين الحكومي والخاص، وللناس عموماً، وقد كان فيها سموه صريحاً إلى أبعد حد، منتقداً بعض السلبيات والتصرفات التي تؤثر في سير النهضة والتطور في البلاد كما كان بقدر ذلك موجهاً وناصحاً، بحيث تصبح لهذه التوجيهات والنصائح والانتقادات صفة القرارات الإلزامية لكل من يتحملون مسؤولية في هذه الدولة.
وفي النهاية أتساءل: من يستطيع يا ترى أن يقول مثل ذلك، وينتقد حكومته والمسؤولين فيها بمثل ما قام به واتصف به سموه، رعاه الله، الذي هو على رأس هذه المنظومة التي تدير العمل في البلاد، لقد كان صادقاً مع نفسه ووطنه ومواطنيه ومسؤولي حكومته بهذه الدرجة التي كان صريحاً فيها إلى أبعد غاية، ولكن بأسلوب مهذب محترم راقٍ بعيد عن النيل والإسفاف، وبقدر كبير من الحب والرغبة في الإصلاح، فحفظ الله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ورعاه.